NnN

شارك على مواقع التواصل

## الفصل الثاني عشر

  انطفأت أضواء القتال العنيفة، وحلّ محلّها وهج المصابيح الذهبية التي زُيّنت بها جنبات المحطة الفضائية “أورورا”. تمايلت الأعلام على الأعمدة المعدنية، مطرّزةً بنجومٍ فضية وذهبية ترمز إلى الانتصار والوحدة. في الأروقة العريضة، امتلأت الأرضيات بالبلاط الأسود والبرتقالِي، يعكسان ضوء المشاعل المعلّقة فوق رؤوس الحضور.

  في الساحة المركزية، امتدّت منصة رخامية منخفضة، ارتفع فوقها قادة التحالف: لولنا بزيها الرسمي الأزرق الداكن المُطعّم برقاقاتٍ فضية، و«جم» بثوبه الأبيض وبردائه الداكن، و«بنيان» بدرعه الفضي الذي تلألأ تحت الأضواء الخافتة. خلفهم، وقفت وحدات الأسطول وجنود البشرية والقبائل الفضائية جنبًا إلى جنب، وجوههم ترتسم عليها علامات الفخر والرضا.

  هجفت طبولٌ إلكترونيةٌ بطيئةٌ متزامنةٍ مع نغماتٍ وتريةٍ رقيقةٍ، دعوت الحضور للتركيز على اللحظة الراهنة. ثم ارتفع صوت «جم» فوق هذا المزيج الموسيقي، عذبٌ وثابتٌ:
  «أحسنتم يا أصدقاء… أنتم حقًا جديرون بهذه الصداقة.»

  تردّدت التصفيقات، تزامنًا مع وهج الأضواء التي ركّزت شعاعها على وجوه القادة.
  ابتسمت لولنا بخفّةٍ، ووضعت يدها على صدرها تقديرًا للثقة التي أبداها التحالف كله. ثم رفعت الكأس الفضّي المملوءٍ بمشروبٍ فوّارٍ مطبوعٍ بتكنولوجيا «جم»، وقالت بصوتٍ دافئٍ:
  «هذا الانتصار ليس نهاية فصلٍ حزين، بل فصلٌ جديدٌ نكتبه معًا… فصلٌ اسمه الأمل.»

  تقدّم «بنيان» بخطواتٍ متؤنية، تنحّى صدره الضخم قليلًا في إيماءةٍ ودٍّ نادرةٍ من ذلك القائد الذي عرفناه مدمرًا لا يعترف بالرحمة. قال بنبرةٍ هادئةٍ ولكنها صادقة:
  «لم أكن أعتقد يومًا أن أحدًا سيقف بجانبي بعد كل هذه الدمار…
  لكنكم أثبتم أن القلوب القوية… تصنع الحلفاء قبل الانتصار.»

  ارتفع «البشر» من بين صفوف الحضور، وجاء إلى مقدمة المنصة، ورفع كأسه عاليًا.
  «لقد جمعنا هذا النصر ما لم تجمعه الأعراق واللغات…
  إنه انتصار الإرادة والعقل على اليأس.»

  حينها، انبعثت الأنغام التقليدية من مكبرات الصوت، رقصت معها الأشرطة الفضية والذهبية في الهواء، وتحرّكت الجموع ببطءٍ في رقصةٍ جماعيةٍ تعبّر عن الوحدة والوئام.
  في خطواتهم المنتظمة، بدا الحضور كأنهم لوحةٌ تنبض بالحياة: هنا رائدٌ بشري اعتاد الخوض في معاركٍ يائسة… وهناك جنديٌ من قبائل المذنبات حلّق في الفضاء لإسقاط أعداءٍ أقوياء…

  ثم ساد صمتٌ خفيف، وكاد الزمن يتوقّف. أخذ «جم» نفسًا عميقًا، ونظر إلى لولنا وبنيان بجانب بعضهما البعض، وقال:
  «القوة الحقيقية لا تُقاس بعدد السفن أو حجم البنادق…
  بل بعمق الثقة التي نبنيها معًا.
  اليوم، نُثبت للعالم أن السلام يبنى على إرادتنا المشتركة.»

  انفجرت القاعة هتافًا، وتحول الصمت إلى ضجيجٍ من التصفيق والهتافات وأصوات الكؤوس تلتقي.
  ومن قلب هذا المشهد، ارتفع علم المجرة المشترك، وعاد الأمل ليضيء وجوهَ من عاشوا في الظلام لوقتٍ طويل، وتراءى المستقبل مشرقًا بفضل تصميم قلوبٍ امتنعت عن الاستسلام.

### **تتويج المجد وبداية العهود**

  عندما تلاشى ضجيج الاحتفالات في “أورورا” وعاد الصمت هادئًا كالبحر بعد العاصفة، اجتمعت الجموع في الساحة الكبرى المنبسطة بين أبنية المحطة الزجاجية. تحت قيمةٍ معلقةٍ في الفضاء، ارتفع عرشٌ بلوريّ، يتلألأ بضوءٍ شفافٍ فوق منصةٍ من الرخام الفضي، تنتصب أمامه *لولنا* بثوبٍ ملكيٍّ أزرق مرصّعٍ بنجومٍ ذهبية.

  قدم *جم* أمام العرش، مُمسكًا بيدها، وقال بصوته الرخيم:
  «باسم اتحاد المجرات وحلفاء النور، أتوجكِ ملكةً على القلوب قبل العروش. أعلِن تتويجكِ اليوم لتكوني أميرة الأمل وحامية المجرة.»

  وضعت *لولنا* يدها على قلبها، وأسقطت دمعة فرحٍ واحدةٍ على خدها. ثم انحنت برفقٍ أمام التمثال البلوري، فتوهّج وفاءٌ داخليٌّ في عينيها قبل أن تُمسك التاج الذهبي بعنايةٍ وتعلّقه على رأسها.

  دويّت هتافاتٌ عاليةٌ من الجنود والقادة، وتلاحمت الأعلام فوق رؤوسهم، وتراقصت ألوان الضوء الذهبيّ والأزرق في عنان السماء الاصطناعية.

  \*\*\*

  بعد مراسم التتويج، قادت *لولنا* موكبًا من السفن نحو كوكبها الأصليّ “رافينا”، حيث تنهض أنقاض مدنٍ قديمة لتُبنى على أنقاضها مدينةٌ جديدة.
  هبطت المحطة الخاصة بهم فوق سهولٍ فضّيةٍ خلّابةٍ، يكسوها غبارٌ ذهبيّ اللون.
  ترجلت *لولنا* من مركبتها، واستقبلها مئات من شعبها أصحاب الوجوه المرهقة المشرقة، يلوحون بالأعلام ويرتدون أثوابًا باللون نفسه الذي لبسته في تتويجها.

  وقفت بين أحضانهم، تشعر بنبضٍ موحدٍ ينبعث من الأرض الجديدة.
  همست لهم وهي تضع حجر الأساس لمدينة “نورينا”:
  «سنبني معًا لا مجرد مساكن، بل قلوبًا تتنفس الحياة.
  هذه الأرض لكم… وأنا هنا لأخدمتكم.»

  تبعثرت الفرحات والدموع حين مدّ القادة أيديهم لتلقي حجر الأساس، وتكاثرت همساتٌ من الوعود: المرافق الطبية، المدارس، أنظمة الطاقة النظيفة… وكل ما يحتاجه شعبٌ ينهض بعد طول ليل.

  \*\*\*

  في مساء ذلك اليوم المميز، غُطّت الساحة بموائدٍ طويلةٍ من المعدن اللامع والبلور الأصفر، وفوقها شُرِبت أرقى مشروباتٍ مرصعةٍ بجزيئاتٍ مضيئة.
  وسط الأنغام الطربية، ارتقى *بنيان* منصةً صغيرةً، مرتديًا بدلةً داكنةً صممت خصيصًا لحفل زفافه، وبجانبه *تون* الجميلة بفستانٍ فضيٍّ متلألئ.

  نظر *بنيان* إلى *تون* بعيونٍ تفيض بالحنان، وقال بصوتٍ مفعمٍ بالدفء:
  «كنتِ رفيقةَ دربي في أعنف المعارك… والآن سأكون رفيقكِ في جميع الأوقات.
  قبل النجوم، وقبل المجرة… أعدكِ بالحبِّ والحماية.»

  ابتسمت *تون*، وأمسكت بيده، فرّدّت بنعومة:
  «في معركة الحياة، اخترتُ أن أكون بجانبكَ دومًا.
  أنا لا أعدكِ الفوزَ، لكني أعدكَ الإيمانَ مهما اجتاحتنا العواصف.»

  تبادل العروسان خاتميهما المصمَّمين من بلورات النيزك، ثم انحنى *جم* أمامهما بحركةٍ تليق بمباركة القائد، وقال:
  «بتعاون قلوبكم، نبني عهدًا جديدًا للمستقبل.
  ليبارككم نور المجرة وينير دربكم.»

  تعالت الهتافات مجددًا، ووُزّعت أطباق الاحتفال التي ضمّت مأكولاتٍ من عوالمٍ متعددة، لتكون رمزًا للوحدة بين الثقافات.
  رقص الجميع رقصاتٍ تقليدية وحديثة، وتبادلوا القصص والضحكات، حتى اختفت حدود العرق والجنس، ولم يبقَ سوى روح واحدة تنبض بالفرح.

  وخلال الاحتفال، صعد *البشر* وألقى كلمة قصيرةٍ قال فيها:
  «حين ننتهي من بناء “نورينا”، وعندما تتلاحم كل القلوب هنا، سنتذكّر هذا اليوم كنقطةٍ فارقةٍ…
  يومٍ ولدت فيه مملكةٌ من قلب الوحدة، ويومٌ اقترن فيه الحبُّ بقيادةٍ لا تُقهر.»

  وبهذا اختُتم اليوم العظيم، وكانت نجوم السماء تلمع أكثر من أي وقتٍ مضى، وكأنها تحتفي مع “رافينا” وموطنيها الجدد، بمملكةٍ وامرأةٍ جعلت الأمل تاجًا على رؤوس الجميع.

*نهاية الفصل الثاني عشر*

                           *تمت*
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.