استيعاب حقيقة جديدة عميقة الدلالة عملية بطيئة. بينما كان نيكولاس يمشي عائدًا إلى
بيته عبر الجسر، أخذ يتأمل القياس الذي طرحه تيثامي. ولما وصل إلى مدخل المنزل
الذي تعيش فيه الآنسة مارجريت ستال، ورأى تلك الشابة في حديقة أزهارها تروي زهور
الربيع، خطر له للمرة الأولى أنه نسي ألمه العصبي.
جلس إلى عتبة الباب وأشعل سيجارًا. جعلته الأسئلة اللطيفة والرعاية الحنون التي
أحاطته بها حبيبته، خجِلًا من نفسه إلى حدٍّ ما. لم يكن من الوقار أن يجلسفيلسوفشاب
يعاني مرضًا عضالًا، بين زهور الربيع، متناسيًا بؤسه، بل شاعرًا بذلك الوهج الخافت من
الإشباع الذاتي الجسدي الذي قد يشعر به كلب نيوفاوندلاند حسن التغذية إذ يتمدد تحت
أشعة الشمس. شعر نيكولاس بأن من واجبه إخضاع حقائق القضية للتحليل المنطقي.
كانت النتيجة الأولى التي توصَّل إليها هي الحقيقة الجديرة بالملاحظة، أن الألم لم يزل
حاضرًا بحدَّته كلها.
وبتأمُّل أحاسيسه عن قرب، استطاع فانس أن يكتشف أنه ما من تغير، سواء في حدة
النوبات العصبية، أو معدل تكرارها. فعلى فترات منتظمة يمكن احتمالُها، كان تيار النار
يسري في نبضات عبر وجهه وصدغيه. وفي الفترات الفاصلة بين كل نوبتين، كان هناك الألم
المضجر نفسه الذي جعل الحياة غير محتملة على مدار الأيام السابقة؛ ولذا شعر نيكولاس
بالاطمئنان في استنتاجه أن المسحوق الذي قدَّمه له تيثامي، لم يعالج الألم.
أما الأمر المدهش، فهو أنه منذ أن أخذ المسحوق أصبح الألم مسألةً غير ذات أهمية.
اضْطُر نيكولاس، لأنه كان متمنطقًا منصفًا، إلى الاعتراف بأنه لم يكن ليبذل أي جهد
للتخلص من الألم العصبي الآن. كان التحول الذي أصاب جهاز الإحساس لديه شديد
الغرابة حتى إنه أصبح يشعر بنوع من الرضى في نبضات الألم والوجع، ويشعر بأنه
سيحزنه، أكثر مما سيسعده، لو توقَّفت. في الحقيقة، كلما أمعن التفكير في الأمر، كان
يقترب من استنتاج أن الألم العصبي، في ظل الظروف القائمة، كان ترفًا وشيئًا يُحتفى به.
لم يكد يتحدث مع الآنسة مارجريت ستال عن هذه الفكرة حتى اعتراها القلق بشأن
قواه العقلية، وأسرعت لإحضار خالتها بينيلوبي. استمعت تلك السيدة العذراء المجرِّبة
المحترمة، إلى المسألة المطروحة، دون أن تبدي دهشة ولا أي انفعال آخر. وتمثَّل تعليقها
بكلمة واحدة.
«. مورفين » : قالت الآنسة بينيلوبي
سمِّهِ اللوتس، أو طعام الآلهة، سمِّهِ المورفين، أو ما شئتِ. إذا كان » : صرخ نيكولاس
هناك ترياق في العقار المُبارك، يمكنه أن يحيل الكرب فرحًا، والعناء سرورًا، ويجعل من
نوبات العذاب في الصباح نبضاتِ انتشاءٍ بعد الظهيرة، فلمَ لا يكون الأمر كما قال تيثامي؟
«. إنه … لكنني سأذهب إلى بوسطن وأسأله من فوري
توقَّف نيكولاس برهة؛ إذ كانت الآنستان بينيلوبي ومارجريت ترمقانه باندهاش.
بدت مارجريت مذهولة، لكن تعبيرًا غريبًا للغاية كان على وجه خالتها، سيتذكره نيكولاس
بعد ذلك كأوضح ما يكون.
سيد فانس، إن المورفين يفعل فعله في رأسك. لمَ لا » : قالت الآنسة بينيلوبي بهدوء
تتمدَّد على الأريكة في الردهة الخلفية، حيث المكان بارد وهادئ، حتى يحين موعد العَشاء،
وبعد تناول قدحٍ من الشاي، ستكون في حال أفضل تسمح لك بالذهاب إلى بوسطن،
وسيسرني للغاية أن أرافقك؛ فأنا أخطط لتمضية المساء مع بعض الأصدقاء في منطقة
«. ويست إند