RH

شارك على مواقع التواصل

كان الليلُ خانقًا،المدينةُ صامتةٌ على غير العادة، كأنَّ الجميعَ اتَّفقوا على التزامِ السكون.

في ذلكَ المعملِ المهجورِ على أطرافِ المدينة،
وقفَ رجلٌ طويلٌ، رأسُه مائلٌ قليلاً، وعيناه تلمعان ببرودٍ خلف نظَّارته المعدنيَّة.
أمامه أضاءَت شاشةٌ صغيرةٌ، تَراقَصَت عليها رُموزٌ بلُغةٍ لا تُشبهُ أيَّ لغة ٍبَشَرِيَّة.
انطلقت نبضةٌ إلكترونيَّة، تبعتها ذبذباتٌ غيرُ مرئيَّة، لكنَّها موجودة... بما يكفي لهزِّ جدرانِ الدماغِ البشريِّ إن اقتربت.
همسَ لنفسه وهو يضع السماعاتِ في أذنيه:
"حسنًا... لنرَ الآن، أيُّ العقولِ ستستجيبُ أولًا."
على الشاشةِ، ظهرت أيقونةٌ سوداءُ صغيرة.
مجرَّدُ شكلٍ بسيطٍ، لا يثيرُ الريبة... لكنَّه كان البوابة.
تم تفعيل "SCP-105".
*******
كانت الشمسُ قد بدأت رحلتها اليوميَّة، ترسلُ أشعّتَها الذهبيَّة لتتسللَ ببطءٍ بين الستائرِ، ترتطمُ بالحائطِ الأبيضِ الباهت، وتنعكس بخجلٍ على سريرٍ صغيرٍ في غرفةٍ بالكادِ تتَّسِعُ لما فيها.
صوتُ طنينٍ خافتٍ امتزجَ بصريرِ عقاربِ ساعةِ الحائط، بينما كان منبِّهُ الهاتفِ لا يرحم أُذُني سوزي منذ عشرِ دقائقَ متواصلة.
أزاحتْ جسدَها بتثاقلٍ ، ومع تَسلُّلِ الضوءِ إلى ملامِحِها، فتحتْ جفونَها ببطءٍ، كاشفةً عن عَسَلِيَّتَيْها اللّامِعَتَيْنِ تحتَ رُموشٍ سوداءَ كثيفةٍ،ارتعشَ عليهما وَهْجُ الصّباحِ الخافت.
"إلهي... لم أنَمْ سوى ساعتين... وهذا المنبِّهُ المزعجُ لم يتوقَّف بعد؟!" تمتمت بتهكُّم و مدَّتْ يَدَها ساحبةً هاتفها .
وقبل أن تضغطَ على زرِّ الإيقافِ، لفتَ شيءٌ ما نظرَها.
أيقونةٌ صغيرةٌ، سوداءُ بالكامل، تُحيطُ بها نقوشٌ حمراءُ دقيقة، بدت كأنَّها تتحرَّكُ ببطء. حدَّقتْ فيها :"ما هذا؟ هل كنتُ أمتلكُ هذا التطبيق؟"
ارتفعت يدُها الأخرى تلقائيًّا لتفرك عينيها علَّ التطبيق يختفي ،لكنَّه لم يفعل.
كانت الأيقونة تومضُ بلونٍ أحمرَ باهتٍ كلَّ بضعِ ثوانٍ، وكأنَّها تنتظرُ أن يلمسها أحد.
مرَّت لحظة، ثم أُخرى، قبل أن تهمسَ :"هل أقومُ بحذفِه؟... أم أنه ضمنَ التحديثِ الجديد؟"
لكنَّها تذكَّرت ... لم يَكُنْ هناك أيُّ تحديثٍ للنظامِ منذ أسابيع.
قرَّرت تجاهلَ الأمر، على الأقل حتى ترتدي ملابسها وتذهب إلى المدرسة.
لكن... هل كان تجاهلًا حقًّا؟ أم أنَّها كانت بداية الحكاية؟
****
"صباح الخير!"
صرخت بها سوزي، وقد ألقت بحقيبتها على المقعد بجانب ماري، تلك الفتاةُ التي تجلس دائمًا في الصفِّ الأمامي، محاطةً بالكتبِ والأوراق.
"آه! يا إلهي، توقفي عن الصراخ!" قالت ماري، وهي تغطِّي أُذنيها بسرعة، ثم تابعت:"أستطيع سماعكِ حتى لو همستِ، صدقيني."
لم تُعر سوزي ضجرَ ماري اهتمامًا وأكملت :"صباحكِ خير، صديقتي! هل رأيتِ البثَّ الليلةَ الماضية؟ أريدُ الذهاب!" قالت بحماس، وعيناها تلمعان شغفًا.
زَفَرتْ ماري، و أشاحتْ بخُضْرَوَاتِها إلى السُّبورةِ :"لا أعلم ما الممتعُ في بثوثِ بيوتِ الرعب... متأكِّدة أنهم فقط يخدعونكم... خدعٌ رخيصةٌ لا أكثر."
عبست سوزي :"لا، لا، لا... هذه المرَّة حقيقيَّة! كانوا في المنزلِ القريبِ من الحيِّ الذي أسكنُ فيه! ويُقال أنَّ هناك كائنًا غريبًا يتحكَّمُ في عقولِ ضحاياه... يقودهم إلى الانتحار!"
رفعت ماري حاجبًا بسخرية :"بالطبع! وها هو يظهر لهم دائمًا قبل وفاتهم، أليس كذلك؟"
اقتربت سوزي وهمست :"أجل! كيف علمتِ؟!"
ضحكت ماري بضيق :"يا إلهي... نفسُ القصَّة في كلِّ مرَّة! ألا تشعرينَ بالملل؟ إنَّها خدعة!"
أجابت سوزي بإصرار :"ربما... لكن لديَّ فكرة! ماذا لو استكشفنا المكان بأنفسنا؟ لنرى إذا كان الأمر حقيقيًّا ! "
اتَّسعت عينا ماري بذهول :"أجننتِ؟! تريدين مني الذهابَ معكِ إلى منزلٍ مهجور لمجرَّد بثٍّ سخيف؟!"
"إنها مغامرة فقط! وربما القصص حقيقيَّة..."
وضعت ماري يديها على كتفي سوزي وقالت بجديَّة :"هنا تنتهي صداقتنا، أتمنَّى لكِ كلَّ الخير! .....هذه ليست مغامرة، بل انتحار يا عزيزتي!"
"حسنًا، حسنًا! لن نذهب، يا حضرة المُحافِظة ماري!
*****

كانَ اليومُ طويلًا. ساعتانِ من مادَّةِ الرياضياتِ كفيلتانِ بإرهاقِ أيِّ عقلٍ، لكنَّ عقلَ سوزي لم يكنْ حاضرًا... كانَ هناك، عندَ تلكَ الأيقونةِ السوداءِ التي لم تُفارِقْ بالَها.

ما إنْ قرَعَ الجرسُ مُعلِنًا بدايةَ الاستراحة، حتى بدأَ الطلّابُ في مغادرةِ القاعة.
فمِنهم مَن أسرع إلى الكافيتيريا، ومنهم مَن بحث عن ركنٍ هادئٍ بعيدٍ عن الضجيج.
أمّا سوزي، فبقيت في مقعدِها، تحدِّقُ في السقفِ بشرود.
اقتربت منها ماري وجلست إلى جوارِها، وقد لاحظت شرودَها، فقالت مازحةً :"أراكِ تحدِّقين كأنّكِ تنتظرين وحيًا من السماء!"
ضحكت سوزي وهزّت رأسَها، ثم قالت بنبرةٍ خفيفة :"لا... فقط تذكّرتُ أمرًا غريبًا. انظري!"
أخرجت هاتفَها بسرعة، وأظهرت لماري الأيقونةَ السوداء.
رمقتها ماري باهتمامٍ وسألت :"وما هذا؟"
أجابت سوزي ببساطة :"لا أعلم... لم أقم بتثبيته. حاولتُ حذفه، لكنه لا يختفي"
رفعت ماري حاجبَها وقالت :"يبدو كخللٍ تقنيٍّ... من الأفضلِ عرضُه على أحدِ المختصين."
"أجل، أنتِ محقّة ".
*****
انتهى اليومُ الدراسيُّ، وعاد الجميعُ إلى منازلِهم.
كانت سوزي تحدّق في هَاتِفها حتى ظهر اسم غريب : "SCP-105... ما هذا؟!"
استسلمَتْ لِفُضولِها وضَغَطَتْ على الأيقُونَةِ...لكن لا شيءَ حَدَث.
"ما هذا؟! سأتجاهلُه فحسب، وأفعلُ كما قالت ماري."
وضَعت هاتفها جانباً ، وفي اللحظةِ التي أغلقت فيها عينيها للنوم...
أضاءت الشاشة، وظهر إشعارٌ واحد:
"مرحبًا."

—————-

مرحباً جميعاً،
هذه أول كتاباتي، سأكون سعيدة جدًا بتلقي ملاحظاتكم ونقدكم البناء، فهذا سيساعدني على تطوير مهاراتي وتحسين كتاباتي المستقبلية
1 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.