كان الوقت ضبابيًا. لا ليل هناك، ولا نهار.
فوق مدار كوكب "رافينا"، حيث تدور المحطة العسكرية "أورورا"، كانت *تون* واقفة داخل حجرة التدريب الرئيسة، ترتدي درعها الأسود المصقول، ونظرتها مشدودة إلى شاشة العرض المجسم.
الهواء في الداخل بارد ومشحون بالكهرباء الساكنة، وكل ضوء ينبض وكأنه ينذر بشيء قادم من بعيد.
بجانبها وقف *شهاب*، صامتًا كما هو دائمًا، لكنه حاضر بكل تركيزه.
ما يجري هنا لم يكن مجرد تدريبات روتينية، بل إعدادٌ لحرب لم تشهدها المجرات منذ زمن.
في الفضاء المفتوح، كانت أسراب المقاتلات تدور بتشكيلات دقيقة حول المحطة، تؤدي مناورات قتالية محسوبة، تدار عن بعد بواسطة قادة شباب، برزوا مؤخرًا من قلب برامج التدريب المكثفة.
كانوا هم النخبة، من صفوة العقول، من آمنوا بـ *تون*، وبالرسالة القادمة من مستقبلٍ لا يريد أن يأتي.
قال *شهاب* بهدوء، وهو يراقب إحدى الطائرات تتفادى صاروخًا ليزريًا:
"أظن أن وحدات الانعكاس صارت جزءًا من الغريزة لديهم."
أجابت تون دون أن تزيح عينيها:
"نحتاج لأكثر من الغريزة لنواجه بنيان."
ثم، وفي نقطة أخرى من المجرة...
### في مملكة "جم"
في قاعة العرش، تحت الأضواء البيضاء المتلألئة، تقدّم أحد الجواسيس بصمتٍ ثقيل.
ركع، وأخرج جهاز تسجيل شفاف، وضعه بين يدي *جم* دون أن ينبس بكلمة.
عُرضت الصورة:
مشهد مأخوذ من المدار الثاني حول كوكب التنانين.
صوت خشن ومضغوط يتحدث في الخلفية:
"بنيان يستعد...
كل المؤشرات تدلّ على أنه سيبدأ الغزو.
الأساطيل تتحرك ببطء، لكن بثبات."
ظل جم يراقب التسجيل، كأن عينيه لا ترمش.
وحين انتهى، قال بصوت خافت أشد من الصراخ:
"نحن لا نملك وقتًا.
إما لولنا... أو فلا شيء."
---
### اجتماع التحالف
في القاعة العليا لمحطة "أورورا"، كان الجميع مجتمعين.
*تون*، قادتها، بعض ضباط جيش جم، وقادة الوحدات المتحالفة.
كانت *لولنا* جالسة عند الطرف، يداها مضمومتان، وملامحها متجمدة.
قال أحد القادة:
"لماذا نؤجل؟ الجيوش جاهزة، الأسطول منظم، والمعلومة مؤكدة."
نظرت لولنا إليه، ثم إلى تون، ثم إلى الأرض.
قالت بهدوء، لكنه كان هدوء الخوف:
"لأنني إن دخلت المعركة... ستسقط خطتي.
أنا أعرف حظي. لا يُحالفني في شيء.
ربما ينهار كل شيء إذا تدخلت بنفسي."
تقدّم جم خطوة، وحدّق فيها مباشرة.
قال بنبرة حاسمة:
"إذا لم تتدخلي... لا تعاون.
أنا لا أقامر بمجرتي."
هنا تدخلت *تون*، صادحة بصوت واثق:
"لولنا ليست وحدها. لدينا عقول، أدوات، تجربة.
أنت رأيت ما أنجزناه.
دعها تقود من الخلف. نحن نكون في الواجهة."
أحد الضباط قال:
"خططنا تنهار بسرعة. التوافق بين وحداتنا ما زال هشًا."
سادت لحظة صمت، كان فيها الزمن يتثاءب.
بعد أيام...
التحالف تحرّك.
لكن كل شيء بدأ ينهار...
الأوامر تتضارب. الدفاعات لا تعمل كما يجب.
أنظمة التواصل تُخترق.
أسطول كامل تائه في الفضاء.
لولنا تشاهد كل ذلك على شاشاتها، والقلب فيها ينكمش.
جلست في مقصورتها، وحدها، تهمس:
"لقد كنت على حق... حظي لا يُخطئ في الكسر."
لكن هذه المرة، لم تبكِ.
لم تنهار.
قامت من مقعدها، وأغلقت اللوحة الأمامية ببطء.
ثم بدأت تعمل.
يدٌ تضغط أزرار الخطة "زيرو".
أخرى تُعيد تركيب نموذج الحرب النهائي.
قالت لنفسها:
"إذا كان عليّ أن أنقذهم... سا أحول وان لم أفعل فل يلمو حضي العارث
الساعة تقترب من الصفر.
المجرة تُعيد ترتيب موتها ببطء.
وفي إحدى المقصورات الجانبية من محطة القيادة، جلست لولنا أمام النافذة الكبيرة، تنظر إلى الضوء الأزرق الباهت للكوكب البعيد.
تون دخلت المقصورة دون أن تطرق، بصمتٍ يشبه الخوف.
وقفت خلف لولنا لحظة، ثم قالت بهدوء:
— "أنتِ لا تتحدثين منذ يومين."
لم ترد لولنا.
لكن عيناها لم تبتعدا عن الزجاج.
اقتربت تون، ثم جلست بجوارها، وقالت:
— "سمعت أنك أوقفت جميع خططك. حتى النموذج C أُغلق."
لولنا همست:
— "لأنها ستفشل."
نظرت إليها تون بدهشة صامتة، ثم قالت:
— "ومن قال إنها ستفشل؟"
لولنا رفعت عينيها نحوها أخيرًا.
كانت نظرتها مرهقة، حزينة، لكنها صلبة بطريقة غريبة:
— "تون... كل شيء ألمسه، ينكسر.
كل قرار أتخذه... ينتهي بالدمار."
أرادت أن تكمل، لكنها توقفت لحظة ثم تابعت بصوت منخفض:
— "أتظنين أنني لا أعرف ماذا أفعل؟ بل أعرف.
لكن الكون لا يحبني. لا أملك الحظ.
وهذا النوع من الحروب... لا يرحم."
تون نظرت في عينيها بصمت، ثم قالت بهدوء يشبه العاصفة:
— "لولنا... الحظ ليس ما بنى الجيوش التي تتبعك.
الحظ لم يخلق الأجهزة التي لا نزال نستخدمها اليوم من تصميمك."
أشاحت لولنا بوجهها، لكن تون تابعت:
— "ولم يكن الحظ هو من أقنعني أن أترك كل شيء... وأقاتل."
لولنا تمتمت، بصوت كأن فيه انكسارًا حقيقيًا:
— "وأين نحن الآن؟ جم لا يثق. التحالف ينهار. والكون يقترب من حفرة سوداء أخرى... من بنيان."
اقتربت تون أكثر، وضعت يدها على كتفها:
— "حتى لو لم تنقذيهم جميعًا... أنقذي من يستحق.
لكن لا تختبئي. لا الآن."
لولنا أغمضت عينيها. لحظة صمت بينهما امتدت كأن الزمن انحنى.
ثم قامت بهدوء، دون كلمة.
خرجت من المقصورة...
وفي عينيها بريق صغير، لا يزال يحاول النجاة.
لولنا تشاهد آخر هدوء وسلام في سماء على شاشاتها، والقلب فيها ينكمش.
جلست في مقصورتها، وحدها، تهمس:
"لقد كنت على حق... حظي لا يُخطئ في الكسر."
لكن هذه المرة، لم تبكِ.
لم تنهار.
قامت من مقعدها، وأغلقت اللوحة الأمامية ببطء.
ثم بدأت تعمل.
يدٌ تضغط أزرار الخطة "زيرو".
أخرى تُعيد تركيب نموذج الحرب النهائي.