أصبح البشر يفكرون في حياة أبدية, لا معنى للموت فيها, كان البشر المتجرد من الفكر القديم الطموح في مستقبله الواثق في ذاته يعمل بطريقة مختلفة عما مضى, إنسان بلا حدود هذا هو الطريق, كان هذا الإنسان يعرف جيدا انه يستطيع أن يفعل كل شيء حتى أنه يستطيع أن يتعدى خياله لأول مرة, لا شيء يوقفه أو يُكبله, فعقله مفتوح وجسده قوي وخياله خضب, لقد أصبح لحياة الناس معنى سامي وحقيقي لم يعد البشر يفكرون في التخلص من الحياة كما كان سابقا بل على العكس تماما, أصبح يفكر في كيف يعيش حياته بشكل أفضل, أصبح يؤمن أن حياته لن تكون سعيدة وجيدة وصحية دون أن تكون كذلك حياة كل من حوله, أصبح يعلم الحقيقة حقيقة أن حياته التي يحبها مرتبطة ارتباط وثيق بحياة البشر الآخرين وحياة كل الموجودات الأخرى على الأرض بل بحياة الطبيعة والأرض ذاتها, أصبح على استعداد أن يعيش الحياة بكل ما فيها من صعوبات دون أن يفكر أن يهرب منها أو ينتحر بل بالعكس كان يواجهها بكل شجاعة لأنه ليس بمفرده فكل البشر معه ومن وراءهم جند أكثر من أن يحصوا.
كانت فكرة الخلود ليست جديدة ولكن تنفيذها هو ما كان جديدا. فالتاريخ دائما يتحدث عن حجر إكسير الحياة وان أُختلف في فهم ما هو أكسير الحياة إلا أنه رغم عدم وصلنا له أبدا فأن البشر يؤمنون بوجوده أو بالأحرى يُريدون الإيمان بوجوده. كان الخيميائيون القدماء دائما ما يتحدثون عنه وعن حقيقة أنه موجود. كانت البداية عند الفراعنة من تحوت رب الحكمة لدي المصريين القدماء. وعند اليونان من هيرمس الهرامسة. كان الصين أيضا نفس الفكرة بضرورة وجود ذلك الإكسير. تشين إمبراطور الصين أرسل عددا من أعوانه للبحث عنه لكن أحدا منهم لم يعد. فهل لو وصل أحدا لإكسير الحياة فماذا ينتظر أن يمنحه لغيره بالطبع لا سيمنحه لنفسه ولا يخبر به أحدا. في الموروث المصري القديم أن عدد من السحرة القدامى والكهنة كان لديهم سر هذا الإكسير وأنهم هربوا من مصر بعدما دخلها الإغريق لأنهم خافوا على علومهم الخاصة التي كانت لديهم ومن بين ذلك أكسير الحياة. لذلك فقد هربوا خارج مصر لأرض فلسطين ولأماكن أخرى وكانوا يعيشون بين الناس لفترات طويلة ثم يرحلون خوفا من أن تنكشف حقيقتهم حيث كانوا لا تطهر عليهم أي علامات لتغير أشكالهم مع تقدم الزمن عليهم. فلا أمراض أو شيخوخة تظهر عليهم. لذلك كانوا يرحلون لبلدان أخرى يقيمون فيها بعض الوقت ثم يتركوها ليتنقلوا لأماكن أخرى. البعض يقول أنهم مازالوا أحياءا حتى الآن ولكنهم يتخفون ويتنقلون من مكان لأخر حتى لا يصل لحقيقتهم أحد, يحملون معهم أكسير الحياة الذي يمنحهم الخلود وحجر الفلاسفة والذي به يحولون أي عنصر رديء لذهب, لذلك فهم دائما أغنياء وأقوياء وأصحاء. البعض يقول أنهم في الحقيقة من يحكمون العالم من وراء ستار فلديهم علوم ومعارف تجعلهم دائما أكثر تقدما من الآخرين بلا منازع. حين يحلون بأي أرض يكون من السهل عليهم التحكم في هذه الأرض التي يدخلونها فيتحكمون في ملوكها بالذهب والعلوم التي لديهم ويوهمونهم بأنهم سيمنحونهم الخلود مثلهم ويصفون لهم وصفات غير حقيقة وبعضها يكون ساما حين يريدون التخلص من هذا الملك أو أي مسئول غيره. ولكن لا أحد يعرف حقيقة ذلك. هنالك العشرات من الملوك في الصين وغيرها قد ماتوا من وصفات حضرها لهم أطباءهم من مواد سامة مثل الزئبق والزرنيخ, تلك الوصفات أرادوا منها الخلود فحولتهم لجثث هامدة. هنالك عشرات بل ومئات الكتب تحدثت عن أكسير الحياة وحجر الفلاسفة ولكن لم يصل أحد لهذا الإكسير ولا لحجر الفلاسفة. فمن يملك كلاهما فلماذا سيصرح لأحد به. أنه لديه الخلود والصحة والشباب الدائم ويمكنه تحويل التراث لذهب فماذا يريد أكثر من ذلك. بالطبع كان الملوك والأثرياء هم الأكثر رغبة في الحصول على كلاهما. جنكيز خان كان يسأل دائما عن سر الخلود دله البعض على راهب يعيش منعزلا عن العالم. ذهب له جنكيز خان ينتظر منه إجابة تشفي صدره وتعطيه ما يريد. لكن الراهب المسكين قال له كلمه تسبب في قتله.
قال الراهب المسكين:
- إن سر الخلود في ترك الشهوات.
كان جنكيز خان مُسرف في الشهوات, فقد كان يأكل وينكح أكثر مما يستطيع. لذلك فتلك الكلمة قد أغضبته لذلك فقد قتل هذا الراهب. ولكنه لم يعش طويلا حتى أنه مات على حصانه من كثرة إسرافه في شهواته.
كان فهم الإنسان المعاصر للخلود ليس كمن سبقه. أصبح الإنسان يريد الخلود ليتمكن من فهم نفسه وفهم العالم من حوله بشكل أفضل. ليعيش حياة أفضل له ولمن حوله.
لم يعد يرى الإنسان أنه لابد أن يموت بل أصبح يؤمن أنه يجب أن يكون خالدا, لأول مرة لم يعد الإنسان يخاف من خيانة قريب أو هجوم عدو, لم يعد يخاف الطبيعة وبراكينها ولا زلزالها و لا عواصفها ولا أعاصيرها ولا حتى فيضاناتها, أصبح يعرف كيف يتعامل معها, لذا لم يعد يتمنى الموت كالعادة من شدة خوفه من كل شيء حوله, لذلك أصبح يخطط ويفكر في الخلود. لا ينتظر جنة بعد الموت بل يصنعها حقا ها هنا, كل وصف في الكتب القديمة للجنة أستطاع الإنسان أن يعيش فيما هو أجمل وأعظم منه في هذه الحياة, لم يعد يسميها الحياة الدنيا بل حياة الخلود. لذلك كانت أبحاثه كثيرة في طريق وصوله للخلود. كان لابد أن يتخلص من المرض وقد فعل ونجح بشكل كبير وكان لابد أن يتخلص من الخوف وقد فعل وكان لابد أن يتصالح مع الطبيعة ويعرف كيف يصادقها ويكبلها لو لزم الأمر. كان هنالك يقين أنه لو تخلص الإنسان من أسباب الموت فسوف يتخلص من الموت. كانت أبحاث كثيرة عن ذلك, كان التدخين والسرطان وأمراض القلب والسكري والصدر على رأس الأسباب الأولي للموت. وبذلك يكون الموت قد اختفى من الأساس لسبب بسيط لاختفاء الأسباب وراء ذلك وعلى رأسها التوتر والقلق والخوف وفقدان الأمل والطموح وضياع الحلم واندثار الأصدقاء والأحباب, أصبح في معصم كل إنسان جهاز للتنبؤ لأي سبب للمرض بل ويتعامل معه مباشرة أو عن طريق طقم طبي, لمدة ثلاثون عاما كاملا لم تسجل حالة وفاة واحدة. كانت الأبحاث مستمرة والنتائج مبشرة. ليس هنالك سبب لإنسان أن يتعرض لجلطة لأنه لا سبب لذلك فليس هنالك ما يسبب ارتفاع ضغط الدم لأنه يأكل أكلا صحيا ممتازا دون أن يسبب مرضا له, غير مسموح لأي إنسان أن يأكل طعاما مُضر له. بل حتى انه غير موجود على الإطلاق. البشر جميعا يعرف جيدا ما ينفعه وما يضره حتى لو كان طفلا صغيرا. ليس هنالك مطاعم تقدم طعاما غير صحي في جميع الأرض. لا أحد يتعرض للغضب الذي يسبب جلطة ولا أحد يخاف حتى الموت, كل ذلك قد ذهب بلا رجعة.
كانت التخلص من الفكر القديم هو أساس التقدم المنشود, كان لابد من التخلص من الفكر القديم حول الشيخوخة والسرطان.
كان السرطان يحظى باهتمام خاص في ذلك الوقت, النظرة القديمة للمرض على أنه عدو لإنسان وأنه مرض مميت مخيف لابد أن تتغير فكان الطريق الجديد هو النظر باحترام وإعجاب والتقدير بتلك الخلية التي تحمل معنى الخلود, ليس للإنسان طريقا يمكن أن يصل به للخلود غير هذا الطريق, تلك الخلية التي تحمل معنى الخلود, خلية لا تموت ولا تشيخ خالدة وتنقسم باستمرار, لكنها ليست خلية يمكن أن تقوم بوظيفة مفيدة لإنسان ولكنها بالطبع مفيدة لذاتها. يمكن أن يسيطر السرطان على كل الإنسان ولا يبقي منه شيء, يصبح الإنسان كله عبارة عن كائن جديد سرطاني. هل يمكن لإنسان أن يسيطر وعيه على هذا الكائن الجديد فيصبح بذلك خالدا كخلود السرطان؟
كانت خطة جريئة طموحه ومجنونة, لم تكن المحاولة سهلة فالتحكم في الخلايا السرطانية وتطويعها ليس أمرا يسير, فلابد أن تتحول تلك الخلايا إلى خلايا مختلفة عن ذاتها, خلايا تتكاثر بشكل أبطأ ويمكن أن تؤدي وظائف مفيدة للبشر,عليها أن تحافظ على خلودها وعدم تعرضها لمرض ولا لغزو فيروسي أو بكتيري. ظلت المحاولات لسنوات طويلة ولكنها كانت ممتعة رغم التعب والجهل المبذول. أصبح الخلود والصحة والشباب يمكن انجازهم في وقت واحد حين ينظر لهذا المرض نظرة جيدة وصحيحة. لم يكن التخلص من المرض فحسب هو ما سيؤدي إليه البحث الجاد بل سيؤدي أيضا إلى التخلص من الموت وفي آن واحد التخلص من الشيخوخة.
رئس الفريق البحثي بروفيسور مايكل عدنان وهو صاحب الرؤية الجديدة وكان من أكثر المتحمسين لهذا الاكتشاف الغريب فقد كان يجلس بالساعات أمام أي خلايا سرطانية مستأصلة منذ كان طالب في الجامعة, لقد سرق عينة من خلايا سرطانية من المعمل باتفاق مع أحد زملائه سمير حسنين, لم يكن رغبة سمير مثل رغبة مايكل فقد كان رغبة سمير فقط هو المغامرة, أما مايكل فكان رغبته هو تأمل تلك الخلايا العجيبة, عندما علم أستاذهم بروفيسور بيتر بما فعلا نظر إليهما متعجبا وقال:
- لماذا فعلتما ذلك؟
ظل سمير صامتا أما مايكل فقال باستحياء:
- لأتأملها.
تعجب البروفيسور وقال لهما:
- تتأملها؟ لو قلت لأفحصها لكنت أكثر واقعية.
قال مايكل:
- لكنني فعلا أحب تأملها, أنها خلايا خالدة لا تشيخ.
نظر إليه أستاذه في تعجب واندهاش, وقال:
- لقد أزالت خلايا سرطانية لا تحصى في عدد من العمليات لا أتذكر كم هي ولكنني لم يشغلني أبدا إلا شيئا واحدا هو التخلص منها خوفا من موت الجسد المصاب به أما أن تنظر بهذه الطريقة لمرض خبيث فهذا أمر غريب.
قال مايكل:
- ماذا لو لم يكن خبيثا؟.
قال البروفيسور وهو يبتسم:
- ماذا لو لم يكن خبيثا؟, إن دورك ببساطة هو التخلص من تلك الخلايا بشكل كامل وأن تعمل عن طريق العلاج الكيماوي أو الإشعاعي أو أي طريق أخر على ألا يعود هذا المرض للمريض أبدا, أنني لن أعاقبكما على ما فعلتما ما دام هدفكما العلم وان كنت أشك بان هذا هو هدف سمير, لا تسرق خلايا مرة أخرى يمكنني أن أعطيك أي كمية من الخلايا تريدها ولكن كن حذرا في التعامل معها فلا أحد يعرف حقيقة هذا المرض.
أخذ مايكل تلك العينة وأخذ ينظر إليها, لم يكن يريد تشريحها ولا فحصها بل تأملها, كانت نظرته لها غريبة كان يظن أن خلايا السرطان يمكن أن تتحدث إليه, أن تبوح له بأسرارها أو بعض منها, لذا كان يتحدث إليها بكل ما فيه, بعينه بعقله بقلبه بروحه وبوعيه أيضا, بكل طريق يمكن التواصل معها, لم يكن ييأس أبدا وكان على يقين أنها ستتحدث إليه في لحظة ما, ربما تمنى لو كان أصيب بهذا المرض لعله يفهمه, لكن السرطان كان ومازال لا يريد أن يتعرف عليه ولا أن يكلمه.
تخصص مايكل في الأرام وكان شاغله الشاغل هو الورم الحميد, كان يظن أنه لو استطاع تفهم الورم الحميد فانه ببساطة سيقدر على تفهم المرض الأخر, لم يكن هنالك فرق كبير بين نوعي المرض ولكن الحميد منه كان لا ينتشر مثل الأخر وكان لا يدمر العضو الذي يوجد فيه بل يكون مجرد نُتوء داخل العضو أو حوله ولا ينتشر بشراهة مثل الورم الأخر. كان يتأملها طويلا في داخل كل جسم, وينتظر منه ردا أو حديثا ولو قصير, كان شخصا حالما, كل أصدقائه كانوا ينظرون إليه نظرة استخفاف, لم يستطيع إقناع أحد برؤيته حتى المرضى, فقد كان المرض ينتشر بسرعة كوباء حول العالم ولابد من التخلص منه, كان يقول لهم يمكن ببساطة التعامل مع المرض كأنه صديق أو نوع من البكتريا والتي يمكن أن تكون نافعة أو ضارة, لو تم التعامل معها بطريقة عنيفة فانه سيرد بعنف أما لو تم التعامل معه بطريقة مختلفة فانه سيرد حسن المعاملة بحسن معاملة مماثلة, فبكتريا الجهاز الهضمي مفيدة للغاية للإنسان وتتعايش معه في وحدة واحدة متكاملة, ولكن في لحظة نتيجة لخطأ يقوم به الإنسان مثل أنواع المضادات الحيوية الكثيرة أو بعض التغير في سلوك الإنسان تنقلب تلك الخلايا المفيدة لخلايا قاتلة, يجب أن يتم مصادقة المرض, لكن أحدا لم يكن ليتقبل ذلك, حتى حدث ما كان ينتظره مايكل.
أصيب مايكل بنوع نادر من السرطان في الرئة وكان انتشاره سريعا لحد كبير وكان مايكل سعيدا وحزينا في نفس الوقت. كان سعيدا لأنه يمكنه التواصل لأول مرة مع سرطان في داخله, لكنه كان حزينا لأنه في الواقع لم يكن قادر على ذلك, كان يحاول بكل الطرق, رفض أن يتلقى العلاج وسافر إلى منتجع نائي في صحراء المغرب, عاش في خيمة صغيرة مع بعض البدو هنالك, مارس بعض أنواع الرياضيات المختلفة, كانت خلاصة ما وصل إليه تقول:
- كيف تفهم الأخر دون أن تفهم نفسك؟.
كان يعلم أن الطريق طويل للغاية وأنه قد ينتهي بموته دون أن يصل لشيء وكان يتمنى لو جلس مع نفسه من قبل ليعرفها ولكنه كان كسائر البشر مهتمون بالمادة لا بأنفسهم, قرأ الكثير عن تجارب البشر لمعرفة أنفسهم, ولكنه لم يجد ما يريد, كانت في النهاية محاولات ذاتية لفهم الإنسان لنفسه لا للبشر, كان لابد أن يجد هو نفسه ويفهما بنفسه, لذلك سافر للصين وفي معبد نأي في جبال هملايا جلس في هدوء تام ليتأمل نفسه أولا. كان يتحدث لنفسه طوال الوقت, لا يفكر في أي شيء غير أن يتحدث لنفسه, تحدث لنفسه بكل شيء وعن كل شيء عن أحلامه, طموحاته, أفكاره, ما يعجبه في الحياة, وما لا يعجبه وما يعجبه في البشر وما لا يعجبه, ما يعجبه في ذاته وما لا يعجبه, كانت إجابته من نقط أعمق في ذاته كل مرة. لقد علم أن لديه عشرات وعشرات من أنواع الوعي المختلفة بل عشرات وعشرات من أنواع أخرى من ألاوعي. عرف كيف يتحكم في نفسه وفي وعيه بل وفي ألاوعي, أصبح يتحكم في مستوى ضغط الدم وسكر الدم وضربات القلب. أصبح يعرف كيف يخفف من نوبات الألم الناتجة عن السرطان. كانت تلك هي البداية, التحكم في كل شيء في ذاته بكل بساطة, نتج عن هذا أن الآلام السرطان انحسرت وأكثر من ذلك بدأ يتحكم في خلايا جسده, أصبحت الخلايا المحيطة بالخلايا السرطانية أكثر قوة من ذي قبل وتماسكا ووحدة. أصبحت ترفض أن ينتقل إليها المرض بكل صرامة, لأول مرة تجد خلايا السرطان ندا لها, لم تعد الخلايا السليمة المحيطة بالخلايا السرطانية تسمح بمرور الدم من خلالها إليها وبدأت خلايا السرطان تفقد تغذيتها هوينا هوينا, لم تعد تستطيع الصمود, بدأت تلتهم نفسها بدلا من التهام الخلايا السليمة ذات التحصينات الشديدة حيث أحاطت الخلايا السليمة الخلايا السرطانية بجدار سميك من الخلايا الشديدة الترابط أصبحت كجدار عازل بين الطرفين, تحوصلت الخلايا السرطانية في ذلك الغلاف, لا غذاء يصل للخلايا السرطانية إلا بقدر قليل ولا عوادم تخرج للخلايا السليمة وفقدت خلايا السرطان قدرتها على النمو المتسارع بشكل كبير. بدأ بروفيسور عدنان يشعر بتغير كبير في داخله. لم يكن حتى تلك اللحظة يفهم جيدا حقيقة ما يحدث في داخله لكنه كان على يقين أنه على باب معرفة حقيقة ستغيره وتغير العالم كله معه.
ثم بدأ التواصل مع هذا المرض, بعد وقت طويل من التأمل تحدث لأول مرة مع خلايا السرطان بعدما تعرف أولا على حقيقة نفسه, حقيقة أنه ليس مجرد إنسان جاء ليتنفس ليأكل ويشرب ويتزوج وينجب ويموت فلو كان هذا هو الهدف فلكان لابد أن يحدث ذلك لكل البشر ولكن هنالك بشر لا يتزوجون ولا ينجبون ولا حتى يشربون شربة من الماء ولا حتى نفس هواء فهناك من يولد ميتا أو يموت في بطن أمه بعد تكونه مباشرة, هنالك من يموت بعد مولده بقليل وهنالك من يعيش قليلا ثم يموت وغير ذلك الكثير. لكن لابد من سبب أخر لوجود البشر في هذه الحياة, لابد أن يكون أيضا للإنسان حياة أكبر بكثير من مجرد تلك الحياة الصغيرة, إن الإنسان في الحقيقة جوهر راقي دوار في كون فسيح مترامي الأرجاء, وما فترة وجوده في الأرض إلا كذرة صغيرة في كون فسيح تسير فيه لتكشف حقيقتها وحقيقة كل شيء في هذا الكون ربما اليوم أو أمس أو غدا سيعلم الحقيقة فلا معنى للزمان داخل الذرة كما في جوهر الإنسان إنما هو فقط في وهم الإنسان فحسب.
أما عن تلك الخلايا, فقد كان يمكنه التواصل معها لأول مرة, تعجب لأنه أكتشف أنها كانت تتحدث دائما ولكنه لم يكن يسمعها لأنه لم يكن قد تعلم أن يسمع نفسه ويفهمها كما أن الخلايا القوية الخبيثة المتحكمة تحجم من ذلك التواصل, كانت الخلايا تستغيث به من شر نفسها كما يستغيث البشر من شر أنفسهم, في اللحظة التي تنتشر فيها خلايا السرطان بشكل خبيث في أي جسد يكون في الواقع قد فقد السيطرة على ذاته وتغلب جزءه الشرير على الصالح وكلما تقاتل الإنسان والسرطان معا كان ذلك ذريعة لجزأه الخبيث ليستمر في الحرب وليزداد رغبة وقوة في قتال الإنسان, للأسف تماما كما يحدث في حرب البشر. كل فريق يقتل من الطرف الأخر وعندما يرد الطرف الأخر عليه فيكون ذريعة له للاستمرار في الحرب بل والتنكيل بالطرف الأخر. حتى لو لم يحارب الطرف الأخر فانه لا يعجز أن يجد ذريعة لفعل كل ما يريد وأكثر.
كان لابد من مساعدة الجزء الخير في خلايا السرطان للتحكم في الجزء الأخر, كانت تلك هي الخطة, لم يكن الصوم والتأمل وفراغ البال والتخلص من كل ضغوط الحياة والتغذية البسيطة القائمة على بعض الخضروات والفواكه الطازجة والهواء النقي والماء النقي كفيل بعلاج السرطان, ولكن كان التحاور بين الإنسان والسرطان كفيلا بإعادة السرطان بل والإنسان نفسه لصوابه, حين يعلم السرطان أن نهايته ستكون مع نهاية جسد الإنسان وان مصيرهما مرتبط معا فانه سيتوقف بالطبع عما يفعل من تدمير الإنسان. كانت نوبات الألم شديدة وضيق التنفس يزداد يوما بعد يوما وانتشار المرض ينذر بخطر أكبر ولكن بعد عدة أشهر من التخاطب مع الذات ومع الورم السرطاني خفف السرطان من هجماته واستسلم للحقيقة أن وجوده مرتبط بوجود الإنسان. تمنى مايكل لو أن الإنسان يفهم ذلك ويعلم إن بقاءه معتمد على بقاء جنسه وليس على التخلص منه وحياته مرتبطة بشكل كامل بالأرض التي يُدمرها كل ساعة دون أي شعور بالخطر أو الندم. تعلم وتحدث مايكل مع المرض ليعرف ما سر خلوده, كان الجواب بسيطا:
- أحب الخلود تصل إليه. أصنع الخلود لا تنتظر أن يأتيك, الخلود بين يديك وليس بعيدا عنك, لن يمنحه أحد أبدا لك مهما كان هذا المانح, أنت هو من يمنح نفسه الخلود, فكر في الخلود وماذا تريد منه ولما تريد الوصول إليه؟ أمنح نفسك الخلود بما تفعل وتفكر وتصنع, الخلود كامن فيك ولكنك لم تكن تحاول, خلودك بداخلك, حين عاد مايكل ليحكي تجربته كان الوقت صعبا فقد بدأت الحرب في لحظة ولم يكن أحد يعرف كيف ستتوقف ولا متى؟.
في لحظة حين كانت الحرب في ذروتها والبشر مختلفون في كل شيء وكل يوم يموت ألاف والملايين ويصاب أكثر منهم, بدأت هنالك فكرة, كانت الفكرة تقول:
ما هو معنى الحياة؟
ما هو هدف الإنسان الحقيقي في الحياة؟
كان على المستوى الشخصي والعام لا يوجد خلاف, هدف الإنسان في الحياة هو السعادة وينشد الخلود, حتى الشخص الذي ينتحر فانه يفعل ذلك لأنه فقد السعادة لذلك لم يعد للحياة والخلود له معنى عنده, في تلك اللحظة يفكر الإنسان مهما كان فكره وعقيدته سواء يؤمن بحياة بعد الموت أو لا يؤمن وسواء أكان الانتحار مذموما في فكره وعقيدته أو لا فانه يختار الموت على الحياة حتى لو كان سيصل به الانتحار إلى العدم لأنه لا حياة بعد الموت وحتى لو كان الانتحار سيؤدي به إلى عقاب شديد فيما بعد الموت حسب معتقده, ولكن الإنسان حين يقرر الانتحار فانه يكون قد مات عنده كل شيء فلما لا يموت جسده ببساطة, فلا أمل ولا سعادة ولا طموح ولا حب, حينها يكون الإنسان ميت بالفعل وان قلنا عنه أنه حي. كان الهدف الأسمى للإنسان من منظور الجميع هو السعادة والسعادة هي ما تفتح آمال الإنسان وطموحه وشغفه للحياة والنجاح, بدون السعادة أو الأمل فيها يكون الموت أفضل من الحياة, لقد فهم الإنسان أن كل شيء يحدث بحثا عن السعادة, الجميع يفعل كل شيء حتى لو كان يضر غيره من البشر أو البيئة المحيطة به ليصل إلى السعادة, ليس البشر وحدهم من يفعلون كل شيء من أجل السعادة فالنبات أيضا يفعل كل شيء ليجد مصدر جيد للماء فيغوص في باطن الأرض ويحفر فيها حتى لو في صخور صلبه وينشر جذوره حتى فوق سطح الأرض حتى يجد الماء ويغير في شكل ساقه وطوله. ويغير النبات في شكل أوراقه وحجمها وينشرها في كل اتجاه ليحصل على الهواء وضوء الشمس بالشكل المناسب له, حينها يشعر بالسعادة فينضح ويصبح أكثر نضارة وخضرة وحين يشعر هذا النبات بالسعادة فانه ينشرها في من حوله. لذلك نشعر نحن البشر أيضا بالسعادة بمجرد النظر إليه. لقد علمنا النبات أن السعادة تكون في الحاجات الأساسية وأن السعادة مهما منحناها لغيرنا فإنها لا تنضب أبدا, بل على العكس تماما تزاد وتكثر وتكبر. ليس النبات وحسب بل الطيور والحيوانات أيضا تفعل كل شيء للحصول على السعادة, حتى الأسود حين تقتل فريستها تفعل ذلك لتحصل على السعادة لها ولأولادها, والطيور تغني فتطرب وتسعد ويغني معها الكون كله وتملئ كل شيء بالسعادة والطيور الجميلة زاهية الألوان تشعر بالسعادة وتسعد كل من حولها, فالطاووس مثلا ينشر ريشة ليظهر بشكل جميل وكذلك البغبغان وغيره الكثير من الطيور, الفراشات أيضا تطير بين الأزهار سعيدة بغذائها الوفير وألوانها الجميلة رغم أن حياتها أقصر من أن تفكر فيها, ليس هذا فحسب بل الماء ذاته يفعل كل شيء ليصل للسعادة, فيتطاير من البحار والمحيطات وغير ذلك ويصعد للسماء ليصبح ماء جديدا نقيا ثم يهطل على الأرض ليروي ويغسل كل الأرض ويترك كل شيء جميلا يستبشر الناس بالمطر حتى لو كان كثيفا ومدمرا, تملئ البحيرات والأنهار بالماء حتى الثمالة فتغدو جميلة المنظر وينبت من حولها كل جمال فسيعد الماء والبحيرة والنبات والحيوان والإنسان. الشمس أيضا تكون سعيدة كل لحظة حين تشرق وتنشر البهجة والسعادة في ذاتها وفي من حولها ويغدو كل شيء سعيد فهي كل يوم تحرق ذاتها لتنير العالم والكون من حولها ألا تفعله وهي سعيدة, تفعله لتكون سعيدة ويكون كل من حولها أيضا سعيد. كذلك القمر يخرج علينا كل يوم في شكل مختلف فيملأ الأنفس بهجة في ميلاده الجديد ويكبر معنا كل ليلة ليصبح بدرا مع منتصف الشهر ثم يختفي قليلا قليلا حتى لا يظهر في بعض الليالي ثم يظهر من جديد سعيدا مرة أخرى كأنه يقول حتى لو بدا لك أني قد ذهبت فهذا كذب فأنا كما أنا, كل ما يحدث هو مجرد اختلاف في سقوط أشعة الشمس على جسدي وحسب, لذا لا تخاف الموت فأنت كذلك كما أنت مهما تغيرت هيئتك. ستعود ثم ستعود في كل مرة وللأبد. فنشعر كل يوم معه بالسعادة نتأمله كل وقت وننتظر ظهوره كل ليلة.
الإنسان أيضا يفعل أي شيء ليكون سعيدا, منذ ولادته يبحث عن السعادة, يتعلم يعمل يكبر يبذل طاقاته وصحته, يبحث عن صديقة أو زوجة أو عشيقة ليكون سعيدا ينفق كل ماله ليتزوج ولينجب كل ذلك أملا في السعادة, يفعل الإنسان كل شيء ليكون سعيدا ولتكون أسرته سعيدة وهنا يتخلى الإنسان راضيا عن أشياء كثيرة وعن أنانيته ليكون سعيدا وتكون أسرته سعيدة. أحيانا لا يفعل الإنسان الخير لأسرته رغم ظنه أنه يفعل الخير لهم وحينها يصطدم بأولاده وزوجته, هو يؤمن أن ما يفعله هو ما فيه الخير له ولهم وهم يؤمنون بغير ذلك وتبدأ مشاكل من نوع خاص فيما بينهم. كذلك يكون علاقة الإنسان بمجتمعه فهو أحيانا يفعل الشر وهو يظنه الخير ومهما قاومه من حوله ورفضه فلا يستمع لذلك, وكذلك على مستوى الدول والشعوب فالقادة مثلا يؤمنون بطريقة ما في الحكم تشعرهم بالسعادة ويظنون أنها ستشعر الشعب أيضا بالسعادة ولكن هذا لا يحدث, وكذلك علاقة الإنسان بالبيئة فهو يقطع الأشجار ليستخدمها ويزرع مكانها محاصيل أخرى, يظن الإنسان أن في ذلك خير له وللبيئة رغم أنه يعلم في قراره نفسه غير ذلك, يستخدم البترول والفحم وغير ذلك وهو يريد أن يسعد ولكنه لا يهتم بغيره. هاهنا يكمن الخطأ والخطورة, أن تسعد وأنت تؤذي الآخرين فتلك مصيبة كبرى.
الأم تتحمل مشقة الحمل وصعوباته وآلامه, تتحمل ألام الطلق والولادة وهي متألمة ولكنها سعيدة, من أجل أن تنجب طفلا يشعرها بالسعادة والحب. ترضع طفلها أيضا لتكون سعيدة, مهما عانت لا تكل ولا تتراجع عن ذلك, وحين ترضع صغيرها ترضعه وهي سعيدة, تعطيه غذاءها ودمها وهي سعيدة مهما كان الجو باردا ترضع أبنها أيضا, أحيانا تتقرح الحلمة فتؤلمها ومع هذا لا تستطيع أن تتخلى عن طفلها, حين يكبر الطفل قليلا وتظهر أسنانه يبدأ يقضم ثدي أمه التي ترضعه بطريقة مؤلمة وهنا يكون الموقف غريبا, أهذا رد الجميل؟, بالرغم من أن الطفل يفعل ذلك لأنه يعاني ألما في أسنانه الجديدة أو لأنه يداعب أمه ويضاحكها إلا أن تلك اللحظة هي لحظة فارقه في حياة الإنسان, ففي تلك اللحظة يظهر الإنسان على حقيقته فهو يفعل ما يخفف الآمة حتى لو تسبب في ألم غيره, ويفعل ما يسعده حتى لو أغضب أمه الحبيبة, وحين تتألم الأم يضحك الطفل بقهقهة وسعادة, لا يدري أن ذلك سيكون سببا في فطامه, حين يفطم يبكي كثيرا ويتألم فيكون أول ألم حقيقي في حياة الطفل, بالرغم من أنه كان ربما سوء خلقه سببا في ذلك, لكن الإنسان لا يتعلم من ذلك فيعمل طوال حياته ما يشعره بالسعادة حتى لو أضر بمن حوله وبالبيئة المحيطة به, وهنا تكمن المشكلة الحقيقية للإنسان, يظن أنه لو فعل ما يشعره بالسعادة حتى لو أضر بغيره فهو على حق ولكن هذا لا يحدث في الحياة فانه وان فعل الشر فلن ينعم بالسعادة أبدا. الملوك كانوا يتناولون عشاء مليء بكل ما تشتهيه الأنفس بألذ اللحوم والفواكه والخبز والحلويات, وليمة تكفي قرية صغيرة, ثم يذهب للنوم ليعاني الأم النقرس والحموضة وارتجاع المريء وأمراض أخرى كالسكري وأمراض القلب وأحيانا يقسم بأنه لن يعود لذلك ولكن بمجرد أن تغرب الشمس يهرع للمائدة يلتهما التهاما, يفعل ذلك من أجل سعادته حتى لو أتعس شعبه كله, بينما يعاني كل ليلة من أمراض الشبع يعاني شعبه من ألأم الجوع, فلو أكل باعتدال وأطعم شعبه لشعر بسعادة حقيقية, فقد تخلص من أسباب مرضه وأسعد غيرة. أن من أشد درجات السعادة هي أن تسعد غيرك كما يفعل الكون من حولك لكن الأغلبية لا تشعر بذلك فالشخص الذي يقسم طعامه مع فقير يشعر حينها بسعادة خاصة فقد أسعد إنسان مثله, بل وأحيانا يقتسم طعامه مع حيوان جائع مصاب بالجرب ومع ذلك يشعر بسعادة أكبر من لو أنه أطعمها لنفسه.
ظهر في تلك اللحظة أغرب فكرة لإنهاء الحرب. كانت الفكرة غريبة, إذا كان البشر يتقاتل بسبب الثروات ولو كان سبب الحرب هو اختلاف العرق أو الجنس أو الدين فانه ببساطة سوف نترك لكم تلك الحياة لتشبعوا بالثروات ولكي لا تجدوا أحد مختلف معكم لتقاتلوه, ببساطة سوف نترك لكم الحياة وليس كرها لكم ولا كرها للحياة ولا خوفا منكم بل لنتيح لكم الفرصة لحياة أفضل. ربما سوف تشعرون بالسعادة حين نختفي من حياتكم كما سنشعر نحن بالسعادة لأننا سنهبها لكم, انتشرت تلك الفكرة بشكل لا يصدقه أحد برغم أنه لم يكن أحد يظن نجاح تلك الفكرة وأن عدد كبير من البشر سوف يقدم على قتل نفسه ليعطي فرصة أفضل لغيره من البشر ليعيش حياة أفضل واسعد وان البشر يمكنه لمرة واحدة أن يتخلى عن حب ذاته من أجل غيره, وكان هذا هو العجب العجاب. لقد سمعنا وعرفنا في التاريخ البشري من يضحي بذاته من أجل وطنه أو دينه أو أهله أو حبه ولكن من أجل أن ينعم باقي البشر الذي يختلف عنهم في كل شيء بالحياة فذلك أمر عجيب.
في صباح يوم الثلاثاء حدث أغرب أمر في تاريخ البشرية إذا تجمع أعداد كبيرة من البشر في كل العالم والقوا بأنفسهم إما في بحر عميق أو بركان ثائر أو من فوق جبل, قدر عدد القتلى بخمسة مليون شخص, عمت الفوضى كل العالم ووقف الجميع مذهولا مما حدث, الجميع يسأل: ما معنى هذا؟ كان هو السؤال الوحيد. مرت ثلاثة أيام دون أن يحدث أي انتحار فشعر الجميع بانتهاء المشكلة وعادت الحرب أشرس من السابق ولكن في يوم الثلاثاء التالي حدث نفس الشيء, ولكن كان عدد الموتى أكثر بكثير من المرة السابقة ولم يتوقف قتل الإنسان لنفسه في الأيام التالية, كان الجميع يعلم أن البشر سوف ينقرضون لو استمروا على ذلك لفترة قصيرة ناهيك عما ستسببه تلك الجثث والتي لم يعد يقدر أحد على دفنها من أمراض, كانت جثث البشر تظهر كل لحظة إما ساقطة من السماء أو خارجة من الماء أو محترقة من بركان, شعر البشر بالخطر لأول مرة مما يحدث, لم تكن الحرب سبب تلك المصيبة لأول مرة بل قتل الإنسان لنفسه, ولم يكن يراد شرا للبشر بل لأول مرة لخير البشر.
كان قد سبق ذلك أمر جلل أخر, فقد توقف البشر عن الإنجاب, كانت تلك الدعوة تقول لماذا نجلب أطفال بريئة لعالم مليء بالشر؟. لكي يتقاتلوا فيقتلوا ويقتلوا, لماذا يأتي بشر جدد إلى الحياة؟. هل سينقرض الجنس البشري؟. ستكون ذلك أفضل هدية للطبيعة, أفضل ما فعله البشر من يوم وجد في الحياة, أن يترك الحياة على الأرض لكي تستمر الحياة, ينقرض ليفنى وتبقى الأرض عامرة بغير البشر فقد كان البشر دائما حملا على الأرض, يضرون كل أنواع الحياة على الأرض بجهلهم وطمعهم وشرورهم, لم يرحموا الكائنات من حولهم والطبيعة المحيطة بهم ولا أمهم الأرض ولا حتى أنفسهم, لا يوجد على ظهر الأرض جنسا يحارب نفسه بتلك الطريقة, جنسا يريد أن يلغي فكر الأخر وثقافته وعقله, جنسا يستعبد بعضه بعضه ويقهر بعضه بعضه, جنسا يفتك بأخيه ابن أمه وأبيه دون شفقة أو رحمة لأتفه الأسباب, جنس فناءه يعني حياة أفضل للأرض وما عليها, كانت الأرض لمليارات السنين قبل البشر وسوف تستمر في عدم وجود البشر لمليارات السنين أيضا, أما لو أستمر وجود البشر بهذه الطريقة فانه لابد سينقرض وسينقرض معه كل أشكال الحياة على الأرض بل ستفنى الأرض ذاتها وسيجلب الدمار للمجموعة الشمسية ولمجرتنا كلها وللكون كله من حولنا. كانت تلك الدعوة قد لاقت نجاح أيضا, وتوقف الكثير من البشر عن الإنجاب وتزامن مع أنتحارب أعداد كبيرة من البشر, كانت النتيجة الحتمية ( البشر على شفير الانقراض) ماذا سيعني هذا؟ كان هذا هو السؤال والإجابة لا يعني شيء لأي أحد.
حدثت أكبر معجزة في تاريخ البشر, توقفت الحرب لأول مرة لتجميع البشر, كان الهدف لأول مرة هو وقف الموت, ذالك الإنسان العاشق لقتل أخيه أصبح لأول مرة عاشقا للحفاظ عليه, لأول مرة تعاونت كل الطوائف والفرق في كل دين بل وتجمعت كل الأديان في دين واحد ومذهب واحد لا خلاف فيه, مجد المسلم في المسيحي والمسيحي في اليهودي واليهودي في البوذي والبوذي في الهندوسي, الهندوسي في ألسيخي, الجميع يقول كلنا على حق وليس هنالك باطل. لم يكن هنالك معنى لأبيض أو أسود أو غني أو فقير غبي أو ذكي, الجميع يتعاون لوقف الانتحار والدعوة لعدم الإنجاب مما سيدمر البشر ويؤدي إلى الانقراض. لأول مرة يكون البشر حلف واحد لمحاربة الحرب والموت. كان الإنسان يؤمن انه لا معنى لوجوده وهو تحت سيطرة المرض والخوف والجوع لذلك فقد عمل بكل طاقته ليتخلص من الثلاث معا الجوع الخوف المرض. كان كل شيء مترابط للغاية فالخوف من المرض قاتل والجوع قاتل كان لابد من التخلص من الجميع. فوق ذلك كان الموت والشيخوخة أكثر ما يشغل فكر البشر في تلك اللحظة, فإطالة العمر لا معنى لها في الحقيقة لو كان الإنسان مريضا بل أن الموت يكون أفضل ألف مرة في تلك اللحظة التي يعاني فيها الإنسان من الإمراض الخطيرة مثل السرطان والذي فيه يعيش الإنسان أغرب لحظات حياته, سلسلة من الألم والضعف والوهن والهزيمة والخسارة المستمرة. أصبح بروفيسور عدنان مؤمن أنه يمكنه أن يحل مشكلة المرض والشيخوخة والموت بطريقة واحدة.