٣
- شرم الشيخ جميلة قوي يا نجوان، والجو هنا تحفة، والفندق رائع بصراحة.
قالت مي هذه الكلمات لنجوان عبر الهاتف، وهي تقف في تراس غرفتها المطل على الشاطئ في الفندق؛ فردت عليها نجوان:
- يعني الفندق طلع هو اللي قال لك عليه أنس؟
تبدلت ملامح مي قليلًا وهي تجيب:
- الفندق هو .. لكن الشخص مش هو خالص يا نجوان، البني آدم اللي شوفته هنا مستحيل يكون هو الشاب الشيك الهاندسوم اللي فضلت أكلمه شهور من غير ما أشوفه! دا لا ينفع يكون صاحب شركة ولا ينفع يكون غني أصلًا! دا غير شكله المقرف وضروسه المخلعة! ونضارته اللي مش بيشوف من غيرها! أنا انضحك عليا يا نجوان.
- بس على الأقل طلع صادق معاكِ في حجز الفندق.
- هموت وأعرف حجز أوضتين هنا لمدة أسبوع إزاي؟! دا مُعدَم خالص، طلع حتى معندوش عربية يا نجوان!
قالت نجوان مازحةً:
- يمكن باعها علشان يحجز لك في الفندق.
- أنت بتهزري أنتِ كمان؟! أنا مش مبسوطة يا نجوان، حاسة إني اتورطت.
- اتورطتِ إزاي؟
ردت مي بضيقٍ:
- أنا مش عارفة بعمل إيه هنا؟! مستحيل أقضي ٨ أيام مع البني آدم دا، أنا بفكر أسافر مصر بكره.
قالت نجوان بحزمٍ:
- تبقي عبيطة، فيه حد تيجي له فرصة يقضي أسبوع ببلاش في فندق زي دا وفي شرم الشيخ ويقول مش عايز؟! أنا لو مكانك هقضي الأسبوع براحتي وأنزل البحر وأقضيها فسح وخروجات، خليكِ عندك وعيشي حياتك يا عبيطة واعتبري أنس دا مش موجود أصلًا.
- هو برضو قال لي كدا.
دق باب غرفة مي؛ فغادرت التراس إلى داخل الغرفة وهي تقول لنجوان:
- نوجا الباب بيخبط، خليكِ معايا لحظة هشوف مين.
فتحت مي الباب بيد وهاتفها في اليد الأخرى، وانزعجت عندما رأت أنس يقف أمامها مبتسمًا فحدثته بحدةٍ:
- أنا مش قلت لك مش عايزة أشوف خلقتك لحد ما الأسبوع يخلص؟!
قال أنس بلطفٍ:
- أنا أخدت شاور وغيرت هدومي وسرحت شعري أهو، على الله شكلي كدا يكون عاجبك.
ردت مي بامتعاضٍ:
- أه نضفت شوية، عايز إيه بقى؟!
اتسعت ابتسامة أنس قبل أن يرد على مي فظهر ضرسه المكسور؛ فصرخت فيه مي:
- اقفل بقك!
ارتبك أنس قليلًا وهو يقول:
- حاضر .. حاضر، أنا بس كنت عامل حسابي إننا نتغدى مع بعض، أنا محضر لك مفاجأة بخصوص الغدا.
قالت مي وعلى وجهها علامات التقزز:
- مش هيحصل، اتفضل حضرتك روح مطعم الفندق هتلاقي بوفيه مفتوح فيه أكل كتير عمرك ما شفته قبل كدا، كل منه زي ما تحب جايز تشبع!
رد أنس ببراءةٍ:
- طيب وأنتِ؟
تنهدت مي بعصبيةٍ قبل أن تقول:
- مش جعانة، لما أجوع هبقى أروح اتغدى.
- بس أنا كنت محضر غدا ليا وليكِ لوحدنا على البحر، وكنت أحب...
قاطعته مي وهي تصرخ بانفعالٍ:
- أنت مبتفهمش؟! أنا مش هتغدى معاك ومش طايقة أشوفك، اتفضل بقى من هنا.
وأغلقت مي باب غرفتها بقوةٍ في وجه أنس، وسارت خطواتٍ داخل غرفتها وهي منفعلة قبل أن تضع هاتفها على أذنها لتواصل حديثها مع نجوان.
- أنتِ لسه معايا يا نجوان؟
- مفيش فايدة فيكِ، والله زي ما بقول لك كدا، مفيش فايدة فيكِ!
- عايزاني أروح أتغدى معاه؟!
- ما تروحي تتغدي معاه، هو هياكلك؟!
ردت مي بعصبيةٍ:
- متخلينيش أتنرفز عليكِ أنتِ كمان.
قالت نجوان:
- يا بنتي إحنا مش اتفقنا من شوية إنك تعيشي حياتك وتدلعي نفسك الأسبوع دا؟! واحد مجهز لك غدا وقعدة رومانسية على البحر، تسيبي القعدة الحلوة دي وتروحي تتغدي في المطعم؟!
- يا بنتي بقول لك مش طايقاه .. مش طايقاااه!
ردت نجوان بانفعالٍ:
- هو أنا بقول لك تتجوزيه؟! اسمعي يا مي، أنس دا حتى لو شكله وحش زي ما بتقولي، وكدب عليكِ بخصوص شغله ومستواه الاجتماعي، إلا إنه بيتصرف معاكِ برقة وذوق، وعنده حتة رومانسية مش موجودة عند رجالة كتير، يعني يا ستي حتى لو مش طايقاه كعريس متخسريهوش كصديق! حد في الدنيا يلاقي دلع وميتدلعش؟!
قالت مي بامتعاضٍ:
- أيوه يا نجوان بس...
قاطعتها نجوان:
- هو أسبوع هيدلعك فيه، والله لو رأيك اتغير فيه وطلع شخص كويس كملتوا مع بعض، ولو فضلتِ قرفانة منه كدا يبقى أديكِ ادلعتِ أسبوع في مكان حلو وجو جميل وبعد كده كل واحد فيكم يروح لحاله، صح ولا غلط؟!
سكتت مي ولم ترد، ولكن وجهها كشف عن شعور المكره على فعل شيءٍ لا يريد فعله!
وفي هذه الأثناء، كان أنس يقف وحيدًا على شاطئ البحر بجوار طاولة غداء معدة لفردين، تبعد مسافة كافية عن فوضى الشاطئ وزحامه، وظل أنس ينظر إلى البحر بملامح شبه يائسةٍ، ثم جاءت مي من خلفه تتقدم خطوة نحو الطاولة وتتأخر خطوتين، فقال أنس مندهشًا وهو ينظر إلى البحر:
- مي؟!
ثم استدار فجأةً ليجد مي تقف بجوار الطاولة؛ فتعجبت وهي تسأله:
- عرفت منين إني هنا؟!
قال أنس برقةٍ:
- من ريحة برفانك.
- دا على أساس إنك بتفهم في البرفانات؟!
ابتسم أنس وهو يقول:
- مادموازيل من كوكو شانيل.
تعجبت مي لحظةً قبل أن تقول بتكبر:
- أه .. تلاقيك شغال مع الناس اللي بيعملوا برفانات مغشوشة، مصانع بير السلم!
تجاهل أنس عبارتها الأخيرة، وسار خطواتٍ إلى أن وقف خلف أحد المقعدين بجوار الطاولة فسحبه بلطفٍ، وقال لها برقةٍ:
- اتفضلي يا مي.
ظل أنس ممسكًا بظهر المقعد إلى أن جلست مي، ثم اتجه إلى المقعد الآخر فسحبه وجلس عليه، بدأ كلاهما في تناول الغذاء قبل أن يقول أنس بلطفٍ شديد:
- لما عرفتيني معاد وصولك شرم الشيخ عرفت إن أول وجبة ناكلها سوا هتكون الغدا دا، فحبيت يكون أول غدا لينا مع بعض مختلف ومميز علشان نفضل فاكرينه.
ورغم الانطباع السيء لدى مي عن أنس، والذي أيدته بعض المواقف المعاكسة التي حدثت له، إلا أن غريزتها كأنثى جعلتها تتقبل تصرفات أنس الرومانسية وكلماته الرقيقة، حتى ولو قررت اعتباره شخصًا مؤقتًا في حياتها، وهو الأمر الذي منعها من التعليق على عبارته الأخيرة، فتابع أنس مبتسمًا:
- مش بس كده! أنا كمان اتفقت مع نهى تجهز لنا برنامج حلو للأسبوع اللي هنقضيه هنا قبل فرح نور، وأنا متأكد إن البرنامج ده هيعجبك.
قالت مي بلا مبالاةٍ:
- نهى مين؟!
وتعجبت مي عندما وجدت أنس يلوح بيده للفتاة التي تسير نحوهما قبل أن ينظر مجددًا إلى مي قائلًا:
- الآنسة دي.
وصلت نهى إلى الطاولة فوقف أنس لإلقاء التحية عليها، بينما ظلت مي جالسةً تنظر إليهما بامتعاضٍ، فنظرت إليها نهى وعلى وجهها ابتسامة ترحيبٍ:
- أهلًا يا مي! مبسوطة جدًا إني شوفتك النهارده.
قالت مي ببرودٍ:
- وكمان تعرفي اسمي؟!
- طبعًا، أنس من قبل ما نيجي شرم الشيخ بأسبوع وهو ملوش كلام غير عنك.
نظرت مي ببرودٍ إلى أنس الذي ابتسم ابتسامةً واسعة مع عبارة نهى الأخيرة حتى ظهر ضرسه المكسور، فصرخت فيه مي بانفعالٍ:
- اقفل بقك!
أغلق أنس فمه بسرعةٍ، بينما اندهشت نهى من الطريقة التي تحدثت بها مي لأنس، فقال لها بابتسامةٍ خفيفة:
- مي بيضايقها شكل ضرسي المكسور.
نظرت نهى إلى مي بقليلٍ من الغضب، بينما توجه أنس إلى مي بالحديث قائلًا:
- نهى يا مي من أقرب أصدقائي، وهي الويدينج بلانر اللي ماسكة فرح أختي نور، أنا أول ما وافقتِ نقضي أسبوع في شرم الشيخ قبل الفرح كلمتها وقلت لها تجهز لي برنامج حلو يليق بكابل بيتعرفوا على بعض، هي اللي جهزت القعدة اللطيفة دي علشان نتغدى أنا وأنتِ سوا.
ابتسمت نهى وهي تقول لمي:
- أنس بيورطني؛ أنا شغلي بيكون أفراح وخطوبات لكن أول مرة أعمل بلان لكابل قبل الخطوبة، حاجة بعيدة عن شغلي خالص.
امتزج الاستنكار والامتعاض في ملامح مي وهي تستمع لنهى التي تابعت حديثها:
- أنس من أقرب الناس لقلبي؛ علشان كده مقدرتش أقول له لأ بصراحة، وكان نفسي كمان أشوف عروسته لأني عارفة إنه مش بيعجبه أي حاجة، وطلع فعلًا ذوقه حلو قوي.
لم ترد مي على مجاملة نهى؛ فحاول أنس تخطي الموقف قائلًا:
- نهى جهزت لنا بروجرام حلو قوي يا مي، وهي هتفضل معانا هنا لحد فرح نور، فلو فيه أي حاجة عايزة تضيفيها على البروجرام أو عوزتِ تعملي أي تعديل عليه متتكسفيش إنك تقولي لها.
قالت نهى بسرعةٍ:
- طبعًا يا حبيبتي، أنا يهمني في الآخر إن أنتِ وأنس تقضوا وقت جميل مع بعض علشان نفرح بيكم قريب إن شاء الله.
قالت مي باستهزاءٍ:
- ويا ترى صاحبك هو اللي حجز لك برضو في الفندق هنا ولا أنتم الاتنين نازلين شحاتة؟!
ثم وقفت مي قبل أن تقول بحدةٍ:
- شكرًا يا حبيبتي على الغدا وعلى البروجرام، بس عايزة أقول لك إنه لا فيه بروجرام ولا فيه كابل ولا عايزة أشوفك لا أنتِ ولا هو من أصله! فاهمني يا أستاذ أنس؟!
غادرت مي الشاطئ بعد أن أنهت عبارتها الأخيرة، بينما نظرت نهى باستغرابٍ لأنس الذي بدت على وجهه ملامح يائسة.