Horof

شارك على مواقع التواصل



* "صوفيا" ابنةٌ لِمتعلمٍ مَحدود الدَّخل، حَرص والدها على تعليمها ولَمْ يحرمها أيَّ شيء، فكان للأخير رحلةُ كفاحٍ ساعدَتهُ ألا يَلتَجئ لأحد
* وفي ولاية "ألاسكا" على الإقليم الهادئ، أمضَت "صوفيا" الأربعين مِن بداية خريف عُمرها .
* كانت "صوفيا" تعشق الطبيعة بألوانها الشتى المتعددة، تنظر إلى المنظومة الكونية المعقدة مِن مجموعة رؤىً ومُشاهَدات، نظرة الإبداع الإلهي الناطق في صور الكون الخلاب، وتطبع كل الصور بذِهنها، ترى فلسفة "اللاهوت" في كل أركان الكون تتحدث، فانصاعَت لها الطبيعة بشتى صورها مِن ألحانٍ وصورٍ وحكايات.
* إن مَلَكة الإحساس لديها وكأنها فيضٌ مِن سيلٍ عَرِم، يتناغم مع هزة أرضية في مركز شلال يُلقي بها في دائرته.
* وهناك في جزر "ديوميد" بمضيق "بيرنج" في تلك اللحظة التي تجلس فيها "صوفيا" وتدمج بمُخيلتها الأجواء الآسيوية الروسية مع الطراز الأوروبي الذي كسا جُزر "ديوميد"، حَنَّت إلى طفولتها في ذلك المشهد المُضطرب، حيث تقف المعلمات والطالبات المحجبات في بلدتها الأصلية الأفريقية، وهي ترتدي البنطال القصير ووالدها يصلح أعمال السباكة المدرسية، وأذنها على مسمع بصدى الكلمات الرجعية التي تسقط عليها.
هل هي " مسيحية " -
- هل ستموت "صوفيا " دون أن ترتدي الحجاب؟
لو أنَّ الكون بأسره تديَّن لَنْ تلتزم "صوفيا"
- أليس والدها بمتعلم وموظف -
لماذا أتَتْ مع والدها ؟
تلك المفردات العنصرية لَمْ تؤذي مشاعر الصغيرة وتحولها إلى أطلال، بَلْ أمدَّتْها بلعنة الاضطهاد التي أربَكَتْها، فتضاربت لديها الأفكار.
* أين الصواب، هل أكون مثل عائلتي؟ البرجوازية الفكر وأتضامن لفكرها أني طفلة في الثامنة من عمرها وأن الهداية ستأتي مع الوعي بعد أن تكتمل طفولتي،
وأن لكل شيء قدرًا وموعدًا من الله، يجب أن يتم ذلك عن اقتناعٍ حتى لا يُترَك، أم أنها منحرفة؟ مُعوجَّة السلوك لعدم مسايرتها للمحيط السائد من حولها.
* ظلت الأفكار كوحش بربري في أكبر معركة تتارية يقتل كل المعاني بداخلها، فانزوت داخل عالمها الصغير في اغترابٍ مجتمعي لا يتجاوب ولا ينسجم مع واقعها.
* هل من حق صديقتها المقربة التي أفضت لها بسرها أن تصف السر بالذلة؟ علي الرغم من أنها طفلة بعمرها، هل من حق أخرى حينما تراها تلهو في يوم عطلتها أن تذيع الخبر بالصف الدراسي؟ وكأنه جريمة!
* هذا الانزواء الذي جعلها فيما بعد على وعيٍ وإدراكٍ بأمور عدة.
* ففي أول مراهقتها وبداية تعليمها المتوسط عرفت معنى الموت وكيف يهجر الجسدُ الحياةَ تاركًا روحًا مؤنسة لمحبيها.
* كانت براءة "إلياس" ما جعلها تنظر إليه، نبضُ قلبٍ معصومٍ يشع حُبًا وأملا، ولكنه سرعان ما انضمر.
* ففي أثناء لعبها مع رفقائها الذين بالطبع هم أصدقاء أخواتها، ذلك الشعور الكامن لديها بالاضطهاد، جعلها لا تبدأ بالعلاقات.
* يوم العطلة والجميع يود الاستمتاع، تشاوَروا فيما بينهم حتى استقروا على الذهاب إلى مزرعة والد "ريتا" فسار الجميع بين البيوت مِن آخر طرف المصنع الجديد، الذي يعد أول مصنع بالبلدة، والنساء يحدقن ويتهامسن:
- أتوا الأجانب "الخواجات" على حد قولهن
- ما هذا؟ هل يجوز اجتماع الشباب واليافعات هكذا؟
- لقد أتَت "العاهرات".
* لَمْ يبالي المراهقين بما يقال، أخذوا يسرعون باتجاه شجر التوت الموزع على ضفاف بركة ماء المزرعة، وبالجانب الآخر ماء زرع الأرز، رفعن بناطلهن شبرًا وكذلك الفتيات، وبعض المزارعين ينظرون إلى سيقان الفتيات بشهوة، و"صوفيا" يدور بذهنها ألسنا أطفال؟
رفعوا أيديهم وأخذوا يدندنون وأعينهم تراقب سرب الطيور المهاجرة التي تتبع سيرهم وهي حرة في السماء (علي صوتك بالغُنا لسه الأغاني ممكنة).
* لعب ومرح وضحكات لَهوا بالبركة مع الضفادع ومياه صنبور الري تندفق بمسارهم، الصفصاف يسدل شعره على البركة يزينها، الصبية ينثرون الماء بأقدامهم على الفتيات ويتبادلون ذلك في سعادة وبهجة.
* وفي هويد الليل بعد يوم ملئ بالمرح يصدر صوت "ريتا " بعلو وهي تضع يدها على معدتها قائلة إني اتضوَّر جوعًا، انتبهوا وكأنهم في غفلة من أمرهم، نحن أيضًا لقد نسينا الطعام، نظرت أخت "صوفيا " الوسطى إلي شجرة التوت قائلة أفضل طعام اليوم هو التوت، قال أحدهم: ومن سيتسلق الشجرة لجلب التوت، قاطعه " إلياس" طويل القامة بيننا والأخف وزنًا، نظروا حول أنفسهم وفي صوت جماعي إنها "صوفيا"، قاموا بحملها فوق أيدٍ متماسكة متشابكة، وأمسك "إلياس" بقدمها، صعدت تَجمَعُ التوت وهي لاهيةٌ لأن لمسة الحنان التي اكتسبتها من يَدِ "إلياس" الحنونة لها سحر لَمْ تعرف مذاقه ولَمْ تحسه قَطُّ من أحد وخاصة والدتها.

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.