كنت وعدتكم إني أكلمكم عن الجنس ..المتكافيء والمنكفيء
فرويد اهتم قوي بموضوع الجنس ده، وكتب الكتير من كتبه يشرح ويحلل ويفسر لنا هذه الطبيعة الجوهرية تمامًا- عن حق - عند الإنسان، فرويد قال كلام كبير عن صراعات الإنسان مش بس مع المجتمع والعادات والأعراف والتقاليد والموروثات التاريخية لكن كمان مع الإنسان ونفسه، وقسِّم النفس البشرية لتلات درجات : الهُوَ والأَنا والأنا العُليا .
الهُوَ هي الأصل، هي المَنبع والأساس، اللي مالوش أي علاقة لا بمجتمع ولا دين ولا اقتصاد ولا سياسة، هي المُتَحكم والمُسَيطِر والمُهيمن على كل سلوكيات البشر، الأكل والشرب والإخراج والجِنس، مافيش بشر ولا حيوان ولا أي كائن حي ماعندوش الأربع حاجات دول، لكن بييجي المجتمع ويهذبهم ويطورهم ويقشطهم ويصنفرهم على مر الزمان وحسب كل مجتمع وكل طبقة اجتماعية، فالقيصر زي العبد عنده نفس الاحتياجات اللي بتقررها "الهُوَ" لكن طريقة تنفيذها وممارستها بيختلف عند الاتنين - أعتقد عدا الإخراج - فالقيصر بياكل بالشوكة والسكين وطعام من أنواع معينة ومطبوخ كمان بطريقة معينة، بتختلف كل الحاجات دي عند مَن هُم أقل منه مرتبة حيث قد يتناولون طعامهم باليد وأنواع أردء وليس بطريقة الطهو نفسها، وعن الجنس فأعتقد إن الأحاسيس واحدة في مراحلها المختلفة حتى في الممارسة عدا الاتيكيت وأنواع البارفانات والفَرش والأغطية وكلها أشياء ليس لها علاقة مباشرة بالطريقة نفسها التي تتم بها ممارسة الجنس كحركة وإفرازات ولمسات وولوج .
إذاً ومع تطور الإنسان بدأت تنشأ طرق مختلفة للإشباع الجنسي، فالطفل الصغير يبدأ مبكرًا التعرف على أعضاؤه الجنسية ويستطيع التفرقة بين عضوه الذكري وعضو الأنثى، ويبدأ في لمس نفسه والتعرف على قدراته، وفي نفس ذات الوقت يبدأ المجتمع في وضع ممنوعاته وممنوحاته ومسموحاته، فالممنوعات كلها للأنثى والمسموحات كلها للذكر، فبينما يتباهى الآباء بعضو ابنهم ويضحكون عاليًا إذا تعرى وطرطر مثلا قدام الضيوف ويسارعون دائمًا إلى أن تخفي البنت عضوها وعيب ياماما كده وإخص ويالهوي، إقفلي رجليكي، غطي نفسك، ولا يجيب الآباء أبدًا على سؤال ( أنا جيت منين؟ ) .
وفي مرحلة متقدمة يبدأ الاستكشاف، يمكن الطفل يكون شاف أمه وأبوه وهما مع بعض، واعتقادًا منهم إنه مش فاهم فمش بيهتموا، وممكن يكون شاف في التليفزيون اتنين بيبوسوا بعض، وتبدأ ألعاب الاستكشاف الأولى، ومين منا وهو صغير مالعبش عريس وعروسة؟ لما الولد يحاول يبوس البنت زي الأفلام فينتصب عضوه تلقائيًا ويكتشف في نفسه حاجة مش عارفها طلعت له فجأة، ولا دكتور وعيان؟ لما يتعرى المريض -وغالبًا هو البنت علشان الولد طبعًا هو اللي هيبقى دكتور لما يكبر- فتتعرى البنت ويقوم الدكتور بالفحص ولمس أعضاء البنت، أو تتعرى البنت ويمثل الدكتور دور إنه بيديها الحقنة؟
كمان في المدرسة بيبدأ الجميع يختلط ببعضه ويتم تبادل المعلومات وقد ينتهي بهم الفضول لمحاولات لمس بعضهم البعض ولاد مع ولاد أو بنات مع بنات أو في حالة اختلاط الجنسين أو وأكتر من كده محاولات الإدخال الفعلية من الخلف .
كنا بنتكلم الأول عن فرويد اللي قال لنا إن "الهُوَ" دي غرائز طبيعية مغروسة عند كل البشر، كامِنَةٌ داخله، تشكل أساس الحياة عند كل الكائنات الحية، ومع ذلك تختلف طريقة ممارستها من إنسان لآخر ومع تطور المجتمعات مع البشر خصوصًا بشكل عام، ومفيش قاعدة عامة بتحدد طريقة كل واحد في ممارستها أو التمتع بها، ليه احنا بنسمي بعض الناس "شواذ" أي خرجوا عن إجماع باقي البشر بوجه عام في طريقة ممارستهم أو إشباعهم لغرائزهم بشكل عام والجنسية بشكلٍ خاص؟ مع أن مافيش قاعدة عامة بين البشر حددت لهم ازاي يعملوا ده أو مايعملوهاش؟
طبعًا الدين خصوصًا بعد مانزل حرَّم هذه الطريقة واعتبرها مخالفة للدين وجريمة كبرى ومع ذلك لَمْ يَمنعْ انتشارها في بلدان كبيرة، هل هو خلل وظيفي أم مرض؟؟
ماعلينا، كنا بنقول إيه؟؟
وقالنا فرويد كمان جنب ده إن الجنس هو محرك التاريخ وإن أغلب الطغاة هم عاجزون جنسيًا، فإذا لَمْ يستطِع الإنسان إشباع رغباته الجنسية إطلاقًا أو بشكل متكافيء من الممكن في النهاية أن يتحول لوحشٍ كاسر، عصبي ديكتاتوري هائج يحطم كل ما أمامه، فما بالك لو كان صاحب سلطة، ماذا يفعل جائع إن مَنَعتَ عنه الطعام لأيام؟ أو منعت الماء عن عطشان؟ كذلك الجِنس ...
كان الإنسان البدائي يصطاد الحيوانات ويأكلها نيئة، ويشرب حتى من المياه الآسِنَة ويمارس الجنس حتى مع الحيوانات، - أو يمارس العادة السرية التي لازالت وسيلةً للإشباع - ثم وضعت المجتمعات والدين القواعد والقوانين المُنَظِّمة لِكُلِّ هذه الغرائز فحوَّلَتها بدورها إلى طرقٍ مختلفة لا تستطيع تخطيها أو الخروج عنها .
وهنا نشأ الصراع الأبدي بين "الهُوَ" و "الأنا" وحتى "الأنا العليا".
الصراع بين ماهو ممنوع وماهو مرغوب، بين ما هو عليه وما الذي يجب، بين الموجود والمفروض، بين المُتاح والمرفوض، بين رغباتِنا المزروعة بالداخل وبين قواعد وقوانين المجتمع التي يجب أن نسمو بها حتى تصل إلى عالَم المُثُل العُليا، الكمال .
وده صراع دائم وأبدي ومستمر، بيحاول الإنسان من خلاله التوافق والتأقلم مع ماهو داخله "الهو" وبين نفسه الاجتماعية "الأنا" وبين مايصوره له المجتمع من صورة الإنسان المثالي الخالي من العيوب المُتَمتع بالكمال "الأنا العليا" بين البيولوجي والسيسيولوجي والأنطلوجي، كيف يتم تطويع الجسد والعقل والقلب والروح خلال تلك المراحل؟ وماهي مسيرة المعاناة اليومية التي يقطعها البشر في التوافق والمُحاكاة والتأقلم مع هذه الذوات المختلفة؟ وهل ينجح؟ وما الذي يتغلب عليه في النهاية؟ وهل يمثل هذا التغلب تغير جوهري فعلاً أم إنها مجرد قشورٍ خارجية يتزين بها البشر ليبدو أمام الجميع مثالي؟
زمان أيام أبَّهاتنا وأمهاتنا - هنقسِّم الموضوع لتلات أجيال وبما إني من جيل الوسَط ، ففيه جيل سابِق وجيل لاحِق - في الجيل السابق كانت ممارسة الجنس إفراغ للطاقة وفقط، بالنسبة بس للراجل وكانت الستات مجرد وسيلة أو أداة لإفراغ هذه الطاقة، ومش مهم المتعة المهم الإنجاب، وبالنسبة للستات الموضوع خارج الشعور تمامًا، هُنَّ لا يدرين ولا يسمعن عن موضوع المُتعة أو الذروة، بل أنه من العيب والحرام أن تشعر بهم المرأة، فِعل من طرف واحد إفراغ لمقذوفات داخلية كالتبول تمامًا، طيب إذا كان الحال كده ليه الراجل بيعرف ستات على مراته؟ ودي عادة قديمة منذ الأزل، ومُتَوارَثة عبر الأجيال المُختلفة، إذاً الكلام ده غير دقيق، ولابد أن يصاحِب المتعة الشعور بالمتعة، وإذا لَمْ تجده بالطرق (الشرعية) فلابد أن تبحث عنه في مكانٍ آخر .
هل معنى كده إن الستات ماعندهمش نفس الشعور بالمتعة اللي بيحس بيه الراجل؟ طبعًا مفيش حاجة علمية بتأكد الكلام ده، وده بقى دور المجتمع اللي بيربي البنت على أسطورة العيب والحرام فبيمنعها من التجاوب والشعور والوصول للإحساس بالعملية الجنسية للذروة أو معرفة إنها ممكن أو يجب أن تستمتع من أصله .
هل كان مِن الممكن لأمهاتنا الاعتراض على تلبية رغبات الزوج مهما كانت صحتها الجسدية أو النفسية، هل كان مِن الممكن لهن الشعور أو التصريح أو التلميح أو حتى مجرد التفكير في أنها لاتنال الاستمتاع الجنسي الذي يناله الرجل، هل كانت على علم بأن لها إفرازات تقذف هي الأخرى مثل مقذوفات الرجل؟
فضلاً عن شيوع عمليات ختان الإناث المُنتشرة واللي بتحرم الست وبحق من ممارسة حقها في العملية الجنسية كاملة كالرجال، ومسألة الخوف والخجل اللي بتتربى عليهم الستات أحسن يتقال عليها صايعه ومُجربة .
افتكر مرة سألت أمي عن شكل عضوها الأنثوي، وما إذا كان فيه أجزاء بارزة خارجية وإذا كان ده طبيعي أم لا؟ فأجابت (إنه مجرد خُرم، بلا أي أجزاء خارجة أم داخلة) وصديقة سودانية أخبرتني إنهم يقطعون حتى الشفة الخارجية.
كل هذه الأشياء تمنع الجسد من المتعة الحقيقية، وليست طبيعة الرجل وطبيعة المرأة، فطبيعة الرجل النفسية والاجتماعية تختلف اختلاف كُلِّي عنها عند المرأة وهذا مايخلق التفاوت الحسي والرغبة الجنسية عند كل منهما، وليس التكوين البيولوجي المختلف كما يُشاع .
كانت أمي يعتريها الخجل ويحمر وجهها إذا ما سألناها سؤال جنسي حول طبيعة علاقتها بأبي، وحول عدم اهتمامها بنفسها مما يجعل عينه تزوغ على نساء أُخريات، وكان ردها الوحيد والدائم (بس بلاش قلة أدب) وهذا في السنوات الثلاثين المُبكرة من الحياة، وكنت وقتها في بدايات وضع البيض والرقاد فوقه استعدادًا للفَقس، وكنت أريد معرفة كل شيء عن كيفية وجود البيض وكيفية الرقاد ومرحلة الاستعداد للفقس ثم مرحلة استقبال الفراخ الصغيرة عندما تتم عملية الفقس، فكنت أسأل وأستقصي وأجمع كل المعلومات المُمكنة كي تَتِم العملية بنجاح، لكنها أبدًا لَمْ تُساعدني .
فابتعدت وانزويت وتجاهلت كل ماتقوله أو تفعله، بل وكرهته وأصابني الاشمئزاز منه وتمنيت طويلاً ألا أمُر بمراحل تلقيها هي لفراخها - ثعابينها - وأن أفقِس شيئًا مختلفًا، أن أطرح عصافير بدلاً مِن الثعابين .
البدايات كانت بالنسبة لي مُشَجِّعة، صبية جميلة مُنفتِحة على العالم حرة طليقة، تنتقل كالفراشة من مكان لمكان، عصفورة تَحُط على كل فرع تتذوق عصارة الأشجار لفترة، فإن أعجبتها استقرت وإن لَمْ تَنَل الرضا طارت، لكن كَمْ مِن مرة طردتها الأشجار بنفسها، ربما هي القطرة الأولى فقط، ثم الاكتشاف، حظي العاثر اختيار الأشجار الجافة غير المُثمرة، سوء اختيار؟ سوء حظ؟ بلاهة الطفولة؟ لست أدري .
ما الذي يجعل طفل ذو سبع أو ثمان سنوات يُحِب؟ وكيف يعرف إنه يحب؟ ماهذا الشيء الغامِض الذي تحرك داخلنا فيجعلنا نشعر بالسعادة والشوق واللهفة لرؤية شخص ما محدد بالذات وليس غيره؟ وماهذه النشوة التي تطغى على الجسد والقلب والروح حين تلتقي الأعين أو تتلامس الأصابع؟ أو تتعارك معه على مقعد في الصف؟ أو تتسابق معه في سرعة الإجابة على سؤال؟ أو تتشاجران لجذب انتباه بعضكما لبعض؟
أعتقد إنه من الممكن تفسير مشاعر الخوف أو الغضب أو الكراهية، سهل وصفها عن مشاعر الحب، الحب مش بس الإنجذاب أو نظرة العين أو خفقان القلب، مُعضِلة الحب في لماذا هذا الشخص بالذات؟ وهو ليس مُتَفرِّدٌ بين أقرانة، وقد يتشابه في شكله وطباعه وصفاته مع آلاف أو ملايين غيره، وقد يصبح مع مرور الوقت والانكشاف أكثر وأكثر ليس هو مَن تخيلت أو مَن اتجهت إليه بِكُلِّي، أو مانطلق عليه حُبًا، ليس عيبًا في الشخص وتغيراته، ربما الاعتياد؟ ربما الملل؟ ربما عدم الإشباع؟
هذا هو بالتحديد ماأرمي إليه "الإشباع" الجِنس المتكافيء والجنس المنكفيء !
فالجنس عامل أساسي وضروري في العلاقات العاطفية، خُذْ مثلاً في الأجيال الماضية، فعلى الأغلب الجنس فيها كان مُنكفيء، وما استمرارها فترات طويلة أو عدم انفصال الوالدين ماهو إلا ضغط اجتماعي، الناس يقولوا إيه، وأهلي، وأولادي؟ لازم أقعد أربي العيال، كمان لو مشيت هصرف منين؟ هروح بيت أبويا يوكِّلني؟ - إن كان لازال على قيد الحياة - هرجع بيت أبويا تاني؟
كلها أسئلة تدور في ذهن الأمهات المفتقدات للإشباع في العلاقة المُنكَفِئة، وأيضًا كما ذكرنا إنه لايهم أو عيب اختشي أو انتِ بتتكلمي عن إيه بالضبط؟
والمشكلة ممتدة في جيل الوسط فرغم اختلاف طبيعة المرأة وحصولها على التعليم والمعلومات، يظل الجنس شُغلها الشاغل، فمن عبادة الرجل وتلبية جميع رغباته ومحاولة إرضاؤه بكل السبل، إلى التمرد والانفصال وزيادة حالات الطلاق في المجتمع، يبقى اللغز قائمًا، ويبقى عدم اكتشاف اللذة الجنسية عائقًا أمام انكشاف زيف المشاعر التي تسمى حبًا، وتبقى الخناقات والعراك على كل ماهو تافه وصغير هي القناع المُستَتِر والذي يتخفَّى ويختفي تحته الفشل في الإشباع.
وأكيد أن هناك لحظات استثنائية في العلاقة الزوجية المنكفئة التي يُشبِع من خلالها كل طرف الطرف الآخر، فيكون يومًا مبهجًا، سعيدًا يرفرف الفرح فيها على جوانب الحياة المعتمة، ويتجاوزون العراك على المسائل الصغيرة، ويَعُمُّ الرضا ومن الممكن أن تنتهي بفسحة حلوة على النيل أو في البحر، أو فستان حلو أو قميص نوم شفاف أملاً في تكرار التجربة.
لكن كل هذا استثناء وليس قاعدة.
طيب كل ده في الجواز، اُمال إيه قبل الجواز؟
قبل الجواز يعني تقريبًا سِن محددة، فترة المراهقة، وإذا اتكلمنا عن جيل الوسط فهو العشرينات، زي ماقُلنا إن فرويد قال لنا عن صراعات تلاتة "الهو" و"الأنا" و"الأنا العليا" في المرحلة العمرية دي بيضغط المجتمع بكل الطرق والوسائل الاجتماعية والدينية على الشباب للوصول للأنا العليا، للمُثل والجمهورية بتاعة أفلاطون، حيث كل شيء على الأرض له مثاله فوق، ومانحن إلا نموذج لَمْ يكتمل لحياة تانية خالص، وعلينا دايمًا أن نسعى ونتطلع ونطمح ونطمع إننا نوصل لها، فيتشكل عندنا وهم المثل العليا، والحب الأفلاطوني و (الحب من غير أمل أسمى معاني الغرام) و (عشق الروح مالوش آخر لكن ده عشق الجسد فاني)
وتساعد الأفلام والأغاني والوعظ الديني وثقافة المجتمع في الترويج للطهارة والعُذرية والرهبنة وأهمية أن تكمل نص دينك، فكما لو كان النص الأول "العبادات" مكتملة وعال العال ولا ينقصها إلا أن تكتمل بالزواج كي تحافظ على عفتك وطهارتك، يعني هي وظيفة الإنسان في الحياة وكي يكتمل دينه إنه يصوم ويصلي ويزكي ويحج ويتجوز ؟ طيب واللي لَمْ يتزوج ؟
احنا بقى جيل عبد الناصر، اللي انتشر أيامه التعليم بشكل غير مسبوق، ونادر جدًا إنك تلاقي من الجيل ده حد مش متعلم، ولو إلى مرحلة ما قبل الجامعية، بقى فيه إنك من الممكن أن تقترب من الجنس الآخر أكتر، رحلات جماعية، وحفلات، وجوالة وكشافة، وتدرس أحياء في المدرسة وتعرف تركيب جهاز الولد وجهاز البنت التناسلي .
وأمك تقول لك يوم الدخلة (انتِ تعرفي أكتر مني، انتِ متعلمة، ومش هقولك).
عن طريق الرحلات ومدرج المحاضرات هتلاقي حد يلفت نظرك وتتمنى تكلمه أو تقرب منه، وطبيعي جدًا إن ده مايبقاش عيب ولاحرام، ده علم وتعليم وصداقة وزمالة، ممكن تخرجوا وتسافروا وتتقابلوا في الكازينوهات - ده اسمها قبل ما تتسمى كافيه - عشان تذاكروا سوا أو حد يشرح للتاني حاجة مش فاهمها.
تتعلم البنت تتكلم بصوت عالي في المواجهة ولا تديرش وشها الناحية التانية مِن الكسوف والخجل عند طرح أي موضوع للنقاش في الحب أو الجنس أو السياسة أو الاجتماع، مش بجاحة ولا قِلة أدب زي ماكانوا بيوصفوها زمان، لكن تفتح وتطلع وثقة بالنفس، تتعود تقول رأيها أيًا كان مش عاجب اللي حواليها وتتمسك بيه، تتعود تعتز بجسمها وتلبس ما يعجبها، كنا بنروح الجامعة بفساتين قصيرة ومن غير كمام، وأهالينا وافقوا حتى نحط ماكياج ونخرج بيه، وافقوا إننا نخرج من غيرهم ونتمشى في الشارع مع الولاد بعد الخروج من الجامعة، وماقالوش لا عيب ولا حرام، أدركوا إن الدنيا اتغيرت وإنهم لازم يجاروا العصر عشان ولادهم مايطلعوش مغصوبين زيهم، مُجبَرين على الصورة المثال اللي وضعها أفلاطون وتداولوها لقرون.
هل نفعت كل تلك الحريات من تغيير الصراع بين الهُوَ والأنا والأنا العُليا؟ هل كانت حقيقية ولا قشور؟ هل الولد كان بيوافق إنه يتجوز البنت اللي تخرج معاه وتتجرأ وتقول له بحبك وحتى ممكن تنام معاه؟ ولا برضه كانت معششة في دماغه مقولات دي صايعة وأهلها ماربوهاش ودايرة على حَل شعرها؟
الإجابة طبعا لأ، حبيبي قال لي (حريتك خوفتني) مع إن حريتي كانت معاه بس، أصلاً بالنسبة لي ماكانش فيه حد تاني غيره في الحياة، كأن العالم خِلي مِن البشر إلاه، كنت لا بسمع ولا بشوف غيره هو وبس، ماكنتش بفكر في حاجة غير إني أشوفه واسمع صوته وأحس بإيده وهي بتلمسني بردًا وسلامًا، مين قال حكاية النار دي؟ مش عارفة أنا كنت بحس بإيده بتهَدْهِدْ روحي مش بتشعللها، كنت بحس بحنية وصفاء ورضا كأن روحي طارت لبعيد وكأني مش لامسة الأرض، غيبوبة أو أشبه بحشرجة الموت.
طبعا اللي بيموتوا مش بيقولوا لنا شعورهم ولا إحساسهم ولا رؤيتهم في لحظات ماقبل انقطاع الأنفُس، وهل ياترى زي ما بنشوف في السينما بيمُر قدامهم شريط حياتهم كله في اللحظة دي؟ مين الأشخاص اللي بيشوفوهم في الإغماضة الأخيرة، إيه اللحظة اللي بيقف عندها الزمن؟
عشان كده شبهت لحظة الشبق والنشوة في حضن حبيبي بلحظات ماقبل الإغماضة الأخيرة، مش عارف مين بتشوف ولا إيه اللي بيدور فيها بالظبط .
مع إن كتير من الناس والشعراء والأُدباء بيصور لحظات الحب والشهوة بنار مشتعلة، بالحياة نفسها وبهجتها وفرحتها، لكني أكاد أجزم إن اللحظة دي للموت أقرب حيث تنقطع صلتك بكل ماحولك وتستغرق في اللاشيء، لا تسمع لا ترى لا تتكلم، وتحبس أنفاسك في انتظار الشهقة الأخيرة.
ودي كانت البيضة الأولى في حياتي، أول بيضة بعد مرحلة الهبَل والعبَط والغباء والاستهتار الأولى، أول بيضة اتمنيت إنها تطرح عصافير تزقزق، وطيور ترفرف، وفراشات ملونة تحوم، وجنات ونخيل وأعناب، ورود مزهرات، وأشجار مورقات، وسماوات زُرق، وبحار صافية، ومياه رقراقة، وأنهار من خمرٍ ولبن وعسل.
كلمة كلمة لما راح
الهوى ويا الجراح
المهم في الموضوع بدون تنظيرات أو تحليلات أو فلسفات أو محاولات لتقعير الأحاسيس ووضعها في صورة شعرية أو أدبية، أو استخدام علم النفس لفرويد ويونج، أو التفسيرات البيولوجية والأنثروبولوجية والسيسيولوجية، ونظريات كارل ماركس والحداثة والبنيوية، الحب هو الحب، هو تلك الحالة من الانشغال والشوق واللهفة، الانتباه والتركيز مع اللفتة والنظرة والحركة، الخوف والرعشة والتوهان والانبهار، خفقان القلب ورعشة الجسد وتبخر الروح وامتلاء العقل، الغيبوبة والصحوة والإغماءة واليقظة، البهجة والفرح والسرور، والحزن والهيام والهموم والكآبة، كل ذلك دفعة واحدة ولحظة واحدة وفي وقت واحد.
فهل لو انتهى انتهينا ؟
وتفضل تحاور وتناور عشان تثبت إن انت اللي صح، وإن الأسطورة لَنْ تنتهي، وتبقى الحياة مغلباك وعطياك ميت قفا، والحقيقة واضحة قدام عنيك وضوح الشمس، وتكابر وتعاند وترفض تصدق، وتردد كلام شادية (الحب الحقيقي ما ينتهيش)
الأيام دي بقى أو الجيل اللاحق، المفاهيم والحريات والممارسات اتغيرت، البنت والولد بقوا أكثر انفتاحًا على الواقع والعالم، بقى فيه موبايلات وإنترنت وفيس بوك وواتس آب وفايبر وماسنجر، مابقاش الحبيب يستنى قدام بيت محبوبه بالساعات عشان طلة من بلكونة أو مشوار في الشارع، أو يكلم بنت الجيران تتوسط له في مقابلة، بقت فيه سخرية لاذعة من روميو اللي بيروح يغني ويتسلق الأسوار عشان حبيبته تطل عليه، ولا عنتر اللي قعد يكتب الأشعار لعبلة، أو قيس اللي اتحجج بالنار عشان يطل على ليلى، وضحك هستيري على كل أفلام الرومانسية بتاعة الستينات، ولا الفارس اللي راكب حصانه وهياخد حبيبته ويطير، بقينا جيل العواجيز وبقت مفاهيمنا عن الحب والجنس متخلفة، بقى فيه اقتحام ضاري للحياة الخاصة بلا استئذان، ومجرد لفت النظر يتحول لعلاقات فورية، البنت والولد مابقوش يتبعوا صلاح عبد الصبور في كلامه عن نظرة فابتسامة فموعد فلقاء، يكفي عندهم النظرة كي يتحول الموضوع للسرير، ولَمْ يعد للصدفة مجال، فكله مترتب تبعًا لوسائل التواصل، المفاهيم كلها اتغيرت، وكل شيء قديم راح للمزبلة، البنت بقت بتقعد ع القهوة تشيش، والولد بيلبس بنطلون ساقط ، البنت بتتكلم بصوت عالي وتزعق وتقبل ماتقتنع بيه وبس، والولد بيقلب البنت اللي ماتعجبهوش ويعرف غيرها بكل بساطة، بيكتبوا ألفاظ بذيئة على الفيس بوك وأصبحت شئ عادي ومقبول ومستساغ منهم فيهم، وبالعند في المجتمع والدين اللي بيفرض الحجاب، بقى فيه الإيشارب مصاحب للبنطلون الضيق والاسترتش والبلوزة القصيرة والكارينا تحت الفستان العريان، لف ودوران حول قيم وعادات وتقاليد وأعراف المجتمع والأنا والأنا العليا بلا خجل ولا تواري ولا إحجام ولا تراجع ولا استسلام.
جيل جديد مختلف كل الاختلاف عن سابقيه وبيحملهم كمان الأوضاع المُزرية اللي وصل لها المجتمع، يمكن عندهم حق في حاجات وجانبهم الصواب في حاجات، ولو اتكلمنا عن التاريخ والأوضاع الاجتماعية والسياسية شوية هنعرف نفرق بين حقهم في إيه وغلطهم في إيه.
مش كل الجيل السابق كان مستسلم وخانع، كان فيه مقاومة في فترة تاريخية ما، مع فترة السبعينات كان فيه انتفاضات وحركات جماهيرية لرفض الوضع القائم واللي تطور للوضع الحالي، حاجات محدودة انطفت بسرعة لأسباب مش هنا مكان الحديث عنها، وانشغل الأهل بعدها بتربية أولادهم اللي هما بيلوموهم دلوقتي وبيحملوهم كل الضياع اللي هما فيه، سافر من سافر، وانشغل من بقي بالداخل بعمل أو أكثر ليربوا أولادهم تربية لائقة ويدخلوهم مدارس خاصة ولبس على أحدث الموضات، وأغلب الجيل ده اتربى بعيد عن والديه، إما بالسفر أو بالعمل، يمكن عشان كده أخدوا حريتهم زيادة، يمكن عشان كده اتهموا والديهم بالتقصير في حقهم كفرد وكمجموع.
ومش معنى كلمة حريات زيادة استخدامها بالمفهوم القديم بتاع قلة الأدب، بالرغم من نظرة معظم الجيل السابق لها على إنها قلة أدب، لكن بمعنى تطور ثقة الجيل ده بنفسه، وبرؤيته للحياة وللحب والجسد والجنس، النهاردة ممكن تشوف الولاد والبنات وهما ماشيين في الشارع مع بعض أو قاعدين على القهوة يشيشوا دون خوف من إن حد يشوفهم أو يبلغ أهلهم، طبعًا أوعى تصدق إن أهاليهم كمان بقوا فري ومتقبلين وبيسمحوا بده، لكن الجيل ده نفسه بقى خوفه أقل، وأظن إن الثورة أوضح مثال.
في الثورة تجسدت قوة هذا الجيل وقدرته مش بس في التعامل مع جسده، لكن مع نفسه كَكُل، شجاعة المواجهة والصمود والتحدي، ولاد وبنات كتف لكتف قدام الغاز والخرطوش والرصاص والبلطجية والشرطة والجيش، في المظاهرات وزحمة الميادين والاعتصامات لا تحرش ولا احتكاك ولا حالة واحدة من التلامس الجسدي تم رصدها، وسيبك من كلام عزة الجرف أم أيمن اللي قالت إنها شافتهم وهي عند مرسى في قصر الاتحادية.
إوعى تفتكر إني بصور جيل من الملايكة تجاوز الأسوار والقيود الاجتماعية ونط فوق العادات والتقاليد والدين وخلق لنفسه المثال الأفلاطوني في الحب ووصل لقمة الأنا الأعلى، أنا بس بحاول أصور لك التطورات في النظرة إلى الجسد من خلال الأجيال المختلفة بالنسبة لبعضها، لكن ده لا ينفي القيود نفسها والتخلفات ذاتها المتوارثة من جيل لجيل عن الجسد والجنس والعلاقة بالآخر.
برضه لسه الولد بيرفض البنت المنفتحة وبيعتبرها صايعة ودايرة على حل شعرها، وبيفضل يتجوز ربة الصون والعفاف حتى وإن كذبت عليه بخصوص علاقاتها، وحتى لو كان هو مقطع السمكة وديلها لكنه لا يقبل إن البنت تقطعها زيه، وإنه لسه بيعتبر (إن الحب حاجة والجواز حاجه تانية خالص) وياويل البنت اللي تصرح لحبيبها إنها كانت تعرف واحد تاني قبله.