الشيماء صلاح

شارك على مواقع التواصل

الفصل الثاني والأخير
حل فصل الصيف على الفتاة وكانت تذهب كل يوم إلى الغابة وهي تمارس ما تعلمته من الشاب بالسهام، ولكنها لم ترغب في إلحاق الأذى بالحيوانات، فكانت تستهدف بدلًا من ذلك أوراق الأشجار، كان الأمر صعبًا في البداية ولكنها لا تعرف المستحيل.

ومع مرور الوقت أصبحت أكثر احترافية وجرائه ولديها القدرة على مواجهة أي شيء بدون خوف، ومع انشغالها الطويل في كل ما هو جديد تجده في الغابة يوميًا، كانت تتمنى لقاء الشاب الغامض الذي تعلقت به دون أن تدري.

أصبحت تراه في كل مكان ولكنها لم تدرك ما الذي تشعر به، فهي لم تقع في الحب من قبل ولا تعرف كيف يبدو هذا الاحساس من الأساس، لذلك لم تكن تعرف لماذا ترغب في رؤيته باستمرار ولماذا تتخيل وجوده في كل مكان تذهب إليه.

وكانت تحسب الليالي والأيام التي مرت منذ لقائهما الأول ولم تتمكن من نسيان ملامحه أو تفاصيل هذا اليوم على الرغم من مدته القصيرة وحديثهم القليل، ولكن كان واقعه عليها كبير.

وفي يوم من الأيام استيقظت من نومها وهي لا ترغب في النهوض من فراشها، ولكنها كانت تشعر بإحساس غريب ويقين تام بأن هناك شيئًا غير متوقع سيحدث، فربما يكون هذا هو اليوم الموعود الذي كانت تنتظره.

ولأنها دائمًا ما تؤمن بأحاسيسها، فنهضت سريعًا لتلبية رغبات قلبها وتزينت وارتدت فستانها الأحمر القصير الذي جعلها تبدو في قمة أناقتها وأنوثتها، ووضعت شريطة حمراء على شعرها، ونظرت إلى نفسها في المرآة وقالت: "اليوم سيكون هو اليوم المنتظر، حتمًا سأقابله".

ومن سرعتها ولهفتها للخروج من المنزل والذهاب إلى رؤيته، نسيت أن ترتدي حذائها وخرجت بحذائها المنزلي ذو رسمة الغزالة، وتوجهت مباشرة إلى الغابة، وظلت تسير لساعات طويلة على قدميها وهي تبحث عنه.

كان هناك صوتًا عاليًا بداخلها يقول لها إنها ستقابله اليوم، مرت أول ساعة، ولم تجد أي شيء، فكل شيء كما تركته بالأمس، ومرت ساعات طويلة وصلت إلى 4 ساعات تقريبًا، ولم تقابله، هل تستسلم! هل خاب إحساسها!

سارت وهي منكسرة وعلى وجهها حزنًا شديدًا وقلبها يؤلمها، وفجأة توقفت، ونظرت أمامها وشعرت وكأن قلبها سيخرج من صدرها، لقد وجدت الشاب أخيرًا بعد مرور 87 يوم على لقائهم الأول.

كعادتها، لم تتمكن من نطق أي كلمة وظلت تنظر إليه طويلًا من بعيد ولم يكن قد شعر بها أو بقدومها بعد.

وفي هذه اللحظة، شعر الشاب بإحساس غريب، هناك رائحة مألوفة يحبها تقترب منه، ألتف على الفور ووجدها أمامه بكامل أناقتها، نظر إليها وفي عينيه اشتياق وحب وانبهار وشغف وخوف وقلق، وكانت هذه الأحاسيس تشعر بها الفتاة أيضًا.

هذه المرة بدأت هي بالاقتراب منه وهي تنظر إلى عينيه التي تشع حبًا، لقد انتظرت الفتاة هذه اللحظة طويلًا ولم تتخيل إنها ستراه بالفعل من جديد، فقد كان ذلك كالحلم في خيالها تتمنى حدوثه.

وعندما وصلت الفتاة إليه وجدته ينظر إليها بإعجاب شديد، ثم ابتسم وقال لها "يعجبني حذائك"، شعرت بالكسوف والخجل الشديد واحمرت وجنتيها ونظرت إلى الأرض وقلبها كاد أن يطير من الفرحة.

أبدى الشاب عشقه بخجلها وقال لها بصوت خافت "أعشق خجلك وأحب أن أكون أنا السبب فيه"، لم تتمكن الفتاة من النظر إليه ولم تجد كلمات يمكنها أن تصف بها مدى سعادتها بما تسمعه.

بعد مرور دقيقة على حديثهما، نجحت الفتاة في جمع شتات عقلها وأحاسيس قلبها، وتمكنت أخيرًا من النظر إليه، وقالت له بغضب شديد "أين كنت!! لقد انتظرتك طويلًا ولم تأتي".

هذه هي شخصيتها، عندما تشعر بالخجل الشديد أو الاشتياق لشخصًا ما كثيرًا، نجدها تمزج هذه المشاعر في نوبة غضب شديدة تخرج فيها كلمات يصعب فهمها قليلًا.

ظلت تتحدث كثيرًا بكلمات غاضبة جعلتها تبدو وكأنها لم تشعر بالسعادة للقائه، ولكن ما بداخلها كان على عكس ذلك تمامًا، واستمرت في إطلاق كلماتها كالرصاص عليه، وظل الشاب في حالة اندهاش وصمت تام، لم يتخيل أن تستقبله بهذه الطريقة إطلاقًا.

وعندما انتهت من حديثها، أقترب منها أكثر وأمسك بيديها التي ترتجف بشدة ووضعها على قلبها، وقال لها "أنصتي لذلك.. قولي ما تشعرين به في قلبك وليس ما في عقلك".

لم تنتظر طويلًا وقالت له بحب وخجل "اشتقت إليك كثيرًا"، وقعت هذه الكلمات كالسهام على قلب الشاب وكاد أن يقفز من شدة فرحته، أخيرًا قالت ما يرغب في سماعه.

ظلا يسيران معًا طويلًا ولم يشعرون بالوقت، كانت الفتاة تروي لحبيبها كل ما فعلته خلال الفترة الماضية، وكانت تجعله يعيش معها كل لحظة بالتفصيل وهي تركض أمامه وتقفز من مكانها لكي تجعله يتخيل كل ما تعلمته بالأسهم.

وفي كل مرة تتحدث فيها بهذه الطريقة، يشعر إنه يتحدث مع طفلة صغيرة مليئة بالحياة، لا يرغب في أن تصمت بعد الآن، لا يريد أن يفقدها أو يبتعد عنها، كل ما يطلبه من هذه الدنيا هي وجودها معه طوال الوقت.

فجأة توقفا، ووجدوا أمامهم الحيوان الذي يشبه الغزالة مرة أخرى، وظلوا يراقبونه في صمت وكانت الدهشة على وجوههم، فلم يظهر هذا الحيوان لهما منذ اللقاء الأول في الغابة، ثم نظروا إلى بعضهم وابتسموا، فقد كان هو السبب في جمعهما سويًا، وبعد ذلك، نظرت الفتاة بتمعن إلى الحيوان، لتدرك إنه يشبه الرسمة التي توجد على حذائها المنزلي الذي ترتديه الآن.

سارا معًا وهما لا يرغبان في أي شيء أخر، لقد وجدوا كل ما يبحثون عنه في تلك الغابة (الحب - الشغف - السعادة - اللهفة - عدم الاستسلام - وأخيرًا الحياة)
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.