Horof

شارك على مواقع التواصل


أول أمسية شتوية

مساء الخامس والعشرين من نوفمبر 2000

أنا نادية أعود إلى البيت بعد الانتهاء مِن الامتحان وبعد وداع رفيقاتي تمهلت أؤخر قدمًا وأمهل أخرى وأتمنى أن ينسدل المطر وأحويه بذراعي حتى وجدت رصيفًا تخيلته حبلاً وأخذت أبدل ساقي عليه وكأني بسيرك كبير حتى رطمني شاب بدراجته سقطنا سويًا على الأرض وكانت ضمة القدر، كسر المشهد أصدقاؤه مِن الخلف صالح هيا تأخرنا على السباق اعتذر مني وغادر مهرولاً ولَمْ تخذلني الطبيعة و غطاني المطر بعدها أمضيت أمسي أفكر في صالح ولكن كيف أراه مجددًا وأنا لا أعلم عنه سوى اسمه، تركت ذلك للقدر فكل شيء في حياتنا يسير بقدر وقضيت ليلي بجانب الشرفة أراقب الأمطار وأرسم بنداها حروف اسمه على الزجاج حتى غفوت مكاني أتى الصباح أملاً مشمسًا رغم قساوة الطبيعة أمس أيقظني نور الصباح المنبعج من الخارج فتحت الشباك مطلة أستنشق أول أنفاس الصباح ثم ذهبت لأخذ ضمة مِن أمي فقد أصبحت كل شيء لديها بعد هجرة أبي لنا، ولا تواصل معه إلا في رسائله التي تمطر عيني أمي لقراءتها، سرت على أطراف أصابعي حتى وصلت غرفتها قدمت نحوها وعانقتها مِن الخلف وأنا أشتم رائحة الياسمين بها، ليس عطر الياسمين وحده ما يميز أمي ولكن دفء عينها التي كلما نظرت إليها تشملك بين جفونها ونبرة صوتها القراحة الحانية، غفوت وأنا أضمها كطفلتي، بعد ساعة أفَقْنا استعدَّت أمي للذهاب للتسوق ارتدت معطفًا على سروالٍ واسع وغطاء رأسها بعد أن أشعلت المذياع على إذاعة القرآن الكريم، السماء توزع أمطارها وصوت المطر يؤنسني وأنا أتخيل الشاب خاصتي صالح، أنجز الشاي بنكهة القرنفل مع بعض الفطائر لوجبة الصباح، عادت أمي تحمل حقائب بلاستيكية مليئة بالخضار والفاكهة قابلتها بابتسامة فهي إن غابت عني دقائق افتقدها قمنا بتناول الفطور وصمت أمي يملأ الأجواء ،قضينا نهارنا هي بين المطبخ وحجرتها تسترق النظر إلى خطابات أبي وأنا أقرأ رواية لفيودور دوستويفسكي وبعدها حلَّ المساء ضجعت على سريري بمفردي أتابع قطرات المطر وهي تعزف معزوفتها الراقية ليمضي الشتاء ولا يطرأ علينا مُستَجد وحلَّ الصيف والروتين لا يفارق أيامنا وأتى الخريف بآخر عامٍ لي في الثانوية.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.