بعدَ رشفةٍ عنيفة من الشاي، أخبرتها بعنوان الرواية:
- ليس غريب هذا العنوان
- في الحقيقة العنوان مقتبس من مسلسل "الندم" المسلسل الذي أثبتَ متانة الدراما السورية وصمودها رغم الكوارث في إحدى الحلقات اهتزت أذنيّ من وقعّ هذه الجملة عن البطل (عروة الغولّ) شخصية الروائي التي جسدها الفنان "محمود نصر" بشكل أكثر من رائع في مشهدٍ تم تصويره بالأبيض والأسود تعبيرًا عن الحِداد على ما يجري في دِمشق اليوم وهو على طاولته يكتب بملامحًا مختلة وطقسٍ ضبابي فجأة كتب هذه الجملة (ما هذه الحربّ؟ إنها امتحان لإنسانيتنا!) المسلسل من إنتاج 2016م أي قبل قرابة الثلاث سنوات في وقتها لم يكنّ لدي من الخيال ما يسمح لي بإضافة المزيد من السطور تحتَ هذه الجملة المدوية.
-هل تؤمن بالخيال؟
- ليسَ تمامًا، لو التقينا قبل أربعين سنة، ثم سافرتِ لقارة مغايرة تمامًا عن تلك التي أقفُ عليها هل كان بإمكانكِ أن تتخيلي في لحظتها أنه سيأتي يوم أرى فيه صوركِ وأسمع فيه تفاصيل يومكِ وأنا يفصلني عنكِ قارةٌ ببلدانها وعواصمها بجبالها وغاباتها بصخورها ورمالها؟ نحنُ لا نعلم ماذا تُخبئ لنا هذه الأرض من دفائن هل لكِ أنّ تتخيلي ماذا سيحدث بعد عشر سنوات؟ عشرة أشهر؟ عشرة أيام؟ عشر ساعات!!؟ دقائق؟!! نحنُ لا نعلم بخبايا حتى الثواني العشر المُقبلة بضحكة أحيانًا أشعر بثقل الغباء على رأسي وانعدام الفوارق بين المتعلمّ والجاهل نحنُ، حتى في الخيال يحكمنا ذلك المثلّ الشعبي (مدّ لِحافك على قد رجليك) بصيغة أكثر تقاربًا "تخيل ولكن بمحاذاة الأسوار الشائكة لواقعك" بصورة أكثر شمولًا سوف ألجأ للمقولة الشهيرة للملكة الفرنسية "ماري أنطوانيت" عندما قالت (إن لم تجدوا الخُبز فكلوا البسكويت)
- بالفعل، ........
- ألم يُعلن لديكم شهر رمضان قط؟ هذا ما قلته بعد العميق من الغوصّ في قلةّ الحيلة أو ربما انعدام الحيلة.
- وكأنها دعست بقدميها على الفراملّ فجأةً بعد أن لاحَ لها إنسانٌ يعبر طريقًا معتمًاّ (أكاد أفهمك) هذا ما قالته دون أن تُضيف حتى فاصلة أو نقطتين رأسيتين تأرجحُ كفةَ الضمير .
- فيروز لا تتصوري كلامي أنه بدافع الهروب الذي لا أتقنه لكن هي مجرد محاولة لكي لا أكون ذلك المشاهد لبرامج الطبخ في وقت الصيامّ لنا أذانُ المغرب يا فيروز ولنا العيد وما بعد ذلك بكثير ثم أنَّ هنالك عادات لا تليقُ بهذا الشهر لا تهوي بي في منعطفاتِ اللذّة، فالهاوية هنا مكتظة.
كانت رسالتي هذه أشبه بوقفة تأمل أمام مشاعرنا الهاربة وضمائرنا الغائبة بدا لي حالي وكأنني متدلّي بفورانّ على حافة هاوية بيدٍ واحدة وبقلبٍ مقسوم بين الرهبةِ والرغبة، كنت هائمًا على وجهي بين الإقلاعِ والهبوط، بين الثبات والاختلال، وبين الارتماءِ والسقوط، كل هذه الأضداد كانت تنهشُ بوحشية من كتلة جسدي البالغة ثمانين كيلوجرامً.
"لأجل ماذا، كان هذا؟"
"خطأُ من هذا؟"
"يا هذا أين أنتَ من كل هذا؟"
خطرت لي هذه التساؤلات وأنا أفترسُ النيكوتين في شارعٍ معتمٍّ تحتَ سماءٍ حالكة المجهول قبيل الإمساك بدقائق.