تقتحم أشعة الشمس المتحركة نافذة الدور الأول من الماخور، لتحرق عيني (دانتي) المضطر إلى النهوض من الفراش رغم ترنحه إثر ثمالة ليلة أمس، وقد أصبح في الثامنة عشر، ليضع وجهه في صحن الماء المقارب للفراش، عسى أن يساعده على العودة إلى الحياة مرةً أخرى، فيبدأ بعد لحظاتٍ في ارتداء ملابسه وارتداء حذائه الجلدي المغطى بالوحل، فينتهي بإكساء جسده بالصدرية الحربية الحمراء المكسوة بالمدببات الثاقبة، وكأنه مرتدٍ نبتةً الضرعاء، ليحكم غلقه بالحزام النحاسي، بينما كانت عيناه ناظرةً إلى حبيبته (سيا) النائمة التي رافقته مرح الليلة الماضية. تترك نظرات (دانتي) حبيبته للحظاتٍ؛ لينظر إلى سيفه المعلق على الحائط المقابل للغرفة، ليرفع (دانتي) يده الخاوية محركا أصابعه بهدوء، ليأتي السيف طائرًا في فضاء الغرفة حتى يصل أخيرًا ليد صاحبه. تستيقظ (سيا) في تلك اللحظة بابتسامةٍ ممزوجةٍ بالإرهاق والتعب، ناظرةً إلى (دانتي) بصعوبة من ضوء الشمس الشديد الذي كاد أن يحرق عينيها الخضراء.
سيا: متى سنذهب للقلعة؟ أنا لم أرَها من قبل.
دانتي: لا داعي للعجلة، سندخلها سويًا، مازال لدينا ثلاثة أيام.
تنهض (سيا) مسرعةً من فراشها، محاوِلةً الغوص في أحضان حبيبها، لكنها تقترب بحذر خوفًا من مدببات درعه القاتلة.
سيا: إذن لما لا تمكث معي قليلاً؟ لدينا بعض الوقت قبل الهبوط.
دانتي: لا تقلقي، سأتفقد الجاحظين والجنود بالأسوار وأعود سريعًا، لا تغادري الفراش.
سيا: هل هذا وعد؟
يغادر (دانتي) الغرفة بقبلاتٍ حارة، متوجهًا إلى السلم المؤدي للأسفل حيث تتواجد الخمارة، ليجد العجوز (سام) يحاول جاهدًا إزالة ما يمكن تنظيفه في هذا المكان المتعفن.
سام: عمت صباحا يا سيدي؟ هل حان الوقت؟
دانتي: ليس بعد، من الأفضل أن تستعد لحفلٍ صاخب هذا المساء؟
سام: أمرك يا سيدي.
يلامس الهواء لحية دانتي بمجرد خروجه من بيت الطبل، ليجد نفسه في السوق الكبير المتواجد في وسط المملكة ذات البيوت الخشبية الشبيهة للمراكب ذات الطابقين، ويعلو قمة كل بيتٍ شراعٌ أبيض اللون يسير كما تأمره الريح، يتجول (دانتي) في السوق المزدحم بالناس المتسارعين لإنهاء جميع البضائع قبل انتهاء الموعد المحدد لهم بأمر الملك. لم يهتم (دانتي) برد التحية العسكرية التي ألقاها عليه جنود السوق، بل أخذ يبحث عما ينهي جوعه الشديد حتى وصل أخيرًا إلى أحد البائعين ليأخذ من سلته تفاحةً، ليعطيه البائع ثمرةً أخرى دون عائدٍ تحيةً وتقديرًا لفارس السحاب، فينْقَض (دانتي) على التفاحة بأسنانِه الصفراء عسى أن تشبع معدته الصارخة.
يتوقف (دانتي) للنظر إلى الصيادين المجتمعين بالأقواس والسهام المربوطة بخيوط الصيد حول بحيرة السحاب الكبيرة، فيطلق الصيادين سهامهم الخاوية إلى قاع البحيرة ليقوموا بعد ذلك بسحب السهام إليهم مرةً أخرى حاملةً بعض الطيور، لينادي (دانتي) على الصيادين آمرًا إياهم بالإسراع واصطياد ما يكفي. حيث سيتم إغلاق البحيرة بعد يومين، فينحني الصيادين تنفيذًا لأمر فارس السحاب دون نقاش.
سرعان ما ترك الصيادين لشأنهم فور سماع بعض الكلمات الموجهة إليه من فم الفتى الصغير ذو الوجه الشاحب الممسك بسيفٍ خشبي.
الطفل: هل أنت من فرسان السحاب؟
دانتي: ألا ترى درع الفرسان الذي أرتديه أيها الطفل؟
الطفل: أنا لست طفلًا، أنا فارس السحاب مثلك.
يضحك (دانتي) ساخرًا من الصغير للحظات، فيبسط يديه لتتطاير تفاحته في الهواء، الأمر الذي جعل الصغير متجمدًا ذهولًا مما يراه.
دانتي: إذن هل تستطيع فعل هذا؟ لا تخف يا صغير، أنت من سكان مملكة (لا نوبيه) أبعد من أن يصل إليها الأعداء.
سلبت تلك اللحظة الساحرة الكلمات من لسان الصغير، فما كان بقدرته سوى تحريك رأسه بالنفي، لكنه قاوم بالنهاية ليسأل الفتى عن موعد دخول القلعة، لتعطي أصابع (دانتي) الأمر بسقوط التفاحة الطائرة بين يدي الفتى.
دانتي: مازال الوقت باكرًا لدخول القلعة، ومازال الوقت باكرًا لتصبح من الفرسان.
يترك (دانتي) ذلك الفتى، متوجهًا إلى سور المدينة مستمتعًا بتفاحته الثانية، لكن سرعان ما يتوقف للحظةٍ عندما يسمع كلمات الفتى "بل قد فات الأوان". ينظر الفارس إلى ذلك الوجه الشاحب للحظات، ثم يكمل طريقه غير معيرٍ أي اهتمامٍ له أو للوقت، فلم يكن (دانتي) على عجلةٍ من أمره، فمازالت لديه أيام قلال للوصول إلى مملكة الحلفاء. لذلك فضل تناول رشفتين من قارورة الخمر الجلدية الصغير الخاصة به قبل الوصول إلى سور المدينة، لكنه لم يتوقف عند رشفتين فقط، الأمر الذي جعله يشعر باهتزازٍ بسيطٍ في جسده، فترتعش يداه وتسقط القارورة على الأرض، فينحني بجسده المترنح لينقذ ما يمكن إنقاذه من الخمر المسكوب.
تهتز الأرض بقوةٍ شديدة، وعنفٍ مستمر، لتميل أرض المملكة يمينًا، يسقط البعض على الأرض، والبعض يتمسك بأعمدة السوق، ويقع بعض الصيادين في فوهة بحيرة السحاب، لكن سرعان ما تعود الأرض إلى وضعها المستقيم، لكن لم يتوقف الزلازل الذي يضرب أرض المملكة.
تتعالى الصرخات في أنحاء السوق لتنتشر بأصداء المدينة كاملةً، فيصرخ (دانتي) بالمتواجدين بالسوق للاتجاه إلى أسوار القلعة في الحال، ليركض الناس ذعرًا خارج السوق، منهم من يحمل الأطفال على الأعناق، وهناك من يحمل الأموال والطعام، لكن ما يتفق عليه الجميع هو الرعب والركض صعودًا إلى أسوار القلعة.
يأمر (دانتي) جنود السوق استدعاء باقي الحرس، وإيصال أهل المدينة سالمين داخل الأسوار، ليصعد مسرعًا إلى أعلى سور المدينة محاولًا مقاومة زلزال الهبوط، لكنه يصل أخيرًا فيسير بالممر أعلى السور وسط باقي الجنود؛ ليتجه إلى إحدى غرف المراقبة الزجاجية المنتشرة خارج سور المدينة، ليدخل مسرعًا متحدثًا إلى أحد الجاحظين.
دانتي: ماذا يحدث؟
الجاحظ: هل فقدت بصرك؟ ألا ترى أننا نهبط.
ينظر (دانتي) من الغرفة الزجاجية التي تراقب الأرض أسفل مملكة (برايد) المحلقة بين السحب بعيدًا عن جميع مخلوقات الممالك السبع، لكن ليس لوقتِ طويل، حيث تركب المملكة السحاب لتهبط دون سابق إنذار إلى الأرض قبل وصولها إلى وجهتها.
ظل الفرسان يتنقلون بين جميع غرف الجاحظين لمعرفة مكان الهبوط أو سببه.
الجاحظ: لا أثر لأي كائنٍ، لا أجد سوى بعض الفئران أعلى الأشجار.
دانتي: أشجار؟ ظننت أننا قد عبرنا غابة الأوهام ليلة أمس.
الجاحظ: إنها غابةٌ خادعة للناظرين، تذهب عقول داخليها أو ساكنيها حتى الناظرين إليها.
دانتي: دق الأجراس إن وجدت خطبًا ما.
يترك (دانتي) الجاحظ منطلقًا إلى أعماق سور المدينة مع زملائه متجهين نحو مستودع الأسلحة لإفراغه تمامًا استعدادًا للحرب الطارقة لأبواب المدينة الطائرة.
يلتقي فارس السحاب بصديقه الفارس (والش) داخل المستودع، فيستخدما قوتهما المضادة للجاذبية لرفع العديد من السيوف والرماح والدروع لتحيط بهم وتحمي رؤوسهم مثل جميع فرسان المملكة المحاربين بأكثر من سلاحٍ في ذات الوقت، وكأن الفارس الواحد منهم بعشرة أدرع مسلحة.
دانتي: هل وجدت شيئا؟
والش: لا شيء سوى أشجار الوهم اللعينة، هل نرسل من يبلغ الملك بالأمر؟
دانتي: هل تظن أن (برايد) لا يشعر بسقوط مملكته؟
يتوقف الحديث للحظات بعد سماع بوق الحرب المنطلق من أعلى برج قلعة الملك، ليكمل الفارسان وباقي الجنود التقاط بقية الأسلحة السابحة في الهواء.
والش: ألن تأخذ بعض الخناجر؟
ينظر (دانتي) لصديقه بسخريةٍ، فيحرك أصابعه فينطلق من درعه الواقي المدببات الثاقبة لتخترق الحائط الصخري، ثم تعود إلى مسكنها في درع الفارس مرةً أخرى، ليسخر (والش) من صديقه المرتدي لصدرية العاهرات.
لم يتبقَ على الارتطام بالأشجار سوى القليل، فيتمركز جميع الرماة والفرسان أعلى السور تاركين كتائب المشاة داخل المدينة لحمايتها، بعد نقل أهلها داخل أسوار قلعة الملك وغلق الأبواب وحراسة أبواب القلعة من الداخل والخارج، ويستعد كل رامي بتصويب سهمه الذي يحمله بيده نحو الأرض مع الخمسة أسهم التي يحملها بقوته المضادة للجاذبية بالإضافة إلى الدرع الحامي له، لتبدو السماء حول المملكة محاطة بأمطارٍ من السهام.
أوشكت المملكة على الارتطام بالأرض؛ لذا أمر الفرسان جنودهم بالتمسك جيدًا استعدادًا لبداية الحرب، وإخراج الجاحظين من غرفهم الزجاجية التي ستتحطم بمجرد ارتطامها بالأشجار والتي ستكون الإشارة للتمسك جيدًا.
يراقب (دانتي) وزملائه الغرف الزجاجية جيدًا منتظرين الدمار التي سيلحق بها، لكن ما تعجب الجميع منه هي اللحظة التي ارتطم الزجاج فيها بالأشجار، لتتحول الأشجار إلى رماد، وما كان أعجب من ذلك هو أن المملكة استمرت في الهبوط دون توقف أو ارتطام، لعشرات الأمتار تحت الأرض، حتى أصبحت الأشجار في مستوى أعلى من أسوار المدينة.
تهبط المدينة أخيرًا على الأرض ويحدث الارتطام دون أي خسائر، لكن يعم الهدوء المخيف حول أسوار المملكة المحاطة بالأشجار الشاهقة، لتتحول الغابة بالكامل إلى رماد ويجد الفرسان أن المملكة قد هبطت بين سلسلةٍ من الجبال المحيطة بهم، التي يعتليها جيوش (الإلوجينز).