في أحد الأيام عاد الأسطى محمد إلي البيت بعد الظهر، وبدء حديثه مع زوجته فاطمة:
الأسطى محمد: أزيك يا فاطمة، عاملة إيه؟
فاطمة: الحمد لله بخير طالما أنت بخير.
الأسطى محمد: الحمد لله .. والأولاد أخبار شقاوتهم إيه؟
فاطمة: الحمد لله كويسين..ربنا يبارك فيهم.
الأسطى أحمد: فاطمة..عاوز آخد رأيك في موضوع كده؟
فاطمة: خير يا خويا..قول إيه هو الموضوع؟
الأسطى محمد: فيه صديق لي بيعرض عليا شغل في مصر (القاهرة).. هشتغل سائق عند أسرة ثرية ومعروفة..إيه رأيك؟
فاطمة: يعني هتسافر وتسيبنا هنا لوحدنا؟
الأسطى محمد: لا يا فاطمة، مش هروح لوحدي..انتم هتيجوا معايا..يعني هنروح كلنا.
فاطمة: هنروح مصر...يااااه...بس احنا متعودين علي البلد هنا، وكمان بيقولوا مصر المعيشة فيها غالية.
الأسطى محمد: متقلقيش من الناحية دي..صديقي بيقول هيعطوني مرتب كويس وبدلات.
فاطمة: طيب وهنسكن فين؟
الأسطى محمد: صديقي له أقارب في مصر وهم هيدبروا حكاية السكن وكمان بسعر معقول.
فاطمة: يعني إيه؟!
الأسطى محمد: يعني نتوكل علي الله..يمكن تكون نقلة خير لنا وللأولاد.
فاطمة: اللي تشوفه...المهم نكون كلنا مع بعض.
انتقلت أسرة "زينب" للاقامة في مدينة القاهرة، في شقتهم الجديدة في حي المنيرة..والتي كان لصديق الأسطى محمد الدور الكبير في تأجيرها لتعيش بها بعد انتقالهم من الصعيد إلي القاهرة.
وأكيد الحياة في أحد أحياء القاهرة مختلفة تماما عنها في الصعيد..وربما أسلوب الحياة مختلف..
أسرة زينب أسرة متوسطة الحال، فزوج الأم أصبح يعمل سائقا لدي عائلة ثرية وكريمة، تغدق عليه بالمال والأمور العينية مما يحتاجه البيت من أثاث ومواد غذائية.
والأولاد البنين في مراحل الدراسة المختلفة حسب أعمارهم، بينما زينب وعطيات يساعدن أمهن في أعمال المنزل من غسيل وترتيب وتنظيف للمنزل وأثاثه.
وكما ذكرنا، فإن مصادر الثقافة محدودة في ذلك الوقت، وبالتالي من الطبيعي أن تكون "زينب" ابنة زمانها وعصرها..أي جاهلة وعديمة الثقافة، ولكن الغريب والمدهش أنها عكس ذلك تماما، فإذا تحدثت إليها في أي موضوع تشعر أنها مثقفة ومتعلمة.
فمن أين لها بكل ذلك؟ كيف ثقفت نفسها في تلك الفترة، وفي تلك الظروف، وفي تلك البيئة؟؟؟!!هذا ما سوف يتضح لاحقا..!!
في تلك الفترة بدأت الإذاعة المصرية أرسالها وبدأت في بث برامجها..
وجدت زينب ضالتها في برامج الإذاعة..فانكبت تتابعها بشغف وتتابع برامحها المتنوعة..فكان ذلك أحد أهم العوامل التي كان لها دور كبير في الثقافة التي أصبحت تتمتع بها "زينب"، فهي ثقفت نفسها بنفسها.
ولعبت الإذاعة دورا مهما في تثقيف زينب وهي في ريعان شبابها..فهي مستمعة جيدة لكل برامج الإذاعة في ذلك الوقت..تتابع البرامج الدينية..فاصبح عندها معرفة بالآيات القرآنية وتفسيرها، كما أنها حفظت العديد من الأحاديث النبوية الشريفة. وأصبح لديها دراية بكثير من القصص القرآني.
ومن صفاتها أنها تستطيع أن تستدعي من الذاكرة ما تحتاجه من آيات قرآنية أو أحاديث نبوية لتدعم كلامها، مما كان يضفي عليها صفة المتعلمة الدارسة.
وربما في ذلك ردا علي تلك التساؤلات بشأن مصدر ثقافة "زينب"
يضاف لما سبق، أنها تتمتع بذكاء فطري، فهي مدركة لكل مايقال من حولها، وكل ما تستمع إليه، وخاصة خبرات وتجارب الأخرين.
ومن أهم ما تمتاز به..أنها تصغى باهتمام إلي حديث من يكلمها، وتسجل ذلك في ذاكرتها.. وربما استعارت ألفاظا وكلمات مما تسمعه، وتوظف ذلك بطريقة جيدة في حديثها مع من تتكلم معه، فتبدو وكأنها دارسة ومتعلمة. وزينب تتميز بذاكرة جيدة، وهذا ساعدها كثيرا في أن يكون لديها رصيدا وفيرا من المعلومات وفي كل شيء. أهم شيء وكما ذكرت، أنها توظف ذلك بطريقة ممتازة ورائعة.
وأصبح لزينب رؤية لحياتها ومستقبلها، كما أنها مقتصدة في كل شيء، وحريصة علي أن توفر مصروفها أو ما يعطيه لها والدها، فكان لديها حصالة تجمع بها كل ما تحصل عليه من نقود، فعرفت الإدخار في سن مبكرة.
والأسطى محمد كثيرا ما يضحك معها، ويتبادل معها الحديث:
الأسطى محمد: ماشاء الله عليكي يازينب..انت محوشة مبلغ كبير، ياتري هتعملي أيه بالفوس دي كلها..
زينب (وهي تبتسم): هشتري بيهم بيت..نفسي يكون عندي بيت
الأسطى محمد: ربنا يكرمك يابنتي ويبقي عندك قصر كبير
زينب: لا..أنا عاوزة بيت صغير وبس
الأسطى محمد (وهو يطبطب عليها): ربنا يحقق لك ما تتمني يابنتي
*****