RH

شارك على مواقع التواصل

لم يَكنْ ذلكَ الصباحُ مُختلفًا عن سابِقيه.
السماءُ رماديَّةُ اللونِ، وكأنَّ الغيومَ اختارت أن تحجُبَ الضوءَ عمدًا، والهواءُ ساكنٌ لا يتحرَّك، إلّا نادرًا كنَسَمةٍ باردةٍ تُلامسُ الوجوهَ لتُذكِّرهم بأنَّ الشتاءَ على الأبواب.

جلست سوزي في سريرِها ببطءٍ، تُزيحُ
الغطاءَ عنها، ثم مدَّتْ يدَها إلى هاتفِها المحمولِ الموضوعِ على الطاولةِ الصغيرةِ بجوارِ السرير.
الشاشةُ كانت مُنيرة... رغمَ أنَّها لم تتلقَّ أيَّ إشعاراتٍ.
توقَّفت للحظةٍ، تتأمَّلُ الإضاءةَ الباهتةَ التي انعكَسَت على جدرانِ الغرفة، ثم نظرت إلى الشاشةِ مجدَّدًا.
رِسالةٌ واحدة... من رقمٍ مجهول،:"مرحبًا".
شعرت بوخزةٍ خفيفةٍ في صدرِها، لم تكنْ تعرف سببها،  ابتلعت ريقَها والتقطت هاتفَها ببطءٍ.
ضغطت على الرسالةِ لتفتحها... لم يكن هناك شيءٌ آخر؛ لا تفاصيل، ولا توقيع،فقط تلك الكلمة: "مرحبًا".
ارتجفت أنفَاسها للحظة، ثم ضحكت ساخرةً، تُخاطبُ نفسَها:"مجردُ مزحةٍ سخيفة... أو ربما خطأٌ في الرقم".
ولكن كان هناك شيءٌ... غريبٌ، شعورٌ بأنّها ليست وحيدة .
ظهر أسفلَ الرسالةِ زرٌّ صغير، بالكاد يُمكنُ ملاحظتُه، بلونٍ رماديٍّ داكنٍ، وعليه كلمة:
"ابدأ"
"ما هذا؟ لعبة؟"
قامت بالضَّغطِ على الزر...لثانيةٍ واحدةٍ فقط... اهتزَّ الهاتف، ثم سادَ الصمت.
الشاشةُ أظلمت تمامًا، ثم بدأت تظهر عليها رموزٌ غيرُ مفهومة، تتحرَّكُ بسرعةٍ كبيرة، وكأنَّها شيفراتٌ أو أكوادٌ معلوماتيَّة.
حتى توقَّفت فجأة، وظهرت عبارةٌ واضحةٌ في منتصفِ الشاشة:
"مرحبًا بك في SCP-105."
كان هناك شعورٌ مزعج... شعور بأنّ الترحيب لم يكن عامًا...
أغلقت الهاتفَ بسرعة، وألقَتْ به على السرير.
أخذت نفسًا عميقًا، تُحاولُ السيطرةَ على تسارُعِ دقّاتِ قلبِها، ثم نهضت من فراشِها وتوجَّهت إلى النافذةِ في محاولةٍ لتجاهُلِ كلِّ هذا.
الشارعُ يبدو هادئًا... أكثرَ ممَّا ينبغي.
لم يكن هناك مارة، ولا سيارات... كأنَّ المدينةَ قد دخلت في سُبات....أو ربما هذا ما بدا لها فقط
هزَّت رأسَها، تُحاولُ طردَ الأفكارِ السوداءِ:
"ما بالُ مزاجي اليوم؟"
ثم التقطت معطفَها وخرجت من الغرفة
****
أخبرت سوزي ماري بما حدث معها صباحَ اليوم، وكان القلقُ واضحًا على ملامح وجهها. في العادة، كانت سوزي أكثرَ نشاطًا وتفاؤلًا، تحاول إيجادَ حلولٍ بدلًا من الجلوس في قلقٍ وإحباط.
قالت ماري بصوتٍ لطيفٍ مع لمسةٍ من العتاب: "سوزي، كما قلتُ لكِ، لنرِ هذا التطبيقَ لمختصّ، سيُوجَدُ حلٌّ بكل تأكيد. لِمَ كلُّ هذا الإحباطِ والخوف؟"
ردّت سوزي بتنهيدة: "أنتِ محقّة... إذًا، لنذهبْ بعد المدرسة. لا أريد أن أستيقظ على رسالةٍ أُخرى."
قالت ذلك بابتسامةٍ مهزوزة، وهي تحاول إخفاء خوفها الذي بدأ يتسللُ إليها دون أن تُدرك مصدره.
*****
بعد المدرسة، توجّهت الفتاتان إلى محلٍّ صغيرٍ للإلكترونيات في أحد الأزقّة الهادئة.
كان الشابّ النحيل، ذو النظّارات العريضة والعدسات العاكسة، جالسًا خلف المكتب الصغير يعبث بلوحةٍ إلكترونية. رفع عينيه نحوهما وقال ببرود: "ماذا هناك؟"
دفعتْ ماري الهاتفَ أمامه بلطف، وقالت بنبرةٍ هادئة:"من فضلك، نحتاج إلى مَسح كلِّ شيءٍ غريبٍ على الهاتف، هل يمكنك أن تساعدنا؟"
تفحّص الشابُّ الهاتفَ لبضع لحظات، ثم قَطَبَ جبينَه وقال:"غريب... لا يوجد أيّ تطبيقٍ بهذا الاسم على الجهاز، ومع ذلك، البياناتُ تدلّ على وجود نشاطٍ ما."
حاول لفترةٍ طويلة، ثم رفع رأسه وقال بنبرةٍ مترددة:"لا أعدكما بشيء... لكنني قمتُ بمسح كلّ شيء. الهاتفُ نظيفٌ الآن."
أغلقت سوزي الهاتفَ بنفسها، وشكرته بسرعة، ثم خرجتا من المحلّ.
"الآن، كلُّ شيءٍ بخير."
تنفّست سوزي الصعداء، ثم قالت:"أجل، أخيرًا انتهى."
****
رغم أنّ سوزي حاولت إقناعَ نفسها بأن كلَّ شيءٍ قد انتهى، إلا أنّ فكرةَ الهاتفِ كانت تُلاحقها. كانت صورةُ الرسالةِ الغامضةِ عالقةً في ذهنها، لا تستطيع التخلُّص من أثرها، حتى بعد إزالة التطبيق.

لكن... هل انتهى كلُّ شيءٍ فعلًا، أم أنّها فقط البداية؟
————-
مرحباً جميعاً
أرجو أن يكون الفصل قد نال إعجابكم✨

ملاحظات ؟
أراكم على خير في فصل قادم
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.