Darebhar

Share to Social Media

-1-
العقْد والقصر المسحور

ما الحياة سوى كلمات... كلمات نسمعها من الآخرين فتجعلنا نلامس السماء بأيدينا من السعادة وتجعل قلوبنا ترفرف كالطيور بين أضلعنا، أو كلمات مريرة تزلزل كياننا بقسوة فتدفعنا للدخول قسرًا داخل أنفسنا لمعرفة مصدر هذا الألم الرهيب الذي سببته حينما وقعت على مسامعنا للمرة الأولى عّلنا نعالج جروحنا القديمة أملًا في الشفاء والخلاص، أو كلمات نقولها لأنفسنا في هذا الحوار الداخلي الأزلي الذي لا ينتهي فتدفعنا للأمام للنهوض من كل العثرات وعَيش حياة لطالما حلمنا بها، أو كلمات تتردد داخلنا لا يجرؤ أشد أعداؤنا قسوة على قولها لنا فتُرغمنا على الغوص قَسرًا في ظلماتنا دون أمل للنجاة... بضعة كلمات جعلوني أقرر الانتحار بجرعة زائدة من الحبوب المنومة والرحيل للأبد في 8 سبتمبر 2017 بعد أن بلغ بي اليأس مداه وعجزت عن رؤية النور مرة أخرى.
أنا روح بلا كيان معروف، وأفكاري هائمة في كل الدروب والأجواء والأماكن... ليس لي صديق سوى الهواء الذي أُحَمله بأفكاري فتتبعثر في الكون لكنها لا تَرتد إليّ ثانية، فلست بحاجة إليها فلدي المزيد.. كان اسمي "ليلى الحكيم" في حياتي الدنيوية الأولى، وقبل أن ألفظ أنفاسي الأخيرة، جاءني المَلاك للمرة الأولى بشكل مفاجئ لم أكن أتخيله، ممسكًا عقدًا روحيًا على شكل سحابة بيضاء مكتوبًا عليه الكلمات بأحرف ذهبية وبخط أثار بداخلي الرهبة فلم أشهد روعته في حياتي قط!، يتيح لي العودة للحياة مرة أخرى للعيش حيوات جديدة إلى ما لا نهاية، لأنه كما قال لي، أنني قمت ببعض الأعمال الجيدة في حياتي التي أتاحت لي هذه الفرصة الثمينة، ولا تُمنح إلا لقلة من البشر.
طلب مني الملاك أن أُوقع هذا العقد بأنفاسي الأخيرة حال موافقتي، وأعاد على مسامعي قبل التوقيع "الشرط" الذي يجب أن أحققه وإلا سأحرم من تلك العودة، فوافقت بسذاجة دون أن أفكر في أي شيء، غير مدركة لتبعات الرحلة الطويلة التي سأخوضها وحدي لتنفيذ هذا الشرط؛ فالمزايا المنصوص عليها في العقد لا يمكن مقاومتها، التمعت لها عيناي لمعتها الأخيرة قبل أن أغمضهما للأبد، وفجأة تحولت أنفاسي الأخيرة إلى كلمة "أوافق" فتحول لون العقد الروحي للأخضر، بموجب هذا العقد سأختار كل تفاصيل الشخصية الجديدة التي سأحياها في كل حياة: الشكل الخارجي، والطول، والوزن، والجنسية، والعمر، والجنس، والهويات التي أحبها، والموهبة والمهارات التي أرغب أن تكون لدى شخصيتي الجديدة، بالإضافة إلى الدراسة التي سأحصل عليها، وكل هذا سيكون مخزنًا في اللاوعي بصورة تلقائية، كل ما يتعين عليّ فعله هو اختيار ما يشتهيه قلبي من منجم الحياة اللانهائي فحسب.. كما ستكون لي القدرة على التحدث بطلاقة بكل لغات العالم... أليس هذا رائعًا!!! من منا يستطيع أن يرفض عرضًا ساحرًا كهذا أيًا كان المطلوب في المقابل!... من مْنا لم يكن يحلم في يوم أن يكون شخصية أخرى لا تمت بصلة لشخصيته الحقيقية يُشكلها كيفما يشاء، يحقق بها كل أحلامه والتي تقف أوجاع شخصيته الحالية حائلًا دون تحقيقها، ولا يَمْلك الخَلاص منها، من مْنا لم يتمنى أن يخلق شخصيته كنحات ينحت تمثالًا مهيبًا ويختار كل تفاصيله بعناية ليخرج في أبهى صورة...
أكد عليّ المَلاك أن روحي القديمة ستبقى كما هي وفقًا لما هو مَنصوص عليه، وذلك حتى أستطيع تنفيذ هذا الشرط الوحيد في العقد... وأكد عليّ أن البوح بهذا السر ينهي هذا العقد وتنتهي حياتي على الفور، ونوه في غموض أنني سأكتشف مع الوقت بعض القدرات العجيبة التي ستمكنني من تحقيق الشرط والتي لا يستطيع إخباري بها...
وهنا بدأت حكايتي، اخترت في عودتي للحياة أن أكون "لارين إيفانوفيتش" فتاة روسية في الثالثة والثلاثين من العمر، وهو السن الذي غادرت فيه "ليلى" الحياة بالمناسبة، ذات شعر أشقر طويل ناعم وعينين عسليتين واسعتين، وقوام ممشوق، كنت شديدة الجمال فلقد اخترت كل شيء بعناية فائقة، فهذه أنا الجديدة وأريدها أن تكون ذات معايير جمال مثالية تليق بأجمل امرأة في الكون... واخترت روسيا لتكون موطني الجديد لشدة تعلقي بتلك الثقافة فقد كنت أحب دومًا الاستماع إلى الموسيقي الكلاسيكية الروسية المُلهمة، وقراءة الأدب الروسي العميق الذي يغوص في أعماق النفس البشرية، كما اخترت أن أعيش في طقس لم أعتده من قبل، فالبرودة الشديدة كانت دومًا لها سحرها الخاص بالنسبة لي.. وربما وجدت أنها ستلائم برودة روحي عندما غادرت الحياة...
اخترت لمسكني قصرًا فسيحًا معزول تمامًا على أطراف موسكو، مكون من ثلاثة أدوار يربطهم سلم رخامي لم أرَ في فخامته من قبل، وبه حديقة شاسعة بها أشجار من مختلف الفواكه ونخيل وزهور لا مثيل لها من كافة الألوان والأشكال، وسألت الملاك إذا كان بوسعي أن أضيف للحديقة نهرًا صغيرًا، فشُق في ذات اللحظة نهر صافي طويل بلون الفيروز تلتمع مياهه تحت أشعة الشمس، كنت أستحم فيه كل يوم خلال بقائي في القصر، وأشعر ببهجة لا توصف وكأني في نهر من أنهار الجنة بأسماكه الملونة الصغيرة التي كانت تداعبني في رقة.
شهدت بناء القصر بنفسي كأني في حلم خيالي لا يمت للواقع بصلة، كان كل شيء أصفه للملاك أو حتى أتصوره في مخيلتي، يتحول في لمح البصر لحقيقة، بدون أدنى حاجة للشرح حول تصميمه المعماري الخارجي والداخلي وكافة التفاصيل الأخرى، اخترت الأثاث والنجف والستائر والمفروشات والتحف الباهظة التي طالما أعجبتني في حياتي السابقة وحتى الأجهزة الكهربائية الحديثة كانت تتواجد أيضًا بمجرد أن أفكر فيها، ولدهشتي لم يستغرق بناء هذا القصر المنيف بكافة تفاصيله سوى 6 أيام، حكت ملابسي كلها بنفسي، فلقد طلبت من الملاك أن تكون لي مهارة الحياكة، بجانب مهارات أخرى بالطبع، فوجدتني أتقنها كأفضل مصممي الأزياء العالميين وأصمم أروع الأزياء الفاخرة؛ كنت أرتديها وقلبي يكاد يتوقف من فرط الفرحة كأني أميرة فاتنة في إحدى القصص الخيالية.. طَلبت من الملاك أن أقتني كل المجوهرات التي طالما حلمت بامتلاكها في حياتي السابقة من ذهب وياقوت وألماس وزمرد ومرجان، ولم يرفض لي طلبًا قط وكان يقول لي بصوته الرخيم الهادئ: "تخيلي ما تريدينه وستجدينه أمامك في ذات اللحظة أمرًا واقعًا".
كان يعيد على مسامعي تلك الجملة الأخيرة مئات المرات عندما كنت أَهم بطلب أي شيء، لكنه يعذرني بالطبع ولم يَبدُ عليه أي تبرم أو ضيق، فما حدث في القصر فاق كل حدود الخيال والمنطق، حتى أني تساءلت في حيرة كيف أمكنني التحول بين ليلة وضحاها من تلك الإنسانة البائسة التي أنهت حياتها بيديها في يأس مظلم لتلك المرأة التي تصرخ في سعادة كطفلة صغيرة عندما تجد أمامها ولو تفاحة بمجرد تخيلها، فتقضمها في حبور لا مثيل له!...
وفي إحدى المرات بينما أستحم في النهر الفيروزي، تمنيت أن أرى دولفن وردي اللون كنت قد شاهدته في صورة سابقة أثناء حياتي لألعب معه، ولا حاجة لي للقول إنه ظهر أمامي فجأة وظللت ألهو معه حتى اختفى معنى الزمان.
اخترت دراسة الفنون الجميلة في إحدى أعرق الجامعات في إيطاليا فمنحني الملاك الشهادة التي تثبت ذلك، حتى ولو لم أحضر فعليًا في أي يوم، لكن كل العلوم المُتعلقة بتلك الدراسة صارت مُخزنة في عقلي الباطن بمجرد أن طلبت، ومَنحني كذلك أوراقي الثبوتية، وشهادة ميلادي الروسية، وجواز سفري مُدون عليه تاريخ ميلادي 8 سبتمبر 1984، وهويتي الحكومية، وبطاقات ائتمانية تحمل اسمي، وكافة الوثائق اللازمة لبدء حياة جديدة على الأرض.
وفي اليوم السادس لعودتي، أخبرني الملاك أنني سأبقى في هذا القصر حتى أقرر بنفسي متى أعود لمصر حيث عشت حياتي السابقة لأنفذ الشرط المَحتوم، سألته متى سأراه مرة أخرى لكنه اختفى ولم يرد، مُخلفًا ورائه سحابة بيضاء ضخمة ظلت آثارها في الحديقة لعام كامل، لم يظهر خلاله مرة أخرى.
أحد مزايا العقد هي تحويل أفكاري إلى كلمات تقرؤوها بين أيديكم في هذا الكتاب، أترون مدى سحر هذه الحياة التي أعيشها والتي لا تمت بصلة إلى ما ألفتموه، لا يوجد معنى للزمن أو المال في القصر، فمقياس كل شيء في حياتي الجديدة يختلف كليًا عما هو متعارف عليه للبشر في حياتهم الدنيوية.
كنت أستيقظ كل يوم في الخامسة فجرًا أمارس الرياضة والتأمل لمدة ساعتين تقريبًا قبل أن أبدأ في ممارسة حياتي على النحو الذي يروق لي، والذي طالما تمنيته في حياتي السابقة، لي الآن مطلق الحرية في عيش كل يوم كما يحلو لي تمامًا، معي أموال طائلة وبالتالي فلا حاجة لي للعمل لكسب قوت يومي كما أنني بلا عائلة لا أب ولا أم ولا زوج ولا أولاد وكل ما أتمناه أجده أمامي... فقط أنا في هذه الحياة وفي هذا القصر الفسيح بمفردي أعيش فيه كملكة مُتوجة أحصل فيه على كل ما أريد بمجرد تَمنيه... ظللت لمدة عام لا أغادر هذا القصر أبدًا، فكل شيء أحتاجه كان موجودًا، كان يكفي فقط أن أفكر فيه حتى يتجسد أمامي، أقمشة، مجوهرات، أحذية، كتب، حتى أشهى الأطعمة والمشروبات كانت تتجسد بمجرد أن أشتهيها، وهذه الميزة للأسف كانت متاحة في القصر فقط باعتباره مكاني الأول بعد العودة للحياة كما أخبرني الملاك، وتنتفي عندما أخرج للعالم استعدادًا لتنفيذ الشرط حيث سأحيا بعد ذلك كباقي البشر وتنطبق عليّ كافة قواعدهم.
كنت مُتصلة بالعالم حولي من خلال الأخبار التي كنت أتابعها من خلال التلفاز والإنترنت، لكنها في الحقيقة لم تكن تهمني في شيء، أريد أن أنسى صخب هذا العالم وأهواله الذي تشبعت به في السابق، وأن أستمتع باكتشاف هذا العالم الجديد في قصري المسحور بالطريقة التي تحلو لي هذه المرة وليس حسبما يُمليه عليّ الأخرون.
كنت أرسم كل يوم، كانت لدي أفخر أنواع الألوان الزيتية والفُرش من كافة الماركات العالمية، كان يكفيني تخيل ما أريده حتى يتجسد أمامي على الفور... قد أستغرق شهرًا كاملًا في رسم لوحة واحدة، فلا شيء مطلوب مني خلال إقامتي سوى أن أحيا كما أريد؛ فطالما أحببت الرسم في حياتي الدنيوية الأولى لكن ضغوط الحياة حالت دون تحقيق هذا الحلم أو حتى إيجاد الوقت الكافي لممارسته في غمرة انشغالي بعملي والتزاماتي الأخرى، لا أعفي نفسي من المسئولية بالطبع، لكن هكذا صارت وتيرة حياتي السابقة وفات أوان تعديلها أو تبديلها...
عام كامل عشته على هذا النحو الحالم، لم أشعر بالضجر يومًا خلال تلك الفترة بل كنت هادئة، لم تخطر حياتي السابقة على بالي مطلقًا كأني لم أعشها يومًا، فسعادتي بقصري وحياتي الجديدة وأمنياتي التي تتحقق في ثوان وحبي لشكلي الجديد لا يمكن وصفه، كنت أتأمل نفسي لساعات أمام المرآة وأنا غير مصدقة لتلك التحولات الساحرة التي طرأت عليّ بعد موتي... تُرى هل كان قرار الانتحار قرارًا حكيمًا حتى تتاح لي تلك الفرصة الذهبية للحياة من جديد... تساءلت بيني وبين نفسي كثيرًا! رسمت في تلك الفترة نحو ستين لوحة أثارت ضجة عالمية عندما تم عرضها في المعارض الدولية بعد اختفائي، ولم أستغرب ذلك فقد كان هدفي الأساسي هو الإتقان الشديد والاهتمام بالتفاصيل، فمُحاولة الوصول للكمال كان غايتي.
عندما قررت الخروج من عزلتي الاختيارية بعد عام، لم يكن هناك سبب آخر سوى شعوري بالاكتفاء التام من تلك الحياة المثالية، وأنني بت قادرة على العودة الآن إلى موطني الأصلي مصر لكي أنفذ الشرط المحتوم في العقد.. أتحدث الروسية بطلاقة كأحد أبنائها، الأمر الذي كان يثير ضحكي كثيرًا في البداية قبل أن أعتاد عليه فطوال العام الذي قضيته بمفردي لم أتحدث مع أي مخلوق قط... اكتشفت ذلك أثناء تواجدي بمطار "شيريميتييفو الدولي" للمرة الأولى عند عودتي إلى مصر... بدأ الفضول وقتها يتملكني لأول مرة لأعرف ماذا حدث بعد موتي، وتعجبت كثيرًا لبقائي عام كامل بمفردي قبل القيام بتلك الرحلة، ألهذا الحد صرت زاهدة في الحياة التي عشتها يومًا؟! ألهذا الحد لم يتملكني حتى الفضول ولو للحظة خلال بقائي بالقصر لمعرفة ماذا حدث بعد موتي، وماذا حدث بحياة من عاشرتهم حتى أمي الحبيبة وتساءلت كيف سأوجههم مرة أخرى؟!...
على أي حال، فلقد ماتت "ليلى" منذ عام، و"لارين" وإن كانت لا تمت لها بأي شبه من الناحية الشكلية إلا أن روحها تعيش بداخلي بكل ذكرياتها، فليلى سمراء ذات شعر أسود طويل وعينين سوداويين لها جمال مختلف تمامًا عن "لارين"، الشيء الوحيد المشترك بينهما كان الروح ولا سبيل لأحد أن يعرف ذلك بالطبع، ومن المحرم عليّ البوح بهذا السر وإلا انتهيت...
انهمرت دموعي طوال الرحلة بأحاسيس متضاربة تَجيش بصدري والطائرة تحلق في الجو، هل أعود إلى موسكو مرة أخرى وأؤجل رحلتي لوقت لاحق، فلقد افتقدت قصري أو جنتي بمجرد أن غادرته، وتواترت الأسئلة على رأسي هل سألتقي بآدم مرة أخرى بعد كل ما حدث بيننا، تراه افتقدني وحزن لفراقي؟
تبخر الهدوء والسلام النفسي الذي كنت أشعر به طوال العام الذي قضيته في قصري بمجرد ورود هذا الخاطر على ذهني، عزمت على الاستمرار في رحلتي فلم يكن لدى خيار آخر كما أنه ليس بمقدوري العودة للقصر، فقد تذكرت في تلك اللحظة ما قاله لي الملاك: "بعد خروجك من القصر لا يحق لكِ العودة إليه مرة أخرى، سيختفي بذهابك، فلا تستعجلي الرحيل"... وتذكرت القصر وهو يتحول لسراب بمجرد أن أغلقت بوابته الحديدية الضخمة بعد أن أخرجت أخر حقيبة لي استعدادًا للعودة إلى مصر، وحاولت الدخول إليه ثانية لكنه صار هواء كأنه لم يكن قط... وبكيت بحرقة وقتها وأنا في طريقي للمطار في السيارة التي طلبتها والتي جاءت بعد اختفاء القصر مباشرة.
وصلت الطائرة إلى مطار القاهرة مساء يوم الثامن من سبتمبر 2018، ما أجمل العودة لأرض الوطن الحبيب، أعتقد أن مظهري كان غريبًا بعض الشيء، سيدة روسية تبكي بحرقة وقت وصول الطائرة ما لفت نظر الركاب حولي... لم أصدق نفسي وأنا أتحدث مع ضابط الجوازات وهو يقوم بختم جواز سفري الروسي، شكرته بحرارة بلغة مصرية ذات لكنة روسية واضحة... فنظر لي مستغربًا متسائلًا: "أين تعلمتِ العربية؟"... أجبته بابتسامة غامضة: "أنا أتحدث كل لغات العالم"، وتركته وهو ينظر لي مدهوشًا، وأنا أضحك في سري وأتخيل نفسي أقول له الحقيقة "أنا يا عزيزي ميتة عادت للحياة بصورة لا تخطر على بال بشر".
خرجت من المطار وسرت قشعريرة في جسدي وأنا أسمح لهواء القاهرة الليلي البارد أن يخترق كل ذرة من كياني، لهواء القاهرة سحر خاص في المساء، كنت مُحملة بعدة حقائب وصندوقًا كبيرًا به كل اللوحات التي رسمتها وقمت بشحنها معي جوًا... ظهر سائق سيارة ليموزين أمامي بمجرد خروجي وحمل الحقائب، نظر إلى الصندوق ثم اختفى بضع دقائق وسألني عن وجهتي بإنجليزية ركيكة، قلت له: فندق "هيلتون رمسيس"، فقال أن الصندوق سيصلني في صباح الغد وقام بإعطائي إيصالًا عليه اسم شركة نقل الركاب... كان ينظر لي مرتبكًا كحال أي رجل مصري أصيل عندما يري فتاة روسية شقراء...
سارت السيارة في هدوء في شوارع القاهرة وأنا أنظر إليها من النافذة في حنين لا يوصف كأني غبت عنها مئات السنين، كنت أنظر لكل شيء حتى الأشجار والوجوه السمراء الطيبة باشتياق لا يوصف، هل هذا الشعور مرتبط بمصر وحدها أم بكل الأوطان، لكن لمصر سحرها الخاص ألم يقولوا في المثل الشعبي "من شرب من مياه النيل لابد أن يعود له"، يبدو أن هذا المثل صحيح تمامًا، كنت بحاجة إلى النوم الطويل فجسدي مرهق جراء الرحلة التي استمرت نحو أربع ساعات... نسيت أن أقول أن جسدي يخضع للقواعد البشرية من الحاجة إلى الأكل والشرب والنوم كأي إنسان عادي، أكدت على السائق أن يحضر الصندوق إلى الفندق غدًا ويتركه في الاستقبال تحت اسم "لارين ايفانوفيتش"، فأومأ بالموافقة وهو يقول: "تحت أمرك"... استقبلني موظف الاستقبال بابتسامة واسعة، حجزت جناح كبير فاخر يطل على النيل في أحد الطوابق العليا، وسألني: "كم من الوقت ستمكثين" فقمت بالرد عليه بالعربية أنني لا أعرف بعد، فسألني هل ترغبين في أن نقوم بإيقاظك في معاد معين يا سيدتي؟" فشكرته وأنا أرفض في لطف... وجاء العامل ليأخذ حقائبي إلى الغرفة، فمنحته إكرامية سخية، فمصريتي الصميمة قد طغت عليّ بالطبع، فاندهش وانصرف سعيدًا...
أردت الانفراد بنفسي، فالضوضاء أزعجتني كثيرًا منذ مغادرتي القصر حتى وصولي للفندق، وجعلتني أشعر بالاغتراب الشديد، إنه بالفعل لمثير للدهشة أن تجعلنا الوحدة الطويلة والعزلة مدمنين عليها عندما نعتاد عليها رغم فزعنا من تلك الفكرة في البداية، غادر العامل الغرفة وكدت أرفرف من السعادة لأني عدت وحيدة مجددًا، أتذكر هذا الشعور جيدًا، استلقيت على فراشي في راحة، وخلدت في نوم عميق.
داعبت الشمس جفوني بظلالها في حنو فلم أكن قد أغلقت الستائر السميكة حتى أرى ضوء القمر قبل نومي، نظرت للساعة في تكاسل كانت تشير إلى التاسعة صباحًا، لم أرغب في النهوض من الفراش بعد، فرحت في النوم مرة أخرى، لدي كل الوقت لأفعل ما أشاء فحتى الموت قد حدث، فما الذي أخشاه! أضحكتني تلك الفكرة كثيرًا وأنا أغيب في النعاس من جديد... ونحو الساعة الثالثة عصرًا شعرت أني أخذت كفايتي من النوم، وأن جسدي قد نال كفايته من الراحة، نهضت من السرير وأنا أشعر بنشاط كبير، أفكار عديدة دارت بخلدي فلم يخبرني الملاك أي شيء حول ما يتعين عليّ فعله لتحقيق شرطه أو كيف سأخترق حياتي السابقة لتحقيق ذلك... سأفكر في هذا الأمر فيما بعد...
قررت أن أقضي يومي الأول في القاهرة بعد عام كامل من الرحيل، بالتجول في شوارعها التي افتقدتها كثيرًا، والمرور تحت منزلي عّلني أتحسس خطاي السابقة، أو أجد أمي الحبيبة جالسة في الشرفة كما اعتادت بعد غروب الشمس، كم أود أن أرتمي في أحضانها لكني لست مستعدة على الإطلاق لتلك الخطوة المخيفة بعد، حتمًا سأنهار بمجرد رؤيتها بعد كل هذا الألم الذي سببته لها برحيلي المفاجئ، وسأعترف أمام عينيها البريئتين بكل شيء وأخسر هذه الفرصة الجديدة للحياة وأضاعف ألمها، لذا قررت تأجيل تلك الخطوة... شعرت بالجوع الشديد وتاقت نفسي للأطعمة المصرية التي طالما أحببتها وخاصة الكشري.. يا إلهي لا تزال حياتي القديمة عالقة بي كأنني لم أمت قط...
ارتديت فستانًا أزرق طويل كنت قد حُكتُه بنفسي وأحبه كثيرًا بدون أكمام وحذاء رياضي أبيض، ووضعت طلاء وجه خفيف وصففت شعري بعناية وتركته منسدلًا على ظهري، تأملت نفسي في المرآة برضا.. لم أشعر بالغرابة إزاء أي شيء رغم عدم منطقية أي شيء، فروحي هي روح "ليلى" المصرية وجسدي جسد "لارين" الروسية، كل شيء كان يسير بسلاسة نوعًا ما... كنت أحب كلتاهما إلا أن علاقتي بليلى كانت أكثر تعقيدًا، سامحتها على أشياء وكرهتها لأشياء أخرى، أما "لارين" كانت الأقرب فهي لا زالت نقية بلا خطايا وإن كانت في الثالثة والثلاثين من عمرها... لم تفعل أي شيء يجعلني غاضبة أو ناقمة عليها لأي سبب... موت "ليلى" كان بمثابة التكفير عن كل الخطايا التي ارتكبتها ولو بارتكاب خطيئة أكبر، لذا لا أريد أن أغضب منها، يكفيها ما لاقته فلقد صارت ترابًا حتى ولو كانت روحها ما زلت موجودة بداخلي... تساءلت هل ذابت خطايا "ليلى" مع جسدها أم لعلها ما زالت عالقة في روحي بجسد "لارين"؟... رجوعي لمصر جعلني أشعر أني لم أغادرها أبدًا، وأعاد "ليلى" بقوة للواجهة بكل أوجاعها القديمة على حساب "لارين" بعدما اختفت تمامًا بكل ذكرياتها في غمرة استمتاعي بحياتي في قصري المسحور خلال العام الماضي ويا له من عام! تُرى هل مجرد تغيير المكان يُعيد لنا بغتة كل الذكريات المرتبطة به الحلوة والمرة على السواء؟!، فلقد اعتدت على كل شيء سريعًا وكأني كنت في القاهرة بالأمس، حتى أن ذكريات القصر بدت وكأنها قادمة من زمن سحيق... أه لا أريد التفكير في تلك الأمور العميقة الآن، لا أعرف من أين قفزت على ذهني فهذا بالكاد يومي الأول في مصر... توجهت لموظف الاستقبال لأسأله عما إذا كان صندوق لوحاتي قد وصل أم لا، فتفقد بعض الأوراق أمامه وأومأ لي بالإيجاب، فتنفست الصعداء كم كنت أخشى أن تضيع لوحاتي وسألني إذا كنت أريد نقلها للغرفة، فوافقت بدون تردد، فالجناح فسيح وهناك مكان للصندوق، فهذا الصندوق واللوحات المحفوظة بداخله بمثابة أهلي والدليل المادي على أن العام الذي أمضيته في القصر لم يكن وهمًا، وما أن رأيته حتى شعرت بغبطة عظيمة كأنه غائب عزيز عاد بعد طول انتظار، تحسسته في حب وطَبعت عليه قبلة حانية...
خرجت إلى الشارع ورفضت أن أستقل سيارة أجرة، كنت أرغب في السير على قدمي للاستمتاع بكل لحظة، خطر في بالي أن أمر تحت منزل "آدم" الذي شهد سنوات زواجنا الأربعة، لكن الخوف من تلك الفكرة كان أقوى من احتمالي فقررت تأجيل الخطوة... التجول وسط الناس كان له وقْع شديد الغرابة على نفسي، لم أكن لأتخيل يومًا وأنا على قيد الحياة أن هناك أي إمكانية لأن يكون أي أحد يسير بجواري مجرد ميت أُعيد للحياة ولو بقواعد صارمة، كما لم يكن من حقي أن أعرف من هم مثلي ومن هم الأحياء الحقيقيون كما قال لي الملاك، فلا شيء أبدًا يفرقني عن الأحياء فالتفرقة مستحيلة... سرت في شوارع القاهرة متحررة من كل مخاوف أو قلق دنيوي عاقدة العزم على العيش بصورة مختلفة هذه المرة من أجلي أنا فقط!، شعور عميق بالرضا والراحة اجتاحني ونادرًا ما شعرت به في حياتي السابقة.... أهدرت حياتي عبثًا في سعي محموم وراء أوهام تخيلتها حقيقة، وخَربت علاقتي بآدم كياني كله، جعلتني أشعر بالاغتراب حتى نسيت من أكُون!، لكني سمحت بذلك أعترف، ربما هي الرحمة الإلهية التي أدركت أنني لا أملك السيطرة على نفسي بالقدر الكافي عندما قررت الانتحار، فسُمح لي بالعودة للحياة مرة أخرى.
ذهبت لأحد المطاعم الفاخرة في الزمالك التي كنت قد اعتدت الذهاب إليها عندما أكون في مزاج جيد، كنت أرغب أن أعامل كملكة في يومي الأول في القاهرة، كان المكان مطلًا على النيل فائق النظافة، كل شيء مرتب وأنيق، شعرت برهبة حين دخلت، لم يتغير أي شيء حتى تلك الوجوه المألوفة من رجال ونساء التي اعتدت أن أراهم في الماضي، ها هو المتر "أحمد" يأتي مقبلًا نحوي وعلى وجهه ابتسامته البشوشة التي طالما أحببتها، فتلك الابتسامة كانت تبرر الإكرامية السخية التي كنت أمنحها له عن طيب خاطر، والتي يرفضها دومًا في البداية.
ضحكت في سري وأنا أتخيل أني أقول له: "ألا تذكرني أنا ليلى الحكيم" التي اعتادت المجيء إلى هذا المكان لكن شكلي تغير تمامًا، فحينها لن يسألني عن طلبي الذي يحفظه عن ظهر قلب.. قدم لي قائمة الطعام وسألني بإنجليزية لا بأس بها عما أريده، فطَلبت طبقي المفضل الإسكالوب مع المعكرونة الإسباجتي وسلطة الطحينة اللذيذة، وعصير الليمون بالنعناع.. وبعد قليل، جاء الطعام الساخن، كنت جائعة جدًا فتناولته بنهم وقد كان مذاقه أروع من المعتاد أو ربما سعادتي هي ما جعلته يبدو أشهى!، دفعت الحساب وهممت بالخروج ولاحظت أن الجميع كان يحدق بي لا أعرف لماذا، فنظرت لنفسي مصادفة في المرآة الموضوعة على الحائط الجانبي لباب الخروج، فقد نَسيت لوهلة شكلي الجديد وتفهمت حينئذ لماذا يَنظر لي الجميع...
لمحته في المرآة بوسامته المخيفة وبشعره الأسود الكثيف الناعم، وعينيه السوداوين، وجسده الرياضي الممشوق، وطوله الفارع وأناقته الشديدة، "آدم" زوجي أو من كان زوجي بشحمه ولحمه، كان يفتح لها باب المطعم بحركة سينمائية، تمامًا كما اعتاد أن يفعل معي، تواريت سريعًا خشية أن يراني، لكنه حتى لو رآني فلم يكن ليعرف أبدًا من أكون، وشعرت بطعنة قاسية تخترق صدري، يأخذها إلى نفس المكان الذي يعرف أنه مكاني المفضل... لم يمضِ على موتي عام واحد، وها هو سعيد في حياته مثل طير طليق ويواعد أخريات.. تأملتها في سرعة كانت جميلة نوعًا ما شعرها قصير أسود ناعم، وذات قوام ممشوق من ذلك الطراز الذي يروق له، يبدو عليها التكلف الشديد والتصنع، تضع رموشًا زائفة وأظافر مصطنعة.. هل أذهب إليه وأقول له من أكون حتى ولو خسرت في سبيل ذلك حياتي الجديدة مرة أخرى لمجرد فكرة مجنونة، لقد انفصلنا منذ عام وبضعة أشهر، يحق له العيش كما يريد، حتى ولو لم ننفصل فلقد مت على أي حال... ما الذي كنت أتوقع أن أراه أن يذرف الدموع عليّ لأنني كنت زوجته في يوم من الأيام... يا لي من غبية حمقاء! حتى الموت لم يخلصني من تلك السذاجة، فرغم نجاحي الكبير في حياتي المهنية فقد كنت أصغر مديرة للبنك في سن الثانية والثلاثين كما كنت مُرشحة لمنصب هام في وزارة الاقتصاد قبل أن ألقى حتفي.. ليتني لم أعد لمصر، افتقدت قصري بشدة في هذه اللحظة... تلاقت عينانا وكان يحدق بي، لا لشيء سوى أنني امرأة فاتنة...
غمرتني الرغبة في النوم فجأة رغم أنه لم يمر سوى بضع ساعات على استيقاظي، ها أنا أهرب مجددًا كما كنت أفعل دومًا.. يا إلهي لماذا لا أتغير أبدًا لكي أصبح الشخصية الجديدة التي تلائم "لارين" الروسية الخلابة القوية التي أريدها من كل قلبي... أعلم أن هذا لم يكن جزءًا من الاتفاق، جسد جديد فحسب لكن ذات الروح القديمة بلا أي تغيير... ماذا يَتعين عليّ فعله إذن لكي أتخلص من هذا الغضب المكتوم، هناك شيئًا ما يتحتم عليّ القيام به لكني لا أعرفه بعد، هل أطلب شخصية جديدة؟ ولكن ليس مسموحًا لي أن أطلب ذلك، وحتى وإن وافق الملاك فروحي سَتظل كما هي، والأهم أن أنفذ "الشرط المحتوم" حتى لا أُحرم من الحياة الأبدية... استقليت سيارة أجرة بعد أن أنهكني التعب من كثرة السير على قدمي، وصلت للفندق أخيرًا ثم دلفت مباشرة لغرفتي وأنا في مزاج سيء جعلني أشعر بالاختناق، فصورته وهو يفتح لها باب المطعم راسمًا على وجهه تلك الابتسامة الساحرة التي ذاب لها قلبي يومًا لم تفارق عقلي حتى أُرهقت روحي، فنمت على الفور في كمد...
نمت نومًا متقطعًا وحلمت أحلامًا سيئة واستيقظت في الثالثة صباحًا وأنا أشعر بالخواء الشديد، لا يزال مزاجي متعكرًا منذ الأمس.. لم أشأ أن أغادر الفراش حتى يعتدل قليلًا، أنا وحيدة تمامًا لا يوجد أي إنسان يمكنني اللجوء إليه، شعرت أنني عدت "ليلى" في لحظات، ذات الشعور المرير الذي كان ينتابني في السابق يهاجمني مرة أخرى بشراسة، فانهمرت في بكاء طويل ودعوت الله مخلصة أن يساعدني ويزيح هذا الهم عن صدري.. اقتربت من الصندوق الخشبي الكبير وجلست بجواره على الأرض ثم احتضنته علني استمد منه سعادتي الغابرة في قصري المسحور، والندم يعتصرني بقسوة لأنني تسرعت في الرحيل، كان بإمكاني البقاء إلى ما لا نهاية، فلم يُحدد لي الملاك أي مدة معينة حينها، ليتني لم أغادر جنتي كي أرى هذا الوغد مرة أخرى بصحبة غيرى... نظرت لنفسي طويلًا في المرآة الكبيرة أتأمل هذا الجمال الذي اخترته لنفسي والذي يبدو أنه وحده لم يكن كافيًا لإزاحة تلك التراكمات النفسية الهائلة العالقة بروحي بسبب "ليلى"، هل كنت واهمة عندما تخيلت أن اختياري للارين كان كافيًا لجعلي سعيدة على الدوام، فلا يمكن لامرأة في جمالها أن تكون تعيسة أبدًا... هذه ليست نهاية الدنيا على أي حال، ابتسمت لهذا الخاطر "كيف يمكنني أن أتساءل عن نهاية الدنيا... لا أتذكر أي شيء بعد موتي سوى الملاك عندما جاءني للتوقيع على العقد وأصْبحت "لارين" في نفس يوم وفاتي، وتركت روحي جسد "ليلى" جثة هامدة فوق سريرها، لتجد نفسها داخل جسد "لارين" في بلاد الثلج...
بدأ نور الشمس يملًا الغرفة، فخرجت للشرفة الفسيحة ونظرت لصفحة النيل الهادئة ودخلت في جلسة تأمل طويلة كتلك التي كنت أقوم بها في القصر فهدأت روحي، لم أكن أعرف ماذا أفعل في يومي الثاني، أريد التوغل في كل الشوارع فأنا حرة طليقة تتوق للشفاء من الماضي، والذهاب لأماكن جديدة وشراء كل ما أريده فلدي ثروة طائلة لن تنقص مهما أنفقت، ولن أسمح لموقف الأمس أن يؤثر عليّ فأنا لم أعد "ليلى" على أي حال وأخذت أردد تلك الفكرة في بالي مرارًا وتكرارًا حتى عادت لي السكينة والثقة... فخطرت في بالي فكرة مجنونة عزمت على تنفيذها علي الفور... تناولت إفطاري بشهية بالفندق واحتسيت القهوة، ثم صعدت لغرفتي للاستعداد لتنفيذ خطتي، فاخترت فستانًا أسود بأكمام طويلة يصل طوله بعد الركبة بقليل، يظهر تضاريس جسدي الجميل، وعليه حزامًا رفيعًا أضفى عليه أناقة كبيرة، ووضعت في أذني قرطين من الفضة المطعمة بحجرين من الفيروز وقلادة كبيرة، ارتديت حذاءً كلاسيكيًا ذو كعب عالٍ...
طلبت من عامل الاستقبال تجهيز سيارة أجرة، وتوجهت في العاشرة صباحًا للبنك الذي كنت أعمل به، والذي تعرفت فيه على "آدم" لأول مرة وكان يكبرني بسبعة أعوام، سأرى زملائي مرة أخرى أعرفهم فردًا فردًا وأعرف كل أسرارهم الخبيثة، تُرى كيف هي "سارة" الآن هل لا تزال تخون زوجها الطيب "محمود" مع "عادل" الذي يصغرها بثماني سنوات... هل لازال "أحمد" زميلي طيبًا وخدومًا كما هو، كنت أعيب عليه دومًا سلبيته الشديدة ورغبته في الابتعاد عن المشاكل وكرهه للمواجهة حتى لو تعرض للظلم كأني كنت أقول له ما أود قوله لنفسي.. أما "نادين" الأنانية التي لا تعبأ بأي شيء في الكون سوي بمصلحتها... حاولت أن أحبهم لكني لم أستطع، كنت مختلفة عنهم فلم أندمج معهم، لذا كنت منعزلة بصورة كبيرة أعمل في صمت ولا أشارك في جلسات النميمة الشهيرة بالبنك إلا فيما ندر، رغم إدراكي بما يدور حولي... ها أنا قد وصلت للبنك الآن، إذن فلنبدأ اللهو...
*****
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.