Youssef12

شارك على مواقع التواصل

"كُـــلنا أسْـــّرى "
قيلَ أن أكبر عقاَبٍ قد يصيبُ المرءَ،هو أنْ يكونَ مدمنا على المشاكل،بل ضحية لَهــا،وهذا حثما يفتقر للحظ الجيذ،في زنزانة مقرفة ،مظلمة متجشئة لبقايا ظلمتها الحالكة،حيثُ يَسْكنُ أحد أسرى الحروبْ،هذا الكائن المنسي لمْ يأكل لشهرٍ،مادام يتماهى مع حلكته ويعيش فيها،فلا أحد من الحراس قد رآه،بل ظنوا أنه قد إنتقل الى زنزانة افضل،لكن لحظه البائس ظل في الحلكة يعيشْ،إنه مجبرٌ على البقاء في الزاوية كي لا يُعاملَ كعبدٍ وضيع،كي لا يفقذ ما تبقى من إنسانيته كإنسانْ،فالسجنُ يروض الحيواناتْ،وكل حيوانٍ بالكادِ يعيش في السجن...حثما ليس أمر كما يُـقال فنصف أقوال أكاذيبْ،لنعدْ لحالة هذا البائس صاحبْ النظاراتِ المكسورة التي إعتادت وجهه القبيحْ،إنه أسعد شخص على وجه الأرضِ يقول " سعادتي تضاهي عثوري على كيسٍ من الأموال فلا اتقاسمها سوى مع حظي التعيسْ،بدلَ أنْ ارى وجه كائن بشري مثعبٍ من حظه...هذا ما أدين به لعزلتي ". فلو كانَ القاضي يرى بصدق هذا المأسور صاحبُ الشخصية السوداوية التي تناَلُ البياض بكل فرحٍ،لفك أسرهـا،ولأصبحَ مِمَنْ أبيحَ لهمْ الرجوعَ من نفسِ الطريقْ،أليس صعْبًا الجلوس بين اربعة حيطانٍ صماءٍ تعيدُ نفس التهريجِ كلمـا نفتَ مهرجنا نكتة مضحكة،إن إستمرارفي قول النكتة يجعلها مضجرة،فكلما أعدنا قولها كلما فقذتَ جزءاً مضحكاً منها،لوقتٍ تصبحُ كجملة " أنـا بخير "،ضحكِ المأسورُحتى إرتعبَ أصدقاءه السجناء الذين يسكنونَ بجانبه،بقولهم " لا نكاد نسمع صوتَ ذلك الغبي في زنزانته المهجورة "حتى همْ خدعوا في المقلبْ،فالأسير ليزال ينتصبُ في ظلماهْ،ليزالُ متكتماً على حماقاته،فهل الذي يعتادُ القيودَ قدْ يُسـامحُ في حريته؟ ربمـا فإنسان متكيفٌ بطبعه،مادام قد إعتادَ العيشَ مع الذئاب لِمَ لا يَعيشُ بأساور تزينُ رقبتهُ....إسمعني جيذاً،كفاكَ تخادلا،لا تنظر الى السماء طويلا ولا الى الأرض اكثر من اللازمٍ،زُرْ منْ تراهُ يحْتاجُ،وإلتقي بمنْ تراهُ قادراً،وإتصل بمن تجدهُ غائبًا،فالموتُ تخطتفُ المقربينَ في غفلة منـا،والنذمُ بعد كل هذا لا معنى له.أليس مثعباً أنْ نحاول تبرير أننا وحيدون بشيء من التعاسة المكسوة بالفراءِ، لنُظهر للعامة أن الوحدة رغم قساوتها فهي رائعة،إننا نخشى أن تعاقبنا لو شتمناها،الوحدة مقبرةٌ لنفوس المحطمة،إنها مرعبة وكاسرةٌ،حيثُ تعودُ فيها كل ذكرياتنا البائسة المنسلخة كجسد فقذ قشرته السطحية التي تخفي ُرعبَ هذا المخلوقِ،فإن كنْتَ لا تستطيع العيش وحيداً،لا تجبر نفسك على ذلكْ،فاليومُ وأنـا أسِيرٌ هذه الحيطان المتصدعة،أسترجع ذاكرتي وسيناريوهاتٍ حياتي الجميلة والبائسة صارتْ أجملَ حينها،إنهُ مرهِقٌ برائحة الرضىُ المرصع بالقناعة البالية،كأي سجينٍ أنـا،وربما انا الوحيد الذي لم يَخُطَّ جدران زنزانته بذكرياتهم المجحومة،بل تركتُ كل بقايايَ في داخلي أنتظرُ منها ان تشعل هذا المصباح المحروقْ،الذي لنْ يصلحَ لإنارة ركني الميتِ،عصارةٌ إنسانية؛هل أنا الأخير منها؟ يعثريني الفضول لمعرفةِ أينَ وصلنا بهذا الإنسان المدفوعِ بغريزته الطائشة،حالهُ لا يفٍرُقُ عنْ حالـي،كلانا أسـيرٌ،حبيسُ شيء مـا،هو فتى مسعورٌ ناله الإنحطاط وأنـا شابٌ فانٍ أضجرتهُ هاته الحِـيطانِ البشعة،لِمَ لا يلونونَ الزنزاناتْ لربما تغيرُ بعضًا منْ طِبـاعِ السفاحينَ والنشالينْ،لطالما قيل أن الفن علاجْ،والبلدُ الذي لا يبْدعُ مريض...لربما نعتبـر أنفسنا مرضى حينما نقسوا على هذا الفنانْ،مصيبة هذا البلد المغفل ليس أنهُ جارٌ جيذٌ،وأبٌ سكيرٌ سئء،إنه يكرهُ منْ تراهُ يبدعْ،فيعطيه رجفة من كحوله إمتناناً لماَ قُدِّمَ له البقشيشْ،الجميل في السجن أنه يجعلك مفكراً،تفكر في كل الشيء،وفي أي وقت تريدْ،ستفكر في الآخرين،في المستقبل،في العدالة والجريمة،في الأشياء التي لا تخصك ابداً،ستشعر بأنك تحتاج لتناقش هذه المواضيع مع سجينٍ آخر بزنزانة آخرى،لتقتلَ ضجركَ،وحقيقة أنكَ أسـيرٌ،هذا هو الإنسان يحتاجُ لمخيلته ليَفُكَّ كل البلاوي التي قد تقع على رأسه،ببساطة أن يهربَ الى مخيلتهِ ،الى المكان الذي يروقهُ،ويشعر فيه بالأمانِ.
خفتُ ألا أرى نفسـي،ألا أشعر بالأشياء الجميلة التي تراود الكلْ،أخافُ أن يبتلعني وحشُ النسيانِ فأفقذُ نفسي،ثمَّ ملامحي لأصير عدواً لشخوصي جميعها،الأمر يشبه أن تستفيق ذات يومٍ سعيداً فتغسل وجهك لترى أنَّك بدون ملامحْ،بقعة أرضٍ قاحلة ملتصقة في وجهكْ،كم سيكون سخيفًـا أن يحدث كل هذا بالكاد سنصاب بالذعر في بادئ الأمر تم سنعتادهُ،لربما نرسمُ عليه ملامحا أجمل تليق بناَ،وإنْ لم تعجبنا نزيلها بغسلة ماءٍ،ستضحك وستقول هذا هو جنونُ الأسرى إنهم يحلمونَ أكثر مما هم يتنفسون. لست على حق حتماً،الأسرى لا يباحُ لهم أن يحلموا،فكل أحلامهم متصلة بمستقبلهم المجهول. فهناك منْ سيحلم بمئصلةٍ تقطع لنصفينْ،وهنالكْ من سيحلم بكونه سيسطو على إحدى البنوك وسيموتُ في مواجهة مباشرة.قليل من هؤلاء من يأتيه دلك الحلم الجميل ويا للأسف يُجهضُ حينما يطرق السجان باب غرفته،إنهض يا صغيري،الجلاذ ينتظر،إنه متشوق لتعرف على ضحيته القادمة،لا تضع مساحيق التجميل ولا أحمر الشفاه،فهو يكره النساءَ،ماداموا يجعلونه يرضخ لمطالبهمِ،ألنْ يكونَ الأمر حاسماً حينما نتوسد أثعابنا فوق رفِّ مهجورٍ مع نافذة ملطخة بالخشبِ المتصدعِ،لنتساءل " ما مصيرنـا؟ منْ نكونُ ؟ من الواضح أننا لسنا سوى بشر ببشرة متأنقةٍ قد فقذتِ القدرة على إنباتِ الصوفِ...كنتُ كذلك،نفس الأسيرْ داخل كيانه المعتمْ،هاقد جاءوني بزيارة،لربما رأوني أمد يدي لأتحسس سهماً من الضوء يأتي من شُقِّ نافذتي الخشبية،مهلا...لا لا لقد أحضروا أسيراً آخر،فبالكادِ وجدوهُ مختبئًا في حقلٍ ماً خوفاً من الموتِ،يا ترى اين سيذهب هؤلاء المستسلمونْ،أليس هنالك نفقٌ يحمي منْ لا يريدُ الحروبْ،تذكرتُ تسليةً،حينما باشرتِ الحربُ نفسها،كانتْ الحياة طبيعية جداً مثالية لا تقاومْ،لا أحد منَّـا فكر في شيء كهذا سيحدثُ،وبينما المائدة مملوءة وكل فرد من العائلة ينتظر الآخر ليأتي فيباشروا في الأكل،سقطتْ قنبلة على رأس الجميع،كانتْ اول تهدئة قبل الفطورْ،فمنْ تراهُ سيظن أن الفطور كان قنبلة،لقد تناثرت أشلاءنا،والناجيِ من تأخر في الحمامِ،هذا أنـا،أنا الشخص المشاكس في العائلة،كل الأشياء التي يحاولون زرعها فِيَ أنتزعها مني بفطرتي المراهقة،فكنتُ دائما أتأخر في المجيء لتناول أي وجبة،حتى الحمامُ صار في ملكيتي،وقد وعدني والدي أنه مادمتُ أتأخر فيه لنصف ساعة على الأقل،فإنه سيكونُ إرثي من المنزلْ.. هذا التأخر كان مفيداً،ففي بعض أحيانِ يكونُ التأخر أفضل من الحضور في الوقتِ،ويكون الإعتذار أفضل من التبرير،ها قد ذهبتْ ألف أسرة الى الجحيم ربمـا،والجنة ربما منْ نصيب كل منْ لم يقترفوا ذنبًا بمجيئهم الى هذه الدنيا،هذه الحضيرة المملوءة بالأغنام الميتة سرعان ما ستتحول الى مقبرةٍ ترعى فيها الذئابٌ ما تبقى من أيتامِ الحروبِ.. دعتني والدتي ذات مرة : أيها المشاكس كم مرةً عاقبتك على البقاء مطولا في الـحمام،لا أظنك تفعل كوالدكَ تقرأ الجرائدْ،ولكن من الواضح أنك تلعب بالهاتفْ !
لقد كانْ آخر شجار بيْـننا،وظلتْ هذه الجملة تَـنخر في ذاكرتي. كالفأر الذي صارَ يَعُدُّ الشباكَ عدواً لهُ،كيفَ لشخص مثلي صاحبٌ عقلٍ يشكل أرضية لمعركة بين الذكرياتِ...ذكريات الماضي الفقير،وذكريات البارحةِ التي تطبعتْ بذماء المساكينْ،إنسانية فقيرة حينما ترى أن الحروب أيتمتْ نصف البلدْ والنصف الآخر نقلوه الى المقبرةِ،لزلتُ أذكر حينما ساقونا كالخرافِ الى السجنِ،نصفنا سيقَ الى المذبحة والآخر الى زنزاناتِ،لربما كنتُ محظوظاً بهذه المحاولة الفاشلة في إنهاء مصيرنا البائس،كنا عبيداً لتلك الذئاب الأرستقراطية،كمْ خُدلوا في الرهان علينا،لأنه بالكاد مشتاقون لجعلنا نحن الغرباء معلقين في أشجارهم المشوكة التي تروضُ أشرس الديوكِ على الإطلاقِ،تلك الديوكُ التي تصيحُ مل صباحِ بأحقيتها في الاستحواذ على الشروقِ،لزلتُ أفكر في مصير طفلٍ في الرابع عشرة من عمره قد إنساق معنا الى هنا،فشبابي لامعنى له فيما يقاصيه هذا الصبي،إنه أتعسُ منْ أنجبته أوضاعُ المقلقة،هذا هو إنسان الغذ الذي نريده أن يقود أمة الى الصلاحِ،فأصلحوا نفوس أبناءكمْ،فلسنـا بحاجة الى التافهين لقيادة قطيع من الفئرانِ الساذجة..
ذاتَ مرة جاءني سجانٌ غبي،فأعطاني هاتفاً في الخفاء هاتف قديم الطراز ثم قال :
خد اتصل بأقربائك ليأتوا وينقذوك لربما يكون هذا أملك الأخير ببعض قروشِ..
لا ...لا. شكراً لوفائك المصطنع أتريد مني أن أفسد جوَّ المقبرة بمكالمة هاتفية بائسة أطالب فيها عائلتي الذين ماتوا في تفجيركم العنيف لينجدوني من مصيري البائس؟ حقا تريدني أن أفسد حفلتهم،خده لسجين غير يتيم مثلي. ..المواقف تفضح صاحبها،فتظهر الطبائع الحقيرة منها والبريئة،والى اليوم البريئة نجذها تحت حطام ٱحدى المنازل المهدودة،نحن في مقبرة مهجورة.كما يقال اغلب أحياء هم أوغاد بالفطرة.
بدأت ُأنسى نفسي،فكيف لا ينساني أحد؟وأنا نفسي قد نسيتها،مرعب ٌأن تعيشَ في ذاكرة الماضي التي تخلى عنها الجميعْ،لاأحد يلْتفتْ ليراكْ،غيرَمن يودكَ أن تعود َالى الوراء بأضعافِ،لننسى شقاءنا قليلاً فكترثُ التفكير في الأشياء السيئة تجعل النفس تسيءُ الحكم على الباقي،لتجعل العقل لا يقبل لان يتق في إرادته،ليذهب النومُ ليناموا تبقى العقول تفكر في أشياء الـتافه حتى الفجر.لزلتُ نفس الأسير الذي أحضروه ُالبارحة،كادوا يشنقوه لولاَ أن َّأحدَ المحاسبين لمْ يخطئ في عَـدِّنَــا نحن الخراف الظــالة،قالوعنَّا عبيدْ،أسرى الحروب الذين لايصلحون سوى لمشقة أيدي أومشنقة العدو،تركنا جثتنا في مكان سقُـوط أهلناَ،ها نحنُ ننتظرُ موعدنـا لننتهي من كل هذا المزاحْ،لقدْ كنا أسْـوء خرافٍ قد تقع في شباك ذئبها العزيزْ،لقد وضعوا ألغاما تحت بيوتنا ونحن نيامٌ،نحلم بمستقبل مزهرٍ..مُستقبل هذا الذي سنرى فيه ما يحلوا لنـا،نرى فيه الشباب يرتكنون الى بساطة العيش،مع قناعة الشيخ الذي تَبَقّـى له القليلِ لكي ينهارْ،بعفـةِ تلك الفتاة التي تخـافُ على عرضِ أبيها من ان يلطخ بزيوتِ الحشدِ العفنة،فما الزيوت إلا تلك النوايا البائسة التي تكسرُ حيل المرءِ،جارحٌ أنْ يأتي ذئب من الخوالي ليخبرني أن ابنتي فاسقة،متبرجة،تُـساق الى النخيل كنعجة تحب الربيع على ظهر الذئاب الماكرةِ،فلا تنْهـار لمـا قدْ ستسمعه،فحاضرنـا أسوء من ماضينا بكثير.إن هذا الوالِدُ المأسورُ في وطأتِ قدميه،وبقايا أقدام الناَس الملطخة بالطينِ،ليسَ ما يضرهُ غير ما قد يسمعه من أفواه الثعالب التي لا ينفع فراءها أحداً،فكيف يا ترى سيشعر من يشقى لعرضه،ليأتي منْ يسلبه إياهُ،هذا الإنسان المسجون في تقاليده الماضية،ليس على خطأ ولكنه بالكادَ يريدُ أن يُنْجِبَ منْ هو اصلح منه ،ماذا لو أنجب غير المنحرفين ؟
معثمة هذه الغرفة،لمْ أعتدها هكذا من قبلْ،لربما سوادي تسلل الى سوادها فأكسبها رونقي،وضخامة هموميِ الثائرة،الجميل في الأمر أن مخاوفي لم تتسلل بعد الى المشهد،رغم أني لزلتُ أتغزل بهذه الأعمدة الحديدية ،لستُ أعلم مصيري،وأي مصير لأسيرٍ مثلي إمـا العدمَ أو الأعمال الشاقة،كلاهما لا يروقان لجسدي الهزيل،حينما ستؤسر يوما ستجتاحك كومة من الأفكار التعيسة،ستفكر في مصير هذه الإنسانية المثعبة،هل لها أن تستفيق يوما من غيبوبتها؟،ستفكرفيما قد يحصل مستقبلاً،فحينما يجلس الإنسان مع نفسه يبدو حكيماً جداً،ومع الحشد أغبى مَنْ رمَـتهُ شرنقته..كلُّـنا أسرى،والأبله منْ قال غير ذلكِ ،الأسير ذلك الذي يخافُ على أطفالَهِ فيسجنهم في بيته كي لا تنـخر عظامهم بسهـاَمُ الغُـزاة،إنه ذلك الوالد الذي يرى نفسه كسجينٍ يُطعم أطفاله من سجنه،إنه منْ يحن الى الماضي،فيعيشُ حاضراً أسوء منه،ألأسير ذلك العاشق المجنون الذي كان يود إفصاح عن حبه لمعشوقته فرمى سهمه إليها فأخطأ التصويبَ،لأنها بالكاد وقعت في شراكِ ذئبٍ جائعْ،سخيف هذا الشعور الذي يجُرُّكَ الى النذمِ،كأن تعطي إهتماماً غير مألوف لأحد لتجدهُ يعطيه لأحد آخرْ،لينتهي باهتمامك في محل بيع الخردة،الأسير منْ عاشَ خريفهُ بمفردهِ،فتساقطتْ جُـل أوراقه دون أن يكون عليها شاهدُ.هو ذلك الذي يخفي في أعماقه بقاياهُ المنكسرة،التي يصعب لَـمُّـهـَا،إنهُ ذلك الأحمق الذي يعيشُ مخدوعاً في صور الناس المثالية،يبقى مرهونًـا بأكاذيب أولائك المجرمون الذين أخطأوا في حق الإنسانية،ليسُ عجيبا أن تراهم يدرفـون الذموع ولكن المبهر أن تجذهم يعترفوُنَ بالخطيئة.....
ها انذا أتوسد صخرةً لا تقارن بوسادة منزلنا الفخمْ،أليس عبثياً أن يضعوا وسادة كالصخر في زنازنهم،أهذا عقابٌ أمْ جزءهُ المفضل،لقد تصدعت رقبتي منها،ولكنها كافية بالنسبة لي،منْ أن لا يكون هنالك شيء فينعثونني بالميتِ،فمن يا ترى قد يراني وأنـا أحتضن معشوقتي،لينعثُوني بالمنحرف البغيضْ،وضعواُ القليل من الأكل من بين القضبانِ وانتظرواالفأر ليخرج من ظلمته،لربما يحاولون التأكد منْ أنه لا يزال محتفظاً بمكانٍ يخلو من الإصابة،فلستُ فأراً غبيًا يقنعونه بقطعة جبنٍ رخيصةٍ،فلو فكروا قليلا لأحضروا لي فتاةً جميلة مكانَ الجبن فأخرج سريعًا...هذا هو حال كل الفئرانْ.
مرةً جاءتني محققة فاتنة لتستجوب كياني،لتأسره بمفاتنها الباهظة،فلمْ أكن مجرد سجينٍ مأسورٍ في نفسهِ قبل زنزانتهِ،ولكني كنتُ طُعْمًـا مسموماً يريدون إلقاءَ به وسطَ حشد من القطط الجائعة ليفضي الأمرُ الى نهاية مأساوية تفوحُ منها كل الجثة المنسية،فقالتْ :
- اليسَ هذا الجمالُ يستحق فرصة لنيل حريته؟
- لا أظنه يستحقْ!
- ولمَ لا يستحقْ،فكثير من الأسرى نالوا حريتهم بهذا الإستحقاق؟
- أتقصدين حريتهم الابدية ام تلك التي يحلمونَ بها؟
- ما الفرقُ بينهما في رأيك؟
- الأبدية هي العدمْ،هي النهاية المحثمة لكل إنسانِ،أما تلك الازلية ما هي إلا وقتٌ وجيز ليستعيد فيه الجلاذ قوتهُ ليعودَ فيخط بسوطه اليافعَ ظهر ذلك المسكين..
- إنكَ تبدو متفلسفا أكثر من اللازمْ ! حقًا أثرتَ إعجابي .
- أحقًا ما تقولين؟ هيا لنتزوج؟
- حسنًا لكن بشرطٍ أخبرني كل ما تعرفهُ وعما لا تعرفه ..
- إني أعرف الكثير،ولكني فقذتُ الذاكرة منذ أن أحضرتموني كعبد وضيعْ،ألم تتعلموا حسنَ معاملة الأسرى،فأفضل معاملة تجعل من أعند أسير يبوح بما فيه..
- تبدو عنيداً مقارنة بسنكَ يا فتى..
- تبدين جميلة وفاتنة مقارنة بسنك يا جدتي..
- لقد إنتهى النقـاشُ وغدا ستعدمْ،جهز نفسكَ لتقابل جلاذناَ المخيف..
- ههه حقا لن يكون مخيفًا أكثر من وجهك يا أنسة..
كان أول شعوريسقط مني،....لقد فعل..سقطَ ثم صار له جناحينْ،وبدى لي يحلق كالفراشة التي كانت تثوق للحرية في سجن مـا،ظللتُ أخبرهم أني لم أجن بعد لزال عندي القليل لافعلهُ، ولكنهم تأكدوا بعْـدما رأوني أَلحَـق بمشاعري،تمنيتُ لو أستردَّ عافيتي بهذاَ إتباع المُقنـِعِ لكل ما يبدو لي جميلاً،لكنها كانتْ مجرذ خيالات تأتيني من شق نافذتي داخل نفس الزنزانة،حثما لقد شَقتْ،فثعبتْ معي طويلاً،أفكر كيف لها أن تستحمل كارثة بمثلي حجمي وأنا نفسي لمْ استحمِلهـا قطْ،كيفَ لمأسورٍ مثلي أن يعيش في قبسٍ من النور يتسلل في الخفاءِ كمجرمٍ جبانٍ بريءٍ ليسرق لنفسه لحظة من الراحة الأزلية،لست أرى نفسي مأسوراٌ بل أنا اكتر من بلغ قمة الحرية،منْ المأسور فينا هل هو أنـا الجالسُ تحت ثعبي أم أولائك الذين يعيشـون في الخارج محَمليِـن بأثعـابهمْ؟
أنـا لستٌ أسـيراً فكل ما يجعل مني كذلكِ،أجهظتهُ فحتى حطامي النفسي تركته في منفاي وعُـدْتُ بلاهُ،ما عُـدتُ أخدعُ ولستُ مضطراً لأصدق مجرمًا ناولني كأس كحوله المسموم،ها أنذا أصيح لآخر يومٍ في حياتيٍ،لستُ ناذما ولا قليلا عمَا فعلته منْ قبلْ،إني راضي تمام الرضى عن حالي مادمتُ سأعدمْ،سأنفى الى عالمٍ لن أرى فيه ما يخدشُ حيائي ،فيقتل عفتي،ويعدمَ فضيلتي،لنْ أكون هنـا لأرى أولائك المحبطين يتحسرون على أبناءهم المنحرفينْ،سأموت برضاي بشيء من الفخر لأني لمْ أرثْ في سلالتي مرضَ عاهرةٍ مسلوبة القوامْ،لنْ أفتخر سوى بموتِي كإنسانٍ بماضٍ أليمْ،لنْ يكون عليَّ أنْ اسمع من اطفالي صراخهم المرعبَ على رفاَتي ،لن يكون هنالك مانعٌ في تقبل العدمِ بصدرِ الرياضي المخادعْ،بحيلة المهرجِ النائمْ.لا تخافوا من الموتُ إنه لـحظة تشعرون فيها بأنكم ستنامونَ الى الأبدْ،تشعرون بأنكم لا تزالون تثوُقونَ لهذه الأرض الغريبة،لا تعودوا إنه فخٌّ واصلوا السير لتلك الحياة المجهولة لربما تجذون فيها ما يروق لنفوسكمْ…..
" صديقي لستُ يائساً على ما سيحدث ليِ،بمجرد ما سأموتُ ستراني كالمنزل المهجور الذي لن يكون له فائدة،لا تبكي لوضعه لأنه بالكادِ يَـحوي طيوراً وحيواناتٍ كانتْ لتكونَ أفضل من اي بشري ...."
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.