hindawiorg

Share to Social Media

لم تشهد حانة جرونر مان مثل ذلك العصر؛ فقد دارتأكوابالجعة الفوارة وزجاجات
النبيذ ذات العنق الأخضرفي ابتهاج، وتحلَّل الطلاب من خجلهم في وجود البروفيسور بقدرٍ
كبير. أما بالنسبة له، فقد أخذ يَصيح ويُغني ويُزمجر ويوازن غليون تبغ طويلًا على أنفه،
وعرضأن يتسابق مع أي شخصفي هذا الجمع للركضلمائة ياردة. وأخذ النادل والنادلة
يتهامسان خارج الباب عن دهشتهما من مثل هذه التصرُّفات الصادرة عن أستاذ جامعي
يشغل أحد الكراسيالملَكية في جامعة كاينبلاتسالعريقة. وكان لا يزال أمامهما أمور أخرى
للتهامس عنها فيما بعد، لأن العالم شجَّ رأس النادل وقبَّل النادلة خلف باب المطبخ.
وقف البروفيسور عند رأسالطاولة مترنِّحًا بعضالشيء، موازنًا كأسالخمر الطويلة
أيها السادة، يجب أن أفُسِّرالآن سبب هذا » : القديمة الطراز في يده ذات العظم البارز وقال
«. الاحتفال
اسمعوا! اسمعوا! إنه » : صاح الطلبة وهم يَقرعون بزجاجات الجعة على الطاولة
«! خطاب، إنه خطاب! اصمتوا لأجل الخطاب
الحقيقة أيها الأصدقاء هي أنني » : فقال البروفيسور وهو يبتسم من خلف النظارة
«. أتمنى أن أتزوَّج في القريب العاجل
«؟ تتزوج! إذًا هل ماتت السيدة » : فصاح طالب كان أكثر شجاعة من أقرانه
«؟ أي سيدة »
«. ماذا؟ السيدة فون بومجارتن بالطبع »
ها، ها! أفهم أنك تعرف كل شيء عن مشاكلي السابقة » : فضحك البروفيسور وقال
«. إذن. لا، هي لم تمت، لكن لديَّ سبب يجعلني أعتقد أنها لن تعارضزواجي
«. هذا تفهُّم كبير من جانبها » : فقال واحد من الحشد
في الحقيقة، أعتقد أنها ستتحمَّس الآن لمساعدتي في الحصول » : استطرد البروفيسور
على زوجة. إننا لم نكن يومًا على وفاق لكنني اليوم آمل أن ينتهي كل ذلك، وعندما أتزوَّج
«. ستأتي لتعيش معي
«! يا لها من أسرة سعيدة » : قال أحدهم متعجبًا
نعم، هذا حقيقي، وأتمنى أن تأتوا جميعًا إلى حفل زفافي. لن أذكر أسماءَ، لكن هذا »
ولوَّح البروفيسور بالكأس في الهواء. «! نخب عروسيالصغيرة
نخب عروسِه الصغيرة! في صحتها. تحيا » : هلَّل المشاغبون مُطلِقين صيحات المرح
وهكذا ازداد المرح على نحو أسرع وأكثرصخبًا، وحذا الشباب حذو البروفيسور «! العروس
وشربوا نخب الفتاة التي اختارها قلبه.
وبينما كان هذا الاحتفال يَحدث في حانة جرونر مان، كان مشهد مختلف يحدث في
مكان آخر؛ فبعد التجربة تأمَّل الشاب فريتس فون هارتمان بوجه جادٍّ وطريقة متحفِّظة
بعضالوسائط الحسابية وعدَّلها، وبعدها تحدَّث مع الحارس بكلمات حاسمة وخرج إلى
الشارع وسار بخطوات بطيئة في اتجاه منزل البروفيسور. وأثناء سيره رأى أمامه أستاذ
التشريح فون ألتهاوس فأسرع في مشيه حتى أدركه.
فون ألتهاوسلقد سألتَني بالأمسعن أمر يخصُّالغلالة » : وضع يده على ذراعه وقال
«… المتوسطة للشرايين المخية. ووجدت الآن أن
يا إلهي! ماذا تقصد بسلوكك » : فصاح فون ألتهاوس العجوز الحادُّ الطباع قائلًا
ونكَص على عقبَيه «. الوقح هذا؟ سأجعلك تَمثُل أمام مجلس الجامعة بسبب ذلك يا سيد
بعد هذا التهديد مسرعًا في خطاه. اندهش فون هارتمان كثيرًا من هذا الاستقبال وقال
وأكمل طريقه في حزن. «. لا بد أن فشل التجربة هو السبب » : لنفسه
من ناحية أخرى، كان في انتظاره مفاجآت جديدة؛ فقد أدركه طالبان أثناء سيره
مسرعًا على الطريق، وبدلًا من رفع القبعة تحيةً له أو إظهار أيِّ علامة احترام، أطلق هذان
الشابان صافرة ابتهاجٍ جامحة لحظة رؤيته، واندفعا نحوه وأمسكاه من ذراعَيه وشرَعا
في سحبه معهما.
يا إلهي! ما معنى هذه الإهانة المُنقطعة النظير؟ إلى أين » : صاح فون هارتمان قائلًا
«؟ تصحبانِني
«. لتفتحَ معنا زجاجة نبيذ. تعالَ! إنها دعوة لم يسبق لك رفضها » : قال الطالبان
أنا لم أسمع مطلقًا مثل هذه الإهانة في حياتي! اتركا ذراعيَّ! » : فصاح فون هارتمان
وأخذ يُقاوم «! سأفصلكما من الجامعة بسبب ذلك بكلِّ تأكيد. قلتُ لكما دعاني وشأني
الشابَّين الممسكَين به في غضب.
حسنًا، إذا كان مزاجك سيئًا فاذهب حيثما شئت. » : قال أحد الطالبَين وهو يُفلته
«. يمكننا الاستغناء عنك
وأكمل قاصدًا «. أنا أعرفكما، وستدفعان ثمن فعلتكما » : فقال فون هارتمان في غضب
الوجهة التي ظن أنها منزله، وقد استشاط غضبًا من الواقعتين اللتين حدثتا له في الطريق.
في ذلك الوقت كانت السيدة فون بومجارتن تطلُّ من النافذة وتتساءل عن سبب تأخُّر
زوجها عن العشاء، وأصابتها دهشة شديدة عندما رأت الطالب الشاب يسير بزهو على
الطريق. وكما ذكرنا في السابق، فقد كانت السيدة تمقتُه مقتًا شديدًا، وكانت لا تُطيق
وجوده في المنزل الذي كان يَدخله تحت حماية البروفيسور. وما زاد من دهشتها أنها رأته
يفتح البوابة الصغيرة ويسير على ممر الحديقة كما لو كان صاحب البيت. لم تُصدِّق
عينيها، وأسرعت نحو الباب متسلِّحة بغريزتها كأمٍّ. ومن النوافذ العلوية رأت إليزا الجميلة
هذا التصرف الجريء الذي أقدم عليه حبيبُها، وتسارعت خفقات قلبها في فخرٍ مازَجَه
الخوف.
طاب » : وقفت السيدة فون بومجارتن عند الباب المفتوح بهيبة متجهمة وقالت للدخيل
«. يومك أيها السيد
يا له من يوم طيب بالفعل يا مارثا. والآن لا تقفي هناك مثل تمثال جونو، » : فأجابها
«. وانطلقي وحضِّري العشاء لأنني جائع جدٍّا
«! مارثا! العشاء » : قالت السيدة وهي تتراجع من فرط الدهشة
نعم، العشاء يا مارثا العشاء! هل يوجد » : فصاح فون هارتمان الذي تملَّكه الضيق
شيء غريب في هذا الطلب من رجل قضى يومه خارج البيت؟ سأنتظر في غرفة الطعام.
أي طعام سيفي بالغرض. لحم ونقانق وقراصيا؛ أي شيء موجود عندك. أما زلتِ واقفة
«؟ تحدِّقين فيَّ؟ هل ستذهبين أم لا يا امرأة
هذه الجملة الأخيرة التي قيلت بغضبٍ شديد جعلت السيدة فون بومجارتن الطيبة
تُسرع في الممر متوجهةً إلى المطبخ ومنه إلى غرفة غسل الأواني حيث حبَست نفسها ودخلت
في حالة هيستيريا عنيفة. وفي هذه الأثناء دخل فون هارتمان إلى الغرفة وجلس على الأريكة
في حالةٍ مزاجية بالغة السوء.
«! إليزا! اللعنة عليكِ أيتها الفتاة! إليزا » : صاح قائلًا
بعد هذا الاستدعاء العنيف نزلت الفتاة الشابة على السلم في خوف وتوجَّهت نحو
أعلم أنك تفعل كل هذا من أجلي. » : وطوقته بذراعيها واستطردت «! حبيبي » : حبيبها وقالت
«. إنها حيلة لتراني
كان سخط فون هارتمان من هذا الهجوم الجديد عظيمًا لدرجة أنه لم ينبس ببنت
شفة للحظةٍ من شدة غيظه، ولم يتمكن إلا من التحديق وهز قبضتيه وهو يقاوم عناقها.
وعندما استعاد قدرته على النطق أخيرًا أخذ يصيح في غضب لدرجة أن الفتاة الشابة
تراجعت وجلست متجمدة من الخوف على كرسيٍّذي ذراعين.
لم أمرَّ بمثل هذا اليوم في حياتي مطلَقًا. » : صاح فون هارتمان وهو يدب على الأرض
لقد فشلت التجربة. وأهانَني فون ألتهاوس. وجرَّني اثنان من الطلاب على الطريق العام.
وكادت زوجتي يُغشىعليها عندما طلبت منها العشاء، وابنتي تندفع نحوي وتُعانقني مثل
«. دبٍّ أشهب
أنتَ مريضيا عزيزي. لقدشرَد عقلك. أنت حتى لم تُقبِّلني ولو » : قالت الفتاة الشابة
«. قُبلة
لا، ولا أنوي ذلك أيضًا. يجب أن تَخجلي من نفسك. لماذا لا » : قال فون هارتمان بحزم
«؟ تذهبين وتُحضرين لي خُفِّي، وتُساعدين أمكِ في تجهيز العشاء
هل هذا هو الجزاء؟ هل هذا جزاء أنني » : صاحت إليزا وهي تَدفن وجهها في المنديل
أحببتُك بشغف لما يَزيد على عشرة أشهر؟ هل هذا جزاء أنني تحمَّلت غضب أمي؟ آه، لقد
وأخذَت تَنشج بالبكاء على نحوٍ هستيري. «! فطرتَ قلبي، لقد فطرتَ قلبي حقٍّا
لا أستطيع تحمُّل المزيد. ما الذي تقصده تلك الفتاة » : زمجر فون هارتمان في غضب
بحقِّ الشيطان؟ ما الذي فعلتُه منذ عشرة أشهر وبثَّ فيها مثل هذا الشعور تجاهي؟ إذا
كنتِ فعلًا شغوفةً لهذا الحدِّ فمن الأفضل أن تُهرَعي وتُحضري اللحم وبعض الخبز بدلًا
«. من التفوُّه بهذا الهُراء
وألقتْ بنفسها في حضن من ظنَّت أنه حبيبها، «! آه يا عزيزي » : قالت الفتاة التعيسة
«. أنتَ تمزح لتُخيف حبيبتك إليزا » : واستطردت قائلة
وتصادَف في لحظة هذا العناق غير المتوقَّع أن كان فون هارتمان متَّكئًا على طرف
الأريكة التي كانت متهالكة نسبيٍّا مثل كثير من قطع الأثاث الألمانية. وتصادَف أيضًا وجود
حوضمليء بالماء أسفل طرف هذه الأريكة حيث كان البروفيسور يُجري بعضالتجارب
على بيضالسمك، وجعل هذا الحوضفي غرفة الجلوسكي تبقى حرارته معتدلة. وتداعت
الأريكة المتهالكة عندما أضيف إليها وزن الفتاة مصحوبًا بقوة اندفاعها نحوه، واندفع
جسم الطالب التعيس الحظ للوراء ساقطًا في الحوض، وانحشَر فيه رأسه وكتفاه بقوة
بينما ظلَّت أطرافه السُّفلية تلوح في الهواء في قلة حيلة. وكانت هذه هي القشة التي قصَمت
ظهر البعير. فبعد أن أخرج فون هارتمان نفسه بصعوبة من هذا الموقف العصيب، أطلق
صيحة غضب غير مفهومة، وخرَج من الغرفة على الرغم من توسُّلات إليزا، وانتزع قبَّعته
وانطلق إلى البلدة وهو يقطر ماءً وثيابه غير مهندمة ناويًا البحث عن فندق يجد فيه ما لم
يجده في المنزل من طعام وراحة.
وبينما كانت روح فون بومجارتن الحبيسة في جسد فون هارتمان تجوب الطريق
المتعرِّج المؤدي إلى البلدة الصغيرة وهو يفكِّر حزينًا في المشاكل الكثيرة التي حدثت له،
أدرك أن ثمة رجلًا عجوزًا يَقترب منه بدا في حالة سُكْرٍ شديد. انتظر فون هارتمان على
جانب الطريق وراقب هذا الشخص الذي كان يسير بخطوات مُتعثِّرة، مُترنِّحًا من جانب
إلى آخر، ويغنِّي أغنيةً طلابية بصوت مبحوح وثمل. في البداية أثار اهتمامَه رؤيةُ شخصٍ
بهذا المنظر المَهيب في هذه الحالة المُخجِلة، لكن مع اقتراب الرجل أصبح مقتنعًا بأنه يعرفه
جيدًا لكنه لم يتمكن من تَذكَّر متى أو أين قابله. وازداد هذا الإحساس قوةً لدرجة أنه
عندما اقترب منه ذلك الغريب خطا أمامه وتفحَّصملامحه جيدًا.
حسنًا أيها الفتى، أين رأيتُك » : قال العجوز متفحصًا فون هارتمان ومترنِّحًا أمامه
«؟ من قبل بحق الشيطان؟ أنا أعرفك كما أعرف نفسي. فمن تكون بحق الشيطان
أنا البروفيسور فون بومجارتن. هل يُمكن أن أسألك من تكون؟ إنَّ » : قال الطالب
«. ملامحك مألوفة بالنسبة لي على نحوٍ غريب
يجب ألا تكذب أيها الشاب. أنت بالتأكيد لستَ البروفيسور؛ لأن » : قال الآخر
البروفيسور رجل عجوز دميم حادُّ الطباع، وأنت شابٌّ عريض المنكبَين ضخم الجثة.
«. وبالأصالة عن نفسي فإني أنا فريتس فون هارتمان في خدمتك
بالتأكيد لستَ كذلك. من المحتمل جدٍّا أن تكون » : صاح جسم فون هارتمان قائلًا
«؟ والده. ولكن ما هذا، هل تُدرك أيها السيد أنك ترتدي ملابسي وسلسلة ساعتي
يا إلهي! إن لم يكن هذا هو السروال الذي سيُقاضيني الخياط » : شهق الآخر وقال
«. لأجله، فلن أتذوق الجعة ثانيةً
ومن شدة تعب فون بومجارتن من كثرة الأمور الغريبة التي حدثت له في ذلك اليوم،
مرَّر يده فوق جبهته ونظر للأسفل، وبالصدفة رأى انعكاسوجهه في بركة خلَّفتها الأمطار
على الطريق. وأصابته دهشة كبيرة عندما أدرك أن وجهه كان وجهَ شابٍّ، وأن لبسه كان
لبس طالبٍ أنيق، وأنه من جميع النواحي يُمثِّل النقيض التام للجسم الأكاديمي الوقور
الذي اعتاد عقلُه أن يسكنه. وفي لحظةٍ استرجع عقلُه النَّشِط سلسلة الأحداث التي وقعت
له وتوصَّل إلى استنتاج، وأفقدته الصدمةُ توازُنَه.
يا إلهي! فهمتُ كل شيء. إنَّ أرواحنا دخلت الأجساد الخاطئة. أنا أنت » : صاح قائلًا
وأنت أنا. لقد ثبتَتصحة نظريتي لكن يا له من ثمن! هل سيتجوَّل أنْبهُ العقول الأكاديمية
وأخذ «! في أوروبا في هذا الجسد التافه؟ لقد ضاعت الإنجازات التي صنعتُها طوال عمري
يضرب على صدره في يأس.
مهلًا، أدُرك جيدًا قوة ملاحظاتك » : فقال فون هارتمان الحقيقي من جسد البروفيسور
لكن لا تضرب على جسدي هكذا. لقد تسلمتَه في حالة مثالية لكنني أرى أنك جعلته مبتلٍّا
«. ومصابًا بالكدمات، وسكبت السعوط على صدر قميصيالمكشكش
لا يهمُّ هذا كثيرًا، فسوف نبقى كما نحن. لقد ثبتَت صحة نظريتي » : رد الآخر بحزن
«. بنجاحٍ ساحق، لكن الثمن كان فظيعًا
إذا فكرت بهذه الطريقة فسيكون الأمر غايةً في الصعوبة. ماذا » : فقالت رُوح الطالب
يمكنني أن أفعل بهذه الأطرافالهَرِمة المتصلبة، كيف يمكنني مغازلة إليزا وإقناعها بأنني
لستُ والدها؟ لا، فحمدًا للرب أنني على الرغم من أن الجعة سببتْ لي تشوشًا على نحو
«. يفوق ما تستطيع فعله في نفسي الحقيقية، فإنني أستطيع أن أرى لنا مخرجًا
«؟ كيف » : تساءل البروفيسور بأنفاس لاهثة
بإعادة التجربة. حرِّر الأرواح من جديد ومن المحتمل أن تجد كل رُوح طريقها إلى »
«. جسدها الصحيح
تمسَّكت روح فون بومجارتن بهذا الاقتراح بحماس يفوق تمسُّك الغريق بالقشة.
وفي عجلةٍ محمومة سحب جسده إلى جانب الطريق، وأدخله في غيبة تنويمٍ مغناطيسي؛ ثم
أخرج الكُرة البلورية مِن جَيبِه ونجح في إدخال نفسه إلى الحالة نفسها.
وبالصُّدفة مرَّ بهما بعضالطلبة والفلاحينأثناء الساعة التالية، واندهشوا كثيرًا عندما
رأوا بروفيسور الفسيولوجيا العظيم وطالبه المفضَّل جالسَين على ضفة موحلة للغاية وفي
حالة غيابٍ كامل عن الوعي. وقبل أن تنقضيالساعة تجمَّع حشد كبير من الناس، وكانوا
يَتناقشون في جدوى الإرسال في طلب الإسعاف لنقلهما إلى المستشفى عندما فتح العالِم
عينَيه وحدَّق حوله بلا تركيز، وبدا للحظة كما لو كان نسيَ كيف جاء إلى هنا، لكن بعد
لحظة أدهش الحشد المتجمهر عندما لوح بذراعَيه النحيلتين أمام رأسه وصاح بصوت
ولم يكن الجمهور أقل «! حمدًا للرب. لقد عدتُ نفسي ثانيةً. أشعر أنني أنا » : ملؤه الفرحة
اندهاشًا عندما وقف الطالب وأطلق الصيحة نفسها، وأخذا يَرقصان في ابتهاج في وسط
الطريق.
ظلَّ الناس بعد ذلك لفترة في ريب من السلامة العقلية لبطلَي هذه الواقعة الغريبة.
وعندما نشر البروفيسور تجاربه في الدورية الطبية كما وعد، ألمح له زملاؤه أيضًا أنه من
الأفضل خضوع عقله للعلاج، وأنه إذا نشر مثل هذه المقالات مرةً أخرى فسوف يكون
مصيره مستشفى الأمراضالعقلية بالتأكيد. ومن مُنطلَق الخِبرة وجد الطالب أيضًا أنه من
الحكمة التزام الصمت حيال الموضوع.
وعندما عاد المُحاضرالجليل إلى منزله في تلك الليلة لم يلقَ الترحابَ الوديَّ الذي ربما
كان يتطلَّع إليه بعد هذه المغامرات الغريبة، بل وبَّختْه امرأته وابنته بسبب رائحة الخمر
والتبغ التي تنبعث منه، ولأنه كان غير موجود عندما اقتحم البيتَ شابٌّ سافل وأهان
سكانه. ومرَّ وقتٌ طويل حتى استعاد الجوُّ الأسريُّ لبَيتِ المحاضر هدوءَه المعتاد، ومر
وقت أطول حتى شوهد وجه فون هارتمان الودود تحت سقف هذا المنزل؛ فالمثابرة، رغم
كل شيء، تتغلب على كل العقبات. ونجح الطالب في النهاية في تهدئة غضب السيدتَين،
وإعادة علاقته معهما كسابق عهدها. والآن لم يعد يوجد أي سبب يجعله يخشى عداء
السيدة؛ لأنه أصبح النقيب فون هارتمان بعدما انضمَّ إلى فرسان الإمبراطور، كما أنجبَت
له زوجته إليزا فارسَين صغيرين إثباتًا عمليٍّا لحُبِّها له.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.