Za7makotab

Share to Social Media

في حيٍ من أحياء لندن الجديدة حيث يقل الازدحام وتتسع الرحاب المتروكة من غير بناء بمساعي أرل ميث لتجديد الهواء وتطهير الدماء وانعاش الأبدان بيت كبير بل قصر فخيم مبني على نسق القلاع القديمة تحيط به حديقة غناة واسعة الارجاء ملتفة الأشجار هبت رياح الخريف على أشجارها ورياحينها فتوردت واغنتها عن الأزهار حتى خدع النحل بها وصار يقع عليها ليتعلل بشيء من الأري يجده فيها.
في غرفة كبيرة من غرف هذا البيت الشاب طويل القامة نحيف الجسم أقنى الأنف أسيل الخد أسود الشعر والعينين وأخته وهي أصغر منه سناً وأشد بياضاً شقراء معتدلة القوام تخالف اخاها خَلقاً وخُلقاً آخذة عن أبيها وهو اسكتلندي كما أن اخاها آخذ عن أمه وهي فرنسوية الأصل وهذا هو الغالب في وراثة الأخلاق العقلية والأوصاف البدنية.
كانت الغرف مدفأة بالبخار الجاري في أنابيب متصلة بأسفل البيت حيث يولد وبدفع إلى غرف البيت كلها ومنارة بالكهربائية وفيها كل أسباب الراحة والرفاهة فوق ما فيها من فاخر الأثاث والرياش مما يدل على بسطة عيش ونعمة وافرة. ولا غرابة في ذلك فإن باب البيت السر أدورد برون أبا الفتى والفتاة صاحب جريدة لندن نيوز أثرى من جريدته ثروة وافرة إذ بلغ ما يطبع منها في اليوم الواحد أيام حرب البوير مليوناً وثلثمائة ألف نسخة فحولها إلى شركة مساهمة رأس مالها ثماني مئة ألف جنية وأنشأ جرائد أخرى مختلفة الأشكال كثيرة الرواج ولم يكن له غير هذين الولدين وأسم الفتى هنري واسم الفتاة دوراً. وكان الوقت صباحاً وقد جلس هنري في كرسي كبير مفكراً وجلست دوراً تقرأ جرائد الصباح. وكان أبوها قد قام عن المائدة وذهب إلى مكتبته ودخلت زوجته غرفتها. ومر نحو ساعة وهنري ودوراً لا يفوهان بكلمة إلا أن هنري لم يكن يقرأ بل كان شاخصاُ إلى صورة خيالية معلقة أمامه وأخيراً قال لأخته أتعلمين يا دورا إني حلمت في الليلة الفائتة حلماً لا يزال شاغلاً بالي. حلمت أن فتاة تشبه هذه الصورة في قوامها وملامحها أيقظتني من نومي وقالت لي هلم ورائي إني قرينتك المخلوقة لك هلم فتش عني في ديار المشرق. وللحال استيقظت وألتفت إلى ما حولي حاسباً أن ما رأيته حقيقة لا حلم فلم أر أحداً. ثم نمت فتكرر الحلم ثانية ورأيت تلك الفتاة عينها وقالت لي ما قالته أولاً هلم ورائي إلى ديار المشرق هلم فتش عني فيها. فاستيقظت مضطرب الباب وكان الوقت صباحاً. ولا شبهة عندي في صحة ما يقال عن الألفة والقرينة فإن لكل إنسان إلفاً أو قريناً يؤالفه ويوافقه ولا يهنأ لهما عيش ما لم يجتمعا ويقترنا وهذا سر ما نراه من الألفة والوئام بين بعض الأزواج والنفور والنشوز بين غيرهم.
فتبسمت دورا وقالت يظهر لي أن طيف هذه الغانية فتنك ولا إكراه لك السياحة في بلاد المشرق إذا أخذتني معك ولكن التفتيش عن الزوجة فيها ضرب من المحال إلا أن تكون فتاة من بنات جلدتنا القاطنات هنالك.

فقال ولكن الفتاة التي رأيت طيفها سمراء الوجه سوداء الشعر كهذه الصورة ليس فيها شيء من ملامح الإنكليزيات فلا يعقل أن أدعى للاقتران بفتاة شرقية ثم اقترن بفتاة غربية.
فقالت إليك عن هذا الخيال الآن فإننا أهل جدٍ لا أهل هزل وقد كدنا نرتاب في الحقائق فهل نصدق الأحلام.
فقال لست من أهل الخيال كما تزعمين ولكن ما تعليل ما نراه من الوفا مرةً والخلاف أخرى ولماذا لا يكون بين الناس ألفة مختلفة الدرجات كما بين العناصر الكيماوية ولماذا لا نقول أن الحب والألفة الكيماوية من قبيل واحد.
فقالت إن اختلفنا في هذا الموضوع فنحن متفقان في فائدة السفر وفي إني أسير معك إلى بلاد المشرق فهلم نستأذن والدينا فقد وعدانا بسياحة مثل هذه منذ ثلاث سنوات وقام الأثنان وذهبا إلى غرفة أمهما وعرضا عليها الأمر فقالت إذا أذن أبوكما لكما في ذلك فلا مانع عندي ولو عز علي فراقكما وكنت أود أن نذهب كلنا معاً ولكنني عالمة أن أباكما لا يذهب هذه السنة لأنه ينتظر أمراً جللاً من وراء تحالفنا مع اليابان ولقد سمعته بالأمس يكلم أحد الوزراء في ذلك. فلابد له من البقاء ههنا حيث دفة السياسة. ولا أدري أي متى يمكنني أن أخلصه من هذا الشغل المنهك للقوى وقد كنت أظن أن تحويل الجريدة إلى شركة مساهمة يخلصنا من متاعبها فزدنا تعباً ولا سيما بعد أن انتهت حرب البوير وعقد الصلح فقد أنحط المبيع من الجريدة من مليون وثلث إلى نصف مليون وأبوكما لا يسكن له روع ولا يهدأ له بال لأنه يخشى أن يعود المساهمون عليه باللائمة ولو كانت تسعة أعشار الأسهم في يده وقد أنشأ جرائد أخرى فزادت أشغاله ومتاعبه فأذهبا إليه وأنا أساعدكما وعسى أن لا يكون نصيبكما مثل نصيبه الكد والتعب لغيركما.
فقام الأثنان وانطلقا إلى مكتب أبيهما وطلبا منه أن يأذن لهما في السياحة سنة كاملة فقال لهما وما هي خطة سياحتكما فقال هنري نذهب من هنا إلى مصر ونقيم فيها شهراَ من الزمان ثم نمضي إلى الهند فالصين فاليابان ونعود بطريق أمريكا ونشاهد معرض سنت لويس.
فأطرق هنيهة يفكر في الأمر ثم رفع رأسه وألتفت إليهما وقال أهذه السياحة للنزهة فقط أم ممزوجة بعمل مفيد تخدمان به أباكما وبلادكما. فقالا مر بما تريد. قال إذاً لا مانع من سفركما. أما العمل فهام جداً ولا أبالغ إذا قلت لكما أن حياة الإمبراطورية البريطانية بنوع عام وحياة بيت أبيكما بنوع خاص متوقفة عليه فهل أنتما مستعدان لمساعدتي فيه.
فقال هنري نعم يا أبي أما دورا فوقفت صامتة. فقال لها أبوها وأنت ماذا تقولين. فقالت ربما لا أستطيع أن أفعل شيئاً مما تطلبه منا فكيف أعد قبلها أعرف المطلوب. فقال أصبت من وجه وأخطأت من آخر أصبت لأنه لا يحسن بأحد أن يعد بشيء ألا وهو قادر على الوفاء به وأخطأت لأنه كان يجب عليك أن تثقي بأبيك وتعلمي إني لا أطلب منكما إلا ما تستطيعانه.
فأحمر وجهها خجلاً وقالت أصبت يا أبي ولكنني شاعرة بما يتردد في صدرك ويقيني أن أيدينا ملآى والزيادة على ما عندنا تزيدنا هماً وتعباً.

فقال ولكن نحن الآن في معرض البقاء أو الفناء ومناظرونا يتهددون ممالكنا ومتاجرنا والدم السكسوني لا يرضى بالذل. ولما قال ذلك أحمر وجه هنري ولحظ أبوه ذلك فقال ولا يرضى به دم حر أياً كان فاجلسا الآن فابسط لكما ما أريده منكما.
فجلسا وكلمهما كلاماً طويلاً عن زراعة القطن في أمريكا واستبداد الأميركيين بالأسعار حتى كادت معامل لنكشير تخرب من جراء ذلك وأهلها يموتون جوعاً وعن رفع العلم الروسي على منشور يأكلها وتحصين مرافئها وتهديد التجارة البريطانية فيها وفي الصين وكرويا وأطال الحديث إلى الظهر. ثم وضعوا خطة السفر وقام وسار إلى نادي الصحافة واجتمع بكثيرين من أرباب الصحف اليومية وذاكرهم نحو ساعة من الزمان.
*****
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Story Chapters

المقدمة الفصل الأول السفر إلى المشرق الفصل الثاني نادي الصحافة الفصل الثالث البالو الخديوي الفصل الرابع بداءة البلبال الفصل الخامس شؤون مختلفة الفصل السادس الشركات الأجنبية ومبيع الأطيان الفصل السابع البورصة الفصل الثامن دار الحريم الفصل التاسع التقرير السري الفصل العاشر دار الخدم الفصل الحادي عشر السقوط والسفر الفصل الثاني عشر مجلس النواب الياباني الفصل الثالث عشرالقرض الياباني الفصل الرابع عشر مظهر الحب الفصل الخامس عشر باب الأمل الفصل السادس عشر لوعة الوداع الفصل السابع عشر الباخرة في السويس الفصل الثامن عشر الشكوى الفصل التاسع عشر الحيلة الفصل العشرون رأس السنة الفصل الحادي والعشرون الاعتداء الفصل الثاني والعشرون شؤون مختلفة الفصل الثالث والعشرون السفيران الفصل الرابع والعشرون تغير الشؤون الفصل الخامس والعشرون دار الحرب الفصل السادس والعشرون بين الحاضرة والآخرة الفصل السابع والعشرون تقرير برودي الفصل الثامن والعشرون التهييج الفصل التاسع والعشرون النقه الفصل الثلاثون الخطر الأصفر الفصل الحادي والثلاثون المرافعة الفصل الثاني والثلاثون سرقتان الفصل الثالث والثلاثون الفقر بعد الغنى الفصل الرابع والثلاثون القرض الجديد الفصل الخامس والثلاثون الرجوع من السفر الفصل السادس والثلاثون ثالثة الأثافي الفصل السابع والثلاثون من مرسيليا إلى مصر الفصل الثامن والثلاثون كشف المخبأ الفصل التاسع والثلاثون الخاتمة
Write and publish your own books and novels NOW, From Here.