يجلسُ خلفي تماماً وهو ينظر إلى الشاشة المُضاءة يقرأ الكلمات التي أكتبها وأنفاسه المُلتهبة المُنتظمة تَحرِقُ رقبتي، لكنني لم أستطع الالتفات إلى الوراء أو حتى النظر إليه.
لطالما كان انعكاس ظلٍّ أسود لا دليل على وجوده في هذا العالم الحقيقي، وأنا الوحيدة التي كانت تسطيع رؤيته والشعور بوجوده يعيش معنا داخل هذا المنزل الكبير.
مازلت أذكر المرة الأولى التي رأيته بها كان يُمسكُ قطتي البيضاء من قدمها اليمنى و رأسها مُتدلي نحو الاسفل، تحاول الهروب بشكل عبثي وهي تغرزُ أنيابها الحادَّة في قدمه اليسرى و بمخالبها تقضمُ أصابع يديه التي كانت تقطرُ دماً بغزارة.
تراجعتُ إلى الوراء ثلاث خطوات وأنا أصرخُ بِكُلِّ ما أوتيتُ من قوُّة علَّ أحدهم يأتي لإنقاذ تلك الروح المسكينة، وإذا أردت سؤالي لماذا لم أحاول فعلاً إنقاذها، كان جسدي المُتشنِّج لا يُساعدني على الحراك أو التقدُّمِ نحوه بل إنني تراجعت للخلف بأعجوبة كبيرة!
أغمضتُ عيني بيدين مُرتجفتين أحاول إقناع نفسي بأنه كابوس سأستيقظُ منه حالاً!
لكنني لم أفعل بل أعادني إليه بقوَّة صراخ أختي الصغرى، لأرى نفسي أحمل قطتي البيضاء بيدي اليسرى والتي كانت تقطر بالدماء، ورأسها المقطوع بيدي اليمنى!
لم أقوى على الشرحِ لعائلتي بأنه الرجل الأسود الغامض هو من فعلها، بل إنَّهم لم يستطيعوا تصديقي بعد رؤية كاميرات المراقبة في أرجاء الحديقة.
لقد أقسمتُ لهم لمئات المرات أنني كنت أقف في الزاوية أشاهد كل شيءٍ من بعيد، لكن تهديدي بالذهاب نحو المصح العقلي جعلني أُذعِنُ للأمر وأعترف بأنني فعلتها بعد كأسي العاشر من النبيذِ الأبيض.
وحين خروجي من مبنى الشرطة بكفالة والدي رأيته يراقبني من بعيد وهو يضحك بِخُبثٍ ويديه تقطر بالدماء.