Fatmaelshreef88

Share to Social Media

سيجويريا في الهواء
فاطمة الشريف
المدينة للنشر والتوزيع


الكتاب سيجويريا في الهواء.
المؤلف: فاطمة الشريف.
الغلاف محمود مصيلحي.
رقم الإيداع: 16094
الترقيم الدولي: 3 - 80 - 6886 - 977 - 978
المراجعة اللغوية مكتب مدينة الكتب للخدمات.
الإخراج الفني : دار المدينة للنشر والتوزيع والترجمة.
رئيس مجلس الإدارة: محمود عادل محمود
جميع الحقوق محفوظة للناشر
لا يجوز لأي صورة نشر أو اقتباس، أو إعادة طبع أي جزء من الكتاب، أو اختزان مادته بطريقة الاسترجاع أو نقله على أي نحو كان أو بأي طريقة سواء أكانت إلكترونية أو بالتصوير أو بالتسجيل أو خلاف ذلك إلا بموافقة كتابية من الناشر.
العنوان 4 ح جامع بلال الشرابية - القاهرة
البريد الإلكتروني: Citybooks20@gmail.com
2021




قصص
سيجويريا في الهواء

فاطمة الشريف

المدينة








الرسائل التي تولد في باطني .. تتعلم كيف تحسن الطيران قليلا
خيرادو دييغو








إهداء
لمن كان له قلب.








نحن خارج اللحن وهو لا يحركنا
ويليام وردزوورث


قبل ثوان
لحظة ما شعرتُ بالنشوة، أنها لأول مرة ستلاحظ وجودي لكم انتظرت لمسة واحدة من إصبعها هي ذات الجمال والإشراق، وكعادتها أخذت ترتدي فستانها الفستقي ثم تخلعه، ترتدي قميصها الوردي القصير وراحت تنظر ناحيتي كدت أرقص سريرها فارغ، بارد، وخيل إلي كبرياؤها ورفضها الاستسلام أثار جنوني جعلني أرغب في لمستها تلك.
قميصها الوردي ملقى تحت قدميها تمد يدها وتشيح بوجهها مجردة من كل شيء، تلتف وتدور أي موسيقي تصغي اليها، تجعلها خفيفة هكذا؟! رغبتي تتزايد كلما تتزايد في تمنعها، إنها مترددة وأنا لا أمل الانتظار، هي بمثابة فتاتي الأولي، أنتظر منها نظرة واحدة.
شعرها مجعد وقصير كقامتها، قصته أمامي بلا رحمه القت به في سلة المهملات، إنني أتألم من كثرة تجاهلها لي تنظر في مرآتها تخلع جميع ملابسها، لتنام عارية.
من عاداتها المفضلة التدخين في الظلام، وأنا أدخن بالضرورة على إثر تدخينها، تتمشّي في الغرفة وقد ضول كل ما فيها ونحف كل هذا ولا أكف عن النظر إليها وانتظارها هي أيضًا تنتظر كلانا ينتظر، في صمت تام مثل كل أشيائها وتدخن أكثر، ترتدي قميصه وبنطلونه، ما عادت تعبأ بملابسها القابعة داخل الدولاب تضع من عطره على عنقها، بشغف أكثر تنتظر وأنتظر.
أحزن كلما خرجت وتركتني وحيدًا مع كل الأشياء الساكنة الصامتة ودخان سجائرها، أعاني الفقد حتى تعود الاعتياد يصبح شغفا أحيانا، لا أعرف شيئا غير أني أريدها بقربي؛ لأشعر بوجودي، ويمتلئ قلبي بالنشوة، ستشعر بي أخيرًا، أخذت تقبل قميصها الوردي، عارية تنظر لي فلو أني ألبي ما تحتاج أقل من ثانية مرت كالدهر من الانتظار، دخلت صديقتها من باب الغرفة وعانقتها ما زالت تحتفظ بالعطر على
جسدها، أخذتني بين يديها أزالت غطائي، بشغف تضع على شفاه صديقتها طلائي، فتصبغ بالحمرة، ثم تمتصني بقوة، فأغيب عن الوعي.
***









الوحدة. لا تزرع شيئا : إنها تجعل الأشياء ناضجة
فريدريك نتشيه


مقعد آخر يحتمل الجلوس
لمحته من بعيد أول الأمر، لا أصدق أن حارسًا جديدًا قد أتى، بعدما آيست من قبول أحدهم العمل هنا اقتربت ببطء، كان يتفحص المكان بحذر، يمسك بمعطفه، اقتربت أكثر، صرت أستمع أنفاسه تختلط بصوت الريح القادمة، أتفحص ملابسه الأنيقة وحذاءه النظيف، ينظر تجاه الباب الخلفي، أتيت من على شماله حسبته شاردا، فقد انتفض عندما قلت له: هل أفزعتك؟!
التقيت بعينيه اللامعتين في الظلام يبتسم ويحمد الله أنه وجدني في هذا المكان الفارغ هززت رأسي، كنت أشم رائحة الخوف قريبة جدًا، ولكنه نفى كونه خائفًا، جلسنا في تلك اللحظة سألته إن كان الحارس الجديد؟ أخبرني أن هذا اليوم يومه الأول، وأن اسمه "مروان" رحب بي هدأ وأطمئن، سألته هل يشعر بالخوف؟ بدا عليه عدم الاهتمام؛ فأعاد علي نفس السؤال؟ قلت له أخاف من فقدك، فأكون وحيدًا.
أخبرني أحدهم أن هذا المكان مسكون بالعفاريت
وهل تصدق أشياء كهذه يا رجل؟!
إنها ضرب من الخيال والجنون
يقال أن هناك أشباحا تسكن المكان هكذا يتحدثون، وقد أتى قبلك الكثير، لا أحد يستمر لذلك السبب، ولكنك لست خائفا.
منذ زمن وأنا في هذا المكان، عاصرت الحراس القدامى كانت تظهر أشياء غريبة بعض الشيء، مثل أن يظهر كلب ينظر للحارس نظرة توعد وريبة ثم أنه يتضخم ويتضخم، أو أن ينادي أحدهم باسم الحارس الموجود، يلتفت لا يجد شيئا من الممكن أن تجد أواني فارغة، قلت له ربما أواني لأصحاب المزرعة فاستغرب تواجدي رغم ما حكيت، أخبرته أيضا أنني لا أخاف أي شيء، وهذا مكاني وقد تعودت عليه، كل همي أجد من يؤنسني شخص لا يخاف حتى لا أبقي وحيدًا.
تبدو الدهشة على ملامح هذا الرجل وهو يقص لي الحكايات الغريبة هيئته قديمة تدل على أنه أتي من زمن بعيد قبعته وجاكته الأسود يجسد قوته كنت خائفا بعض الشيء، غير أن الخوف تبدد بعد مسامرته لي أخرجني من شرودي سؤاله، لماذا أتيت هنا؟
أفضل الصمت والعزلة لهذا جئت للعمل هنا بلا تردد فابتسم وأعاد على نفس السؤال
ولكنك لست خائفا؟
أريد معرفة أسباب تواجد الأشباح هنا
كان هناك طبيبا خاصا بالمزرعة يدعي "جاسم" شاب في مثل عمرك قتل في حادث كان يحب فتاه جميلة جدا، ابنة صاحب المزرعة يأتي ليلا للقائه، كان حبا عميقا، بينما يجلس جوارها بالقرب من هنا ترقص الأشياء الساكنة وتنبض الحياة بالبهجة وفي أحد الليالي قتل برصاصة من صاحب المزرعة بلا رحمة مزقوا ملابسه قيدوه وتركوه في العراء يصرخ ويستنجد، لم يكفهم رصاصة واحدة أصبحت الدماء في كل مكان وصوته يتردد بالاستغاثة تمزق قلبه بالرصاصة الأخيرة، وأخر ما نطق به أسمها، وجدو جثته في الصباح، لا أحد يعرف حكايته حتى الآن، ومنذ ذلك الوقت وهو يظهر في كل الأشياء، أحيانا ينادي حبيبته أحيانا أخرى يستغيث مثلما كان يستغيث، ولا أحد أغاثه، ثم يصرخ ويصرخ ويصرخ، فامتقع وجه مروان
هل أنت خائف؟
منذ متي والخوف السليط قابع ،بداخلي يسكن كل خلاياي العزلة جنتي، لا بد أن أتخلى عن كل هواجسي لا شيء يخيف على الإطلاق، قاطعني مرة أخرى
هل أحببت من قبل ؟
نظرت في عينه المتوهجة بالحيوية، أدركت أنني لا أعرف إذا كنت أحببت أم لا، فحياتي عبارة عن متتالية من الواجبات والانضباط الزائد عن الحد، أفعل الأشياء لأنني لا بد أن أفعلها، ورأيته صامتًا، ينتظر إجابة ؟!
جئت هنا كي أعمل ما لم أعمله من قبل، فهل تشعر بالخوف يا رجل؟
أخاف من فقدك، لو أنك شعرت بالخوف وفررت من هنا، سأكون وحيدا.
لا أريد أن أكون وحيدًا، اشتد الهواء وسقطت ورقة من أعلي الشجرة المجاورة، أحدثت صوتًا رنانا ارتجف، مروان شعرت بالانتشاء ولذة الظلام، شعرت بالمؤانسة أيضًا، وقد انتظرت عمرًا اللحظة التي يحدثني فها إنسان لا يشعر بالخوف، وأراد مروان أن يسمع باقي الحكايات أخبرته عن الصوت الذي طرق باب المزرعة الخلفي ذات مرة بقوة، وسمعنا صوت يطلب النجاة يريد أحدا يفتح له الباب، وعندما فتح أحد الحراس، لم يجد شيئا سوي دماء.
أخذت أتأمل الرجل الغارق في شروده عندما تذكر قصة الدماء، بدا لي عطوفا، لكن لا أعرف على التحديد ما الذي يخيفني إذا نظرت لعينيه لا شيء يخيف، هذه ليلتي الأولي ولم أر شيئا كل ما قيل محض قصص، سأخبر والدي أنني سأنجح في الاعتماد على نفسي، فقدت الثقة في كل شيء، لم أعد أقابل الناس كنت أظن أن تواجدي في هذا المكان سيمنحني عزلة أكبر لولا تواجد هذا الرجل، ويبدو أن صوتي ارتفع في جملتي الأخيرة، فالتفت بوسامته التي لم يغيرها الزمن
لا تخف أنا معك، وأعطاني كوب شاي.
كوب الشاي الساخن الذي انتظره منذ كثير لا أستطيع شرب الشاي دون مؤانسة والرجل الغريب بجواري ملامحه بريئة، وأظافره ناعمه يذكرني بليلتي الأولي هنا عندما كنت أسير بين الناس، لا أحب إيذاء، غيري ولكنهم هم من بدأوا أولا حتى كدت أنفث سيجارتي في قفا أحدهم، أو أنتزع منه أشياءه وأخفيها وفي النهاية جميعهم يشعر بالخوف، رائحة الخوف قوية جدًا، أستطيع تمييزها، يمكنني الانقضاض علي أحدهم بسبب تلك الرائحة، فلو أنني قابلت رجلا مثل مروان لا يخاف ما فعلت ما فعلته من قبل تعجب مروان عندما شربت كوب الشاي مرة واحدة
ستعتاد هذا.
أخذت رشفه من كوب الشاي كدت أتعجب من تصرفات هذا الرجل الغريب الجالس ،جواري، يحدثني بطلاقة كأنه يعرفني، أخذت ألوم نفسي على انجرافي معه واستماعي حكاياته تدخله في شئوني دون سابق معرفة ليست من عاداتي الوثوق بالغرباء، أخذت أنظر ليده الخشنة التي بها جرح خفيف جاف ،تنهدت لا أريد الاستسلام للشعور بالخوف، يجب أن أتعرف عليه أكثر، فسوف نلتقي كل يوم، ونظرت لعينيه، قبل أن انطق
كان طبيبًا ماهرًا لديه العديد من الطموحات رآه أحد الحرس ذات مرة، يهرول تجاه المزرعة عندما توقف كان الحارس مغشيا عليه.









لا بد أن يكون الحب متبادلا، إن الحب من طرف واحد تعاسة
بودلير


قد لا يخطئني طريقي إليك . !
يجلس مستندًا إلى جذع شجرة مثمرة بالتفاح، صامتًا تمامًا، لكن شيئًا ما أربكه ينظر أمامه مليا المكان خالٍ إلا من أوراق الشجر المتناثرة ،حوله، كأنها فرشة الأرض المعدة له، يمشي مختالا، يتطلع يمينا ويسارًا، ارتبكت بشدة، كنت لا أعرف ماذا يريد علي التحديد حتي ألبيه له، أمسك رأسه مغمض عينيه فرأيت صورة فتاة يانعة الجمال شعرها منسدل سلاسل ذهبية قوامها ممشوق، في عينيه يرفرف ثوبها الأصفر، كلما مشت علي أوراق الشجر أحدث الهواء صوتًا امتزج مع تكسر الأوراق، وكان شغوفا حد الجنون قفزت من مخدعي اهتز بشدة، عصفت بقلبه وجسده الذي أخذ ينتفد، فردت ذراعي، أقول له : سمعا وطاعة.
جريت بكل قوتي أبحث عن الفتاه أجري بسرعة الضوء، كلما اصطدمت بفتاه تشبهها توقفت أترك لها أثرًا من مروري العابر يعلق طيفي بجميع الفتيات الجميلات ،أمثالها وهو مازال علي حالته، يري فتاته تختال وتمشي أمامه كلما تذكرها كلما انطلقت بحثا عنها تخبطت في الكون الفسيح، وقد أراحني قليلا عندما استنشق رائحتها، عرفت أميزها من ضمن الفتيات أصبح بحثي محددًا، ابتهجت كثيرا، الرائحة هي الأكثر أهمية في عملية التذكر واجتذبتني
رائحة الفتاة مميزة جدًا، قفزت فرحًا إنني أسير في الطريق الصحيح الأشد تأثيرا إنها الرائحة، بينما أنا في طريقي إليها، نطق أسمها "كلوني" أصبح الأمر أكثر فاعلية الآن أين أنت يا "كلوني" ؟ فتردد الصوت عبر الموجات الصوتية، سمعته بكل وضوح إنني هنا.
وانطلقت سريعًا، ثم اصطدمت بجدار صلب جدا آه
صدمة زلزلت كياني ،كله ورأيت نفسي أتراجع وأتراجع، أمشي في طريق مغايرة لما كنت أمشيه تنفس فتراجعت فتاته في ذاكرته ومثل الذي طيرني نحوها في البدء، تراجعت نحوه، ويغمض عينيه علي صورتها ثانية فأعود بنفس السرعة الخلابة، أبحث عنها، تقطر دمعه فأخذت أمشي ببطء حتي خفق قلبه فانطلقت من جديد أبحث وأبحث "كلوني" إنها هي.
وجدتها كانت علي حافة النهر، تلمع عيناها وشعرها الذهبي في ضوء الشمس يفتح عينيه، فالتفتت الفتاه، وراءها كنت بمحاذاة ظهرها تنفست ثم اقتربت أكثر حتي عانقت خيالها، فانتفدت، أخذت تفكر به، يمشي أمامها بتخايل خفق قلبها نهضت، تمرح ثوبها الأصفر يتمايل ويرفرف وأنا أترنح، أعانق خيالها بشغف، أكثر وأكثر وأكثر.
في أقل من ثانية عدت إليه مازال يجلس في مكانه يفكر، الفتاه تتمشى حوله شعرت بملل، ثانية كاملة أعمل نفس الشيء، أذهب وأجيء، آلاف المرات عبر هذه الثانية إنه يضيع وقتي تعبت من تردده وعدم استقراره العاطفي قلبه ينبض يزداد انتفاض جسده تارة يريدها بشدة وأخرى يتخلى عنها ويرفضها أريد الهمس في أذنه الكبرياء لا يفيدك، فلو أنه استقر لا رحته.
إحدى المرات التي ذهبت فيها لخيال الفتاه كانت حزينة لا تتخيل بشيء، هي لا تراه أخذ يخبط رأسه في جذع الشجرة التي يسند ظهره إليها، تردده متذبذب، فارتد إليه بموجه أسرع من ذي قبل، فابتعد عنها الاف الكيلو مترات، يحزن أكثر ، فأبتعد أكثر، وأبتعد وأبتعد حتي أقبع داخل عقله وأغفو.
أخذ يصرخ بأعلى صوته "كلوني" فخرجت من رأسه عبر الموجات المتلاحقة وانجذبت نحوها مباشرة، يستيقظ قلبها وعقلها تتنفس بصعوبة، تبعد صورته عن ذهنها تبكي وتبكي يقوي صورتها في ذهنه وتدفع صورته عن ذهنها بنفس القوة، تتصارع الموجات ماذا أفعل، أنا بالمنتصف، ولا أعرف حقيقة الأمر، هو دائما يراها، وهي تقاومه تارة وتفكر به تارة أخرى عدت بيأسي إليه، وجدته متسمرا مكانه، بنفس هيئته وغضبه، وقد تحوّل لجذع شجرة يستند إليها العاشقون وقد نسيني، فبقيت خارج عقله حيه، أنشر الحب في كل مكان.








إن للتوق طريقته الخاصة في إثبات روعته
آلان دو بوتون


كانت تناديني ولا أسمع
(1)
في البدء كانت أصوات مبهمة استيقظت التفت حولي، لا شيء هنا ولا هناك، أضع رأسي علي وسادتي وقبل أن أغلق عيني، يعود الصوت صوت بكاء مخيف مرة ثانية الصوت يعلو، دبّ بين ضلوعي القلق أزلت غطائي وأضأتُ نور ،غرفتين جلست بملابس النوم ألتمس الصوت قمت أتسحب خارج الغرفة لا أعرف سر توجسي وخوفي من بين الذي أعيش فيه من أربعين سنه على الأقل، كنت وحدي، لا أحد، لا أحد يصدر صوتا، ولا أحد يسمع معي هذا الصوت، ويتتبع أثر الخوف لا أحد يضع يده علي قلبي ليدرك ،سرعته، ولا ضير في كل هذا، سأخرج لأرى ماذا يحدث، ربما لأن الوقت متأخر، ربما، ولو كان الوقت باكرا لا فرق، وبيد مرتعشة أثرت جميع الأنوار التي قابلتني وأنا في طريقي لباب الشقة.
***


(2)
فتحت الباب، الصوت يعلو فأغلقته، وأظل لثوانٍ وراء الباب أسترق السمع الغريب أنه يختفي جلست علي المقعد القريب من الباب ربما يعود ثانية فكرت أن أتحدث مع صديقاتي عبر الانترنت، لكن الوقت متأخر وهن متزوجات ليس لي منهن غير ابتسامات الصباح وكلمات ما بعد القيلولة، وصور لهن من زمن فائت عاد الصوت فأخرجني من شرودي، فكرت أن هناك ميت ،بالجوار ،ميت تأكد الهاجس لدي عندما عاد الصوت الخافت للبكاء، ماذا سأفعل الموت شيء مثل الحياة، تماما بالنسبة لي ولكن لا أحبه ولا أحب وجوده ،قربي، أيضًا لا أتخيل كيف سأموت وحدي سأموت يوما ما، الأفضل ألا يوجد أحد ينوح ويبكي علي، ويزعجني، لا أحد سيفتقدني ولا أفتقد أحدًا، هكذا بقيت وحيدًا، ولكني لا أعرف لخوفي الآن سببًا، وسوف لا أبكي أبدًا علي رحيل أحد، كثيرًا ما فقدت أحبابًا بالموت وأكثر بالحياة.
وسادتي هادئة مثلي مثل جوارحي مثل قلبي عقلي وصوري القديمة سكون عميق، أمسك براسي كي أنقلها الجهة الأخرى من الوسادة، تنفسي لا يزيد ولا ينقص، تفكيري معلق علي الحائط، فارغاً وموحشًا، قلبي كما هو في مكانه باردًا وخاويًا، ملابسي بنفس ترتيبهم منذ أيام، كل شيء حتي طعامي وشرابي ثابت أيضًا، كل شيء منسق بعناية، وفجأة أيقظني الصوت، حرّك جسدي جعل قلبي يخفق وعقلي يعمل أنا أفكر الآن ماذا بعد أيها القابع في زاوية ما في مكان ما من العالم، لا يُسمع لك صوت ولا يُرى لك أثر، حتي أنني تذكرت مع تتالي البكاء أنني لم أبك منذ فترة طويلة، أيضًا لم أضحك وما بين الصوت والخوف والتفكير في الشيء ذاته، أطرد النوم، أرفع عني غطائي، أنهض بالفعل، الصوت يختفي، هل كان ميتًا رحل أم ميتًا أفاق؟!
***


(٣)
عندما ذهبت لغرفتي في المرة الثانية كان الصوت والخوف تبددا، وحل محله صوت ،آخر صوت ناعم ،ناغم يضحك تخيلت أن الصوت يقترب ويقترب من أذني الصوت يسري في حنجرتي، سأضحك لا بد، الصوت يعريني من جلدي يكشف عن جسدي أخطو خطوة للداخل وخطوة للخارج، خطوة للخارج وأخرى للداخل احترت هل أدخل الغرفة أم أخرج، هل أتبع حدسي للنهاية أم أنهي كل شيء وأنام، كما كنت من دقائق، فكرت أخرج لأجلب الماء قد جفّ حلقي، تناولت كأسًا من ماء، أتجرع كأنني أتجرع الصوت الناعم الناغم وتدب الحياة في أوصالي وتبتل أكثر وأكثر حتي انتهيت تمامًا أخذت أجفف العرق، وخارت قواي، وعدت السريري الجاف الخاوي، قبل أن أخرج من المطبخ كنت قد أغلقت الراديو الذي أتركه للصباح.
سحبت غطائي علي جسدي ولكنني لم أنم رغم ظهور ضوء الصباح الخافت بل بكيت بكيت لأول مرة منذ أعوام، بكيت انهمرت الدموع من عيني، تركتها تبلل ،خدي رقبتي ملابسي الملاءة، تغرق كل شيء.
***









إما أن تذوب في وتسمح لي أن أذوب فيك، أو أن تبقى
حيث أنت دون أي تبدل
أوشو


قالت بالأبجدية
(1)
حرف اللام
وصارحتني أنها تحتاج للمغازلة عند لقائنا في هذه اللحظة بالذات، كانت مفعمة بالحب، تكره الصمت تماما، مثلما تكره من يسألها لماذا تحبينه وكنت في الاختيار الأصعب، إذ أنا طائع لعينيها في تأملها تفاصيل نظرتي المتوجسة، ولأنني أعلم حياءها، كنت أفضل الصمت في كل مرة نلتقي، ولكن كان علي الحديث بما تود سماعه بشغف أكبر من رؤيتي أتأملها هكذا.
كانت مغازلتها أصعب ما في الأمر، لا لشيء غير أنها تريد سماع هذه المغازلات وتاهت بين شفتي الكلمات، ورأيتني أقترب من يدها، أقبلها وأشرح لها ماذا فعلت عيناها العسليتان بي وأنني أتوق لرؤية خصلة واحدة من خصلات شعرها الذي يشبه عينيها كما كنت أفكر، وأن لصوتها نغما أعذب من الموسيقى، وأخذت أقترب، وأقترب وأقترب لأقول بكل أسماء الأشياء التي ترتديها أنها تليق بها، وهي تطرب
وتنتشي كلما تحدثت كلما كان إيقاع الكلمات مقترب من إيقاع تنهدها.
وأحسست أن كلماتي تخترق هذه الملابس الأكثر جاذبية، وتعبر إلى نوافذ القلب، بل تسبح في عالم الروح الي حد النشوة التي تبتغيها، وأبتغيها من أشياء اخرى وتنهدت وهدأت وصارت مثل شمعة تذوب وتصل إلى الانصهار، وأنه عليّ أن أكون أكثر عاطفية وأطور حديثي، لأكون رجلها.
قلت لها إن كل غايتي أن استمع لصوتها كل صباح حتي تشرق الشمس في قلبي، وأن كل ما عليها فعله هو أن تمس شفتاها كوب الماء حتي أرتشف رشفة تروي ظمأي.
وأخذت أعدد مزاياها عندي وأبوح لها أنني احتفظ بأشيائها التي تنساها فتكون معي دائما، شيء منها وتماديت في تغزلي ووصلت حد السكر بين يدي، ثم أنني وعلي هذه الحالة لم يصلها مني شيء غير هذه النظرة التي تتأملها في صمت والتي تنم عن احتياجي.
***


(٢)
حرف الشين
"عذب بما شئت غير البعد عنك تجد أوفي محب بما يرضيك مبتهج "
كانت هذه الكلمات أول ما سمعت عن دخولي ساحة الحسين، ومشيت وسط الاحتفالات بمولد الحسين "رضي الله عنه" يتردد صوت الإنشاد في أذني، وتتراءى لي الأضواء وأحسست بطعم الحلوى في فمي وألتفت وكأنه ظلي أو أنه يمشي ورائي تلفت يمينا ويسارا ثم واصلت السير قاصدة المسجد، خلعت حذائي ككل من خلعوا الأحذية، أتدثر بوشاحي الأخضر، أمشي علي أطراف قلبي، أعبر وسط الازدحام، لا عقل لي ولا روح فقط جسدي يتحرّك يقودني للداخل وعند تجاوزي المقام، سقط وشاحي من علي رأسي وانسدل علي كتفي فخارت قواي.
أجمل لحظات الاشتياق تلك التي تتذكر فيها الذي كان.
تأملت عينيه عندما نطق بهذه الكلمات المرة الأولي التي ألمح بريق عينيه عن قرب، قرب أخافني مسني برهبة لم أعهدها من قبل، ظلت عيني معلقة علي هذه النظرات عيناه أخبرتني عن أشياء أخرى لم يقلها، أجلسني برقة في مكاني الذي لم أبرحه قط.
واستفقت رأيت النسوة يدعون بدعوات مختلفة ثانية مرت كالدهر وأنا لا أستطيع النطق بين هذه الدعوات التي ينطقون بها، بأن يشفي هذا ويرزق هذا ويكرم هذا هل لي أن أدعو بما في قلبي وأسال الله أن يزيل هذا الاشتياق، وضعت وجهي بين كفي واختفت جميع الأصوات.
وضع علي كتفي الوشاح الأخضر، أخبرني أن الأولياء الصالحين هم أقرب شيء لقلبه، وأخذني حتى مسجد الحسين وهمس لي بكلمات لا بد أن أقولها عندما أدخل المسجد والدعاء مستجاب، هززت رأسي ومشينا للداخل خلع حذاءه وفي الجهة الأخرى خلعت حذائي والتقت أعيننا من وراء الضريح شعرت أن الذي يقوله يجري على لساني وأشرت إليه، لم يلتفت لي بعد خروجنا من المسجد سألته هل يجوز نسال الله أن يهون علي اشتياقي إليك، فابتسم.
فتحت عيني فعادت الأصوات والتواشيح والدعوات، خفق قلبي كانت بجانبي سيدة تبكي وفتاة لا أدري ماذا بهما، وبلا سبب بكيت دموعي . أغرقت الوشاح وانتحبت بشدة، وبدأت السيدة تواسيني نقلت يدي من فمي إلي قلبي وكلما زاد الإنشاد في الخارج بكيت عرفت الهوي مذ عرفت هواك وأغلقت قلبي علي من عداك"
قطرات الدمع تتساقط من أجفاني حبات لؤلؤ علي خدي وتبعثر الوشاح، ثم إنها تمس جسدي بحرقة حتي قدماي، كانت الكلمات علي طرف لساني ولا أستطيع النطق بها، وعندما رفعت عيني للجهة الأخرى توقف الدمع بين أحداقي، وتراجع نبض قلبي، كنت ترتجف بنفس ملابسك وتأثرك المعهود عندما تقترب من الضريح وسمعت صوت نحيبك تقول: يا الله وهل لي أسالك أن تطفئ هذا الشوق..؟
***


(۳)
حرف الميم
في اليوم الذي اتفقنا فيه أن نتصارح وأن يقول كلانا ما يكنه للآخر، قلت لي:
كلكن تشبهن بعضكم البعض، شعرت أن هذه الكلمة تحتاج آلاف الترجمات لو أنها كلمة بلغة أخرى وقفت عند عبارته أخذت أتأمل المكان من زخرفة تصويرية ونقش قديم علي الجدران والأضواء الباهتة المتراصة بشكل دائري حول الطاولة التي تضمنا وهدوء الموسيقى التي تعزف سيمفونية ضوء القمر" نظرت لي كتمت آهات بقلبي، قلت لك : أكمل.
تلك النظرة التي قتلتني، كانت كفيلة بمحو هذه الكلمة من حلقي واستعادها إلي ذاكرتي التي تمنت ألا تفكر في الإفصاح عنها، لم أتراجع عن الكلمة وبعد ذلك بثانية، انتظرت أن تقولي شيئا مشابها، فوجدتك تبتسمين للمطر وتداري هذه اللؤلؤة التي بدت بين أجفانك تهبط علي قلبي فأذاب قطعة الثلج الساكنة ولكن كان قد فات الأوان علي التراجع في كلمتي تلك، فسألتك أن تتحدثي فأخذتي منديلي تمسحين تلك القطرة من عطر علي خديك وتقولين : أنت أجمل ما في حياتي.
وأحسست بقطرة الدمع تمطر، تغرق روحي الجوفاء، ذات مرة أهديتني كتاب "نساء من الزهرة ورجال من المريخ" أخذته من يديك بغضب، وضعته في ركن من المكتبة لا أتذكر أين هو؟ ولم أفهم تركت غرفة النوم وجلست أدخن حتي الفجر، لم تسأليني لماذا ذهبت ولا متي عدت ولا سألتني عن الكتاب بعدها، لكنني تقدمين كل ما أريده تماما، ولكن كان هناك شيء ناقص الكتاب لم يمس منذ وضعته في الرف كبريائي منعني أن أقراءه، رفضت الانقياد اليك.
الكلمة تتردد في أذني كلكن تشبهن بعضكم البعض، تراكمت الأسئلة في ذاكرتي وتزاحمت الأحاسيس التي أريد التعبير عنها مسحت دمعتي بمنديلك، وقمت أدعوك للرقص، كل ما في الأمر أن تبدأ قمت أرقص حولك وأخذتك من يديك مثلما تمنيت تماما طوقتك بذراعي واقتربنا، تباعدت خطواتنا وتقاربت حسب إيقاع الموسيقي بهجة الرقص حررت الخوف من مكامنه، وشعرت بخفة جسدي يتمايل وجسدك يحلق
أقبلك في الصباح فتذهب سريعًا فأحتفظ بالقبلة علي شفتي حتي تعود متعب من يوم طويل لتنام وتبسط ذراعك فالتف حتي التصق بصدرك وتلتقي أعيننا، وأخذتني بين ذراعيك، تتقدم خطواتنا وتتأخر حركات خفيفة يمينا ويسارا، حتي انتهت الرقصة
كانت قطرة الدمع مبللة المنديل للتو.
مرت لحظات وأنت تجففين دموعك، شعرت فيها أن شيئًا عظيمًا سيحدث، وهذا ما جعل الأمر أصعب من البوح به كنت لا أريد لقلبك أن يبتعد، ولكني أراكِ دائماً مهمومة بلا سبب ولا أخفيك سرًا أني قرأت جزء من الكتاب دون إخبارك، ومع هذا لا أعرف ما الذي يجب علي فعله، غير أني انتزعت منك المنديل ومسحت دمعاتك بيدي.
***


(4)
حرف الألف
هي لا تحب السجائر، وأنا أحب السجائر وأحبها، وكأنها العادة الأكثر التصاقا بي أن أجلس علي الكرسي المصنوع من الخيزران في البلكونة الصغيرة داخل غرفة النوم، أراقب انتشار الدخان المنبعث من سيجارتي وقد امتزج هواء تنفسي مع الدخان وأصبحت رئتي ممتلئة بالتبغ ويتبعثر حولي.
لا أذكر أن من شروط زواجنا كان عدم التدخين، أو التامين علي رئتي من التبغ، أخذت يدها بعدما مضينا وبصمنا في دفتر الزواج، ورددت كلمات عقد القرآن، ذهبنا الي مكان يبدو أنه مبهج وهي سعيدة بذلك، وطلبت مشروب الشكولاتة وأخذت تشربه بشغف، ومتعه كنت أعرف هذا الشعور جيدا، فقد اختبرت إحساس كهذا عند تناولي سيجارة في الهواء الطلق، والذي أفكر فيه أنني لم أحاول منعها من تناول الشكولاتة منذ زواجنا لماذا إذا كان علي الامتناع عن التدخين؟!
بغضب، وتبكي، هرعت إليها أهدئها، وأشرح لها، أنها مجرد سيجارة تمسك هاتفي وتتصفح الأرقام الصادرة والواردة، تلعن العمل وتلعن النساء الساهرات طوال الليل، وعندما انتهت ولم تجد شيئا، وعرفت أني كنت اخونها مع سيجارة، ابتسمت وهدأت اقتربت قليلا هذه اللية ونمنا بلا غطاء.
السيجارة تحبني كما أحبها، تشتعل طبقًا لأوامري، وتتضاءل كلما نفثت فيها، الهواء يتخلل الأوردة ينتشر في دمي يملأ جسدي نيران تحترق قمت من مكاني أجري وراء شرارة كانت ستلسع الستارة، وتغضب زوجتي هذه الستارة شاهدة علي كل ما يحدث، لكنها بلا ذنب حتى يكون هذا عقابها وعدت أهز قدمي وأسند ظهري للوراء، أواصل طرد الدخان.
السجائر كانت سبب كل شيء حلو في حياتي، منذ مراهقتي، وكانت سببًا في معاملتي كرجل في البيت والآن زوجتي لا تنام على طرف السرير بل تقترب وتقترب منذ رأتني مع السيجارة في منتصف الليل، وهي تشعر بالغيرة، وأشعر بسيجارتي تريد أن تشتعل وزوجتي تقترب أنفاسها غطت علي أنفاس السجائر، لطالما تساءلت هل رائحة السجائر تؤذي زوجتي إلى هذا الحد؟ ونمنا بلا روب هذا اليوم.
لا أفضل من شيء يتواجد متى أردته وينأى متي رفضته سيجارتي تتضاءل أكثر، وأنفاسها تبتعد في حلقي، وتختفي مع الهواء المتجدد أحاول الاحتفاظ بباقيها أكبر قدر ممكن أتأملها وهي في قمة ذوبانها بين أصابعي متعة الانصهار حد التلاشي، هي أنا وأنا هي، أقربها من شفتي لأطرد كل ما يجول في خاطري من تساؤلات
حاولت كثيرًا إخفاء رائحة التبغ قدر الإمكان وضعت العطور وعقمت فمي وتناولت لبان النعناع علي غير عادتي كل هذا لأجل زوجتي حبيبتي هي تكره السجائر وأنا أحب السجائر وأحبها، تضئ المصباح الجانبي للسرير، إضاءة حمراء، لا أرغب بالنوم، هي أيضًا لا ترغب في النوم، تريد بعض السمر، وأنا خير من يتسامر في الليل، تبتسم فأبتسم تحكي لي عن عشقها للورد وخواتم العقيق فأبتهج، وأحكي لها عن مذاق البن المحوج ورائحة التبغ فتبتهج واقتربنا أكثر وأكثر حتي غلبنا النوم، فخلعت عني ملابسي وتمددت بجوارها.
يتطاير الدخان، يخرج من فمي وفتحتي أنفي جميع الهواء مختلط مع العطر، لطالما حاولت إخفاء هذه الرائحة المميزة جدا، لأجل زوجتي حبيبتي، هي لا تحب التبغ، وأنا أحب التبغ وأحبها، أمتص النفس الأخير فتشتعل بقوة ثم تنطفئ.
***
(5)
حرف الدال
"اذا لم تأرجحك الموسيقي فهي ليست موسيقي"
حضرتني هذه المقولة عندما نظرت لعينيها، التي تجعل كل شيء يختل في الكون لم تكن نظرة عادية ولكنها موجهة تماما لعيني ترسل الكثير من الكلمات كنت أجلس بجانبها في السيارة الفارهة الحمراء، واختل توازني من جسد وروح وقلب عقب هذه النظرة، تضحك بعينيها أولا ثم ترسم الابتسامة علي شفتيها سيارات حولنا تذهب وتجيء، وإشارة المرور حمراء أيضا هي ترتدي حذاء أحمر داكن، تسلل ناظري من عينيها لحذائها مرة واحدة شعرت بشيء مختلط من النشوة والفرحة والارتباك، ربما تأثير اللون ربما تماهي عينيها داخل ذاتي المبعثرة، كل شيء كان يتأرجح في سكون يشبه قلبي المزدحم بالضوضاء والتوتر.
الإشارة حمراء، لكن وجودي لم يكن بجانبها في سيارتها الحمراء، بل إن قلبي انتقل إليها وعايش هذه التجربة بدلا عني، أنا ما زلت أقف أمام متجري الذي أبيع فيه آلات الكمان، وهي تنظر لعيني من حدود نافذة السيارة، وكأنها إطار وضع فيه وجهها أكثر جمالا تبتسم تصبح أكثر رقة ماذا أفعل؟ توتري يزداد كانت معاملاتي مع الناس وخاصة النساء لا تتعدّى الكتب التي لا تعد ولا تحصى ممن قرأت، بل إن هذه الكتب هي الأكثر حميمية بالنسبة لي من البشر، يمكنني التحدث الي كتاب طيلة ليلة كاملة لا أمل ولا يُصاب الكتاب بالفتور، فأنا في مأزق عينها تخاطب عيني مباشرة، أنا متأرجح داخل ذاتي، هل علي التقدم نحوها أم انتظارها تقترب ؟!
سيارتها الفارهة الحمراء، تقف قبالتي في إشارة المرور الحمراء، وتوجه لي نظراتها التي تخترق خلايا جسدي ،الواهن وقلبي الذي لا توجد لديه مناعة ضد الحب كنت هشًا جدًا في هذه اللحظة، دون سبب غير شعرت ولأول مرة أنه بإمكاني خوض التجربة وأنني أتوق لتلك الأرجحة الناعمة التي سرقتني للتو، وكل الذي يحيرني نظراتها المصوبة من عينيها لعيني؟ نظراتها التي تجتاز المسافة التي تفصلنا من مكانها في السيارة الي مكاني بجانب الرصيف أمام متجري، ودارت بي الأرض وجالت وصالت في صدري الثورات وشعرت بأشياء لم أعهدها قبل تمنيت لو انني "أنطونيو فيفالدي" حتي أعزف كونشرتو "الفصول الأربعة" أو أنني بطل رواية "ألف" لبولو كيولو فأجعل جميع المارين يقدمون لها الورد عندما تمر بسيارتها بعد توقف الإشارة او أكون أحد ابطال هوليود في فيلم رومانسي فتقع في حبي من النظرة الأولي ولكنني لم أكن إلا رجلًا بسيطًا جدا يبيع آلات الموسيقى، لا أستطيع التقدم خطوة واحدة نحوها بملابسي العادية وشعري الفوضوي وكوفية عنقي الصوفية، كان الجو باردًا، ولكن شيئا ما جعل كل ما في الكون يتأرجح، فلا أشعر بالبرد فقط دفء، دفء يحيط بي ويجعلني لا أحول نظري عن ناظريها.
إشارة المرور متوقفة مثلي ،أمامها واتسعت ابتسامتها تشير لقلبي بالاطمئنان، ابتسمت لأتأكد أنها موجهة لي وأدارت محرك السيارة لتستعد للرحيل، وإذا برجل يأتي من الجهة الأخرى ببذلة زرقاء، يجلس بجوارها وتفتح الإشارة وتختفي الابتسامة وتتراجع ابتسامتي داخل شفتي، وقبل أن أستدير لأعود إلى متجري، وأقبع داخل ذاتي المنشطرة وروحي الجوفاء، أشعر بخواء عميق خلفته نظرة عينها في قلبي عندما رحلت، وإذا هي تستوقفني بنفس الابتسامة أخفيت دهشتي وقلقي تماسكت أمام عينها كانت تحمل آلة كمان بثلاثة أوتار وهناك وتر ناقص، أعطتني آلتها أتفحصها قلت لها
هذا الوتر الناقص E هو أرق وتر في آلة الكمان وأن استبداله سهل ولكن لا يجب أن تقومي بهذا الفعل وانت مستعجلة أو متوترة لا بد من الدقة والحذر
بدا علي وجهها الاقتناع وهي تمسك بطرف الكمان من ناحية العنق سألتني إذا كان هذا ممكنا؟
بالطبع ولكن لا تستبدل الأوتار علي سطح خشن حتي لا تتسبب في الخدوش
ويجيب إعطاء الوقت الكافي للتأقلم علي الجو الجديد حتي تعطي الصوت الحقيقي لها.
*************


(6)
حرف الباء
" في ذلك الليل الذي يثقبه صوت المطر كل شيء ممكن"
وكيف أمنع هذا الشعور الجارف من أن يتجه نحوك عند لقائنا، كانت قطرات المطر تتساقط من خلف زجاج الغرفة، تحدث خريرا، أشاهد عبث الماء وهو يرتمي في حضن الأرض، فتخصب بعد جدب، الشوارع مبللة، يغطيها الطمي وتزدهر الشجرة التي بجانب البيت وعيوني يغسلها الدمع، أرشف بعضًا من مشروب النعناع الدافئ، أواصل تفكيري بك، كطقس هام في حياتي لا يمكن التخلي عنه، أقف وراء الزجاج أشعر ببرودة الجو تسري من أطرافي حتي قلبي كوب النعناع الدافئ يهدأ تمغصي قليلا فأهدأ وأضع شالي الصوفي علي كتفي.
رائحة الطمي والمطر يتسلل إلى أنفي رغم إحكام غلق الزجاج، أتكور مثل جنين في بطن أمه تحت الغطاء الناعم لطالما أحببت النوم هكذا وخاصة عندما يصبني هذا المغص من كل شهر، أشعر أن هناك آلات حادة تعمل في جسدي ،بعنف، وتترك لي جروحًا قاسية العرق يبلل جبيني ثلج الشتاء وحرارة جسدي يعملان بنهم، هذا الأمر الذي يجعلني ألبث في فراشي ولا أستطيع التحرك ذهني سابح في عوالم تشبه الحلم، ولكنه خدر لذيذ يحمل لي طيفك ويتركه يستقر داخل الروح المتعبة من الجسد المنهمك.
يديك دافئة حنونة تدفئ يدي تمسح علي رأسي في حنو، جسدي يرتجف وتدغدغه موجات من تقلصات ليس لها نهاية هي فقط شعور بالانهزام أمام قوى الجسد وتقلبات المزاج، أفقد شهيتي للطعام، تدور بي الأرض داخل هذا الإطار من الألم، وتلقي بي في إنهاك حاد لا تكفيه قطرة دمع، وأنت تمسد شعري وتجعل رأسي على صدرك دقات قلبك تفض بكارة ،السكون ورائحة عطرك النقية تأخذني إلى بداية الأشياء طعم الماء في فمي عندما ناولتني حبة المسكن تذكرني بنقاء الطبيعة كل شيء هادئ وجميل فقط في وجودك.
إن الاشواق التي تعصف بي ليل نهار لم تكن إلا شرارة واحدة من أرقي في غيابك.
أقرأ رسائلي إليك وأسند كتفي بجانب الزجاج، أستمتع بهطول المطر بالخارج، الأضواء خافته وكأنها زينة قدومك أحتفظ بكل تفاصيلك داخل قلبي كشيء مقدس لا يمكن المساس به طريقة جلوسك في خجل يلجم ابتسامتي، هيئتك ثابتة تحيط بك هالة عظيمة من الثبات ،والوقار، وتضيء شاشة الهاتف فجأة تخرجني من شرودي وهذياني اسمك علي شاشة الهاتف، صوت المطر، طعم النعناع في فمي
**************


(۷)
حرف القاف
"إني عشقت وهل في العشق من بأس
ما مر مثل الهوي شيء علي رأسي"
أقرأ الورقة المطوية داخل كتاب كانت الأشواق تنخر عظامي ولحمي في كل لحظة تمر، ولا يلتفت فيها إلي كل شيء فيه يدعو للتأمل طويلا، قامته الممشوقة حمرة بشرته وشعره الأشقر، ليس ثمة أسطورة تنبع من بحر عينيه، هو لا يدعني أنظر إليه ينصرف سريعا، لو كان يعرف أن هذه اللحظات هي عمر بالنسبة لي لو يشعر بموجة الألم الذي يعتريني في غيابه، وأن اللحظة دهر من الانكسار والفقد كان قلبي يطوف حوله عندما يجلس ،ليلا لم يكن يحب القراءة من قبل منذ فترة وهو يمكث يقرأ لساعات دون ملل، لا يشعر بمن حوله.
كان يجلس في سكون سكون يشبه الليل والنسيم الرائق لا يلتفت يمينا ولا يسارًا يقرأ ويحدّق في الفراغ أنفض الرواية من التراب وأعيدها مكانها أقلب اقلامه ينتقل قلبى بين دفاتره كفراشة حالمة، أتلمس أنفاسه التي تركها وخرج لعمل هام كنت أكثر المنتظمين في مكتبه آتي أولا ولا أذهب إلا آخر الموظفين رأيته ذات مرة يتحدث في الهاتف طويلا، أغلقت غرفة مكتبي ومكثت أبكي كمن فقد شيئا عميقا، أبكي بلا انقطاع.
وضعت الرواية بجانب روايات أخرى، وميدالية لا يتركها من يده أبداء وفنجان قهوته المعتاد كما هو علي يمينه كل يوم أضع فنجان القهوة وأتراجع للخلف دون أن يراني، وهو سارح في هاتفه أو علي شاشة اللاب توب البكاء أصبح عادة جميلة، أتجول في مكتبه، لا أعرف ماذا أنتظر أنتظره، أم أنتظر استقرار روحي عند قدومه، فقد أشتاق إليه في وجوده أوارب الباب كي أطمئن عليه، يأتيني صوته من الداخل كسحابة تمر على قلبي فتزدهر روحي بالعشق وتجول بخاطري مثل عصفورة طليقة كنت أكتب اسمه دائما في إطارات الجرائد، "محي"
اسمه دافئ يشعرني بالحيرة، لا أستطيع نطقه علي لساني في حضوره ولا يمكنني طرده من ذاكرتي، وبينما ألتقط منديلًا من علبة مناديله المميزة تسللت إلى أنفي رائحة عطرة، فتحت شاشة اللاب توب الخاص به، فإذا بها صورتي على الشاشة قمت رفعت عيني لأراه داخل من باب مكتبه.
***********








لسنا صادقين تمامًا إلا في أحلامنا
نتشيه


وحتي آخر خيط من ضوء
ومن جماليات الحكاية أن تبقى مبهمة..
أفكر فيما قاله المهرج على خشبة المسرح كان يتراقص بخفة غير عادية ما إن ينتقل بقدمه للقدم الأخرى لا تكاد تلامس إحدى قدميه الأرض، قلت في نفسي: إذا لم تجد مبررًا للطيران؛ فلما تجازف؟ ربما جناحاك تطيران والرياح القادمة أشد من قوة تحليقك، ويصفق الجمهور، ذهني مشوش من ضجة المتفرجين يتفاعلون مع كل حركة راقصة للمهرج، يودون لو أنهم يتقافزون معه علي المسرح، وصفق الحضور ثانية.
المهرج يسكن تماما، لا يحرك غير رقبته يمينا ويساراً، يذكرني بدمية تعلق رقبتها في منتصف الجسد والجسد ساكن، وفكرت في وضع القلب هذه اللحظة الراكدة أخذ يدور برأسه تتساقط دمعات من عينيه دون أن تتغير ملامحه تتساقط وتتساقط، أصبحت أكثر غزارة، وكلب ينبح يشد بطاله بفمه الجسد ساكن تماما، وطائر يقف علي كتفه ولا يتحرك طفل يضع يده في جيبه يأخذ نقوده ولا يتحرك أيضا، يدور ويلتف هكذا، يقوم أحد راكبي السيارات بجذبه بعيدًا حتي يفسح له الطريق وهو ساكن لا يتحرك فقط تتساقط دموعه الجمهور أيضا ساكنا يرتسم علي ملامحهم الحزن لكنهم أيضا لا يتحركون.
الحكاية لم تكتمل ما دام أحد أطرافها لم يرو طرفا منها..
كان يقف في المنتصف يردد هذه الكلمات النقطة التي تضيء المسرح باهته كلما اتجه في أي مكان تحركت معه النقطة، فلا يستطيع أداء دوره بدونها يلحقه ،ظله، أصبح حائرًا بين الضوء والظل، عقد حاجبيه يمرر أصابعه حول ذقنه، ويطرح سؤالا : هل الضوء أقوى أم الظل؟ ومن الذي يتبع الآخر؟ يضحك المتفرجون بلا سبب للضحك، وكأنها شحنة ضحك مخزنة في السابق ككل الأشياء المسبقة للحدث، وجلس المهرج علي أرض المسرح، ينتظر إجابة من جمهور أتى ليمارس عادة الضحك وينصرف.
أحرص علي الجلوس في الصف الأول، يضايقني رؤية رؤوس متفاوتة في كثافة الشعر أمامي، وبعضها صلعاء أريد الرؤية بوضوح، وحتي أستطيع التمكن من هذا جلست في المنتصف، أنظر مباشرة في عين الممثل، يشغلني مدى تقمصه للدور، وإقناعه للجمهور، كما لا أكف كتابة بعض الملاحظات والنقد، رغم أنني كأي متفرجة في الصالة؛ أتيت لإطلاق سراح الضحك قليلا وأنصرف.
***









أنت هدوء قلبي وصخبه في آن واحد
کافکا


؟ !
ونظرت في عينيه الذين يسألونك عن أحوالك؟ لا يودون سماع غير كلمة واحدة أنك بخير فليس بمقدور أحدهم سماع شحناتك العاطفية أفكارك المشتتة، ليس لأحد استطاعة منع المطر المنهمر فوق رأسك، عندما بلل معطفك آخر الليل وسألتني وأنت في حيرة بين الورد وبيني كيف حالك؟ لتستريح أكثر عند سماع أنني بخير، تشرب الشاي بالنعناع بمزاج رائق أمام التلفاز، تدعو أصدقاء للعشاء في المطعم المجاور تستريح لتعود متأخرا وأنت علي يقين أنني بخير.
يبيع في متجره الورد الملون بجميع الألوان أحب الأبيض منها، ولا أعرف لماذا تطلب الفتيات الأحمر ويجلس الرجال في السيارات يتركن البائع يختار لهم باقة من الورد سريعًا، لهذا فإن الورد الأحمر يأتي بكميات تباع كلها تجئ الفتيات وتذهبن يسألن متي يحين موعد الورد الأحمر؟ فمن تحصل علي وردة حمراء تظهر عليها علامات السعادة في الربيع أما باقي الورد الملون يبقى طوال العام يباع للرجال الذين ينتظرون في سياراتهم علي عجل.
ونظر تجاهي عينه في عيني، فابتسمت بصمت أعرف هذه النظرة جيدا، يعتذر عن انشغاله ببيع الورد الأحمر، قبل أن يذبل ويشح بقدوم الخريف، أقدر جميع الأعذار على أي حال، تحول بيننا وردة حمراء، أفضل من جدار أفضل من شارع، ولم أسال نفسي مرة لماذا لا أطلب واحدة أو تهدي إلي !
يبتسم في كل روحة ومجيء، أبتسم وأنا أطالع باقات الورد الزائفة العطر في صغري ظننت أن كل الورد يعبق برائحة عطرية اكتشفت لاحقا أن الورد البلدي فقط الذي يفوح بالعطر الحقيقي، باقي الورد يرش عليها العطور الصناعية كي تبهر المهدي إليه وتعجب أنفه، ذاكرة الأنف قوية جدا، فيزداد صيت بائع الورد بين صديقات الفتيات. والغريب أنني لطالما أردت معرفة عمر الورد ولم أسال! فكرت في وضع واحدة في زجاجة أختبر عمرها الافتراضي لكنني خفت قد لا أتحمل مشاهدة ذبلوها، ولا أستطيع فعل شيء لها الصمت يقتلنا أحيانا، ولا أحد يهتم بأفكارنا الهشة ومشاعرنا الهامسة وفرغ المشتل من الفتيات ورجال السيارات المنتظرة، وقف قبالتي بقبعاته السوداء، ينظر إلي
وكيف حالك ؟
أومأت بعيني.
***










لا يزال الليل ليلا أكثر من اللازم
کافکا


سكون
ولم يكن غير وميض خفيض من أمل يتحرك به الجزء الساكن من الجسد الملقى في غرفة مظلمة.
في نفس الوقت الذي تمنيت فيه ثقب ينفتح علي العالم كي يبدد هذا الفراغ القاتل، لا أدري عدد الساعات الثواني الدقائق، لا شيء يمر بدقة أكثر كانت عقارب الساعة تتراجع للخلف وأنا أسمع وقع الخطوات الخارجية أهي غرفة أم مكان مفتوح هل هو صندق، لا أعرف تحديدًا، تنفسي منتظم، العالم صاخب في أماكن أخرى بالتأكيد.
وتداعت لي ذكري الرجل الذي كان يجلس علي مقعد وحيدا، أمام متنزه .. ، الحديقة منحني الظهر، شعره ولحيته كثيفة جدا، والذي عرفته لاحقا أنه لم يتجاوز الثلاثين مع أنه يتحرك ببطء، مثل العجزة تماما، ويأكل الأشياء سهلة المضغ، ولا يضايق أحدًا، الشيء الوحيد الذي كان يردده:
أنا الرئيس
ويمشي حافيًا بثقة بالغة، يتعاظم أحيانا، ويعلو بصوته أوقات، ويرفض الإهانة دقات قلبي تنتفض، أسمع صوته بدقة، لا أعرف لماذا أسترجع هذا الرجل بالذات؟ وحشة المكان في ظلمته وتخمين الأصوات خوف آخر، هل أنا ميتة وقد دفنوني ورحلوا وأنا في انتظار الملائكة؟ يمكنني معرفة من القادم من رائحته أحيانا نستعين بحواسنا النشطة عندما تتعطل قدرتنا علي تمييز الأشياء والناس.
الخوف يزداد والموت يقترب كلما أحسست برئتي تتنفس، اقترن بها شعور بالافتقاد إنني أفقد القدرة علي ممارسة تحريك أطرافي، أشاهد الموت بكل جبروته، وأبتعد عن الحياة بكل صخبها، ولكني أتشبث بهذا الخيط الرفيع بين الحياة والموت.
استرخاء وخدر مسالم جدا أظن أنه من احتياجاتنا اليومية، الاسترخاء الساكن لدرجة أحتاج من ينقل لي يدي ليضعها على قلبي، الاستنشاق النقي أيضًا، الخالي من غبار الزحمة والتبغ وعوادم السيارات، أنه سلام خارجي واستسلام داخلي لما يحدث يراودني شعور أنني سابقي هكذا دائما، أن أقصى طموح لدي الآن أن يزال عني هذا الصوت الصادر عن دقات قلبي وأصوات الفراغ، حتي أنني أستطيع تمييز صوت الهواء، وتمايل الشجرة القريبة مني وسقوط ورقة خريفية كل هذا من مكاني العالم يتحرك جميعا، ثمة ثقب صغير ينفتح علي روحي، يخبرني أنني على قيد الحياة.
فقط كل هذا تبدد عندما فتحت عيني لأجدني في مكان مفتوح، وحولي ناس كثيرون، وقد أفقت من أغمائي الذي استمر ثواني.
***









أنت لست حرًا بعد، إنك ما تزال تبحث عن الحرية
نتشيه


لا تحزن
حين مررت بخان الخليلي ولم أجدك تدق علي النحاس بمطرقتك الحادة فتشت عنك في كل مكان سألت جميع المحيطين بك حتي الجدران لا أحد يراك، منذ أيام منذ شهور، ولا أحد يتذكر آخر مرة كنت هنا، وكأن الأيام لها حسابات مختلفة عند كل شخص، والعجيب أن دكانك مفتوح قال تاجر قريب منك ربما صعدت لمنزلك مثل كل يوم بهذه الطريقة لا أحد يستطيع تحديد متي أتيت ومتي ذهبت ومن يعملون ليلا يظنون أنك تعمل نهارًا، ومن يعمل بالنهار يظن أنك تعمل بالليل، فأين أنت.
أشتاق إليك مثل مطرقتك المائلة تجاه الأرض، لا نحاس، لا مياه مرشوشة أمام الدكان، ولا أعقاب سجائر، وقد غاب معك صوت أم كلثوم المنبعث من الراديو، وعندما دخلت الدكان ظهرت بهيئتك المعهودة، جلبابك البسيط وحذائك المصنوع من الخشب غبار الأتربة يغطي لحيتك وشعرك الكثيف، رأيتك كما أنت، نعم رأيتك، مع أنه لم يكن أنت.
وبكيت بكيت كثيراء ساقاي لا تحملاني وأنا أصعد السلم المظلم، خشيت من خطواتي المتثاقلة على البيت الحائط مشققة بتجويف عميق يمكن أن يرى ما وراءه وحملت نفسي، أجرجر شبشبي ذا الإصبع، لا يمكن لأي إنسان يمر بهذا ولا يحزن أحببتك طيلة عمري واليوم أحبك حبًا آخر، كنت أتساءل دومًا لماذا نحب الموتى أكثر من
الأحياء، لماذا يا صديقي؟ في تلك اللحظة تمنيت أن تقبض علي ياقة قميصي من الخلف وتقول: أمسكتك أيها اللص، وأقول: أن تسرق صديقًا لك خيراً من سرقة غريب، فإن ما سرقت سيعود عليك أيضا.
أتحسّس الباب الموارب ظلام دامس أشم رائحة الموت تنبعث من جسدك، لحيتك ازادت كثافة وخالطها البياض جثوت أمامك على ركبتي، وبكيت أكثر عندما رأيتك جثة هامدة علي الأرض وسط عبث فوضوي يحيط بك، وفتحت عينيك تطلب الماء، سقيتك وصببت الماء فوق روحك المنطفئة كما ينبت الزرع تنفست، أخبرتك بأهميتك بالنسبة لي قلت الضعفاء ليست لهم أهمية في الحياة، وعرفت حكايتك، أن الحكومة تريد هدم دكانك لبناء مبني جديد ضحكت وتمددت جانبك علي الأرض، وأصبح هناك ميتان.
***









آه من شك ومن حب ومن هاجسات وظنوم
إبراهيم ناجي


محض صدفة
وكيف ستنجو من نيران الشك؟
قالتها لي عرّافة رأيتها علي الطريق حين مررت بصحراء الوادي، كانت تضرب الودع وتقرأ الطالع، تنظر في عين الرجل وتعرف فيما يفكر، أنا حائر، ليس معي مال ولا ولد تزوجت مثل من يتزوجون فرحًا بشيء ما سيتحقق، يومها أخبرني صديق لي بكلمة لن أنساها طيلة عمري قال: هل تحبك؟
ضحكت من سخافته تلك الليلة، كنت فرح ببذلتي الأنيقة، فرحًا أكثر من أي شخص في ليلة زفافه حتى أكثر من عروستي التي تحلم بفستان زفافها منذ ولادتها ورقصنا الإيقاع السريع للموسيقي ما أن يبدأ حتي ينتهي، أحب الهدوء، الهدوء في كل شيء، الرقص الهادئ يريح الأعصاب ويترك لنا فرصة التأمل زوجتي تحب السرعة في كل شيء أيضا تتعجل الزيارات الأكل حتي النوم والحديث كنت أظن في النساء الثرثرة، وكثيرا ما أتيت البيت لأجد زوجتي ريفيلا كما أسميها اشتقاق من اسمها رانيا تتحدث بالهاتف.
رفيلا لا تسألني أين ذهبت ولا مع من أتحدث، لا تسأل أبدا مجرد سؤال، قبل زواجي كنت خائفًا مما أسمعه من أصدقائي عن مثل هذه المنغصات وعن الخيانة والغيرة زوجتي لا تغار، هل تكون بلا عقدة أم علي خيانتها أولًا.
وما معني الخيانة؟ ولماذا يخونون؟ كما لا أعرف مع من تتحدّث زوجتي كل يوم بالساعات وعندما أدخل البيت تغلق الهاتف، يجافيني النوم فكرت أن أفتش هاتفها ورأيتها فكرة سيئة جدا من رجل متحضر مثلي كيف أكون همجيًا، لا أستطيع تعنيفها علي شيء قصرت فيه، أنفذ كل ما تطلب بكل دقة وكرجل مثقف جدا وأقرأ الكتب لا بد أن أدللها ظننت يومًا أنني أحبها، فهل أحببتها فلا!؟
وأتلطف معها، حتي تحركاتها تقلقني فزعها في جوف الليل خوفي من مواجهتها أتتبع تقلبات مزاجها في صمت ألحظ عفويتها مع صديقي المقرب ولا أبدي غيرتي أنا كرجل متحضر مثقف لا يمكنني فعل هذه الأشياء، الرجل الناضج أعقل من هذا، وتركتها معه وذهبت بعيدًا عن الأعين أحرق آخر سيجارة في جيبي.
أبكي بكاء مريرا، أهتز وأتشنج أسير بلا هدى علي الطريق، والعرافة تقول: وكيف ستنجو من نيران الشك؟ المواجهة المواجهة.
قلت خائف خائف خائف، ستتركني وترحل مثل التي تركتني قبل.
النساء لا يحبون العنف ويكرهون ،الخيانة أنا مخلص تماما لامرأة لا تحبني ولا أحبها، لا أستطيع المواجهة خائف أن تتركني مثل التي قبل عندما كنت عنيفًا معها أنا خائف ،وضعيف عندما نهضت من علي ركبتي كانت الصحراء فارغة، أين ذهبت العرافة التي كانت تحدثني؟
ولمن قصصت حكايتي!؟
**********









لا شيء ينسي، ولا شيء يبقى
نجيب محفوظ


وجه
"يخلق من الشبه أربعين"
لطالما تفكرت في هذه الجملة الغريبة المركبة من أربعين شبه لشخص ،واحد كانت جدتي دائما تقولها إذا رأت شخصًا يشبه جدي، وأنا صغير جدًا، لا أميز كم كان عمري لكني تساءلت لماذا أربعين بالذات؟! ولماذا نفس الشبه ألا يكفي من الرجل أو المرأة صورة واحدة علي الأرض، إذا سلمنا بهذا مع ذي الخلقة الجميلة، فماذا يفعل الشخص الدميم إذا التقى بأشباهه الأربعين؟!
فكرة الأشباه الأربعين كادت تقتلني، تخيفني أيضًا، ولا أستطيع مواجهة الذين يشبهونني علي أية حال، فماذا سأقول لهم، وكيف سنلتقي، وبت أسال جدتي كل يوم عن هذا الشبه، وأين هم؟ وجدتي تضحك وتتركني منصرفة عني لأفعال المنزل حتي قالت لي ذات يوم لا تشغل بالك هذه أمثال.
ومرة أخري تقول : أنهم لا يحضرون مرة واحدة، فكل شخص منهم في بلد.
مرة أخرى تقول: إذا لم تكف عن الأسئلة سوف أجعلهم يأتون ويأخذونك معهم.
خفت أكثر، ولكن كيف أكف الأسئلة ؟!
وعزمت الأمر علي أن أمشي ،وأرحل لأي مكان لأجد أشباهي الأربعين ونتعارف، زادت حيرتي، هل سيكون لهم نفس العمر؟ نفس القامة، وما هو الشبه بيننا، وعندما كبرت قليلا كنت أنظر لزملائي مليلا علني أجد شبهًا واحدًا يجمعنا، والذي هالني أنني لي ساق نحيلة كالمعزة مثلما تقول جدتي ولي صوت رقيق كالعصفور فهل تشبهني أنثي!
سافرت وسافرت بذهني كثيراً ، أصبحت مجنون لا يهدأ له بال وكلما خلوت إلي نفسي تخيلت أن أحدهم يفتح الباب ويدخل، يجلس بجانبي، يشبهني تماما، مع أنه عصبي بعض الشيء، وإذا أردت النوم ألتصق بي أحدهم حتي ضاع النوم؛ فأتوارى في حضن جدتي التي تنام أول ما تغمض عينيها من التعب.
من خوفي لم أنم ثلاث ليال بعدها تظلم الغرفة فأرى عيونهم المتلصصة في أركان الغرفة، ربما يبحثون عني مثلما أبحث عنهم، وفكرت لو أن أصاب أحدهم ضرر هل سأشعر بذلك؟ فكرت أيضا أن واحدا منهم يكبرني بعشرين عامًا وآخر أجنبي قلبي يدق وأرتجف في الصباح لا أخبر أحدًا بما عانيته بالمساء.
وكما تعودت ألا أسال، فلا أسال مطلقا، فليس هناك إجابة، وأثناء سيري مع جدي؛ أمسك يده بقوة خشية ظهور أحد الأربعين، فإذا التقيت أحدهم في الطريق فهل سيكون بمثابة مرآتك، وأحدق في ملامحي وألمسها فعلا ولو وجدتهم هل سيتقبلونني؟ أنا جدا خائف، والذي يقتلني الآن هو حب المعرفة.
أكثر شيء يثير غيظي، لا تفعل لا تسأل لا تتدخل، المهم يقترن الأمر بلا لقد كرهت لا هذه وعادت لي أفكاري يا ترى ما الأربعين أشباهي؟
قمت من جلستي أحمل صورة جدتي مع بقية أثاث المنزل، وأنا أضحك على نفسي داخل نفسي كم كنت غبيا وساذجا ها ها ها.
***********









كان يتملكني شعور بالفراغ يتصف بالمرارة وإحساس
بالهدوء لم يكن هدوئي
ميشا سليموفيتش


عين وصوت ورائحة
لا أتوانى عن تلبية الطلبات للزبائن، قهوة شاي معسل، سحلب وقرفة ونعناع وعصائر ولا مرة انتابني الضيق من كثرة النداءات يا حمدي
يا واد يا حمدي
يا سي حمدي رد علينا
أسارع الخطى وأنا أغيّر حجر الشيشة للزبون، وصوت رمية زهر الطاولة يرن في أذني مع صوت الأكواب الفارغة والشيشة، أقف كثيرا أمام هذا الزبون الذي يأكل الحواوشي بنهم غريب ولا ينادي يا حمدي.
هذه الطاولة علي اليمين في مواجهة الباب مباشرة الزبون يجلس في منتصف "الترابيزة" والذي جعلني أحدّق النظر لا لأنه لا يعيرني اهتمامًا، ربما كان الحواوشي أهم كثيرا، بل لأن الآخر كان يحدق فيه بنفس النهم الذي يتناول به نصف رغيف الحواوشي، يجلس علي عتبة الباب يصوب عينيه إلى فمه كطلقة نارية لو أطلقت لكانت كفيلة بفتك الحواوشي والزبون الذي يأكل بارتياح، وعدت ألبي طلب زبون آخر.
اللقمة التي ليست في فمك شهية جدا تعبق برائحة شواء رائعة تختلط الرائحة برائحة الشيشة، يشتد الجوع، وراح الزبون يقضم بنفس النهم ويمضغ، والآخر يدمع ويبتلع ريقه من الصعب اشتهاء الأشياء البعيدة المنال، وأحسست أنه يشعر بطعم اللقيمات في فمه، ويشتم رائحتها، وربما أحسّ أنها تهضم في معدته والزبون يلتهم بلا رحمة ويكسر الرغيف الباقي، ويقضم بفمه، ويمضغ بأسنانه، ويبتلع بنفس درجة النشوة التي تكاد تغيبه عن الوعي، والأخر تدب فيه الحياة لمجرد رؤيتها.
لم تمض عليّ لحظات كهذه من قبل أعمل بلا ملاحظة أحد ليست من عاداتي تتبع الزبائن فيما يفعلونه حتي اختلط الأمر في ذهني من الذي يأكل؟ هذا الزبون الجالس أمامي، أم الآخر الذي يجلس علي عتبة الباب؟!
الجوع ،قاتل والزبون مازال يلتهم بنفس النهم والنشوة الآخر أيضًا ينظر بنفس الترقب فلا هذا يشبع ولا ذاك يحول ناظريه عن التحديق.
مرت دقيقة أو دقيقتان لا أكثر، وناداني الزبون المنغمس في توحد مع الحواوشي يطلب الشاي وقبل أن يقوم الآخر بتثاقل من علي عتبة الباب يمسك بعصاه، ناولته كوب الشاي.
***









كل صنوف المعاناة تنبع من الاشتياق والقلق والرغبة
ادغتر الآن بو


حلم يتيم
في اللحظة التي تعتقد فيها أنك نسيت تمامًا، يكون قد بدأ لديك جرس التذكر من جديد، فلا ثمة لالتقاط أنفاسك لثانية تعيد فيها ترتيب آهاتك المكتومة وكومة داخل روحك المتعبة كل ما في الأمر أنك تعرف أنه لا جدوى من النسيان قلبك ما زال حي بهم.
هكذا تحدثت عندما سألني عن سبب وجود هذه الصورة معلقة علي جدار الحائط المواجه لباب الشقة.
بين الحين والآخر أستعين بصديقي في إعادة ترتيب الديكور؛ لمهارته في التصميم، ولكن اللية كانت مختلفة، إلى حد لا يتصوّر معه أننا أصدقاء منذ زمن، وكأنه عرفني للتو.
نظرت للصورة المعلقة بعناية في البدء كانت أحلامهم صغيرة بحجم أناملهم، يلهون بدمية بسيطة، يقفزون فرحًا بقطعة حلوى، وسألني صديقي عن سبب بقاء هذه الصورة معلقة طيلة هذه الأعوام، وحدثته عن معنى أن تكون مرغوباً حتي لليلة واحدة.
وقضينا الليلة ينظر كل منا للفراغ ولا يجرؤ علي قول ما بداخله.
ورأيت أنه من العبث استرجاع كل هذه التفاصيل مرة واحدة لم يكن سوى سؤال عابر لماذا تحتفظ بهذه الصورة طيلة هذه الأعوام؟
وكان عبئا ثقيلا أن يرحلوا ويتركوا لنا ذكراهم، أليس من العدل أن يرحلوا معًا، أو يبقوا جميعا !
دق هاتفي، وبنفس الدهشة تطلعت للهاتف كثيرا ما خدعني وتخيلت أنه يرن، وعندما أفتح الهاتف لم أجد شيئًا، إلا أنه كان يرن هذه المرة.
لا أحد يملك خاصية الأخذ والعطاء معا يا صديقة.
هكذا نطق بعد صمت طويل، وأنا أحدق في الصورة بشغف مضي أدركت أنه يريد ولا أريد، هو ما زال يطمح للحياة، وأنا قد انتهيت منها، لا أعرف ما الذي جمعنا في تلك اللحظة بالذات، وما الذي يجذبه لي؟!
وابتسمت لشغفه معرفة تفاصيل حياتي الخافية عنه بهذا الفضول، مع أنه لم يسأل غير سؤال لا أمنحه إجابة مرضية تعجبني حياتي هكذا بلا هدف محدد، ولا انتظار شيء، وأعاد علي السؤال: لماذا وجود هذه الصورة حتي الآن؟ كنا نتكلم في كل شيء إلا هذه الصورة.
أرسم في مخيلتي كل الذي أرغب فيه كيف سأقنع صديقي أنني لم ألتق هذا الرجل ولا مرة وأنتظره كل يوم أصبحت مشاعري حبيسة الخيال، لا أعرف ترجمتها في الواقع بهذا الشكل أخسر كل من أحبهم في صمت كما لا أستطيع إخبار صديقي عن كل هذا، ربما خسرته مثلهم.
مد أصابعه يمسح دمعاتي وأنا أحدق في الصورة
وفي الحقيقة لم يكن الليل ليمضي ولا الصباح قد أتى ونحن علي تلك الحالة.
***









لا يمكن للقلب أن يعانق القلب
الرافعي


الآن جئت
لا أعرف كيف نمت العلاقة بيننا بهذه الطريقة، ثمة مسمار مفكوك في عربته التي تعمل بالريموت، قد أصلحتها بحنكة مثل أصحاب الورش؛ فابتسم ببراءة جالسته إحدى الليالي الباردة كصديق له نفس الميول والحقوق، يملك القدرة علي الاستيعاب والملاحظة، سألني عن غيابي طيلة الأيام الفائتة، بلغته المثيرة للعناق : أنت كنت فينك؟
قبلته وقلت موجود
مكثت كثيراً، لا أجرؤ علي المشي في الشارع، ولا أستطيع فتح الباب عندما يدق الجرس، كل ما أفعله هو الاختباء في أي غرفة أو حتي في الحمام، المهم مكان مغلق من أربعة جدران، وأعود بأسف عندما تدخل .. والدته من الشقة تحمل أكياس الأطعمة والخضراوات، ربما ساعدني هذا علي الجلوس معه أكبر وقت ممكن كان قد كبر منذ أن تركته رضيعا لا يعي شيئا.
اعتاد أن يفك مسمار عربته؛ حتي أقوم بمهمتي وأصلحها له، ويدب الصراع بيني وبين نفسي لا أحب أن يكون مثلي كأي أب ولا أعرف كيف أمنعه يكون مثلي، ولا لماذا عليه أن يكون مثلي.!
أعقاب السجائر تذكرني بما مر والذي لا يمكنني نسيانه كنا نخبئ أعقاب السجائر خشية نفاذ المنفذ الوحيد في أخذ أنفاسنا داخل علبة كبيرة حدودها حائط يسند ظهورنا وثلاث بلاطات لا تقي البرد ولا تمنحك نومة كاملة أبدًا، رأيته مرة يلتقط عقب سيجارة ويحاول تقليدي في وضعها في فمه نهرته بقوة، ثم تراجعت عن فعلتي بعد بكائه الشديد خفت خسرانه ثانية من جراء تهوري وخوفي عليه من أي شيء وكل شيء، لكنني نسيت أن خوفي لا يمنعه التجربة.
كنت أكل بصمت مركزا عيني في اللقمة ملياً، لا أصدق أنني أكل شيئا مختلفًا عما كنا نأكله، وأجاهد عقلي في نسيان ما حدث، حتي في بعض الأوقات التي نكون معا كهذه اللحظة.
ورأيته يمد لي يده بلقمة صغيرة بحجم أنامله، ابتسمت وأعدتها إليه، فهو لا يعرف أن فمي أصبح لا تكفيه هذه اللقمة، لا يعرف أيضًا أنني أشبع لو رأيته يأكلها، أما هي فلم تكن تعيرني اهتماما، والحق أنها لا تقصر معي في شيء منذ مجيئي، مع أنني لم أخذ بنصيحتها في حلق ذقني المرتب الكثيف.
والذي أحزنني أنني لم أجد أي أثر لكتبي وأراقي، أوراقي التي لا تمس أحدا، ربما كانت هذه هي المعضلة، وهذا خطأي واحتضنت قلمي بعد هجران استمر عامين بيد، مرتعشة بكيت فلم أجد ما أكتبه غير كلمة واحدة "أريدك بخير "دوما" سيعرف معناها يوما ما، وهو يبتسم لي يعبث بأقلامي يرسم علي يدي ويناولني المسمار الذي انفك من العربة حتي أصلحه، فأصبح بالنسبة له بطلا لا يُضاهى.
***









لا نحتاج الفرح بقدر ما نحتاج السكينة
الشمس التبريزي


تعجل
لقد اشتدت الحرارة هذا اليوم بعد الظهيرة وصلنا أنا وصديقاتي في المصلحة حيث منزل العالم الروحاني هكذا يدعونه، كنت لا أصدق ما أرى، نظرت لزملائي، وسألتهم هل نتراجع الازدحام كبير جدا، وباب العالم الروحاني مغلق نراه من على بعد خطوات جلسنا في الساحة المجاورة للبيت عندما فرقنا رجل مهم ظننته سينهانا عن التجمع، ولكنه فرقنا وطرق الباب تحدث مع رجل وأخرج له بطاقة صغيرة، لهذا كان يجب أن يدخل أولا، شعرت أني سأتأخر علي الذهاب للبيت وزوجي لم يعلم.
حدثتني زميلتي
ربما أتى لنفس السبب الذي جئنا من أجله.
شعرت أنها محقه فقد رأينا الكثير من الرجال يجلسون في ساحة الانتظار، ظننت أن النساء وحدهن من يهتمون بمثل هذه الأشياء ولكن كيف والأمر يتعلق بالحياة؟!
هذا العالم الروحاني اشتهر بالصدق في حوادث كثيرة، يذهبون إليه من كل مكان، وقد ظهر بعد تفشي الجائحة يقال أن من يذهب إليه لا يصيبه هذا المرض اللعين يقرأ بعض الأشياء ويعطي ورقة الجو بدأ يتحسن أو أننا اعتدنا علي الحرارة، كانت هناك مظلة كبيرة ومقاعد وحصيرة مفروشة بطول الساحة، يجلس عليها الرجال إذا لم يجدوا مكانًا للجلوس، نحن ننتظر والخوف من التأخير أيضًا يقلق، بخروج الرجل يعقبه رجال يقولون أنهم قريبون له يدخلون مرة واحدة لم يخش من التجمع ؟
وأتى الكثير من النساء في هذه اللحظة، يسألن عما يحدث، وهل هذا صدق ؟ وتجيبها إحداهن: تقول بأن الكثير قد تحصن تمامًا ضد المرض وأنهم يتجوّلون دون كمامات ولا يضعون الكحول وفي صحة جيدة، أثناء الحديث علا صوت رجل عجوز
لا أدري لماذا كل هذا التصارع علي الحياة؟ أتستحق كل هذا؟
غريب جدا هذا الرجل، رغم أنه يجلس ينتظر دوره أغلب الناس كانوا عجائز أين الشباب؟!
الحر يجعلنا نتبلل ،عرقا أمسكت ورقة ممن أكتب فيها الكشف في المصلحة وقمت بالتهوية، وزميلتي وزعت علينا السندوتشات وأخرى ناولتني ماء بارد الرجال ينظرون في تعجب، ونحن نضحك ونخبئ ضحكاتنا قرأت ما كتب علي الباب الشفاء من عند الله، ولكل شيء سبب والموت حق.
قلت لنفسي : ليتني ذهبت للبيت وجاء معي زوجي وأولادي، وسألت إحداهن
هل يأخذ أموالا؟
لا أعلم، يقول الشفاء من عند الله، وردت أخرى
كل اللي ذهبوا قبلنا قالوا أنه يأخذ أموالا كثيرة.
أثناء الحديث عطس أحد الرجال؛ فتفترق الناس من حوله، وارتدى البعض الكمامة وطرق أحدهم الباب يريد أن يدخل بالقوة، والتفت إلى زميلتي التي بجواري.
ألا تعرفين من هذا العالم الروحاني؟
***









يرق لي تمردي فأشتهي تمردا حتى على تمردي
أدونيس


أريد أن أقص حكايتي
أنا لا أعرف كم بلغت من العمر، منذ فتره كبيرة لا أحسب أعوامي كل شيء ينبئ عن تقدمي في العمر، ولا بأس في هذا، الا أن الذي أحزنني بشدة هو قرار غلق المساجد، أنا الذي لم أقرب مسجدًا في حياتي حزنت.
هل غلق المساجد يثير الحزن لأنه حدث جلل أم أنني أتقدم في العمر؟ الرجل الذي كان جالسًا بجواري يهز رأسه ولم يجب، وقبضت علي يد الرجل قلت له أنا برئ يا أخي لا بد أنك تفهمني، كل ما فعلته أنني فرشت سجادتي بجوار المسجد وصليت مع الأمام، أنا لم أدخل المسجد في حياتي.
الشاويش الذي يقف متصلبا، يحدق في بحدة، قلت له
أنا لا أريد إزعاجك، الموت قريب مني، وكما تعلم أن المرض يزحف وأنا لم أدخل المسجد ولا مرة في حياتي، قلي أنت ماذا تفعل لو كنت مكاني؟
كنت أصلي في أمان الله وراء الإمام بجوار المسجد فرشت سجادتي عقمت يدي جيدا لبست الكمامة الواقية ووحدي وحدي وقفت أصلي ولا أحد يصلي في المسجد، قلت سبحان الله بالأمس كان الجميع يصلي في المسجد وأنا لم أذهب إلى المسجد ولا مرة في حياتي، والآن أنا الوحيد الذي يصلي في المسجد أقصد بجوار المسجد، هل في هذا مشكلة؟
نفذ صبر المحقق وهو يستمع إلي ويمسح وجهه بضيق وتأفف
يا رجل أنت تهدد الأمن العام.
أهدد الأمن العالم أم أهدد سلامة المواطنين
عظيم أنك تعرف أنك تهدد سلامة المواطنين؟
ربما ولكني لا أهدد الأمن العام
هذا مثل ذاك إذا أثرت تجمعات
ولكني إنسان واحد كنت وحدي تمامًا، كيف أهدد الأمن العام وسلامة المواطنين، ولم أدخل المسجد، يا حضرة الضابط أنا حزين ولم أدخل المسجد ولا مرة في حياتي
نقاشًا لا علاقة له بما نحن فيه حتي
أيها العجوز أنت تثير تحافظ على سلامتك أنت أولا
يا حضرة الضابط كنت تركتني حتي أكمل الصلاة، فأنا لم أدخل المسجد ولا مرة في حياتي.
كلمة واحدة ستلتزم باللوائح والقوانين، أم تمكث هنا حرصا علي سلامة المواطنين؟
وهل وجودي في الداخل مع ناس لا عدد لهم في السجن لا يهدد سلامة المسجونين؟
ضرب الضابط كفه أمامه على المكتب
يا سيدي أريدك أن تفهمني كل ما فعلته وحدث أنني فرشت سجادتي خلف المسجد ولا أحد غيري أردت الصلاة مره واحدة في حياتي، وكما تعلم العمر يجري ولا أحد يضمن غير أن وجودي بالخارج يهدد سلامة المواطنين ووجودي في الداخل يهدد سلامة المسجونين.
***








" في قلبي زهرة لا يمكن لأحد أن يقطفها"
فيكتور هوجو


صانع البهجة
"يلتصق أريج الزهرة باليد التي تقدمها "
قرأت هذه القصاصة بين كومة من القصاصات كان الجو رائقًا وجميلا رغم ما كنا نعانيه من جائحة المرض وحظر التجوال والتعقيم ليل نهار، قفزت من العربة التي جلبها أبي وتوجهت ناحية الحديقة، كان يجمع الأزهار
هل أشاركك جمع الأزهار ؟
كنت فرحه بهذا الكم الهائل من الأزهار الملونة، قطفت واحدة وقربتها من أنفي، فأشار إلي أبي أن أجمعها في السلال الفارغة، قفزت.
انتبهت من خيالي عندما ناداني أبي
يا زهرة
كان يسوق العربة ذات الأربع عجلات وحصان أبيض جميل جدا، كافة الورد الذي جمعناه في الصندوق الخلفي وأنا جالسة وسط الورد.
أين أنت؟ ماذا تفعلين؟
لا شيء، تذكرت أمرًا ما.
ضحك، الأطفال مثلك عندما يصمتون فانهم يدبرون لشيء مخرب
هذا خطأ، كنت أفكر.
التفكير شيء عظيم ولكن بماذا تفكر صغيرتي؟
القصاصة التي قرأتها ما معناها " يلتصق أريج الزهرة باليد التي تقدمها ؟
إنه مثل صيني..
أخذ يضحك ويضحك، كانت العربة تشبه الأحلام، الحصان الأبيض وأبي يسوق العربة مررنا كالطيف من الشوارع الفارغة لا يوجد ناس ولا محلات ولا أماكن للنزهة ولا عربات ،تمر كل شيء جميل وهادئ، أبي يقول إنه فصل الربيع ونحن في سنه ۲۰۲۰ ، ولهذا جمع الأزهار بالتأكيد في الطريق الذي لا أعرف إلى أين سنذهب أخبرني أسماء الورد وأنواعها أمسكت بالبنفسج والسوسن والنرجس وشقائق النعمان والياقوتة يوجد ورد برائحة وورد بلا رائحة يزين العربة من جميع الجهات بألوان مختلفة حمراء وصفراء وبنفسجية وأنا اجلس بينهم كأميراء وهناك الكثير من القصاصات الورقية بجانب الورد
ألم تكن هذه الأزهار أسماء للنساء؟
بالطبع فإن النساء زهرات ألا تعلمين؟
وأنا زهرة يا أبي
ضحك وضحكت ومع ضحكاته نمت لي فروع خضراء وأصبحت زهرة من الزهرات الربيعية أنمو وسط الأزهار، وحولي الكثير من الأشجار.
العيون تنظر إلي بإعجاب وهم أحدهم بقطفي ففزعت، تنفست بعمق وشعرت بالخوف فقبعت وسط الأزهار في العربة.
كان لا بد أن أجمع هذه الأزهار منذ زمن يا زهرتي
أهي لأمي ؟
طالما أحبت أمك الأزهار
وقفزت أمرح في الشارع وألقي الأزهار أرضا، أقطعها وأضع واحدة في شعري، وواحدة علي فستاني وأطيرهم في الهواء وتأتي العصافير ترقص معي وتقف علي كتفي وناداني أبي ففزعت من شرودي.
لا تلمسي حديد العربة واجلسي في مكانك..
جلست ووضعت الكحول علي يدي كان هناك الكثير من الكحول سكبت واحدة فألقيت بها بعيدا حتي لا يلحظ أبي ما فعلت
إلي أين نذهب؟
إلي حيث يتوقف الحصان عن الركض.
وسألته ما كل هذه القصاصات؟
ألا تكفين عن الأسئلة يا صغيرتي! هذه أشياء كتبتها فقد مكثت كثيرا بلا كتابة
أريد أن أكتب مثلك يا أبي
نحن نكتب كي نترك أثرًا لا لكي نصبح مثل أحد
وأجمع الأزهار مثلك
ضحك وشعرت ببهجة كبيرة جدا وأنا أمسك بالأزهار وأتفحصها توقفت العربة وسط شارع فارغ تماما من الناس شارع نظيف وعلي جانبيه البيوت والعمارات والسماء الصافية تطل علينا
انزلي وخذي سلة الورد وزعي، الأزهار اطرقي الأبواب وضعي أمامها زهرة جميلة ومع كل وردة قصاصة من هذه القصاصات.
أمسكت سلة الورد والقصاصات بفرح كبير وفعلت كل ما طلبه أبي وحرصت علي الوقت لأجل حظر التجول وضعت الوردة والقصاصة أمام الباب الأول وطرقته ثم جريت نحو الثاني وجميع الأبواب التي بجانب بعضها البعض ثم ذهبت للجانب الآخر من الطريق وأنا أجري وأمرح طرقت الأبواب، وضعت الورد والقصاصات أيضا كنت أرش الكحول علي الورق بعد المسه وبعدها ركبت العربة وانطلق أبي سريعا نظرت خلفي كانت الأبواب تفتح والناس يلتفتون.
ابتهجت واحتفظت بوردة، وقصاصة كان أبي يضحك بشدة والحصان يرقص بحوافره، سألته
لماذا يضحك؟
فسكب الزجاجات في الشارع المتبقية وسكبت أنا واحدة من قبل وسألني :
من أين أتيت بهذا الكحول؟
كنت أملأها من الحنفية عندما تفرغ
فضحك أكثر وأخذت أشم وردتي وأقرأ القصاصة كان مكتوب عليها "ادعوا لي بالشفاء"
***








وإن البوح يحيي الحب والكتمان يميته
يوسف زيدان


أتراه يحب ؟ !
ولكنه لا يهتم لشيء، أتراه يحب ؟ !
حدقت في المرأة التي نطقت هذه الكلمات بعذوبة لم أعهدها قبل، حاولت المحافظة على ثباتي قدر المستطاع كانت عيناها العسليتان تنظر لعيني مباشرة، وشفتاها حبة كرز طازجة، أشعر أنني رأيت هذا الوجه الملائكي قبل وجه مشرق نابض بالحياة وجنتيها المضيئة شيء ما يشرق من جميع الأركان، ويرتكز في الجهة التي تجلس فيها أمامي بكل هذه القوة والجمال ضيقت عيني قليلا حتي أستقبل الهالة التي تنبعث من عينيها وتملكتني رجفة وبهاء لحضورها الطاغي هيبة جعلتني أتنفس بهدوء وأستند بظهري للخلف، الجملة التي قالتها بمنتهي الرقة وثبات تتردد في أذني صوتها يعبث بمخيلتي بكل وضوح ونظرة عينيها تلك.
أعرف أن الجمال ليس كافيا، لكنها تمتلك ما يسمونه بحضور يطغي علي جميع الحواس، تصبح أسير لشيء لا تعرف ما هو، وترفض أن تتماهى فيه، وإذا بها تجذبك لمحيطها وعالمها بكل طواعية منك كان هذا الشعاع بمثابة شعاع راح يفتش في عن مخبأ، ويفتح جميع النوافذ المغلقة في الروح تنفست عميقاً، آه.
وكان عليّ أن أنسحب بناظري عن ناظريها، وأضافت
شيء فيه كان غير مستقر لم ينه جملته إلا وانصرف عني.
ودمعت عيناها ببريق هائل جعل عينيها أكثر اتساعا وجمالا، الكحلة تنتشر في جميع حدقة العين واندلعت داخلي نيران تأجج لها صدري ما كان يجب علي ترك هذه الدمعات تسقط من عينيها هكذا وتنفست مجددا.
وماذا بعد؟
الكاتب الذي على يميني يكتب كل ما يقال بدقة تشيه آلة التصوير، فهو لا يفرق بين ما يقال كل ما عليه هو أن يكتب دون أن يسمع أو يعي، تنحنحت قليلا وأشرت إليه أن يكف ثم استدرت لأكون في مواجهتها مددت يدي لأناولها منديلا، وبنفس الثبات رحت أحدق إلى عينيها من عينيها إلى شفتيها من شفتيها إلي يديها وهي تمد يديها لتناول المنديل، وددت لو أني أضم تلك اليد الناعمة إلي يدي وأقبلها أقبلها أكثر بكل ما أوتيت من شغف، أقبلها وأقبل كل إصبع علي حدي وانتقل إلي باطن يدها، ومن باطن يدها إلي ظاهر يدها، وأخذت المنديل، فتنفست آه.
المنديل الذي ضمته بين يديها ومسحت دمعتها به كاد يذوب مع دمعاتها وبكل شموخ رفعت عينيها لعيني مجددا ثوبها الأسود يبرز وجهها الملائكي وانتحبت وصلني أريج عطرها عندما عدلت من طرحتها، ووضعت طرف الطرحة علي كتفها الأيسر، أعلى قلبها الذي سمعته ينبض ويأن مع نحيبها أشرت لها برأسي أن تكمل.
أنا لم ألتق به كثيرا، حاولت إقناعه بأن الحب ليس تجربة وتمر كل شيء عالق بذهني، أنا أخشى الفراق يا سيدي.
هنا طرقت بعيني، كانت هناك نيران أخرى اشتعلت للتو في صدري، أنا لم أعهد هذا الشعور قبل امرأة لا أعرفها ولا تعرفني تؤثر في كلماتها هكذا، لقد تسلحت بالقوة طيلة حياتي، وازداد غضبي من هذا الرجل الذي لا أعرفه ولا يعرفني أخشي ما أخشاه يتحول الأمر لقضية لا أعرف نهايتها، وهي أمامي تلملم ثوبها، لم أر مثله في حياتي، أو هكذا خيل لي، والقضية لا تحتمل تلفت أعصابي بما يكفي مع كلماتها، وددت لو قبضت علي عنق هذا الرجل، ومزقته بيدي.
أمسكت بالقلم وتوجهت للكاتب كان لا بد من إنهاء التحقيق الذي لم يبدأ بعد وضعت القلم أسندت ظهري للوراء، عقدت ذراعي علي صدري، درت بالكرسي يمينا ويساراً، قمت من مكاني أتجول أمامها، جلست بالقرب منها قمت ثانية جلست خلفها وعدت لمكاني سريعا، وضعت يدي علي عيني، رأسي مشوش، طلبت قهوة بلا سكر، وطلبت لها عصير الليمون، القضية التي يجب أن نحقق فيها الآن هي وأغمضت عيني.
ما الذي يربطك بهذا الرجل بالضبط، أريد إجابة محددة ودقيقة، وأشرت برأسي في حدة، لا أعرف هل هي مصطنعة أم أنني كعهدي سابقا، أوجه الحديث ولا يهزمني شيء؟!
لمعت عينيها بشكل مغري وأكثر أثارة للنظر، وكأنها تسبح في عالم آخر.
طرقت كل الأبواب المؤدية إليه، زرعت له الياسمين في كل مكان وحدثته عن كل شيء، كان لا يجيب بقدر التكلم لا يري ولا يسمع، لا يهتم لشيء والتفتت إلي،
أتراه يحب ؟!
تقلص وجهي وشعرت أن أمعائي تستغيث أخذت رجفة من قهوتي الساخنة جدا، وحدقت بها أكثر، كادت الشرارة تطل من عيني، أمسكت يدها حتي تألمت.
ماذا فعل بك المجنون ؟
ثم أمسكت رأسي، هل ما أستمع اليه حقيقة، أم أنني أتوهم، هي لم تنطق غير كلمات مجرد كلمات من شفتيها كانت يداها ترتعشان وشفتاها تعبران عن أشياء لم تبح بها، ربما هذا ما حدث لي أيضا، الحيطان أيضا ترتجف، وثوبها، ثوبها يسقط من فوق جسدها النابض بالحياة وأسقط أنا تحت قدميها كورقة خريف يمكنها دهسها تحت قدميها بلا رحمة حدقت في عينها أكثر عدت لصوابي، لملمت نفسي التي تبعثرت حولها، وأسندت ظهري للوراء القضية التي لم تخطر علي بالي أبدا، ولم أهتم بها طيلة عمري تتجسد أمامي، بكل تفاصيلها بكل قوتها وجبروتها بكل هذا الاشتياق الجاسم فوق صدري بكل هذا الكمال علي هيئة امرأة، أكانت مجرد امرأة؟!
سأبدأ التحقيق.
أريد تفصيلا للحادث دقيق من فضلك؟
أخذت تشرب عصر الليمون، وأنا أتابع كل حركة من يدها كل رشفة من العصير كل همسة تصدر عنها، نظرت للملف أمامي
الاسم...
العمر...
متزوجة وليس لديها أولاد
محل الإقامة
ونظرت لعينيها لتبدأ، ليس من عاداتي التحقيق بكل هذا الهدوء والاتزان، أي جنون تقودني إليه، أمسكت بالقلم، لم أدخن كعادتي خفت من أثر التدخين عليها، هذا جنون جنون.
زوجي يعرفه منذ زمن عن طريق العمل، رآني بالمصادفة في مول التسوق مع زوجي ورأيته، رأيته جيدا من الداخل رأيت طفولته التي يخبئها وراء عصبيته وشجاعته.
عند هذا الحد أشعلت سيجارتي وأخري وأخري
هو غير الذين رأيتهم في حياتي.
فأطلقت زفرة، آه.
علي قدر المحبة تمنح الأشياء، أردت منحه كل شيء، لكنه لا يهتم، أتراه يحب؟!
كادت سيجارتي تحرق أصابعي اشتعلت غيرتي تتكلم بعفوية وغموض في نفس الوقت ما الذي يمكن أن يكون بينهما الي هذا الحد؟ قلت بحدة.
وماذا بعد؟ أكملي
كنت أعرف عنه كل شيء، هو لا يعرف عني الا القليل لا يسأل زوجي رآني معه كثيرا، بدأ يشك ويغار وينهار، وفي اللقاء الأخير.
فقدت أعصابي
ماذا حدث؟
اهتزت ،يدي وجسدي، ماذا حدث؟ تكلمي؟
بكت أكثر وأنا أنهرها بشدة
في اللقاء الأخير رآني معه كنت في سيارته زوجي لا يعرف طبيعة علاقتي به تعصب رفع عليه السلاح، ولكنه كان قوي وشجاع كما قلت لك يا سيدي تشاجرا وأمسك منه السلاح فكان ما كان.








الشغف هو ذلك الشغب الذي يناوش القلب ويخمش الروح بأظفار الدهشة
ياسر ثابت


أحيانا
لك أن تصغي لخرير الماء حين يسقط على بلاط الحمام، يترك أثرًا شفافا، تمعن النظر لقدم الفتاة التي خلعت ملابسها للتو وألقت بها فوق رأسي، تشتهي الماء وجسدها العاري يفوح برائحة الورد، إنها تسكب الكثير من الصابون السائل فوق اللوفة الناعمة تمررها بخفة من الذراع الأيمن إلى الذراع الأيسر وهكذا حتى جميع جسدها، وعندما تسمع صوتًا قريبًا من باب الحمام تسارع لغلق النور فتنغلق الرؤية.
أصواتا عابثة ،وضجرة صوت لرجل وصوت لامرأة، يتداخل مع خرير الماء الفتاة تلتصق بالحائط، وقد اختفت اختفت تفاصيل جسدها جميع أصبحت الحركة بطيئة والصوت خافت إنه يبتعد أكثر فتضاء النور تبدأ في الاستمتاع من جديد، لأول مرة أعرف أنني مصدر دهشة ومتعة ربما لأن والدها يغتسل على عجل ويرتدي ملابسه دون مبالاة والسيدة والدتها تستحم بخجل لا أعرف مصدره، تكاد لا تخلع ملابسها لولا أن الملابس ستبتل أظنها أنها ستستحم بملابسها، تترك شعرها مبلل وتضع فوقه فوطة، لم أر مثل هذه الفتاة التي تطلق شعرها يقطر ماء ويستقر على كتفيها وعنقها العريض، وأحيانا تغلق عينيها وهي الماء وتتركه ينحدر من أعلى لأسفل بانسيابية رائعة.
الليل سر من الأسرار الخفية، هو أحد أسرار الوجود، في هذا المنزل كل شيء دقيق ومحكم بالوقت فلا أحد يستخدم الحمام في الاستحمام غير الصباح بقية اليوم في العمل، وحدها الفتاة اليانعة تعيد لي الحياة في هذا السكون بخار الماء يضفي ضبابا يعيق الرؤية، غير ان هذا التشويش يجعلها مثيرة أكثر، هكذا كلما انكشفت الأشياء بانت سوءتها، وكلما ابتعدت الرؤية كانت أجمل تستدير بظهرها فتصدم بي، تقترب أكثر، تستند للوراء تمس رأسي فأنفجر بشلال مياه دافئ الماء يسيل منها أيضا، إنه سر الحياة سعادتي لا توصف تضع يدها على مقبضي تحركه يمينا ويسارا ما كل هذه الغبطة المفاجأة تسرع وتنتشي وتعلو وتهبط باللوفة التي تعرف طريقها جيدا، وعندما تهدأ أعرف أنها قد انتهت.
ترتدي ملابسها أمام المراءة تفاصيلها الناعمة، تتجسد في قميصها الشفاف، الغريب أنها نسيت جريان الماء ينساب على أرض الحمام تقلص شعرها للوراء، وكأنها تعيد ترتيب الأشياء لما كانت عليه رائحة طيبة تنبعث من جسدها أسكر ، أنتظر قدوم الليل بفارغ الصبر، وبكل رقة ضغطت على رأسي فانحصر بداخلي الماء.
***









شيء ما نفقده دون أن ندري في لحظات الانتظار
محمد صادق


الغائب
وكما تعرف وأعرف جيدا أنك تقدس الصمت وتعشق الظلام تدير ظهرك بعد كل لقاء بيننا، لا تكلف نفسك جهد إعادة إنارة المصابيح تغرق في ثبات عميق، وتبدأ رحلتي في السهر.
لا أعرف أين يكمن الخواء؟ أتسلل من جانب زوجي "عمر" أبحث عن هاتفي في الظلام، أجد عدة رسائل من زميلي "فريد" في العمل.
سأنتظرك دوما
دمعت عيني، كل شيء أصبح باهتا في عيني
عمر يرتب البيت أحيانا يحمل أطباق الطعام إلي المطبخ، يرتب ملابسه في الدولاب أمنعه وأمسك بذراعيه
كفي، سأقوم بكل هذا، أريد أن نتحدث قليلا
هل ينقصك شيء؟
لا شيء
أهز رأسي وانطق كلمتي هذه، كنت لا أعرف إذا كان ينقصني شيء أم لا، فهو مثالي جدًا، حتي مواعيد نومه واستيقاظه لم يقصر معي حيرة تأخذني إلي الصمت والبكاء، وأتماهى مع الظلام الذي يحبه كلما التقينا غصة تقف في حلقى ولا أستطيع التنفس.
بعد الوقت كنت ألجأ للحبوب المنومة لا تمكن من النوم بشكل جيد، أمرر ناظري بين ملابسي الكاشفة للجسد، لم أرتديها منذ زواجنا، فهو لا يحبها، عندما أرتديت قميص أبيض شفاف في عيد زواجنا أعرض عني وتعلل بالنعاس أمضيت ليلتي هذه أرمم جرح القميص قدر استطاعتي خبأته في آخر دلفه للدولاب وأغلقته جيدا.
فريد يحب العطور الهادئة والملابس الراقية يقول أن الأنثى "إحساس" ابتسم ،بصمت صمت يقتل جميع الأحاسيس، أنزوي بعيدًا، لطالما تجنبته لا يتركني يلاحقني بعينيه ،ورسائله رفضت المضي نحو البيت هذا اليوم اتصلت بعمر فلم يجب عرفت أنه مشغول كعادته خلعت حذائي ومشيت وددت لو خلعت جميع ملابسي لو أمكن، لكننا مقيدون دائما بنظرة الناس الينا تبا للناس وللمجتمع، عندما عدت للبيت كان عمر نائما.
مسحت دموعي أحدق في شاشة الهاتف، أعيد قراءة رسائل فريد كثيراء أحب رسائله الناعمة أفكر كثيرًا في ،عمر أنا لم أؤذه على كل حال وضعت الهاتف، أمسكت به أغلقته تماما، ثم أعدت تشغيله، أريد الرد على الرسائل برسائل ،مشابهه، أو أكثر حميميه كان الوقت متأخرًا ككل شيء يأتي في غير موعده، وأرسلت إليه...
***








حريتي أن أكون كما لا يردون لي أن أكون
محمود درويش






النافذة
(1)
هذا العالم يبدو لي صغيرًا جدًا، حدوده نافذتي، مداه عم ربیع صاحب البقالة خطوات قليلة بين النافذة وناصية الشارع الضيق، أتمنى رؤية السماء، لكني في الطابق الأرضي ولا يمكنني الصعود ولا السطوح إلا بإذن من صاحبة البيت.
***






(2)
أراقب الزبائن الذين يأتون لشراء مستلزماتهم، عم ربيع رجل مسن ونشيط يستيقظ مبكرًا وعند المساء يأتي ابنه "مازن" شاب متوسط الطول، لا أراه وسيمًا على كل حال هو رجل طيب، غير أنه عابث دائما لا أعرف لهذا سبب أتطلع للأطفال يشترون الحلوى، ليتني أعود لأشتري الحلوى وأخرج للعب في الشارع، ففي قريتنا عادات معقدة وغريبة الفتاة لا تخرج بعد سن العاشرة ولا تكمل تعليمها، أبي يتمسك بالعادات جدا، صديقاتي منهن من أكملت تعليمهن أتوق لرؤيتهم من وقت لآخر، أراهم مصادفة عندما يمرون للخروج بره القرية عبر هذه النافذة.
***






(3)
لا أحد يعبأ بعزلة الآخرين ومحنتهم أبي يقضي معظم وقته في زراعة الأرض، وعندما يأتي أكون قد أنهيت أعمال البيت زوجة أبي في الطابق العلوي، لماذا يحرمون الفتيات من التعليم أخوات الذكور بالتأكيد سيكملون، تعليمهم يرددون دائما الفتيات مكانهن البيت من عرضة للمعاكسات والمضايقات الغير لائقة، ضحكت بصمت خبأت فمي تذكرت ابن العم ربيع شخص غريب كغرابة المكان والزمان يظن جميع الفتيات يحبونه كما حكت لي صديقاتي يتوارى منهن عندما يناولهن سلعة، يشفقن عليه، أضحك بشدة وتدمع عيني
***







(4)
بخجل كنت أطلب من صديقاتي القدامى أن يمدوني بكتب السنوات الدراسية كي ،أقرأها لا أكذب بعض الكتب أفهمها والبعض لا يمكنني حتي قرأتها أخبئها تحت السرير الصغير الذي أنام عليه في غرفتي، أقرأها في الظلام على ضوء الإنارات التي في الشارع، تدخل من النافذة لو رآني أبي أو زوجته لا أعرف ماذا سيحدث لا أعرف ما هو الشيء الذي سأحرم منه هذه المرة أغار من إخواتي وأتعجب لعدم رغبتهم في الدراسة، يمضون الوقت في اللعب أمام البيت أو وراء الفرن المجاورة ، أبكي بصمت.










(5)
عندما يرحل ضوء النهار أقبع أمام النافذة، دون أن يلاحظني أحد، أحيانا تضيق هذه النافذة حتي تصبح ثقباً لا يمكن لأي شيء أن يمر من خلاله حتي الهواء تعلمت أشياء كثيرة من الكتب المدرسية ينقصني الشعور بأني متعلمه لا أعرف مصيري كل ما أملكه هو ماض كنت أحلم فيه بأشياء مع مرور الوقت تلاشى الحلم، وتلاشت الذاكرة وتلاشى الضوء.
***







(6)
رأسي ثقيل من الحكايات التي أسمعها من الفتيات عن الحب والزواج والرسائل الالكترونية التي يحدثني عنها صديقاتي عبر هذه النافذة فلا أستطع استقبالهن في البيت زوجة أبي ترفض حكت لي صديقة عن حبيب يسكن في الشارع المقابل لهن من كثرة حكايتها عنه شعرت أنني أعرفه وأراه، وأغار عليه عندما تحكي عنه أبكي بصمت أيضا، لم أعد أرى صديقاتي منذ وقت بعيد أفكر في هذا الحبيب وأتخيل أنه يتحدث معي، وأراه في أحلامي.
***






(7)
شعرت أن روحي خفيفة وأنه يمكنني الخروج عبر هذه النافذة، النافذة محاطة بسياخ من حديد، وأنني أصغر وأصغر حتي يمكنني الخروج بأمان، دون أن يراني أحد أتجول بين الناس أصغي لضحكات الفتيات وهن يكلمن مازن وهو يعرض عنهن، أمر بجوار السيارات على الطريق المؤدي للمحافظة التابعة لها قريتنا أقفز وأمرح أكل من عربات الفاكهة المجاورة، أجلس تحت الطاولات في القهوة، وأشاهد الماتشات أشرب من كؤوس الزبائن ذات مرة غلبني النعاس واستيقظت لم أجد أحدًا بالقهوة أسرعت حتى أعود فإذا جاء الصياح سأعود لحالتي ويراني الجميع، قفزت داخل النافذة وعدت لما كنت عليه.
***







(8)
أثناء تحولي لحجم صغير جدًا، صادقت الكثير من الأشياء الممتعة نملة تسمي "نيمو" تمشي معي تحت الحائط مباشرة تريني الطريق، كانت تعطيني من طعامها المدخر من فصل الصيف، سألتها لماذا خرجت في البرد؟ فأجابت بعد ضحكة قالت لا بد أن نتحمل حتي نبقى ضحكت وابتهجت أثناء مسيري بجوارها، تجذبني من ذراعي كلما مر أحد البشر خشية ان يدهسني بقدمه الكبيرة، شكرتها وذهبت كانت لي أيضا صديقة جميلة جدا، فراشة لونها أخضر، تشعرني بالنشاط والبهجة تجري فأجري وراءها، تستقر على الحائط فأقف وكنا نتسابق وترفرف فوق رأسي، قبلتها وتركتها تطير حيث تشاء.
***








(9)
الصديق الأكثر دهشة عنكبوت له ثماني، أرجل، ودود جدا، نتشابك الأذرع والأيدي وأحدثه ويحدثني أخيرا وجدت من يتحدث معي دون أن يمل مني، تمنّى لو يصبح العالم كله ليلا دائما، فأكون معهم ولا أعود للنهار أبدًا الذي يجعلني بين بشر لا أحبهم ولا يحبونني.
***








(10)
مشيت في ظل النملة في أمان، هدوء لم أعهده قبل دخلت معها داخل بيتها الذي تحفره من الرمال في شق الحائط تحت النافذة حشد كبير من النمل يتبادلون الحديث والأعمال النظام قانون لا يكسر الطعام والشراب يوزع ،بحكمه قوة وصلابة، سقطت دمعة من عيني فاهتزت الرمال من ثقل الدمعة التي تشبه البلور، ماذا لو بقيت معهم طيلة حياتي، صديقتي النملة أحضرت لي طعام كان فتات خبز من بقايا خبزنا في البيت ،مقرمش، أحببت هذه الحياة.
***








(11)
منذ هذا الحدث وأنا أحرص على بقاء النمل، لا أقتله كما يريد أبي وزوجته أحميه حتي يستطيع البقاء، كل شيء حي يريد الحماية والأمان حتي يستطيع العيش فتحت عيني وجدت الصباح أتى.


الكاتب في سطور
الاسم: فاطمة محمد أحمد محمد الشريف
مواليد نوفمبر ۱۹۸۸
العنوان: دولة مصر / محافظة أسيوط
المؤهل الدراسي: ليسانس الشريعة الإسلامية (دراسات عليا كلية الشريعة والقانون بجامعة الازهر (القاهرة)
دراسة خاصة ماجستير ودكتوراه بمجال الصحة النفسية والإرشاد الأسري والتربوي الاكاديمية البريطانية العربية بالإسكندرية
عملت بمجال الصحافة والإعلان سابقا ونشرت عدة قصص قصيرة بمجلات الإقليم والمجلات الإلكترونية
عضو نادي القصة بأسيوط وعضو مجلس إدارة بنادي القصة الدورة السابقة
عضو مجلس إدارة نادي أدب أسيوط حاليا
عضو نادي الكتاب أسيوط
الكتب المطبوعة :
مجموعة قصصية بعنوان ذكرى لا تموت
مجموعة قصصية نشرت بالهيئة العامة بقصور الثقافة (ساعة الحظ) ۲۰۱۹
کتاب نصوص بعوان أحتاج" ذراعيك لأغفو قليلا" نثر ۲۰۱۹
فائزة بالمركز الثالث مسابقة نادي القصة بأسيوط عن قصة "موسم البرتقال" العام الماضي
المشاركات الثقافية
شاركت في العديد من المؤتمرات الثقافية العامة والخاصة داخل جمهورية مصر العربية مثل:
المؤتمر الأول لنادي القصة بأسيوط ۲۰۱۲
المؤتمر الثاني لنادي القصة بأسيوط (خصوصية السرد لدي كتاب القصة بصعيد مصر) ۲۰۱۳
والمؤتمر الثالث والرابع والخامس ٢٠١٤ وحتي المؤتمر الثامن ۲۰۱۹
مؤتمر اقليم وسط الصعيد الثقافي بأسيوط عام ٢٠١٤
مؤتمر الهيئة العامة لقصور الثقافة " المرأة الصعيدية آليات ورؤى وطموحات والذي أقيم بأسيوط عام ٢٠١٤
المؤتمر العام لأدباء مصر الذي أقيم بأسيوط عام ٢٠١٤
عضو مؤتمر إقليم وسط الصعيد الثقافي عام ۲۰۱۷ عن محافظة أسيوط


سيجويريا
في الهواء
أعرف أن الجمال ليس كافياً، لكنها تمتلك ما يسمونه بحضور يطغي على جميع الحواس، تصبح أسيرا لشيء لا تعرف ما هو، وترفض أن تتماهى فيه، وإذا بها تجذبك لمحيطها وعالمها بكل طواعية منك، كان هذا بمثابة شعاع راح يفتش عن مخبأ، ويفتح جميع النوافذ المغلقة في الروح.
تنفست عميقا، آه.
فاطمة الشريف..
استشاري الصحة النفسية والإرشاد الأسري والتربوي..
عضو مجلس إدارة بنادي أدب أسيوط.
عضو مجلس إدارة بنادي القصة بأسيوط..
صدر لها مجموعة قصصية بعنوان "ذكري لا تموت"
ومجموعة قصصية بعنوان "ساعة الحظ"
وكتاب نثر بعنوان " أحتاج ذراعيك لأغفو قليلا"
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.