tafrabooks

شارك على مواقع التواصل

تُعدُّ الفصَاحةُ وَسُرعةُ البديهةِ مِن الأَركانِ المُهمَّةِ
للثقافَةِ العَربيةِ ، فقَد كانتِ العربُ تُثني وتمدَحُ الرَّجُلَ لِفصَاحَتِهِ وسُرعَةِ بَديهَتِهِ ؛ حَيثُ إِنهُ بَهذهِ الطريقَةِ يصبحُ ذَا قُدرةٍ فائقَةٍ على التركيزِ والتفكيرِ العميقِ . كَمَا أَنَّه يستطيعُ عَن طَريقِ هَذهِ المَلَكَة تَجاوُزَ أَيَّ مَوقفٍ صَعبٍ
ومُحرِج .
كما أَنَّ براعةَ اللسانِ وَحكمتِه تُخلِّصُ المرءَ من أُمورٍ كثيرةٍ لا يرغبُ بها ، كالنقَاشِ الحَاد الذي لا يَودُّ الإِكمالَ فيهِ ، أَو الحَديثَ الذي لا يَرى فيهِ طَائلاً .
وقد استعملَ العَربُ هذه المَوهبَةَ في مُناظَراتهم التى كانوا يُقيمونها عندما يتحدَّى أَحدُهما الآخرَ ، فيشتَهرُ صَاحبُ الرَّدِّ المُفحمِ ، ويَصمتُ الطَّرفَ الآخرَ .
ومِن هذا المُنطَلَق فكلُّنا تَعرَّضنَا لمَواقِفَ نَدِمنا فيها ؛ لِعجزِنا عَن الردِّ المُباشرِ والسريعِ عَلى الطرفِ الآخرِ ، وظَلَّ ذَلكَ النَّدمُ يُلاحِقُنا حِيناً مِنَ الدَّهرِ .
وَلكلِّ مَا سبقَ ، تَمَّ تأليفُ هذا الكتابِ ، وحَشدِهِ بزَخَمٍ هائلٍ من المواقفِ والردودِ الذكيةِ والمُسكتةِ والمُفحمةِ ، الصادرةِ عن الخُلفاءِ والأُمراءِ والولاةِ والفلاسفةِ والعلماءِ والقُضاةِ و الشُّعراءِ والأَعرابِ والنساءِ والصِّبيانِ والغِلمانِ ، والتي تُمثِّلُ زَاداً ومَعِيناً يُمَكِّنُ القارئَ من الرَّدِّ السريعِ والمُفحِمِ للطرفِ الآخرِ الذي يُحاولُ أَن يَضَعَهُ في موقفٍ مُحرِجٍ .
فالردُّ القويُ المُهَذَّبُ يكونُ أَقوي تَأثيراً في الطرفِ الآخرِ مِن الأَذى البدَني ؛ مِمَّا يجعلُه يَرْعَوي و ينزَجِرُ ، ويعرفُ مِقدارَ نَفسِهِ ، ومِقدارَ مَن يتحدثُ مَعَه ، حينما يَسأَلُ عن أُمورٍ خَاصةٍ بالآخرينَ بِغرضِ الاستهزاءِ .
لقد تَطورَ فن الردِّ حديثاً ، وأَصبحَ مِن مُقومات الشخصيةِ المُنضبطةِ والمتوازِنَةِ الناجحةِ في مُعظم مَجالاتِ الحياةِ كالتربيةِ والتدريسِ والإِدارةِ والأَعمالِ .
وليكُنِ القارئُ على ثِقةٍ بأَنَّ قِراءَةَ هذا الكِتابِ ستجعلُهُ يَقفُ عَلى أَرضٍ صُلبَةٍ ، تُمكِّنُهُ مِن الرَّدِّ على أَي سؤالٍ مُحرِجٍ ، بل تُمكنُه من إِسكاتِ الطرفِ الآخرِ ، وكأَنما أَلقَمَهُ حَجَراً .
واللهَ أَسأَلَ أَنْ ينفعَنَا بِما عَلَّمَنا ، وأَنْ يجعَلنا من الذينَ يعمَلون فيُخلِصونَ ، ومن الذينَ يُخلِصونَ فيُقبَلونَ .

المُؤلف : حُسين نَصر حُسين مَحمُود .
ليسَانس حُقوق جَامِعة الإسكندرية 1989.
ليسانس آداب جامعة الإسكندرية 1994
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.