tafrabooks

شارك على مواقع التواصل

قبل الإنطلاق
قبل أن ينطلق بنا قطار الحب، هذا القطار المليء بالسِّيَر الذاتية للمحبين، قطار به خبرات من سبقونا وركبوا هذا القطار. قطار الحب هو أفضل قطار من الممكن أن تركبه في الحياة، قطار به الكثير من المتعة، والعديد من الآمال والطموحات، قطار سوف تتعلم في كل محطة من محطاته الكثير والكثير من الخبرات التي يمكنك أن تتعلم وتستفيد منها.
قبل أن ينطلق بنا قطار الحب دعني أقول لك عزيزي القارئ: إن الأسرة هي اللبنة الأولى والأساسية لتكوين أي مجتمع، ولا يتم النهوض بأي مجتمع من دون النهوض والإهتمام بالأسرة وعاداتها وتقاليدها وسلوكياتها؛ فالمجتمع عبارة عن مجموعة من الأسر الصغيرة، والتي في مجملها تتكون المجتمعات والدول. وما القادة المجددون إلا نتاج أسرة متماسكة ومتينة ساعدت على تكوينهم وتنشأتهم منذ نعومة أظافرهم، وما نراه من شباب ضائع يهيم( ) في الأرض من دون هدف ولا غاية، يفسد ويقطع ويشتت، إلا نتاح أسرة مشتتة ضائعة، أسرة بلا قيم سليمة أو غاية متينة. وأعتقد أن أكبر شتات لأي أسرة يكون بدايته غياب أهم قيمة وهي قيمة الحب؛ فوجود الحب بين الزوجين كفيل بعدم ضياع الأبناء وتشتتهم؛ فالحب أكبر معين ومساعد على بناء وتنشئة الأبناء التنشئة السليمة السوية.
قبل الإنطلاق وجب التنبيه والتشديد والتركيز على أننا نتحدث في هذا الكتاب عن الحب بين الزوجين، وأيضًا لا نقصد أي زوجين، بل نقصد زوجين يجمعهما الدين والخلق؛ فلا قيمة لحب يجمع بين إثنين غير متزوجين، ولا فائدة ترجى من حب بين زوجين لا يتلحفا( ) بالتقوى وارضاء الله سبحانه وتعالى.لذا إهتم ديننا الحنيف بتكوين الأسرة المسلمة على أساس سليم، وشرع الزواج كلبنة أولى لتكوين الأسرة المسلمة على أساس سليم وسوي. ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾( ). وأمرنا رسولنا الكريم ﷺ بالزواج حيث قال: (يا معشـر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء( ))( ) صدق رسول الله ﷺ
وبدأ الإسلام مبكرًا بالإهتمام بالأسرة وتكوينها، حيث شدد على حسن إختيار الزوجة؛ فهي أهم دعائم الأسرة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ : (تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ)( ) صدق رسول الله ﷺ وهذا إدراك مبكر ومهم لأهمية المرأة في بناء الأسرة على أساس من الدين والقيم والتقوى ومخافة الله سبحانه وتعالى. حيث شدد رسولنا الكريم ﷺ على أهمية الدين لدى الزوجة؛ كي تكون آهلة لبناء الأسرة المسلمة على أساس سليم ومتين. لذا ونظرًا لأهمية المرأة وضروريتها في بناء الأسرة ومن ثم بناء المجتمعات القوية المتقدمة، قام الغرب بتشوية صورتها واشغالها بما لا يفيد، بل وتشويهها من الداخل، وجعلها مِعْوَل من معاول الهدم بدلاً من أن تكون لبنة من لبنات البناء والتقدم. وما إفقار الدول الإسلامية إلا أداة لخروج المرأة للعمل وانشغالها عن بناء النشئ البناء السليم، فانشغلت عن البيت والأولاد، وبذلك لم تكن مهيأة لاعطاء الحب للزوج، فنزع الحب من قلب الزوجين، وقَلَّ تماسك الأسرة وتشابكها، فانهارت الأسرة، وانهارت معه المجتمعات الإسلامية.
لذا نحن مهتمون بإرجاع الحب بين الزوجين، كأول أداة لبناء الأسرة من جديد، ومن ثم بناء المجتمعات المسلمة القوية والمتينة.ونحن على علم ويقين من أن خروج المرأة للعمل أصبح ضرورة ملحة؛ حتى تستطيع الأسرة أن تلبي متطلباتها وحاجياتها. لذا نحاول سويًا في هذا الكتاب تقديم بعض الآليات السليمة والقوية والتي تهدف لصناعة الحب بين الزوجين؛ حتى تتماسك الأسرة.
نحن على علم ويقين أن فترات الإجتماع بين الزوجين والأولاد لم تعد كافية لنقل القيم والسلوكيات السليمة من الآباء للأبناء. نحن على يقين من أن الوقت المتبقي للزوجين بعد يوم مليء بالتعب والعمل لم يعد كافيًا لتلقي جرعة من الحب والمتعة تكون كافية لغسل هموم وتبعات الحياة لدى الزوجين. لذا كنا حريصين في هذا الكتاب أن نضع كبسولات شديدة التركيز لبناء وصناعة الحب بين الزوجين، نصائح عالية الدقة لإشباع رغبات الزوجين على السواء.
ساد المسلمون الأوائل العالم بأسره، وقادوا رِكَاب التقدم والمدنية، واستطاعوا أن يفرضوا آلياتهم ومبادءهم في كل أرجاء الأرض، وكانت البداية من الأسرة، حيث تم بناء الأسرة البناء السليم، أسرة قائمة على المودة والحب ﴿وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ﴾( ) أسرة متماسكة تماسكًا شديدًا، أسرة مرتبطة برباط غليظ ﴿وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا﴾( )، أسرة قائمة على تحديد المهام والواجبات للجميع، أسرة قائمة على العدل والمساواة ﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ، وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ، وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ﴾( )، أسرة قائمة على الرعاية والإهتمام، حيث يقول رسول الله ﷺ: )كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الأمير راع، الرجل راع على أهل بيته، المرأة راعية على بيت زوجها وولده)( ). صدق رسول الله ﷺ
أما الآن فقد غابت الدول المسلمة عن حتى مجرد التواجد بين الكبار؛ ولن أكون مبالغًا إن قلت: إن سبب هذا الغياب كان بسبب غياب الأسرة وتشتتها وإنشغالها بما لا يفيد في البناء، غياب الحب والمودة، وتداخل الواجبات والمسؤوليات داخل الأسرة الواحدة مما أدى إلى تفككها وعدم مقدرتها على تنمية القيم والسلوكيات السليمة، فانهارت الأسرة وتأخرت المجتمعات المسلمة.
ويعرض لنا القرآن الكريم في سورة العنكبوت مثالاً للبيت المفكك والغير متماسك، مثالاً لبيت غاب فيه الحب والمودة والتشابك والإتحاد، وهو بيت العنكبوت. حيث يقول تعالى: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا ۖوَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنكَبُوتِۖ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ( )
حين نتحدث هنا عن هذه الآية لن نتحدث عنها من ناحية الإعجاز العلمي فقط، لكننا سوف نتناولها ونستفيد منها كعبرة وعظة في بناء البيت المسلم، فسوف نتحدث بالكتاب بالتفصيل عن دعائم بناء البيت القوي المتماسك المبني على الحب والمودة وتحديد الأدوار؛ حتى لا يكون ضعيفًا مثل بيت العنكبوت.
 يقول الشيخ الشعراوي: (حين يقول رب العزة "مِثل" تُفيد التشبيه فقط كأن تقول: زيد مِثل الأسد ، فهو تشبيه شخص بشخص، لكن حين يقول: "مَثَل" يقصد بها رب العزة التشبيه، ولكن تشبيه حكاية وقصة بحكاية وقصه). أي تشبيه حاله بحاله، فحين يعقد رب العزة التشبيه ببيت العنكبوت، يقصد تشبيه الحالة كاملة، وليس جزء صغير من الحالة.
 تعيش العناكب ( ) حياه إجتماعية في منتهى الغرابة والسوء، وهنا يقول الدكتور زغلول النجار: " إن أنثى العنكبوت تأكل الذكر بعد عملية الإخصاب، بل إن الإخوة يأكل بعضهم البعض" لذا سوف نتحدث في طيات( ) هذا الكتاب على عملية الحُب وصناعته داخل الأسرة المسلمة.
 الوَهن( ) في قصة العنكبوت لا يُقصد بها الوهن الخارجي من ضعف البنيان الخارجي من البيت فقط، لكن يُقصد به وَهن وضعف الحالة الإجتماعية للبيت من الداخل، حيث يُعتبر بيت العنكبوت من أوهن البيوت من الناحية الإجتماعية على الإطلاق، وهنا يقول الدكتور زغلول النجار: "إن الآيه لو كانت تتحدث عن حيوان يعيش في جماعة أتت السورة باسم جمع، وأما إن كان يعيش في حياة فراديه تأتي السورة باسم فردي" وهذه أول إطلاله في الحياة الإجتماعية الضعيفة للعنكبوت، وهي الحياة الفردية وعدم التعاون؛ لذا سوف نتحدث في طيات هذا الكتاب عن الأسرة كوحدة متماسكة، وأول آليات التماسك لأي أسرة هي توفر الحب بين الزوجين.
 ما يقصد به في الآية الكريمة من وهن و ضعف لبيت العنكبوت هو ليس في خيوط العنكبوت لأن هذه الخيوط تُعد أصلب الألياف الطبيعية على الإطلاق، ولها قوة تحمل للضغط أقوى من قوة تحمل الفولاذ، لذلك يطلق عليها الفولاذ البيولوجي. فإذا قدر جدلا وجود حبل سميك بحجم إصبع الإبهام مكون من خيوط العنكبوت فسيُمْكِنه حَمل طائرة جامبو بكل سهولة، وقد أنتجت مادة تشبه في تركيبها خيط العنكبوت تسمى بالكافلر، ويستعملوها في صنع القمصان الواقية من الرصاص، فخيط العنكبوت يصنع بالطريقة نفسها التي تصنع بها الكوابل شديدة الصلابة؛ حيث يتكون الخيط المفرد من عدة خيوط متناهية في الصغر ملتفة حول بعضها البعض، وقد يبلغ سمك الخيط الواحد منها 1 من مليون من البوصة. ومع إن العنكبوت تمتلك إمكانيه صناعية هائلة لصناعة الخيوط إلا أنها لا تتقنها على الوجه المطلوب وتنتج خيوطًا شديدة الدقة، وتنسجها بصورة مُفككة لا تقيها من حَرٍّ، ولا قَرٍّ ( ). لذا سنتحدث في هذا الكتاب بالتفصيل عن الحب كأساس من أهم أسس إستغلال الإمكانات المتاحة للأسرة أحسن إستغلال؛ فغياب الحب بين الزوجين يؤدي لعدم رؤية أو إستغلال ما لدى الأسرة من إمكانات متاحة.


أهمية الحب بين الزوجين للتغلب على تبعات الحياة
سوف نعرض هنا مثالاً لحياة زوجية سليمة مبنية على الحب بين الزوجين والثقة المتبادلة، وتلك الثقة لا تولد إلا من رحم الحب. وهي قصة سيدنا إبراهيم وزوجتاه السيدة سارة والسيدة هاجر. وكما قلنا وسنكرر في طيات هذا الكتاب عن فائدة الحب لبقاء واستمرار الحياة والقدرة على تحمل مشقاتها وتبعاتها. يعرض لنا القرآن الكريم قصة سيدنا إبراهيم وزوجتاه السيدة سارة والسيدة هاجر. ونستفيد من تلك القصة الآتي:
الدرس الأول:
لا يوجد شئ ينغص حياة أي زوجين على وجه الأرض أكثر من عدم القدرة على الإنجاب، فالأولاد هم زينة مهمة من أجمل ما يمكن أن يتزين به الإنسان في الحياة الدنيا ﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا﴾ ( ) ورغم فقدان الولد بين سيدنا إبراهيم وزوجته السيدة سارة إلا أن الحياة بينهما لم تنتهي واستمرت، وبالتأكيد سبب الإستمرار هو الحب بينهما؛ فما الذي يجبر زوج أن يستمر مع زوجة لا يستطيع أن ينجب منها الولد لتكوين الأسرة إلا أن يكون قد جمع بينهما الحب والمودة. فالشجرة الغير مثمرة شجرة غير مرغوبة ومن المؤكد أن صاحبها سوف يجتزها( ) من مكانها في أقرب فرصة؛ فما يبذله من مجهود معها من دون فائدة أو ثمرة من الممكن أن يستفيد منها هو أولى به.ولكن الشجرة إن كانت غير مثمرة ولكن لها ظل يستظل به، وشكل جميل يتمتع به، فهي عظيمة الفائدة أيضًا. كذلك الزوجة حتى وإن كانت غير مثمرة فمن الممكن أن يُبْقِي الرجل عليها إذا كان يتمتع بظل حبها وجمال شكلها وطيب كلماتها الرائعة، وروعة العِشْـرَة والأُلْفَة. فالحب هو المعادلة الوحيدة الباقية والمستمرة ما دامت الحياة بين الرجل والمرأة.
وهنا نقول لك عزيزي الزوج... أختي الزوجة... إن الحب هو الأبقى بينكما، والحب هو الوحيد القادر على أن يجعلكما ترتبطا ما دامت الحياة؛ فترابط الأرواح أبقى من ترابط الأجساد. لذا داوما على الحب؛ تستطيعا أن تتغلبا على أي مشكلة من الممكن ان تقابلكما في الحياة، وما أكثر المشكلات في هذا الزمان.
الدرس الثاني: مع الحب تتولد الثقة بين الزوجين
والسؤال هنا: ما الذي يجبر إمرأة أن تبقى في الصحراء مع رضيعها من دون ونيس أو جليس يصاحبهما ويحميهما؟ والجواب هو الثقة في الطالب، وما الثقة إلا نتاج حب بين الزوجين؛ فبالتأكيد حبيبك لن يطلب منك شئ فيه ضرر عليك. وهذا ما حدث بين سيدنا إبراهيم والسيدة هاجر عليهما السلام. فقد إستجابت السيدة هاجر لطلب سيدنا إبراهيم وبقيت هي ورضيعها في الصحراء بسبب الثقة والحب للطالب، وهو الزوج. ﴿ربَّنَا إنِّي أَسكَنْتُ منْ ذرِّيَّتِي بوَادٍ غَيرِ ذي زَرعٍ عنْدَ بيتِكَ المحَرَّمِ ربَّنَا ليُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجعَلْ أَفْئدَةً منَ النَّاسِ تهوِي إِلَيهِمْ وارزُقْهُمْ منَ الثَّمرَاتِ لعَلَّهُمْ يَشكُرُونَ﴾( )




إنطلاق قطار الحب ( )
في البداية دعني أحكي لك عزيزي القارئ رحلتي الطويلة التي قضيتها في قطار الحب. فهو قطار غريب من نوعه، قطار ليس ككل القطارات التي نعرفها، قطار لا يسير على أطراف المدن، أو في الأرض المهجورة. قطار الحب هو قطار يسير بين الحدائق الغَنَّاء( )، يسير بين الحقول والزروع، قطار الحب هو قطار يسير في جنات مليئة بالفاكهة والزهور، قطار الحب هو قطار يسير بين جداول( ) مليئة بأعذب مياه ممكن أن ترتشفها( )، مياة تبعث الحياة لقلوب قد تكون قد ماتت بسبب ضغوط الحياة العصيبة.
قطار الحب لا يحمل إلا الأزواج فقط، فكل مقعد يجلس فيه الزوج والزوجة فقط. كل مقعد لا يدري عن المقعد الآخر شئ؛ فكل منهمك في شأنه فقط. تجولت في القطار وسمعت ورأيت الكثير والكثير من القصص والمواقف. تجولت وأنا أحمل مجموعة من الكتب المهتمة بقضية الحب بين الزوجين.
رأيت زوجًا يمد بيده من النافذة المجاورة له، ويقطف وردة جميلة يَشْتَّمُها( ) تارة( )، ويعطها لزوجته لتَشْتَّمُها هي أيضًا، ثم يقترب منها ويجلس بجوارها، ويضعا أنفهما سويًا لينعما بعطر وجمال تلك الورده، ويسعدا بلذة اقترابهما من بعضهما، ويتمتعا من لحظات اختلاط أنفاسهما. ورأيت آخر يقطف تفاحة من خلال نافذته، ويعطيها لزوجته لتقضمها( ) ثم يأخذها ويضع فاه( ) موضع فيها( ) ويقضمها هو أيضًا. رأيت نظرات العشق والحب والهيام بين أزواج، رأيت الصامتين والمبتسمين والضاحكين. رأيت زوجة وهي تربت على كتف زوجها وحبيبها لتزيل حبات الغبار التي تجمعت على كتفيه بعد يوم عمل وشاق، رأيت ابتسامتها الساحرة وهي تمسح تلك الخطوط التي رسمتها قسوة الأيام على جبين زوجها وعشيقها. رأيت زوجين وهما يمسكا ورقة وقلم وألوان ويرسما لوحة جميلة، هو يرسم تارة وهي تلون ما رسم، وهي ترسم تارة أخرى وهو يلون ما رسمت، حتى رسما لوحة في غاية الجمال والروعة. رأيت الأحضان الدافئة بين الأزوج، والكلمات الرقيقة، والهمهمات الناعمة. رأيت زوجًا تتساقط العبرات من عينيه في حين تمسح الزوجة تلك العَبَرات وتضع قُبْلَه على جبينه رابتتًا على كتفه، ولم تتركه حتى ابتسم وتفتحت أوداجه.
وإذا بالقطار يتوقف قليلاً، فجلست لاستريح هُنَيْهَة( )، فإذا بقطار آخر يتوقف بجوار قطار الحب، فنظرت من النافذة فرأيت أزواج آخرون مختلفون عن أصدقائي في قطار الحب. رأيت الحقد والحنق( ) بين بعض الأزواج. سمعت زوجًا يتعالى على زوجته بمنصبه وماله، وآخر يُعَيِّر زوجته بفقر أبويها. رأيت زوجًا رث( ) الثياب، مبعثر القوام، وزوجته تنظر إليه باشمئزاز( ). ورأيت وسمعت الكثير والكثير من الازواج والزوجات.
وإذا بي في نهاية القطار أجد زوجتي الحبيبة تنتظرني وهي في منتهى الحزن والأسى، وقبل أن تنهال عليَّ بوابل من الكلمات التي تعبر بها عن غضبها؛ لتركي لها منفرده، بادرتها بقبلة رقيقة على جبينها، تحمل جميع معاني الإعتذار لرفيقة الدرب وحبيبة القلب، فتحول الغضب إلى إبتسامة رقيقة، وتحولت العيون الشازرة( ) إلى عيون صافية راضية سعيدة ، ثم قصصت عليها بما رأيت وسمعت من قصص وحكايات. فقالت لي: هيا إجلس واسترح وانزل ما بيدك من كتب؛ نبحث ونتدارس مآلات( ) هذه القصص، بعد أن تحكيها لي بالتفصيل. وجلسنا سويًا وقصصت عليها كل ما رأيت وسمعت بالتفصيل، ثم جلسنا سويًا نقرأ في الكتب لنستفيد ونتعلم. وبالفعل استفدنا كثيرًا من قراءة تلك الكتب، فقالت لي زوجتي الحبيبة: هيا إجمع كل من في القطار واحكي لهم ما توصلنا إليه من تلك القصص والقراءات؛ كي يستفيد الجميع. وبالفعل قلت بصوت عال: يا معشـر الأزواج والزوجات هَلُمَّ( ) إليَّ واستمعوا لي جيدًا. وبدأت أخطب فيهم واعلمهم ما تعلمته مما شاهدت وقرأت. وهذا ملخص ما جاء في الخطاب، لخصته لك عزيزي القارئ في فصول هذا الكتاب. فهيا أعرني مسامع عقلك وقلبك واسمع بكل عناية؛ عسى أن تستفيد وتتعلم مما تعلمت وقرأت أنا وزوجتي؛ فأنا أحبك وأحب مصلحتك بالتأكيد، واتمنى أن تستفيد من هذه الكلمات.

0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.