Horof

شارك على مواقع التواصل

الصفحة الخامسة
هل هناك أخرون؟


جلس الأول القرفصاء، وحاول أن يهدأ قليلًا، وفكر في نفسه "يبدو أنه وحيد مثلي، ولربما في معرفته بعض الأنس لي".
ثم قال له:" اجلس يا رفيقي، وأخبرني بالله عليك، هل نحن في الظلام، أم أنني لا أرى؟"
جلس الثاني بجواره، و نسي غضبه، كأنه لم يغضب قط، و أجابه:" أظنه ظلاما، فكلانا لا يرى شيء، و لكنني أؤكد أنه نفس المكان الذي وجدت فيه طوال حياتي"
قال الأول، وهو مقطب الجبين مفكرًا: "أنا كذلك علي يقين أنه مكاني الذي عشت فيه طول عمري، ولكنني كنت دائمًا بمفردي، و لم أكن أراك، أو أشعر بك. كيف ذلك؟، وهل يا ترى يوجد غيرنا، و لكن الظلام يحجبهم؟"
رد الثاني:"وأنا ايضًا لم أكن أشعر بوجود شخص أخر، فقد كنت دائمًا وحدي، ربما ذلك لأنني لم أكن أستطيع الحركة قبل الآن"
قاطعه الأول:"وأنا كذلك لم أكن أستطيع الحراك حتى سمعت الصوت الملائكي يناديني الآن"
قاطعه الثاني كذلك: "نعم .. نعم، وأنا أيضًا قدمت عندما سمعت الصوت الملائكي، وأظن أنه لو كان هناك آخرون لكانوا هنا عندما نادانا الصوت الملائكي"
قال الأول متأملًا:"معك حق، و لكن ما المانع أن ننادي عليهم، أو نسبح بحثا عنهم"
رد الثاني بخوف:"دعنا ننادي فقط، فأنا أخشى أن نضيع من بعضنا في هذا الظلام"
قال الأول بحماس:"أجل معك حق، ولكن ما المانع أن نتحرك سويا، و نحن ننادي"
ثم أتبع قوله بالفعل، ولامس يد الثاني كأنه يمسكه، وأخذ يسبحان، وهما يناديان دونما جواب، حتى كلا، فقال الثاني: "أظن أنه ليس هناك آخرون، فلا أحد يجيب نداءنا"
أيده الأول قائلًا: "أجل، أظن ذلك"
جلس كلاهما كما اتفقا، وإن كانا يلهثان من التعب.




الصفحة السادسة
الصوت الملائكي و الطبول


كان الصمت سيد الموقف، فقد كانا متعبين من النداء، ولكن الأول قرر أن يقطع الصمت، وقال مفكرًا: "أتدري كنت أسمع ذلك الصوت الملائكي يناديني، ويغني لي، ويحدثني يوميًا"
جذب انتباهه قرعًا مثل قرع الطبول، فسأل الأخر باهتمام: "هل تسمع تلك الدقات المنتظمة؟، إنني أسمعها طوال الوقت. أتدري عنها شيء؟"
رد الثاني ببساطة: "إن الصوت الملائكي دائمًا ما يسمي نفسه أمي، ولهذا كنت أسميها بهذا الاسم. وكم كانت فرحتى غامرة إن استطعت أخيرًا الحركة لأسبح تجاهه، ولكنني لم أكن أعرف أن هناك جدارا مرنا يفصلنا عنه، غير أنه من المريح في ذلك الجدار أنه ينقل إلينا تلك الرتبات المحببة"
ثم صمت قليلًا، وأردف: "أما تلك الدقات فأظن أنها طبول، ولكن العجيب في الأمر أنها مرتبطة بالصوت الملائكي بطريقة ما لست أدري عنها شيئًا"
التفت له الأول على الرغم من أنه لا يراه، ولكنه يشعر أنه في هذا الاتجاه، وسأله: "ماذا تعني بأن تلك الطبول مرتبطة بذلك الصوت الملائكي؟، وكيف ذلك؟، فأنا لا أرى أى رابط بينهما؟"
أجابه الثاني: "أما عن الكيفية، فأنا لا أعلم، ولكني أعرف أن دقات الطبول تختلف مع اختلاف الصوت، فإن غضب الصوت ازداد القرع صخبًا بشكل مفزع، وإن حدثنا صار القرع هادئًا حانيًا، كما أن القرع يصبح سريعًا، ولكن محببًا عندما يتحدث مع صوت أخر قوي ذو نبرة دافئة يسمي نفسه بأبي، فيصبح الصوت الملائكي رقيقًا، وهكذا. هل فهمتني؟"
هز الأول رأسه دلالة على الفهم، لكنه تذكر أن الثاني لا يراه، فقال: "أجل فهمت"، ثم لاذ بالصمت.



الصفحة السابعة
آدم و أكرم

بعد برهة من الصمت سأل الأول: "ما اسمك؟"
رد الثاني ببساطة مستفهمًا: "أيجب أن يكون لي اسم؟"
أجابه الأول ببطء: "أظن ذلك"
هز الثاني كتفيه، وهو يقول: "فليكن. إنني دائمًا ما أسمع الصوت الملائكي ينادي باسمين، ولا أدري أيهما أنا"
هتف الأول بلهفة: "أتقصد آدم وأكرم؟، إذن فأنا أكرم"
ضحك الثاني بشدة حتى انقلب على ظهره، ثم قال بعد أن تمالك نفسه: "و أنا آدم"
شعر آدم بصمت أكرم، فسأله باهتمام: "ماذا هناك يا أكرم؟"
رد أكرم بخوف مشوب بالحزن: "أخشى أن أكون قد أغضبتك باختياري اسم أكرم، وأنا آنست بك كثيرًا، ولا أريد أن تتركني وحدي مرة آخرى"
تحسس آدم حتى وصل إلي يد أكرم، و ربت عليه بحنان، وقال: "كلا يا أكرم، و إن كنت متسرعًا قليلًا، فأنا أحببت وجودك معي، و لتتأكد من ذلك هيا بنا نلعب سويا"



الصفحة الثامنة
اللعب



كانت رتبات آدم ذات واقع جميل على آكرم، كما أن كلماته جعلته يبتسم، فقال من بين شفتين مزينتين ببسمة وضاءة: "أجل أحب أن ألعب معك"
ثم حلت الحيرة محل الابتسامة، وأكمل سائلًا آدم: "ولكن ماذا نلعب؟"
فكر آدم قليلًا، ثم سأله: "ما رأيك بلعبة الأسرع في السباحة؟"
أعجبت الفكرة أكرم كثيرًا، فوافق عليها بحماس.أخذ الاثنان وضعية الاستعداد، ثم انطلقا في سباق ملئ بضحكاتهما. كان كل منهما يتقبل فوز الآخر عليه بمرح، ويحاول أن يتغلب عليه في الجولة الثانية، فيغلبه، وهكذا.
ظلا كذلك لبعض الوقت، و هما يلعبان بلا كلل أو ملل، حتى سمعا الصوت الملائكي يناديهما باسميهما، ويضع يده لهما خلف الجدار مطالبًا إياهما بالهدوء، فقد عانت أمي كثيرًا.




0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.