في اللحظة التي أعتصر فيها جيمس روبرت وكان يظن أنه قد سيطر على كل شيء. كان في الحقيقة قد فقد السيطرة على كل شيء. تلك هي الحياة تلهو بالبشر. في اللحظة التي يشعر فيها الإنسان أنه أصبح له السيطرة على حياته. له السيطرة على كل شيء. أصبح قوي وغني وعظيم وكل ما يحلم به. يكتشف في تلك اللحظة أن الحياة تخدعه وتسخر منه وتلهو به. لقد كان روبرت خبيثا ويعد كل شيء لخداع جيمس. كان يريد أن يراه في أزهى لحظات شعوره بالنصر والقوة والسيطرة والسعادة ثم في نفس اللحظة يخسر كل شيء ويصبح تحت سيطرته. كان يريد الانتقام من جيمس على كل الأموال التي سرقها منه. على كل لحظة شعر فيها بالخوف والضعف والخسارة. كان يريد أن يذله وينتقم منه في آن واحد وقد خطط لذلك بعناية. ترك جيمس يكيد للعلماء والعلماء يكيدون له بينما هو من كان يكيد للجميع من وراء ذلك. كانت كل أوراق اللعبة في يده بينما كل واحد كل يشعر أن أوراق اللعبة في يده. جيمس يظن أنه في أي لحظة يمكنه أن يحرر نفسه وينتقم من الجميع بينما العلماء وعلى رأسهم بل يظنون أنهم في أي لحظة يمكنهم قتل جيمس والانتقام منه في آن واحد وحتى الانتقام من روبرت نفسه. كانوا متفقون على كل شيء حتى خطة الهروب واللجوء. لكن روبرت أيضا كان لديه خطة وكان يتمتع بالذكاء والمراوغة والشجاعة في آن واحد وفوق ذلك السيطرة على كل شيء. لقد خطط لكل شيء كما يريد.
في اللحظة التي ظن فيها جيمس انه مسيطر, ارتدى روبرت قناع خاص ضد المواد التي أمر الحراس بالخارج لفتح الصمامات الخاصة بها. تلك الصمامات متصلة بخزانات مملوءة بمواد كيماوية خاصة يمكنها تخدير جيمس في أقل من الثانية. لقد نجحت خطته وفقد جيمس كل شيء.
لم يكن روبرت يفكر مثل الجميع, كان يخطط لكل شيء بدوافعه الخاصة. كان يعلم المخاطر والصعوبات التي يمر بها أي شخص سوف يتحول مثل جيمس رجل أخطبوطيا. نسبة المخاطر تفوق نسبة النجاح بكثير وأي خطأ مهما كان صغيرا قد يكلفه حياته وحتى ما هو أخطر من ذلك. قد يكلفه أعاقة خاصة أو أي شيء قد يدمر حياته ويجعله شخصا غريبا وغير مألوف. كان يعلم أنه ربما يتحول لمسخ قبيح أو عاجز عن الحركة أو حتى مجرد إخطبوط ضعيف لا يمكنه أن يفعل شيء. كان من الممكن أيضا أن تفشل المحاولات ويموت بعد سلسلة من العذاب المستمر يتمنى خلالها الموت الرحيم. كما أن كل هذه التجارب سيتخللها لحظات من الألم والضعف وغير ذلك مما لا يريده. كل ذلك بالطبع سيستغرق وقتا طويلا سنوات كاملة وهو لا يملك رفاهية الوقت هذه. وأهم من ذلك هو لم يكن مصابا بالسرطان ولا يريد أن يصاب به. كل هذه العوامل جعلته يخطط لما فعل. شخص يكون فأر تجارب وحسب يتحمل الألم والعذاب والفشل والصعوبات وكل سلبيات تلك التجربة الكبيرة ثم حين يصبح جاهزا تماما يستولى هو عليه. طفيل من نوع خاص وجديد. طُفيل عصري يتماشي مع العصر الحديث الذي يعيش فيه.
زُرع وعي روبرت في جسد جيمس مع الاحتفاظ بجسد روبرت في حال أنه أحتاجه. كان جسد روبرت سيكون محفوظا بتقنيات خاصة صُنعت خصيصا له من قبل أبرع علماء في هذا المجال. كان ما يعيق تلك العملية هو التخلص من وعي جيمس وفي نفس الوقت زراعة وعي روبرت بدون أن يموت جسد جيمس أو يموت جسد روبرت. قد يفقدوا السيطرة أيضا ويخسروا وعي روبرت للأبد. أصبع ما يتعامل معه العلماء هو أنهم لا يدركون حقيقة الوعي ولا ماهيته ولا حتى أسمه الحقيقي أو صفته. سواء كان الوعي هو الروح أو النفس أو العقل أو مجرد وعي إدراكي يبدأ مع الحياة وينتهي معها. أو كان وعيا معرفيا بشريا مما يتحدث عنه البعض, بأنه وعي معرفي موجود دائما وخالد ومتصل بوعي أخر هو الوعي المعرفي الأزلي ولا ينفصل عنه يأخذ منه العلم والمعرفة. ما يجب أن يفعل وما لا يجب أن يفعل. منذ اللحظة الأولى. لحظة التقاء الحيوان المنوي ببويضة ينشأ الوعي الجديد ويسيطر على كل شيء. يبدأ في كل شيء. استقبال البويضة للحيوان المنوي وتخصيبها وبداية الانقسامات المتتالية حتى الوصول لجنين مكتمل ثم الميلاد وكل خطوة في الحياة. هذا الوعي يكون دائما جزء من الوعي المعرفي الأزلي ولكنه أحيانا كثيرا يقل تواصله معه كما يحدث مع الكثير من الناس. بفقد الناس تواصلهم مع وعيهم المعرفي حين ينشأ الوعي الإدراكي البشري مع الميلاد ويضعف أيضا التواصل مع الوقت بين الوعي الإدراكي والوعي المعرفي البشري بينما يقل أيضا التواصل مع الوعي المعرفي الأزلي. لكنه يظل متصلا بشكل ما. لم يكن أحد يعرف حقيقة كل ذلك. هل يتعاملون مع أمر واحد أو أكثر؟. هل يتعاملون مع شيء غير مادي ولكنه نوع من الطاقة أم يتعاملون مع أمر أخر غير المادة وغير الطاقة . أمر أبعد منهما. مازالت معارفهم بدائية في هذا المجال ولكنهم قد نجحوا في نقل وعي من قبل من حيوان لأخر ولكن الحيوان الثاني قد مات والحيوان الأول كان بالضبط هو نفس القديم جسديا ولكن وعيه مختلف.
نجحوا في نقل وعي إنسان حي بعد عمل نسخة منه لإنسان أخر ميت حديثا وفي نفس لحظة الموت بل لعل الوعي الجديد قد حارب الوعي القديم وحل محله بعد طرده.. لم يكن يشغلهم أن يموت كلاهما فهما بالنسبة لهم مجرد فئران تجارب.
كان الفكرة مازالت في بدايتها ولكنهم كانوا مثل الإنسان حين عرف شيء قليل عن الذرة قام بتدميرها ودمر معها حياة الأف من البشر ومازال يهدد بذلك. كان الجميع يعلم أن ذلك سيكون أخطر بكثير فالتعامل مع المادة له حدود أصبحوا يعرفوها, أما التعامل مع ألامادي فلا علم لهم به.
أجريت محاولات عدة لنقل وعي روبرت لجسد جيمس الجديد. كان روبرت قد رفض أن ينقل نسخة من وعيه لجسد جيمس. بل يريد وعيه الأوحد أن يسكن جسد جيمس. كذلك كان يرفض أن يحتفظ بنسخة من وعيه في جسده الأصلي. كان حتى لا يثق في نسخة من وعيه لو أصبح في جسده.
أضحى التخلص من وعي جيمس أمرا مستحيلا. كان لابد أن يظل هذا الوعي داخل جيمس لكي يبقى حيا. بالرغم من أن جيمس كان تحت تأثير المخدر إلا أن وعيه كان يرفض أن يترك جسده لوعي روبرت. لم ييأس العلماء من المحاولة وكانوا يزدادون تعجبا في كل محاولة. كيف للوعي أن يظل فاهما وذكيا وقادرا وهو في حالة فقدان الوعي كما يقولون؟. كيف يستطيع أن يرفض ويقاوم ويمتنع؟. كان السؤال الأهم لهم في تلك اللحظة:
ما هي حقيقة وعي الإنسان؟.
لم يكن لديهم إجابة على ذاك السؤال ولا على ما يحدث من جيمس. وقد برز لم سؤال أخر لا يقل أهمية عن الأسئلة السابقة:
هل جيمس حالة فريدة؟.
لذلك أقترح بروفيسور هنري جونسون أن يظل وعي جيمس في جسده وأن يضاف وعي روبرت إليه. في البداية كان الجميع غير مستوعب أو راضي عن الفكرة. روبرت أيضا كان في حالة من الحيرة.
كان السؤال الأول والأهم هو:
- لمن ستكون الغلبة, لوعي روبرت أم جيمس. لو أصبح الغلبة لجيمس يكونوا قد خسروا روبرت وربما للأبد. ولو كان السيطرة لروبرت فكيف سيتصرف جيمس فيما بعد؟.
اختلى روبرت بذاته يفكر فيما هو مقدم عليه, أنه أمام تجربة قد يخسر فيها كل شيء وقد يربح فيها كل شيء. لو نجح أن يسيطر على جسد جيمس بالكامل فسيتحقق له كل ما أراد.
ولكنه لو لم يحقق ذلك فلا يعرف هل ستسنح له الفرصة فيما بعد أن يغادر جسد جيمس ليعود لجسده؟. وهل سينجح في ذلك؟
كان يخشى من أمر هام وقال وهو يسال ذاته:
- هل سأكون قد وهبت وعي لجيمس؟
هل سأكون أعطيته ما يريد أو أكثر؟.
هل سأكون قد وضعت وعي في جسد جيمس وتحت أمرة جيمس؟
هل سأشعر بالتعذيب والألم وأنا في جسد جيمس أم أن من سيتألم سيكون جسد جيمس وحسب؟
كانت تخطر على باله أسئلة كثيرة لا يجد لها إجابة. ظل طوال الليل يفكر فيما هو مٌقدم عليه. سأل نفسه سؤال أخر:
- هل أتراجع؟.
سمع من داخله أصوات كثيرة غاضبة تقول بالطبع لا يمكن التراجع وهنالك صوت واحد ضعيف يقول له: نعم تراجع هذا خيرا لك.. سببت له هذه الأصوات مزيدا من الألم والقلق والخوف.
في الخامسة إلا عشر دقائق كان يجتمع بالفريق العلمي. أيقظهم مبكرا وأجتمع بهم ليخبرهم قراره وهم بين النوم والاستيقاظ.
- أنا سأقُدم على خوض تلك التجربة, ثم أبتسم ابتسامته الماكرة وقال ستكون متعة من نوع خاص. متعة الانتصار على جيمس حتى في داخل جسده. كما سرق أموالي ذات يوم وسوف اسرق جسده. هذا حقي ببساطة.
في جسد جيمس بدأ صراع من نوع خاص. صراع عدوان لدودان في جسد واحد. كل واحد يريد أن يتخلص من الأخر ويبقى هو. كل طرف أصبح يؤمن أن بقاءه على قيد الحياة مرهون بالسيطرة علي الأخر والتخلص منه تماما. كلاهما لم يكن يعرف كيف ولكنه كان لابد من ذلك.
جيمس حين استيقظ ولم يكن يمكنه السيطرة على جسده وجد نفسه في داخل مختبر جديد. عدد من العلماء يحيطون به, يعملون بكل جد لمساعدة روبرت لكي يتحكم في جسد جيمس ويساعدونه على التخلص من وعي جيمس. كان مندهشا لا يُصدق ما حدث. قال:
- نعم يا روبرت لقد فهمت كل شيء ولكن متأخر جدا.
سمع صوت روبرت من داخله يضحك:
- جيد انك فهمت أيها الساذج. أكنت تظن أنني سأهبك أنت كل هذه القوة والقدرة. أنها تخصني أنا.
قال جيمس:
- كيف تخصك أنها تخصني.
ضحك روبرت ساخرا:
- وهذا المال كان يخصني فلما سرقته.
صمت جيمس قليلا ثم قال:
- مالك كان مسروق من الأف بل ملايين البشر.
ضحك جيمس وقال:
- روبين هود أنت إذا؟. لكنك أخذت المال لنفسك يا صديقي اللدود. ها نحن الآن في جسد واحد والسيطرة لي وثق أنني خلال وقت قصير سوف أتخلص منك تماما.
قال جيمس غاضبا:
- هذا من المستحيل. بل أنا من سينتصر عليك لا محالة.
ضحك روبرت وقال له:
- كيف؟ كما ترى كل شيء في صالحي. أنا في داخل جسدك وجيش من خارجك يساعدني بأحدث التقنيات وأبرعها وأغربها في آن واحد. كما اقتحمت جسدك سأطردك منه.
كان جيمس يشعر حقا بأن روبرت قد انتصر عليه ولكنه قال:
- لا. بالطبع سيكون النصر لي في النهاية.
قال روبرت ساخرا:
- حرك يدك لو استطعت.
حاول جيمس جاهدا أن يفعل واستمر في المحاولة ولكنه فشل وشعر بالإحباط. كان جيمس مازال يحاول ولكن بجهد ضعيف وكان روبرت يضحك سعيدا بانتصاره.
قال جيمس له:
-لا تفرح كثيرا فكما قهرت السرطان سوف أقهرك.
ضحك روبرت وقال له:
- هل حقا قهرت السرطان! من قال لك هذا؟ بل ورفاقه؟. لقد كذبوا عليك. لم تنجح الأبحاث في التحكم بشكل كامل في مرض السرطان في داخلك. نجح هؤلاء فقط في تحجيم نمو خلاياه. نجحوا أيضا أحيانا في خلق خلايا وظيفية من الخلايا السرطانية في البنكرياس والكبد ولكنها للأسف بدأ انقسامها يقل مع الوقت ولم تعد تنقسم بطريقتها المعتادة. رغم المحاولات المستمرة لكي يعيدوا لتلك الخلايا نشاطها الطبيعي ولكنهم لم يصلوا للنجاح الكامل. فقط بعض التحسن. لذلك أقترح بروفيسور بل أن تندمج تلك الخلايا بخلايا الإخطبوط ذو القدرة الفائقة على النمو المستمر من ناحية والقدرة على تجديد جسده كله من أي جزء صغير منه من ناحية أخرى. كانت عملية صعبة ومعقدة وطويلة. خلالها قام العلماء هؤلاء بأبحاث وتجارب لا يمكن تخيلها. إخطبوط نقل له جينات خلايا سرطانية منك. زرعت تلك الخلايا بدقة متناهية وفي أماكن معينه في الجسد. استثيرت لتنمو بطريقة خاصة حتى أصبحت خلايا مدمجة بين خلايا السرطانية الجديدة وخلايا الإخطبوط. ثلاث سنوات كاملة حتى نجحوا في واحدة من التجارب. إخطبوط أستراليا العملاق كان هو الوحيد الذي برع جسده في ذلك. ثم نٌقلت تلك الخلايا والجينات لك وسُمح لها بالنمو والتكاثر والانقسام. لحسن الحظ نجحت تلك التجربة وكنت قد اتخذت قرار بأنها لو فشلت بأن أقضي عليك وأبدا تجربة جديدة. لا أعلم حقا أن كان ذلك من سوء حظك أم من حسن حظي ولكن المهم أنه أصبح لي ما أردت وأنا الآن في داخلك وأتحكم فيك.
ظل جيمس صامتا لبعض الوقت يتدبر كل شيء. قال في داخله التي لم يعد من السهل أن يخبئ فيها كل شيء عن روبرت: بهذه الطريقة سيكون قد مر وقت طويل للغاية في تلك التجارب. حسب حساباتي أنا هي مجرد ثلاث سنوات أو أربع على الأكثر.
ضحك روبرت وقال:
- ثلاثة عشر عاما من الأبحاث يا جيمس. أليس من حقي بعد كل هذا أن أمتلك كل تلك القوة.
قال له جيمس:
- ولكن ثم صمت قليلا, ولكن لماذا أنا؟ ولماذا ليس في جسدك أنت تُجري تلك التجارب؟.
قال روبرت ساخرا:
- وأتعرض لما تعرضت له. أتعرض لكل هذا الألم والتجارب والفشل. تريدني أن أضع نفسي تحت تلك التجارب, تريديني أن أصبح فأر تجارب يا جيمس؟. هنالك مثل قديم يقول, شراء العبد ولا تربيته.
كان جيمس يبكي بدون دمع, لقد أصبح في النهاية أقل درجة من فأر التجارب أصبح مجرد عبد مملوك. حتى دموعه لم تعد تخصه, أصبحت تخص شخص أخر. أصبحت تخص روبرت. العدو اللدود.
كان جيمس يفكر كيف يمكن له أن يتحدث في داخله دون أن يستطيع روبرت أن يفهم ما يدور داخله, كان متعجب أنه يستطيع فهمه, لم يكن يفهم لماذا يستطيع ذلك. في لحظة من فكره تذكر أمرا هاما.
تذكر جيمس ما تعلمه خلال سنوات طويلة من التجارب والبحث, النجاح والفشل. تذكر السجلات الأكاشية وتذكر أيضا ما هو أهم.
تذكر المستويات المختلفة لوعيه. تلك المستويات العميقة والتي لم يكن لأحد من علماء المختبر القدرة على الوصول إليها. أعاد برمجة ذاته على التفكير في مستوى عميق أخر من ذاته, كان عليه أن يجرب. هل سيفهم روبرت ما يدور في داخله. في المستوى الثاني من وعيه كان عليه أن يجرب. خطط لكي يجرب ذلك. تحدث إلى ذاته في هذا المستوى. قال أنه يريد أن يحرك ذرعه الأيمن, سمع روبرت يضحك ففهم أنه قد سمعه في هذا المستوى. لم يفلح في تحريك ذراعه الأيمن. كان عليه أن يصل لمستوى أعمق. قال أريد أن أحرك يدي اليمنى ولكن روبرت كان قد سمعه أيضا. في المستوي السادس, كان قد نجح, لم يسمعه روبرت واستطاع أن يحرك يده قليلا. ولكن روبرت منعه من ذلك بعد قليل. كان سعيدا بما وصل له. قال في عمق ذاته, لم يكن الوقت يضيع يا روبرت, كانت كلها خبرة قد أُضيفت إلى.