الرئيسية
المجالات
المدونة
كتاباتي
اشترك الأن
الكّتاب
تسجيل الدخول
تسجيل حساب
حمل التطبيق مجاناً
كيد النساء
قصة كيد النساء
القراءات
0
التصويت
0
التعليقات
0
وقت القراءة
0س 24دق
عبده علي الفهد
متابعة
شارك على مواقع التواصل
كيد النساء
[email protected]
خدمة الإنس والجان والحيوان، كان صاحب أخلاق فاضلة، أراد لغيره الحياة فأرادوا له الموت، ترك الأهل والجيران والبساتين في سبيل نصرة المظلومين، ترك الديار العامرة وعاش في الكهوف الغابرة، استأنس الحيوانات المفترسة فكانت في خدمته، أحرق العظام فخرجت منها الهوام، من بين الغربان صاد الحمام، أضحى سلطان زمانه بعد أن كثروا أعوانه، جمع أخوانه بعد الشتات وسُعد بلقائهم قبل الممات، كان له أخت وحيدة فكانت قصتها فريدة.
أنه رماح سابع أخوته وهذه قصته وسيرة حياته:
أوصى الأب أبنائه السبعة خيراً بأختهم عفراء، مات الأب والأم مخلفين ستة أخوة متزوجين والأخ السابع عازب مزارع ضمن المزارعين، صياد مع الصيادين إذا اشتد قحط السنين، لهم أخت تصغرهم وحيدة عنيدة مد لله في حبها فريدة، مبرقعة، مرصعة الحواجب، مسلهمة الرموش، مزوية المخاصر، دعجى، بلجى، فلجى، جبينها شهر ناظر وعيناها بحر ساجر، إن مشت اهتزت وتدلت وإن وقفت تكورت وتجلت، صوتها صدى وعلى وجنتيها تتناثر حبيبات قطر الندى، مكتنزة، ململمة، طويلة القامة، مرفوعة الهامة كأنها زمردة مبردة ملمعة في جوف خاتم وضعة.
إذا طلبت نالت وإذا أمرت لُبيت، في الصباح تذهب بطعام الإفطار إلى أخوتها، تمر بين المزارع والأشجار، فرحة مرحة لخطوتها تهتز الأزهار، ذاع صيتها وانتشر في البوادي والحضر، تناولتها السُن الصغار والكبار، النساء والرجال تصف حسنها والجمال، مدحها الشعراء في قصائدهم، وتغنى بها العشاق في غزلهم، وحكى عنها السمار في مجالسهم، إنها عفراء.
أغتاظت نساء أخوتها مما هي عليه من الحسن والبهاء، اعترتهن الغيرة فأضاعت من عقولهن البصيرة، فشرعن يكدن لها المكائد وينصبن لها المصائد ويوغرن صدور أزواجهن من أختهم عفراء، فتارة يصفنها بالغباء وتارة ينبزنها بالبغاء مع الرعاة وبعض الغوغاء.
*اتهامات النساء*
فقالت إحداهن: عليكم بعفراء إن سيرتها عوجاء فهي لا تمنع عن نفسها من جاء. وقالت الأخرى: أختكم جلبت عليكم العار فقد أضحت تتقاذفها قصائد الشعراء. وقالت ثالثة: عفراء لها في البغاء باعين، ففي طريقها تكشف للعشاق عن الساقين وتغمز بالرمشين وتشير بالحاجبين.
وقالت رابعة: شاهدت تحت الأشجار عاشقين لعفراء مفترشين. وقالت خامسة: لعفراء صوت طروب فهي تمارس الغناء في الدروب وعلى مناهل الماء فتلتف حولها الصبايا والنساء، فيترك الرعاة مهامهم وإلى عفراء يستمعون وينظرون فتفترس الذئاب أغنامهم. وقالت سادسة: عفراء تختلي بتاجر العطور والبخور من مغرب إلى سحور.
*رد فعل الأخوة*
اجتمع الأخوة مطأطي الرؤوس، فاتتهم عفراء بالشراب ملئ الكؤوس، فلاحظت في وجوههم الغضب والعبوس، نظروا إليها نظرات ازدراء والزموها في البيت البقاء وعدم حضور الأعراس ومجالس النساء. وقالوا: إذا التزمت بالحجاب ربما يفد إليك بعض الخطاب.
وذات يوم أتى أحد الخطاب، التقته النساء فبقي واقفًا على الباب، فسأل عن طباع عفراء والخصال؟
فقلن: عفراء، إنها في النهار ريحان وشذاب، وفي الليل بومة وغُراب، حسناء الوجه وردية الخدين، ولكن جسمها يكسوه الشعر من الصدر حتى أخمص القدمين، تنام فاتحة العينين كالأرنب، تغط وتخور بارزة الأنياب كالثعلب. نظر إليهن وقال: الشعراء يتبعهم الغاوون. تغزلوا بعفراء فصرت فيها مفتونًا، فما ذكرتن ليس مخلوقة من طين بل من نار السموم من جنس الشياطين.
*مكيدة النساء تنجح*
انصرف من حيث أتى وبث الأخبار عبر من سمع ورأى، فلم يعتب الباب بعده خاطب. اعترى عفراء عياء أقعدها فنامت وعن الطعام صامت، أتاها الحيض وشعرت بالحمى والرعاش، فلاحظت إحدى النساء بُقع دم على الفراش، فنسجت وأحاطت بهتان وقالت: لقد كانت أختكم حاملًا فأسقطت. فزع الأخوة وخشوا الفضيحة فقرروا وأدها في الصبيحة، فعزموا على دفن عفراء في الصحراء، كل ذلك وعفراء لا تعلم ما يُحاك لها في الخفاء.
*دفن عفراء*
تحركوا الصباح بمعاولهم وعتلهم وطلبوا من عفراء اللحاق بهم بغداهم، حفروا قبرًا عميقًا، أتت إليهم عفراء بالغداء تقص آثارهم في الطريق. سألتهم عفراء وقالت: لمن هذا القبر العميق؟ قالوا: إن وحشًا يأتي من هذا الطريق، سنغطيه فإذا أتى سقط في هذا الشق العميق. فطلبوا منها النزول إلى القبر لتنظر ما بقي في سقفه من الثقوب، نزلت القبر مفزوعة أرادتها منزوعة، فسقفوا القبر بالأخشاب وأهالوا عليه التراب، فكانت تخبرهم عفراء عن أماكن الثقوب فيسدوها حتى أظلمت، فقالت: يا إخوتي أخرجوني أحس بالموت يقترب مني، أخرجوني. تركوها في قبر مجهول المسار وعادوا إلى الدار، شعروا بأنهم قد دفنوا الفضيحة والعار.
*إنقاذ عفراء*
شعر الأخ الصغير بتأنيب الضمير، فرق قلبه لعفراء المدفونة في الصحراء، فليس له زوجة تقسي قلبه نحو أخته. وفي المساء قرر العودة خفية إلى الصحراء وفتح القبر وتخليص عفراء، فهو لم يصدق كل ما قيل في حق أخته من افتراء. كان لديهم جواد شحيح نحيح يسابق الريح، امتطاه رماح وسابق الرياح، وصل إلى القبر في جنح الظلام، فشاهد على القبر تقف بعض الهوام، فأشعل النار وتطايرت منها الشرار ففرت الأشباح في الفيافي والقفار، فحفر حتى نقب القبر فصاحت عفراء وقالت: الحمد لله، لماذا تأخرت يا أخي؟ كادت تُقبض أنفاسي. فقبض بأيديها ومن القبر أخرجها، فبكت عفراء بكاءً شديدًا من شدة ما أصابها من ضيق في القبر العميق.
*الهروب*
أخبرها بكل الحكايات فأيقنت أن لولا أخاها أنقذها لكانت قد أصبحت في عداد الأموات. قال: اعلمي يا عفراء أن أخوتي ليس لهم بما قمت به من إنقاذك رضى، وإذا عدنا إليهم سيكون الموت مصيرنا والفناء. ليس لنا في هذه الأرض بقاء، سنسيح في أرض الله الواسعة، سنقارع الأخطار ونجتاز الإعصار. اركبي خلفي على جوادي، سنعبر الغابات والبراري. مسحت عفراء دموعها وقالت: أنقذتني من الموت وبفضلك نجوت، سأطيعك وأجيب الصوت، لن يفرقنا سوى الموت. ركبت عفراء وغادروا الصحراء.
حل الظلام وافتقد الأخوة أخيهم الصغير رماح. ذهبوا إلى الحضيرة فلم يجدوا جواده، أدركوا بأن رماح ذهب لعفراء على الجواد ولا بد من اللحاق به والحيلولة بينه وبين ما أراد. انطلقوا بخيولهم فوصلوا القبر مسرعين، فنظروا إليه مذهولين. فلم يجدوا عفراء في قبر الصحراء الذي كانوا لها فيه واضعين، فقصوا الأثر فلم يجدوه بعد أن هطل المطر وأزال الحفر. عادوا يائسين ومرت السنين.
*رماح وعفراء في الوادي*
أما رماح وعفراء فقد اختفيا عن أعين البشر بغية الابتعاد عن منابع الشر، تنقلا في الوديان والشعاب، صعد التلال والهضاب، يبيتان تحت الشجر ويأنسان بشعاع الثريا وضوء القمر، يشعلان النار بقرع الأحجار ويقتاتان لحم الأرانب وطيور الحجل والغزلان وما ضل وتاه من الشاة والضان.
*اكتشاف الوادي الجديد*
مرت الأيام وهما في ترحال، فتعودوا واعتادوا فصاروا في أحسن حال، عثرا على وادي شاسع مترامي الأطراف كثير المنافع لا يرده الرعاة ولا تطرقه أقدام المسافرين والسعاة. شعابه عامرة بأصوات الطيور ونفيط الغزلان، وهذا ما كانا إليه يسعيان. يصطادان ويشويان ويأكلان في بؤرة الوادي.
وجدا مغارة تأوي إليها إثنين من النمارة، وإليها يجران ما ينقضان عليه من غزلان وشاه وضأن. رأت عفراء ورماح أن هذا النمران ينافسانهما ويقاسمانهما صيد الوادي، بل أن حاصل ما يأكله النمران من اللحوم في يوم قد يكفيهما شهرًا كاملًا. قال رماح: لا بد من التخلص من النمرين، ولكن كيف؟ قالت عفراء: هناك طريقتان، إما بالحيلة أو بحد السيف.
*التخلص من النمران*
سن رماح رمحه وسقل سيفه، فاقترب من المغارة وقت الزوال فكمن وراقب، فخرج أحد النمرين، صال وجال وإلى الغابة شد الرحال، ثم تبعه النمر الآخر في الحال. تقدم رماح نحو المغارة في نهاية المطاف، فإذا بها مغارة محكومة ببوابة محصنة منظومة، لا تدخلها الأمطار ولا تصل إليها الرياح والغبار.
*اكتشاف المغارة*
قال رماح: يا عفراء عليك بالوقوف على مسافة غير بعيدة من المغارة، فإذا عاد النمران عليك أن تحدثي صوت وغارة. ثم دخل رماح المغارة فأشعل جذوة نار وبها استنار، فشاهد ما هاله وأذهله. وجد العظام ركام موضوعة، معظمها نخرة في أرجاء المغارة منتشرة، تنبعث منها روائح نتنة وأبخرة، بعضها يعود لغزلان وشاة وبقر، والبعض الآخر جماجم بشر.
*حيلة رماح*
وفي آخر المغارة وجد شبلان من جراء النمر يحبوان، فحملهما بلطف وإحسان وخرج وأخرج من خاصرته علبة سم صفراء كان إخوته أعطوه إياها لقتل عفراء، فأفرغ ما فيها من سم على جيفة غزال طرية باب المغارة مرمية. غادر رماح مسرعًا باتجاه عفراء ومعه الجراء.
*عودة رماح إلى المغارة*
بعد بضعة أيام عاد رماح لمراقبة المغارة فوجد ما أسره وأثاره، شاهد النمران ميتان تأكل جيفتهما الغربان، عاد مسرعًا إلى عفراء حاملًا الخبر السار، فعادا ودخلا المغارة برفقة النمران الصغيران وقاما بثقب نافذتين في الجدران وأحسا فيها بالأمان والاطمئنان.
فقاما بتنظيف المغارة أرضيتها وسقفها والجدار فكانت نعم المأوى ونعم الدار. جمع خارج المغارة العظام المتناثرة وقام بفرز عظام الحيوان عن عظم البشر. أشعل النيران في العظام فاشتد اللهب وتطايرت، كان لهبًا أصفر وشررًا أبيض يتطاير في الهواء، بهت رماح وعفراء مما يشاهد ويُرى. استمر اللهب إلى وقت متأخر من الليل، حملا جذوة وقيدًا وأدخلاها إلى المغارة لغرض التدفئة ورفع درجة الحرارة، كان الجو باردًا، وبعد برهة تحولت الوقيد إلى رماد.
*ظهور المارد*
انتفض من الرماد جني مارد مفتول العضلات والسواعد، بخلق شنيع مريع ساقاه وركبتاه من حديد، له قرنان صغيران وذيل خلف الرأس، يغطي جسمه شعر يقل في بطنه وفي ظهره يزيد، عيون غائرة ومناخير شاغرة، بارز الأنياب مقلوب الشفتين، كان يديه مجاديف وقدميه مجاريف. استل رماح سيفه وقال: من تكون؟ أجب قبل أن أقطعك فلا تكن بعد أن كنت تكون.
*المارد يعطي رماح المفتاح*
قال المارد: أنا نحناح حارس الكهوف والضياح، انتظرك من الصباح لأعطيك المفتاح. خذ هذا المفتاح يا رماح، إن ضاع منك لن تكون من سكان الحيود والضياح. ستجدني بين يديك ما دمت تحمل المفتاح. بعدها اختفى المارد وساح.
*رماح يعتني بالنمران*
جلب رماح بعض الضأن وأرضع منها النمران، كان رماح يذهب للصيد في الصباح وتبقى عفراء بانتظاره ممنوعة من مغادرة المغارة. كبر النمرين تحت عناية وتربية رماح، فتطبع بطباع رماح وفهم الإشارة ولغة الأصوات. فكان يقضي في تدريبهما معظم الأوقات، فعلمهما لغة الإشارة وتتبع الأمارة وصيد الصيد وإحضاره. من شدة تعلقه بهما أسمى أحدهما قلبي والآخر فؤادي، وبأسمائهما كان ينادي: قلبي فؤادي جوادي دقوا الوادي.
فأصطحبهما في الصيد فكانا صيادان ماهران ، فكان يطلقهما في الوادي فيمسحانه مسح ماشطة فلا تغادرهما فيه شاردة ولا واردة ، فحينما يركب جوادة الصباح ينادي قائلاً : قلبي فؤادي دقوا الوادي ، فينطلقا كالبرق الخاطف والرعد القاصف ، و في لحظات يعودان يحملان الصيد فيتقاسمانه نصفين نصف لهما ونصف للنمرين ، كان رماح يذهب متنكر إلى سوق مدينة السلطان بين الحين والأخر فيجلب ما يحتاج من الأغراض ، و يبقى النمران على باب المغارة حارسان ، و يأمر نحناح بجلب أخبار إخوانه من الديار ، و ذات يوم أخبره نحناح بتعرض ديار إخوانه والخيام لهجوم من اللصوص والعوام.
احتزم رماح بسيفة و حمل رمحه و اعتلا جواده و صاح : قلبي فؤادي جوادي : دقوا الأعادي.
بلمح البصر وصل الديار فثار الغبار وفك الحصار و ربط اللصوص والعوام و قطع أيديهم و الأقدام ، بطش بهم النمران و داس عليهم بالحصان ، فك عن نساء إخوانه الوثاق ، بعد أن حرر إخوانه و فك عنهم السلاسل العتاق ، عاد مع النمران من حيث أتيا ، و في طريقه اصطاد الغزلان والضباء ، وصل إلى عفراء و حكى لها ما جرى ، فاستنكرت صنيعه ، فكيف لبى الصوت لمن أراد بهم الموت و قابل كيد الكائدات بمد يد العون للنصرة والمساعدات ؟.
*عفراء تخطط للذهاب إلى العين الأخرى*
كان يوجد عين ماء قريبة من المغارة يذهبان لجلب الماء والاغتسال يوم الجمعة حسب العادة، وكان ماؤها قليل يتجمع بالتقطير. كما كان يوجد عين ماء أخرى في منتهى الوادي وماؤها وفير، تردها خيل السلطان للشرب على مر الأزمان. ذات يوم تاقت عفراء للذهاب للعين الأخرى لكنها من أخيها تخشى.
*سرقة المفتاح*
رأت عفراء أن مفتاح المارد نحناح هو سر معرفة أخيها بما يجري في الخفاء. سرقت عفراء على أخيها المفتاح من بين أسنان الرماح، فلفته بجلد غزال وخاطته بزعل الضأن فكان وصول نحناح إليه محال.
*عفراء تغتسل في العين الأخرى*
وفي الصباح بعد أن ذهب للصيد رماح، خرجت عفراء من المغارة وكانت السماء تمطر بغزارة. وضعت المفتاح بالقرب من عين الماء ووضع عليه إشارة، فكانت بداية الخيانة. فخالفت التعليمات واخترقت التحذيرات. فذهبت واغتسلت في الخفاء دون أن تخبر رماح بما جرى.
*اكتشاف السلطان للشعرة*
وكالعادة خيل السلطان إلى العين آتية، فشمت الماء ونفرت وعلى مقربة من العين انتظرت. جلد السائس الخيول كي تشرب بلا جدوى، عاد السائس بالخيول إلى السلطان وأخبره بما جرى. أرسل السلطان وزيرين للنظر في ماء العين. نظرا في الماء فكان صافي زلال لا علق فيه ولا طُحال، عادا إلى السلطان في الحال وقالا: ليس في ماء العين جدال.
*السلطان يعاين العين بنفسه*
ذهب السلطان بنفسه لمعاينة ماء العين وجسه. وبعد أن أمعن النظر وفحصه بعدسة مجهرية لاحظ في قاع العين شعرة طويلة مطوية، أخذ العصا وبها أخرج الشعرة من الماء، فعجب أيما عجب واستغرب من طول هذه الشعرة الغير مألوف ومصدر هذه الشعرة ومن أي صنف هي من الصنوف.
*البحث عن صاحبة الشعرة*
أصاب السلطان الذهول من لمعانها والطول فعزم وقرر تتبع أثرها ومعرفة صاحبتها وكشف المجهول. بعد نزع الشعرة من الماء تقدمت وشربت الخيول، عاد السلطان إلى قصره مهموم مغموم وداهمته الظنون عن مكان صاحبة الشعرة ومن تكون؟
*طلب السلطان من العجوز الكاهنة*
عرضها على السلطانة وجواريها والوصائف، فاعترتهن الغيرة وانتابتهن الحيرة. فقلن: على الأرجح هذه الشعرة ليست لأنسان ولربما أتى بها طائف من الطوائف أو نُزعت من رأس امرأة في زمن الغرقة والطوفان، فجرفتها السيول وسحبتها الغيول حتى استقرت في عين من الأعيان. طلب السلطان العجوز الكاهنة وقال: لك من الخيل عشرة ومن الإبل عشرة إن أتيتي بأخت هذه الشعرة. فطلبت العجوز من السلطان مهلة حتى تلف على البيوت وتدور بائعة للبخور والعطور حاملة للشعرة في معطفها المستور.
*العجوز تبحث عن صاحبة الشعرة*
انتهت المهلة وأكملت العجوز الرحلة، فطوت الشعرة وأدخلتها المكحلة. فخلت بنفسها حزينة واستخرجت أفكارها ومكائدها والحيل المخزونة. ذهبت فراقبت عين الغيل ومدارب السيل.
*اكتشاف العجوز لعفراء*
ذهبت عفراء للغسل في العين وجلب الماء حاملة على رأسها الوعاء. راقبتها العجوز متخفية فاستمرت عفراء ماشية حتى استقرت على الغيل القريب من عين الخيل. حطت الغرة من على رأسها وتلفتت يمينها وشمالها، ثم خلعت ثيابها وفي عين الماء نزلت وغطست واغتسلت.
*مواجهة العجوز وعفراء*
من عين الماء خرجت تجر شعرها خلفها كريش نعامة وقد غطى جسدها كغمامة، حجبت البدر في ليلة تمامه. فراع العجوز ما رآت، غشي بصرها وزاغ عقلها وهال فؤادها ما رأت. فأخذت العصا وعكّزت ثم أسرعت وعلى ثياب عفراء جلست. فزعت عفراء فنثرت شعرها على جسدها فتغطت.
*طلب العجوز من عفراء*
نظرت إلى العجوز وقالت: قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق. هل أنتِ النفاثة في العقد؟ انهضي من على ثيابي قبل أن يحل عليك غضبي. قالت العجوز: لن أنهض قبل أن تعطيني شعرة من شعر رأسك يكون فيها خلاصك.
هل أنتِ حورية من حور الجنان أو جنية محبوسة من عهد نبي الله سليمان؟
تقدمت عفراء بعناء، وبلمح البصر من يد العجوز انتزعت العصا، فوخزتها في عينها ففقأتها فأضحت عوراء. فصاحت العجوز ولاحت وعلى الأرض انبطحت وناحت، ثم فقدت وعيها وساخت.
ارتدت عفراء ملابسها وملئت قربها وهمت بالمغادرة. وبعد عدة خطى التفتت إلى العجوز نظرة فرق لها فؤادها والجوارح.
حطت القرب وعادت، فشاهدت في عنقها ثلاث مسابح. نضحت الماء على وجهها فاستفاقت.
فقالت عفراء: "أخبريني عن مقصدك والغاية؟ ثم اغفري لي زلتي والجناية." قالت العجوز: "أنتِ قصدي والمراد دون سائر العباد. أصحبيني إلى دارك أسمعك قصتي وأستمع منك كل أخبارك؟"
قالت عفراء: "ليس لي دار عامرة وأسكن في مغارة خاربة. ولي أخ صنديد فارس زمانه، أمرني بكتم أسراره وعدم الخروج من المغارة." قالت العجوز: "عديني بموعد تسمحي لي فيه بالزيارة؟"
قالت عفراء: "دعك من أمر الزيارة فهذا أمر محال، محذور من دحداح. ودحداح يختلف عن كل الرجال. افصحي عن مكنونك وماذا تطلبين مقابل عينك؟"
قالت العجوز: "باستعطاف، اسمحي لي أن أمتع عيني المتبقية بالنظر إلى جسدك وأستمتع بمشط وتسريح شعرك. لربما شُفيت عيني وعاد إلي بصري، ومن يدري لعلي أزورك في وحدتك في غد يأتي بعد يوم غدي."
رقت عفراء للعجوز فمكنتها من مشط وتسريح شعرها. فاستلت العجوز مقصًا من جيبها واجتزت بعضًا من شعر رأسها. فقالت عفراء: "من أي ديار وأي قوم أنتِ؟"
قالت العجوز: "من مدينة السلطان جنة من الجنان، فيها ما تشتهيه نفس الصائم وتتمناه الواحم وتنحني أمامه الجباه والعمائم." ودعتها العجوز نفاثة السموم على أن تأتي لزيارتها في الموعد المحتوم.
قالت عفراء: من أي ديار وأي قوم أنتِ؟ قالت العجوز: من مدينة السلطان جنة من الجنان فيها ما تشتهيه نفس الصائم وتتمناه الواحم وتنحني أمامه الجباه والعمائم.
*عودة العجوز إلى السلطان*
ودعتها العجوز نفاثة السموم على أن تأتي لزيارتها في الموعد المحتوم. وصلت العجوز إلى السلطان عوراء بعد أن كانت حوراء.
قال السلطان: أخبريني بما جرى وكيف أصبحت عينك عوراء؟ قالت العجوز: صاحبة الشعرة هي من لعيني أعورت.
*السلطان يعطي العجوز هدايا*
قال السلطان: أيها الوزير أحضر من الخيل عشرة ومن الجمال عشرة وأعطها العجوز مجملة وبالهدايا محملة، واستدعي من كل البلدات الأطباء لعلاج عينها العوراء. قال السلطان: أيها العجوز صفي لي صاحبة الشعرة؟
قالت العجوز: إنها آية من الآيات فوجهها نور وعيناها بحور، وكل ما قيل عن الجمال لا يضاهيها في عرضها والطول.
سُر السلطان بهذا الإطراء وتمنى لحظة اللقاء.
حضر الأطباء وأمدوا العجوز بالدواء حتى صحت عينها وذهب عنها العمى. فحملها السلطان بالهدايا المغرية وطلب منها الذهاب لزيارة صاحبت الشعرة.
قالت العجوز: "على الرحب والسعة والسمع والطاعة."
*عودة العجوز لزيارة عفراء*
ذهبت العجوز حتى اقتربت من باب المغارة. فشاهدت النمران على باب المغارة يدوران، فارتعبت وخلال الأشجار اختفت. فحركت الأفكار في رأسها وكالت المكايد والحيل فاهتدت للمرآة.
*خطة العجوز للوصول إلى عفراء*
ذهبت العجوز حتى اقتربت من باب المغارة. فشاهدت النمران على باب المغارة يدوران، فارتعبت وخلال الأشجار اختفت. فحركت الأفكار في رأسها وكالت المكايد والحيل فاهتدت للمرآة فوجدت فيها مقصدها والغاية، فأخرجتها وإلى داخل المغارة صوبتها.
*اكتشاف عفراء لوجود العجوز*
لمحت ضوء المرآة عفراء فأدركت أنها العجوز العوراء. خرجت من المغارة وأطلقت صفارة، ظهرت العجوز وشهقت وزفرت وإلى عفراء أسرعت، فسلمت عليها ونثرت هدايا السلطان بين يديها، وبعض القدور.
*استقبال عفراء للعجوز*
فأدخلتها عفراء المغارة وغمرتها برؤيتها السعادة، جلست العجوز وتنحنحت، ثم شرعت في مدح عفراء، وقالت: ما الذي يجبرك على ضياع شبابك وفناء عمرك وذبول جمالك؟ فمثلك لا يليق به المقام إلا في دار معمور أو قصر من القصور، وليس البقاء مدفونًا في مكان مهجور.
فلمن تتزينين في هذا الخلاء؟ فلا نساء تسلي خاطرك ولا رجل يرجو وصالك.
قالت عفراء: لي أخ أنقذني من الموت فلن أتركه ولن أستمع لغير صوته صوت، وقد تعاهدنا على الوفاء حتى الفناء، ترك الديار لأجلي ومن القبر انتشلني، وقد أضحى من المستحيل أن أحيل أو أميل عن هذا السبيل.
أخرجت العجوز من معطفها صندوقًا صغيرًا وقالت: "إن سلطان الزمان أهداك في هذا الصندوق عقدًا مرصعًا باللؤلؤ والزمرد والمرجان. وكل ما يتمناه أن تكوني له زوجة مصونة وللقصر سلطانة، وأن تكوني أمًا لأبنائه وبناته، فتخدمك الجواري وتستلطفك الوصائف وتلبسين الحرير والقطائف."
قالت عفراء: "إن هذه المغارة لا تضاهيها القصور ولا تحف الدور، وعودة أخي رماح في الظهيرة للصيد رادف يفوق الجواري والوصائف ولبس الحرير والقطائف، ورؤية هذين النمرين لي حارسان أسمى وأرقى من الخدم وعساكر السلطان."
يئست العجوز فاستأذنت وانصرفت بعد أن تركت الهدايا لعفراء كمعرفة.
ترك كلام العجوز في رأس عفراء طنينًا وفي جوارحها زنينًا، فقد حرك فيها الشجون وانتابتها الظنون، فهاجت لديها مشاعر الأنثى كالزلزال وتاقت روحها لعشرة الرجال وخلفة العيال.
بعد عدة أيام، عادت العجوز حاملة الهدايا والمزايا والكنوز، استقبلتها عفراء بالترحاب والبشاشة واستمعت لأخبار السلطان بعناية، واستقبلت الهدايا وظهرت على وجهها علامات السعادة.
قالت العجوز: "يا عفراء، ألم يحن الوقت لترك الهجران ومعانقة الخلان؟ فعناق الأحبة يختلف عن حب الإخوان."
قالت عفراء بعد أن أجهشت بالبكاء: "هل لكِ أن تساعديني فأنا لا أقوى وأخي لن يرضى." قالت العجوز: "سأذهب إلى السلطان وأزف إليه البشرى، وما رآه السلطان جرى. لكن أخبريني بسر قوة أخيك؟"
قالت: "له نمران وحصان ومفتاح مارد من الجان سرقته عليه قبل فترة من الآن ووضعته قرب العين ووضع فوقه ثلاث أخشاب زان." فذهبت العجوز وأخذت المفتاح بسلام وأخفته تحت الحزام، إلا أنه لا يستطيع استخدامه أحد غير رماح.
عاد رماح من الصيد فرأى قدر طعام ورائحة عطر شذى، فسأل عفراء، فقالت: "أتت عجوز فأعطتني قدر الطعام وبعض البخور وعطر الأنسام." أبدى رماح الانزعاج الحار فمنع عفراء من التكرار.
بعد ثلاثة أيام، عادت العجوز ومعها عشرة فرسان من عساكر السلطان وقفوا مستورين بينما تقدمت العجوز إلى المغارة، كانا قد ألفها النمران فلم يكن لها مانعين.
قالت العجوز: "يا عفراء، حان وقت الرحيل الآن ينتظرك خلف التل خيل تركبيه وعشرة فرسان." استجابت عفراء فمشت مشغوفة ملهوفة، ركبت وخلف الفرسان مشت، كانت الشمس على المغيب قد دنت.
عاد رماح فسمع عوى النمران ولم يجد عفراء، بحث عن مفتاح نحناح حارس الضياح فلم يجده، صاح رماح: "قلبي فؤادي جوادي دقوا الأعادي." انطلقوا كريح الهبوب في كل الدروب، عثر على عفراء والفرسان في نهاية الوادي عازمين الهروب.
جندل الفرسان العشرة وترك العجوز والخيول مكسرة، انتزع النمران قلوبها والأكباد واستعاد عفراء نادمة لغيضها كاظمة، دموعها على خدها كالندى، فدعت لرماح بطول البقاء على تخليصها من الأعداء، وقالت: "لقد أسروني ومن المغارة اقتادوني، ومن شعر رأسي جروني وعلى الركوب أرغموني."
جبرت العجوز من الكسور والجراح وعادت إلى عفراء بالمكر والدهاء، فطلبت منها أن تسد أذان النمران بالقطن والدهان وأن تضع الحلبة تحت سرج الحصان، فكان لها ما أرادت، فأتت العجوز بسبعة فرسان كمنوا بالقرب من المكان.
خرج رماح في الصباح فشدت عفراء سرج جوادها وهم بالانطلاق، مباشرةً ماج السرج وساج، سقط رماح عن جواده فصاح: "قلبي فؤادي جوادي"، ولكن لا حياة لمن تُنادي، أُصيب رماح عند سقوطه بجراح مثخنة، فصاحت: "أخته أدنوا يا السبعة أطعنوه من طعنة طعنة".
هجم عليه الفرسان وأثخنوه طعنًا بالسيوف، وعفراء ترى وتقول: "زيدوه وبالسلاسل قيدوه"، فتأكدوا من موته فسجوه في حفرة وبالحصى دفنوه وقبروه.
ثم أعطت عفراء سم النقاع للنمرين وأخذت جواد رماح وأزالت عن ظهره أثر الحلبة وامتطته بصحبة الفرسان والعجوز إلى قصر السلطان، فتزوجت سلطان الزمان بعد أن دفنت أخيها رماح أمام الأعيان.
فكانت عروس الذل والهوان، بعد يومين عبرت قافلة إبل تحمل تجارة تنباك وتوابل، وعلى مقربة من كوم الحصى المدفون تحته رماح توقفت الجمال وناخت، فحار الجمال في أمرها فزجرها وضربها بالسياط فعقت وهاجت ورابطة في المكان ولم تتزحزح يمينًا أو شمالاً.
تقدم الجمال إلى كوم الحصى وعليه حط إذنيه فسمع آنينًا شجيًا، فنبش الحصى فوجد شخصًا تقطر جراحه دماءً خامدًا هامدًا لا حراك فيه، فجسه فوجد نبضًا هالكًا.
فحفه بالقطن ولفه بأوراق الشجر ونشقه الأقحوان والصعتر وحمله على ظهر بعير صغير أظله بحصير وسار بالقافلة حتى وصل ديارًا، فقام بتمريضه وتضميد جراحه بالعسل والثوم والبصل وجرعة حليب الناقة.
وبعد عدة أسابيع عادت إليه الروح فسعل وعطس وفي نوم عميق غط وتنفس، بعد شهر أفاق من المنام فقام وأكل الطعام، فسأله الجمال وقال: "ما وزرك وما عذرك؟ ومن جنى عليك؟"
رد وقال: "وزري وعذري أني أردت الحياة لمن أراد لي الموت! وأما الجاني: سأنتزع أكباده في عقر داره وستأتيك أخباره."
قال الجمال: "ألك اسم تُنادى به وعشيرة إليها تنتمي؟"
قال: اسمي رماح إذا ركبت الجواد اهتزت من حولي الضياح! لي أهل وعشيرة وديرة، لنا في التأريخ ذكر وسيرة!.
قال الجمال: عليك بإكمال الاستجمام والمداومة على أكل الطعام حتى تعيش وتحيا وتعود إلى سيرتك الأولى!
في تمام الشهر الثاني جُبرت الجراح، فخرج رماح.
فقال الجمال: ما هي إمارة عافيتك وعادتك المعتادة في السباق والرياضة؟
قال رماح: عادتي أن أقفز من فوق الجمل بقيامة من جهة إلى جهة دون أن ألمس بسنامه!. أحضر الجمال الجمل، قفز رماح فوقع على سنام الجمل.
فقال: عافيتي لا زال ينقصها بعض الخلل!
فشرب اللبن وأكل العسل ورم اللحم مع العظم وعبر النهر وصعد الجبل. أحضر الجمال الجمل، فجرى رماح ورمح من فوقه كأنه قوس قزح. تهلل وجه الجمال بالفرح، وصدر رماح انشرح.
طلب رماح من الجمال جوادًا، فأعطاه المراد. فاستطلع المكان حتى دخل مدينة السلطان ملثمًا حتى لا يظهر للاعيان. فدخل الميدان مشتاقًا وشارك الخيالة في السباق.
ففي اللفة الأولى لمح جواده مربوطًا في ركن من أركان الميدان، وفي اللفة الثانية رمق أخته عفراء في شرفة من شرف القصر يمينها ثلاث ويسارها ثلاث تشاهد مبارزة السيوف ودق الطبول وسباق الخيول. فصال وجال والتفت حوله الأبطال وإليه توجهت الأنظار.
ثم عاد إلى الجمال في آخر النهار، فطلب سيفًا مهندًا ودرعًا ممردًا ورمحًا مزردًا. أُعلن عن سباق بين الفرسان في الميدان بحضور السلطان. وإلى ميدان السباق عاود الكرة.
فتخطى الفرسان وسبق الشجعان، فكان يميل في ظهر الجواد حتى يلمس الأرض ويرفع الدرهم بسيفه ويحطه في جيبه. انتشر خبر الفارس الملثم، واحتشد الجميع لمشاهدته.
وبرزت عفراء من دون حجاب، وعلى يمينها وشمالها النساء والحجاب، وإلى جوار السلطان في المنصة وقفين. وبدأ الفرسان السباق، فطوى الفارس الملثم الميدان.
فقالت السلطانة عفراء: لا أصدق ما أرى، فهذا الفارس الملثم هو رماح لا غيره ولا سواه!. فصاح رماح وقال: انظروا سوف أصيد حمامة من بين ستة غربان.
صوب رمحه نحو عفراء فاخترق أحشائها ومزق القلب وأخرج الكلى. ثم اقترب من جواده ففك رباطه واعتلاه. اخترق الفرسان وخرج من الميدان أمام الأعيان.
فلم يُشاهد خلفه إلا الغبار، وكأنه في الهواء طار. فاختفى عن الأنظار. عاد إلى الجمال وأخبره بما جرى وصار.
فقال الجمال: مثلك لا يُرد له طلب. خذ ما تشاء من المال واشتر السلاح ورقاب الرجال. وجهز الفرسان والسيوف والرماح والنصال ليوم الفصل والنزال.
فلا شك أن السلطان سيقتفي أثرك وستأتيه العسس بخبرك. آوى رماح إلى واد شاسع، دق فيه الطبول والمرافع. فآتى إليه كل سامع.
فتجمعت الجموع وتسلحت بالرماح والسيوف والدروع. خلال أسبوع واحد بلغ مسامع السلطان تنامي جيش رماح الصاعد. دعم الجمال جيش رماح بلوازم الحرب.
هاجم جيش السلطان معسكر رماح، فكانت بداية النهاية. سحق جيش رماح جيش السلطان المهاجم، فلم يدع منهم قائمًا. ووُزعت السبايا والغنائم.
علم السلطان بالهزيمة، فسد أبواب المدينة.
أتته العجوز الكاهنة وقالت: "إن كان رماح فأنا به كفيله، أبعده عنك وأزيله. ولكن كيف نجى من الموت بعد أن طُعن ودُفن وقُطع عنه الصوت؟"
تقدم رماح وأحكم الطوق على المدينة، تلقته العجوز وفي يدها مفتاح المارد نحناح حارس الكهوف والضياح. وقالت: "يا رماح، أعطيك المفتاح الحار مقابل تراجعك عن غزو المدينة ورفع الحصار."
قال: "اقتربي، أنظر إن كان هو المفتاح أم أنك تخلطين الجد بالمزاح." اقتربت العجوز، كان سيف رماح مسلولًا. دار رماح كما تدور الرحى وهوى بالسيف، فطار رأس العجوز مثلما يطير الغطاء.
فأمسك المفتاح ولمسه وبلسانه لحسه. ظهر نحناح وصاح: "شبيك لبيك، نحناح بين يديك." قال رماح: "عليك فتح أبواب المدينة السبعة، وعد معنا إذ نوينا الرجعة."
فعل نحناح ما أمره به رماح، فدخل المدينة وهاجم القصر وقتل السلطان وأبقى على وزيره. نصّب رماح نفسه سلطانًا، وبحث عن قبر عفراء فأخرجها واجتز رأسها وعلقه على باب القصر جوار الميزان.
جعل الجمال وزيره وأعطاه مفاتيح خزائنه. بعث الرسل إلى إخوانه فحضروا مع نسائهم والأطفال. فلما بلغوا باب القصر شاهدوا رأس عفراء معلقًا، فكثر القيل والقال وضاع جواب السائل عن السؤال.
فقال رماح: "أردت لعفراء الحياة فأرادت لي الموت، فقطعت نفسها والصوت." وبعد أن اتضح حالها ومآلها، أُنزل رأسها ودُفن جوار بقية أعضائها.
كان للجمال ابنة وحيدة تعيش سعيدة وعن أمها بعيدة، متقية زهيدة رشيدة، مسددة الرمح قطاعة السيف طعانة الخنجر خيالة سباحة. في كل الأوقات تراها بشوشة مرتاحة، عيبها الوحيد أنها تخلط بين الجد والهزل.
أتت إلى أبيها في القصر وهي راكبة على الجمل، رآها الجمال مقبلة فنزل. بينما السلطان رماح في السطوح مسدوح لأشعة الشمس مسطوح، سمع صوت الجمال يقول: "أنزلي يا سماء، حللتِ أهلاً ووطأتي سهلاً!"
عجب من هذا القول، كيف يقول للسماء أن تنزل؟ فالتفت فهاله الهول، فقد رأى جوهرة قلبه ومستقر جوارحه ومنطلق وجدانه. فرأى فيها ذاته وكيانه، فشعر أن روحه غادرت جسده بقوة جذب غريبة نحو سماء تجمعه نحوها كما تتجمع قطرات الماء.
نادى الجمال فسأله: "من تكون؟" قبل أن يسيء فيها الظنون. قال: "هي سماء ابنتي الوحيدة، تعيش عنا بعيدة وهي كما ترى في حياتها زهيدة." فقال: "أعرض عليها إن كانت للزواج تتوق؟"
فقالت قبل أن يسألها: "إن حصل النصيب فلا راد للمكتوب!" فهمس رماح في إذن الجمال: "أرى النصيب قد حل والمكتوب خُط وبالسماء نُقط." فتشاور مع سماء تشاورًا حاسمًا، وأنا إليكم قادم.
فاتح الجمال سماء، فقالت: "صيام قلبي من الحب طال، كأنه مؤصد بالمغالق والأقفال. فإليك فوضت السيادة في الإجابة والإفادة." فأبلغ الجمال رماح بالإيجاب والترحاب.
سُعد رماح وأُقيمت الأفراح، فكانت سماء نصف رماح الضائع، فبها اكتمل وعاشا بسعادة وآمل، وخلّفا البنين والبنات وحظيا بالأحفاد قبل الممات.
النهاية…….
0
تصويتات
إضافة تصويت
اضف إلى قائمة القراءة
خاص
عام
اترك تعليق
اضف التعليق
التعليقات
فصول العمل
كيد النساء
العلامات
اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ،
من هنا
.