MiskBook

شارك على مواقع التواصل

غمر الضباب وجه البحيرة، ثم رويدًا رويدًا راح نور الفجر يزيحه بعيدًا فيضيء الأركان. وقفتُ متكئًا على سياج حديدي وأنا أتدثر بمعطف رمادي ثقيل، رحت أستنشق النسيم العليل في ذلك الصباح الباكر. أسمع تنفس الطبيعة النائمة وأنا أمني النفس باستئجار منزل صغير في تلك البقعة إلى الأبد.
فجأة لمحت من بعيد طيف حركة خفيفة، دققت النظر في الضفة الأخرى، وتساءلت: هل السلاحف تمارس الحب؟ ابتسمتْ، وحين ركَّزت بصري رأيت شابًا وفتاة على شاطئ البحيرة وهما يمارسان الحب ولا يتواريان كما توارى آدم في الجنة.
وقفت كالمشدوه، قلت في نفسي: ألا يشعران بالصقيع؟ لا.. كيف يشعران به أيها الأبله ونار الغرام تشتعل في جسديهما وأنفاسهما!
بدتْ الفتاة كنقطة حليب بيضاء، ذات شعر فضي وجسد نحيل كأنه قد من عود قصب، فيما الفتى أشقر وطويل القامة.. كانت تتململ من تحته كعصفور أصابه الصياد ببندقيته.. تعانقه بقوة وصوتها يتموج في أذنيه كما يتموج ماء البحيرة.. لم أعرف إن كان صوتها يتموج في أذن الشاب أم في أذني..
شعرت بلكزة في كتفي، صحوت، فإذا بي ملقى على أريكة داخل مقهى وأمامي البحيرة تضج بالسائحين، رفعت رأسي فوجدت زوجتي وهي تصيح بدلال:
- هل هذا وقت النوم؟
قطّبت حاجبي ورددت:
- منذ متى وأنا نائم؟
قالت وقد أشفقت عليّ:
- منذ بضعة دقائق ليس أكثر.. تناول قهوتك بسرعة وهيا لنستأجر أحد القوارب؟
نهضت من رقودي، جذبتها نحوي أكثر حتى باتت أنفاسها الحارة تلهب وجنتي... لثمت شفتيها بقبلة وقلت:
- ما رأيك أن نمارس الحب هنا؟
وأشرت لها صوب الضفة الأخرى، حيث تلة خضراء كثيفة الأشجار تعانق المياه وتأذن كل حين لأشعة الشمس الخجولة بأن تتسلل للمصطافين.
جحظت عيناها من المفاجأة وقالت:
- هل جننت؟
قلت:
- وهل أنا عاقل في الأصل؟
صمتتْ حينًا، أطلقت تنهيدة عالية وحركت لسانها فوق شفتيها وقالت وهي ترفع حاجبيها:
- ولما لا.. لن تكون المرة الأولى التي نجنح فيها للجنون
ارتعش قلبي كفرخ الحمام المبلول. احتسيت قهوتي على عجل، ثم أمسكت بخصرها وصعدنا إلى القارب. قبل أن نبلغ وجهتنا، انزوت الشمس فجأة وتلبدت السماء بالغيوم، راحت ندفات الثلج تتساقط والقوم من حولنا يهرعون يمينًا ويسارًا لمغادرة البحيرة، أما أنا فرحت أناجي السماء: لا يهم.. نار الحب أقوى من صقيع القطبين..
ثم خلعت معطفي وألقيته جانبًا..
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.