عاش العهد الأول للأرض في حروبٍ متواليةٍ بين الممالك وازدادت دماء الحروب عندما هبط كل إلهٍ لمساندة من يعبده ضد من يكفر به، تاركين مجلس الآلهة دون حكمٍ أو نظام، مخالفين أمر كبار الآلهة بعدم التدخل في حياة البشر، فزاد الخراب واندلعت الحرائق حتى صعد الدخان إلى السماء وحجب دفء الشمس لسنواتٍ، وأصبحت البحار الحمراء أكثر اتساعًا من الزرقاء، وامتلأت بوابة العالم الآخر بالطغاة والضحايا، فمنهم من صعد إلى السماء ومنهم من هبط إلى الجحيم.
كانت الحرب الأخيرة هي الأشد قسوةً والفاصلة، فلم يكن الجنون من نصيب الملوك وجيشهم فقط، بل توغل إلى الآلهة المحاربة، فلم يكن الهدف هو الانتصار على العدو واحتلال أرضه بل ازدادت الوحشية، فأمرت آلهة الأرض بإطلاق الغيلان وآكلي الأحياء لذبح أطفال العدو حتى يتوقف النسل إلى أبد الآبدين، ولم يتبقَ من الجيل الصغير سوى القليل الذي لا يكفي لإعمار الأرض من جديد، وفي تلك اللحظة تحديدًا لم يجد مجلس الآلهة أملا سوى نهاية الأرض والسماء، فأمر مجلس السماء ببدء الفناء، فأمر كبار الآلهة بإزالة الغيوم وإشعال الشمس لأيامٍ دون ليل، وأمر المجلس بإطلاق جنودها ألا وهي الظلال التي نفذت الأمر دون هوان، فبدأت الظلال بأكل الأشجار والجبال والكثبان حتى المنازل، فأصبح البشر على الأرض دون ملجأٍ، فاقتربت الشمس إلى الأرض أكثر فأكثر، فتضخمت ظلال البشر، وأخذ كل ظلٍ يلتهم صاحبه، ولم تسلم الوحوش من هذا العقاب، فوجدت الظلال أكثر وحشيةً منهم، حتى الآلهة التي هبطت إلى الأرض لم تسلم من العقاب، فمنهم من التهمته الظلال، ومنهم من حلق عاليًا في السماء لتلتهمه الشمس بلهيبها، وانتهى الفناء في أيامٍ معدودات وانتهى العهد الأول للأرض.
بدأ مجلس الآلهة في إعادة الخلق، وصنع الأرض، وملء البحار والأنهار، وزرع الأشجار وتركيب الجبال، ولم يقتصر الأمر في الأرض فقط بل في السماء، حيث تولى المجلس سبعة آلهة بقوانينٍ جديدةٍ صارمة قبل إنزال البشر على الأرض، وكان أولها وجوب حكم المجلس بسبعة آلهة، وإن نقص العدد تفنى الأرض، أمَّا ثانيها هو تحريم هبوط الآلهة على الأرض ومن يهبط لا يرجع إلى السماء ويصبح شأنه شأن البشر، وإن صبأ أحد الآلهة وهبط استبدله المجلس بالأجدر من البشر ليعلو إلى السماء ويصبح إلها من السبعة.
اتفق الآلهة السبعة على القوانين، وأقسموا على العهد، بل وأدركوا أن فناء الأرض لن يأتي مجددًا إن عمت الفضائل بين البشر، ونشر كل إلهٍ فضيلته بين قومه ليعبدوه في سلام، فنشرت الإلهة (تشاسيتي) فضيلة العفة والشرف بين قومها، بينما نشر (تمبرانس) فضيلة الاعتدال والزهد، في ذلك الحين نشر (تشاريتي) فضيلة الإحسان والصدقات بين قومه، أما (ديليجانس) فقد نشر أهم الفضائل ألا وهي الاجتهاد، وقد قام ( كايندنيس) بنشر فضيلة العطف واللطف بين قومه، لكن لم يقدم (باشينس) سوى فضيلة الصبر، بينما كان الأخير هو الإله (هيوميلتي) الذي نشر التواضع بين قومه.
عاش البشر في سلام لعدة عهود، وتناغمت الأقوام مع الفضائل طويلًا، واستمر البشر في الإعمار حتى أنشأوا الممالك المختلفة التي بدأت بإغلاق الأسوار على قومها دون النظر إلى جيرانها، وجف التناغم قليلًا بين الأقوام، وظهرت الملوك لتعتلي عرش الممالك، وظهرت الطبيعة البشرية التي لم تختلف عن العهد الأول، فمنهم من نسي الفضائل السبع، ومنهم من تمرد على الفضائل نفسها، ازداد الكفر شيئًا فشيئًا حتى وصل إلى زعماء الممالك، فازداد التمرد ضد الفضائل حتى تحول إلى خطايا في قلوب البشر وأسمائهم، ولم تمر سوى سنين حتى توغلت الخطايا بين البشر بِدءًا من الشهوة والجشع، ثم الغضب والغرور، واتبعها الكسل والشراهة نهايةً بأسوأهم: الحقد الذي انتشر بين الممالك وأخذت الممالك تنظر إلى مجاورتها وما تملكه من كنوزٍ لا توجد مثلها في باقي الممالك، فبدأت النزاعات والعراك بينهم دون أي حراكٍ من مجلس الآلهة لإلزامهم بالعهد، لم يكن المجلس يملك التدخل إلَّا بنقل رسائلهم إلى الأرض عن طريق المتنقلين بين السماء والأرض، على ألَّا تكون رسائل واضحة، إنما كانت مجرد رسائل للكهنة حتى يستمروا في نشر السلام بين البشر، لكن قد بدأ العهد الذي لم يعد فيه للكهنة صوت بين البشر، وازدادت المعارك وكبرت وانقسمت الممالك إلى تحالفات وأعداء، ونشبت الحروب مجددًا كما كان بالعهد الأول، لكن هذه المرة كانت أكثر قسوةً ووحشية من ذي قبل، وأخرج البشر أسود ما في قلوبهم وأكثره قسوةً، حتى تعالت صرخات الظلم في سائر الأرض، ووصل صداها إلى السماء واهتزت قلوب الآلهة على ما يحدث بين الأقوام، وزاد الحزن على عجزهم أمام عهدهم، فتفشى الحزن في سائر السماء وأذرفت الآلهة دموعها على الأرض، وكانت دمعة واحدة من الإله تكفي لإنقاذ شعبه، حيث سقطت دموع الآلهة السبعة على ملوك الأرض السبعة، واحتفظ كل ملكٍ بدمعة الإله خاصته في مكانٍ قريبٍ منه وخفاها عن الأعين، فأكسبت الدموع قوةً إلهية عظيمة لكل ملك، وقام كل ملكٍ بنشرها بين جنوده لحماية مملكته، فاكتسب الملك (برايد) التحكم في الجاذبية، بينما أخذت الملكة (لاست) قوة التحول إلى عدة أشكال، أما (جلاتوني) اكتسب قوةً خاصة ألا وهي خلق الأوهام أمام أعين البشر، لكن أفضلهم كان (جريد) كما يظنون حيث كان يملك قوة الصناعة والابتكار، أمَّا الأقوى كانت من نصيب (إنفي) الذي أخذ قوة الصوت والتحكم بالموجات الصوتية التي كانت كافية للعصف بممالك، وعلى الجانب الآخر كان السحر والحكمة والعلم من نصيب (سلوث)، أمَّا الأقبح والأشرس (راث) ملك وحوش الأرض وأمواتها.
لم تكن دموع الآلهة هي الحل الأمثل، لكنها كانت كافيةً لإنهاء الحروب بين البشر ليس بسبب عودة المودة بينهم، إنما كانت دموع الآلهة وقواها الحامية لشعبها كافيةً لزرع الخوف بين الممالك من الدخول في معارك بقوى غير معلوم مدى قوتها، وانتشر السلام بين البشر دون إرادتهم، لكنه الحل الأمثل لوقف سيل الدماء وإعادة نشر رسائل الآلهة وفضائلهم بين البشر مرةً أخرى، وزرع الحب والخير في قلوبهم مجددًا، لكن لم تدرك الآلهة أن لـ (لوسيفر) ملك الجحيم رأيًا آخر.
النبوءة الأولى
يدخل الرفيقان الملثمان بعباءتهما الزرقاوان إلى الكهف، ويجلسا أمام العرافة (لوتيشا) المحدقة إلى النار، فتُخرج مخطوطةً من الجلد القديم، وقد انتظرا لسنواتٍ حتى تظهر كلمات الدم على صفحاتها، فجلسا منصتين للنبوءتين.
نبوءة شر الخراب
لوسيفر، مامون، أسموديوس، شيطان، بعلزبول، لياثان، بلفيجور
ناديت بالسبعة السفلى، صابئًا بالسبعة العليا
راكعًا للخطايا، راجيًا الفحش
اقبل روحي ونسلي، أكون فارسك
أنثر لك شر الخراب
أنبت لك شجرًا من نارٍ
أصعد بجحيمك على الأرض
مُر ما شئت، وأنبئني ما تشتهي
أخضع لك إلى أبد الآبدين
نبوءة الزحف
هناك..
في أرض الخطايا يصدح الحق على مذبح بهو الآثام
ليصم صليل سيوف الرحم الواحد
عندما يُبعث الرماد ويزحف جيش ظلال اللعنات على أبواب أروقة الخلاص
عندما تأتي العيون على ذرف الخطايا وتُكسر عصبة الدم على ينبوع الآتي
عندما يقتل النقاء قلبه، يصعد الملك بجحيمه إلى الأعلى ويتحرر الشيطان من سجنه
بعدما تتلو السابعة الجامعة
يتهاوى الأعالي ويتصاعد الأدنى
يهبط المقدس ويتعالى الضمير