Horof

شارك على مواقع التواصل

صوفيا

* عند بداية مراهقتي، لَمْ أجد إلا شعور التفرقة من والدتي، قد يرجع ذلك لتعلقي بوالدي منذ طفولتي. فهل من حق والدتي أن تُفشي أدقَّ أسراري إلى والدي على الملأ؟ كنت أجهل سمات البلوغ ورغم شغفي بالقراءة، إلا أني لَمْ أقرأ عن البلوغ قَط، فقد قرأت عن السندريلا وفتيات ديزني الحالمات، فبدلاً مِن أن تخبرني بما يطرأ على جسدي النحيل، بات الأمر بمثابة عقاب لي، مع كل خطأ لَمْ أعيه سأخبر والدك، والأخير انتزعني من أحضانه فهو متخبطٌ أيضًا، ما يشوش فِكْرَه هل أنا جريئة لإثارة جدالٍ كهذا وأجعل صوت أمي الذي لا يسمعه أحد يرتفع فيعلم ما بيننا من خصوصية، لَمْ يقل أحدٌ أني أجهل ذلك نخبرها أولاً ثم أنال عقابي إن أخطأت، وظلَّ ذلك معي طيلة حياتي.
* خبأت مشاعري الكامنة تجاه "إلياس" التي لا يشاطرني إياها وباتَ حلمي مذاق التوت الأحمر مع لمسة أنامله الدافئة، وأنتظر بلهفة عطلة أخرى يكون فيها معي وأُمَنِّي روحي أن أحادثه وتنعم أذني برنيم صوته ، أصعد البهو لأعتلي السلم الخشبي وأكون على سطح المنزل في الغسق لأراه وهو يلعب حجر النرد مع جده، أنتظر يوم الثلاثاء بشغف لنتشاطر سويًا الزقاق الضيق خلف المنزل بمحاذاة منزل جده لنذهب لدرس العلوم دون أن نكون سويًا فهو دائما ما يكون أمامي وأنا أتعقبه.
* وفي مساء يوم ممطر وعاصف جالسة على الأريكة الجلدية تحت شرفة الصالون، أراجع دروسي وأراقب المطر والطيور البريئة تهاجر من العواصف ومنها من تصدمه العاصفة ويتخبط بالأشجار العالية ويموت قبل أن يصل عِشَّه ، خرق الصمت صوت الهاتف فانتفضت من الرعب وكنت مذعورة من المشهد السابق أمسكت سماعة الهاتف وبصوت مذعور أجَبت قائلةً :
- من معي؟
- أنا "روزيل" والدة "إلياس" هل ذهبتِ إلى مجموعة العلوم اليوم ؟
- بلى
- أضافت (يمكن أن تخبري "إلياس" بالموجز من أجل الامتحان لأنه سيؤديه بالمستشفى غدًا ..
- لماذا؟
- (أصيب بسرطان الدم)
- أعطني إياه لأحادثه .. (أول مرةٍ أتحدث إلى شاب ومن يكون؟ إنه "إلياس" بطل لَهوي ومشاعري التي أحياها في غربة نفسي الحديث الذي انتظره منذ زمن يكون بدايته هكذا وأي قدَرٍ سأواجه) قاطَع أفكاري بصوت يطارده شبح الموت
- هل ستخبرينني بالموجز؟
- أجبته بصوت يكاد يُسمَع ونفَسٍ مخنوق، شرحت له الموجز وأغلقت الهاتف دون أن أواسيه وأنا مَن يستحق المواساة
*استيقظت صباحًا في يومٍ مليءٍ بالغيوم سِرت في نفس الزقاق خاصتنا والشبورة تحجب الرؤية وصلت لجنة الامتحان متأخرة أمسكت الورقة والقلم سكبت ما يجمعه ذهني ، فكل شيء مشوش ما إن وقع قلمي حتى سمعت صوت ميكروفون عربة منادي الموتى لقد توفي "إلياس" ..
دفنت حزني مع دموعي في قلبٍ تعلم البكاء في صمت ، وفي مراسم العزاء أخذت جانبًا أجلس فيه أسفل صورته ليكون حديث جده عن حبه ل"لارا" التي كانت تلهو معنا ولذلك كان يقطن بيت جده.
* ذهبت اللمسة الحانية ولَن يأتي بعدها إلا الجفاء، ما مِن أحد يشاطرني قدري الشجين وأطلال قلبي الباكي، أخذت ورقةً وقلمًا وسجلت أول كتاباتي وأنا أرى روحه الطاهرة، فكانت تعيش معي دائمًا ولا تفارقني .
* أخذت أبحث عن الحنان في كل شيء غير ناطق، حتى لا يُشَهِّرَ بي .. القطط و الدُّمى والتي أعتبرهما بمثابة عائلتي الحقيقية، وعندما يراني المارين أحملها أمام منزلي أسمعهم بصوت عجرفتهم المُنتقِد دائمًا :
- إنها فتاةٌ تنجب وتحمل دمية .
أليس من حق طفلة بالحاديةَ عشرةَ من عمرها أن تحمل دمية؟ سَمِع مَن بالبيت أقاويل المارة، فحرمني والدي مِن حمل دميتي، صاح الكل فيَّ وقام أخوتي بربطها في السرير لأزداد بكاءً، فلم يدرك أحدٌ أنها مصدر الحنان الذي لا يؤذي ولا ينطق، ولمسة "إلياس " لقدميَّ .

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.