Horof

شارك على مواقع التواصل


أن تضع وقفة لحياتك هو
المكسب الحقيقي لنفسك


كسب الذات والتخلي عما يحزنك هي بدايةٌ لنفَسٍ جديد يكسبه الصدر دون أنين قررت أمي الانفصال عن أبي حل مساء الثامن عشر من فبراير 2001، يهطل المطر بالخارج متزامنًا مع نحيب أمي ولأول مرة تستدعيني وهي في تلك الحالة ذهبت إليها ضمتني إلى صدرها بشدة قائلة طفلتي لو كان بمقدوري تحمل ذلك الوضع أكثر لتحملت لأجلك ولكن أين أنا؟ غارقةٌ في أنقاض الماضي لا بد أن أنفصل عن والدكِ , لَمْ أمانعها فكل ما لدي مِن شفقة كان عائدًا إليها، بقيت على صدرها حتى الصباح ومع أول خيوط النور أيقظتني أمي وجدتها أنيقةً ماحيةً أثر الإحباط من عينيها قائلة هيا نادية استعدي سنقضي نهارنا بالخارج تأنقت مثلها، أخذت أمي مفتاح سيارتها وتولت القيادة والمطر ينهال والسيارة تجول أسفله أسمع دقات قلب أمي والدعاء بداخلي مناجاةٌ لا تنقطع ، حتى توقفنا عند مطعم للبيتزا، أخذت طاولة بجانب الحائط الزجاجي اخترت بيتزا المارجريتا وانتَقَت أمي واحدة بالأنشوجا مع المخلل والكاتشب وعصير البرتقال الطازج، جلبت أمي بطاقة مِن حقيبتها حاملة رقم هاتف استأذنت النادل لإجراء مكالمة وبعدها توجهنا إلى مكتب المحامي الذي كان في قصره الكائن بجوار الحديقة الخاصة لحَيِّنا، قام حارس القصر بفتح بوابته وكأنه على عِلمٍ بقدومنا، دخلنا بالسيارة وتوسطنا أشجار اليقطين حتى صففنا أمام لوحٍ حجري منقوش باللاتينية ولكني تمكنت من ترجمته (لا تدَع في قلبك شيئًا فلا مكان للعواطف فهي دائمًا ما تقيدك) دقت أمي الباب فتحت الخادمة ودخلنا وإذا بصالح في غرفة صغيرة على اليمين يشعل النار ويلحم الزجاج، تأجج صدري بموقده، صوتٌ رخيم يعيدني إلى يقظتي مرحبًا هالة مرحبًا رمزي يبدو أنهما على معرفة بعضهما البعض، دخلت أمي مكتبه وبقيت أنا بجانب السلم مستلقيةً على كرسي أمام الحائط الزجاجي الذي يظهر الحديقة الخلفية، ما حبهم في اليقطين ليملأ حديقتهم، نفس الصوت يقاطع أفكاري ولكنه صوتٌ صَبيٌ صغيرٌ نوعًا ما .. إنه صالح .. رأيت البلبلة على وجهه ولا يعلم كيف يبدأ حديثه فبدأت معه نادية بآخر عام بالثانوية صالح تخرجت العام الماضي من كلية الحقوق، هل ربحت سباق الدراجات الشتاء الماضي؟ ـ كنت على يقين أني أحتل تفكيركِ مثلما فعلتِ بي تمامًا، تبادلنا الحديث وثمة عجرفة طاغية منه أضْفَت وقارًا على شخصيته أو أبدته أكبر سنًا ولكني بحاجة إليه أنهت أمي عملها وأمضينا الشتاء في إنهاء قضيتها وأنا يشاركني عطلاتي صالح، لا سيما بعض الأمسيات، نقضي دقائق منها على الهاتف، أتى الصيف ببشرى لأمي فقد أنهت علاقتها بأبي واستقر داخلها، حتى بعد فترة لَمْ أجِد الحزن في عينيها ووهبت نفسها لي وللجمعيات الخيرية لاسيما ترجمة بعض الكتب والمقالات الإيطالية فهي اللغة التي درستها وتجيدها، طوت صفحة الماضي من حياتها.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.