shaban

شارك على مواقع التواصل

تحدّد يوم السفر. وكنت قبلها قد توجّهتُ للسفارة الأمريكية للحصول على الأوراق، وعدم الممانعة، والــ"green card"، فتمَّ لي ما أردت، وجهزت كل شيء..
في السيارة دار هذا الحوار بيني وبين أمي وأبي:
أبي: يا محمد، أنت ذاهب لأمريكا، ولأول مرة تتركنا، فأوصيك بأن تأخذ بالك من نفسك.. ولا تَدَعِ الحياةَ تجرفك هناك.. الالتزام الخلقي أهم من التعليم، والدكتوراه بالنسبة لي.. أريدك أن تراقب نفسك أثناء السفر..( لم يقل لي راقب الله).
أنا: لا تَخَفْ عليَّ يا بابا، فأنا سأحافظ على نفسي هناك، كما حافظت على نفسي بالجامعة هنا...
أمي: أريدك أن تكتب لي كلّ يوم خطابًا؛ حتى أطمئن عليك" ثم ذرفت عيناها دمعًا ساخنًا كاد أن يحرق وجنتيها.. لم أَرَها قبل اليوم تبكي هكذا.. لعلها تعرف أنها ستكون وحيدة من دوني، رغم أنها كانت لا تهتم بي وأنا قريب منها!".
يقولون في مصر" البعيد عن العين، بعيد عن القلب"، لكن يبدو أن جَذْوَةَ الشّوق قد اشتعلت في قلب أمي عندما علمت أني سأغيب عنها شهورًا، بل سنين..
لوَّحْتُ لأبي وأمي، وقبّلت كليهما، نزلت مني بعض الدمعات، ولكني أخفيتها حتى لا يراها أحد منهما، وكأنه من العار أن يرى كلاهما دموعي!
انتظرت حتى أنهيت الأوراق، والأختام.. ووجدت وحشًا حديديًّا رابضًا على أرض المطار!
صعدت في خوفٍ، وهلع.. نعم ركبت الطائرة أكثر من مرة في رحلات أسرية مع أبي وأمي لمدة أسبوع إلى الغردقة، وشرم الشيخ، ولكنها كانت أسابيع مسروقة كل عام.. أقضيها مع والِدَيّ.. ورغم ذلك لم تكن الإجازة إجازة بالمعنى المفهوم، فأبي كان يختلس بعض الأوقات، ويختلي بالهاتف؛ ليجري كثيرًا من الاتصالات بمستشفاه، أما أمي، فكانت تتابع أخبار الحزب والجمعية الخيرية أوّلًا، بأول.. أما أنا، فكنت أقضي ساعات في البحر.. ولا أخرج إلَّا لتناول الطعام، أو الشراب فقط! اتخذت البحر صديقًا، كنت أتحدث إليه.. نعم، أبثُّهُ آلامي.. فأنا بلا أصدقاء، مُنْطَوٍ على نفسي، مكتئب في معظم الأحايين!
في الطائرة خلوت بنفسي مع أحد الكتب عن العزلة، ودورها في زيادة الألم النفسي والاكتئاب.. استهواني الكتاب كثيرًا.. كنت اقرأ بضع صفحات، ثم أمَلّ، فأنام، وأصحو. وأمسك به.. قرأت حوالي أربعمئة صفحة خلال سبع ساعات!.. الكتاب كان بالإنجليزية، فلم أعتد قراءة أي كتب فكرية باللغة العربية!
تخللت فترة الطيران نوبات من النوم المتقطع كما قلت لك، أما الطعام فهو المسلوق الذي اعتدت عليه، حتى أحافظ على رشاقتي.. لم أكن أقرب الدهون إلّا في الحَدّ المسموح، فقد قرأت ودرست خطرها على القلب والشرايين..
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.