DrMohamedZaki

Share to Social Media

جاءت لحظة الإعلان عن تلك المعجزة التي لم تكن تخطر على بال أحد, منذ اللحظة التي أُعلن فيها عن تلك الفكرة الجديدة الجريئة أنقسم العالم إلى أقسام, قسم كان معها ومؤيد لها ويحث حثا شديدا على تنفيذ الفكرة دون تراجع أو تردد أو انتظار وقسم أخر كان يرفض رفضا تاما, حاول البعض بالتصويت الاليكتروني الحر على الفكرة منع تلك الخطوة وقدم كل شخص أسباب رفضه المتعلقة بالتحذير من عواقب تلك التجربة, أما المؤيد للفكرة فكان متحمسا. وهنالك قسم أخر كان ينتظر النتائج لم يبدي تحمسا ولا تخوفا وإن كان متطلعا للنتائج فالجميع رغم اختلافهم يعلم جيدا أن تلك الخطوة ستنقل البشرة لمرحلة جديدة لا محال.
روبرت واحد من أغنى رجال الأعمال قبل الحرب وخلالها. كان يمتلك عدد كبير من المصانع الحربية في بريطانيا وأمريكا والصين وكندا وروسيا. كانت مصانعه من أكبر المستفيدين من الحرب وقد ربح أموال لا يمكن إحصاءها. كان يربح من بيع السلاح لكل وجميع الأطراف. لا يشغله هوية هذا الطرف أو ذاك. كان يعرض عليهم أسعار خاصة ومخفضة لكي تستمر الحرب. لم يكن يرفع سعر أسلحته بل يخفضها لكي تستمر الحرب دون توقف. كانت المصانع تنتج جميع الأسلحة من البنادق الصغيرة حتى الطائرات العملاقة وحاملاتها. كانت له علاقات قوية مع جميع الدول تقريبا. لا يفهم معنى المعسكر الشرقي أو الغربي أو المحايد أو غير ذلك. لا يفهم إلا معنى واحد هو بيع السلاح. كان من بين مصانعه, مصنع خاص بالأـسلحة غير التقليدية وعلى رأسها الأسلحة البيولوجية. كانت تجاربه مميزة في خلق أجيال جديدة من الفيروسات والبكتريا وحتى الفطريات. كانت تلك المصانع لديها مختبرات غاية في التقدم. تعمل بعيدا عن القانون الدولي تماما فيها لم يكن هنالك حدود أو قوانين تُوقفهم. كثير من الدول كانت تعلم بوجود تلك المختبرات ولكنها تجاهلت أي رد تجاهها خاصة أن روبرت كان يبيع لهم تلك الأسلحة بشكل مستمر خاصة خلال الحرب. لكن توقف الحرب وما أتخذه البشر من خطوات لمنع نشوب الحروب مرة أخرى قد أفسد كل خططه ودمرها وخسر خسائر لا تُحصى مع يقين أنه لن يربح مرة أخرى. أغلقت جميع مصانع السلاح الخاصة به ولم يعد لدية الا لمصنع البيولوجي الذي كان يخفي كل شيء عنه. كان مصرا على تنفيذ مشروع عملاق خاص به, من خلاله يستطيع التحكم في البشر. منذ لحظة إعلان بروفيسور عدنان عن فكرته جُن جنونه وكان رافضا تماما له وحاول بكل الطرق منعه ولكنه فشل. لذلك فقد فكر في أن يكون لديه الرجل السرطاني الخاص به.
كان روبرت قد أعد معمل خاص أكبر بكثير من المعمل الذي يتم فيه التجارب على دكتور عدنان وكان دائما ما يحاول الوصول لكافة المعلومات, لم تكن المعلومات سرية بصفة عامة إلا فيما يخص بعض الأفكار والتي يُخشى سوء استغلالها, كان روبرت قد أجرى تجربة علمية على فأر تم حقنه بخلايا سرطانية وتسبب في مرضه بسرطان الجهاز الهضمي وأخذ هذا المرض بالانتشار سريعا من خلال وصوله للدم والانتشار في أجهزة أخرى في الجسم وحاول الفريق البحثي أبطأ نمو الخلايا السرطانية من ناحية وكذلك تحويل بعض الخلايا لخلايا وظيفية, لم تكلل الأبحاث الأولى بالنجاح ولكن الفريق العلمي واصل بحثه دون ملل أو كلل حتى نجحت أحدى التجارب على جنزير غنيا في أبطأ نمو الخلايا السرطانية في الكبد بشكر كبير وكان هذا في حد ذاته نصرا كبيرا وفكرة ممتازة لتطوير علاجات جديدة لتبطئ نمو الخلايا السرطانية وبالتالي سهولة التحكم فيها ولكنها روبرت كان لا يهتم بتلك النقطة نهائيا فكان هدفه معروف جيدا بالنسبة له, أمرهم بان يتم تحويل هذه الخلايا السرطانية إلى خلايا وظيفية. رغم المحاولات المستمرة فشلت تلك التجارب.
برغم ذلك كان روبرت يبحث عن شخص مناسب لتتم عليه التجارب. وجد ضالته أخيرا في شاب مصاب بسرطان البنكرياس, قبل الإصابة كان شابا قويا ويافعا, لكن بعد الإصابة بالمرض تغير كل شيء, كان هذا الشاب جيمس هانكس شابا طموحا ومتطلعا للغاية وكان يحاول كسب المال بكل الطرق الممكنة سواء كان هذا الطريق شرعيا أو غير شرعي بل كان يجد في الطرق الغير شرعية ضالته الكبرى فبهذا الطريق دائما ما كان الربح أكبر. عمل جيمس هانكس كهاكر سيبراني مشهور أستطاع بطرق مختلفة أن يبتز عدد من الشركات الكبرى حول العالم وربح من وراءهم الكثير, تعرضت شركات روبرت جونسون لاختراق كبير وهدد جيمس هانكس روبرت بخسائر أكبر ولكن روبرت عرض عليه مبلغ كبير من المال مقابل أن لا يفضح شركاته من ناحية ومن ناحية أخرى عرض عليه روبرت العمل معه مقابل راتب شهري كبير ولكن جيمس رفض ذلك بشدة رغم المبلغ الكبير المعروض عليه, فببساطة كان جيمس يحلم بأكثر بكثير من ذلك, لكن روبرت طلب منه أن لا يخترق شركته مرة أخرى مقابل راتب شهري وأيضا أن يحل أي مشكلة تقنية تتعلق باختراق أي شركه تخصه, منذ ذلك الحين نشأت علاقة بين الطرفين تطورت لنوع من الصداقة بالرغم من أن الطرفين لم يكونا يعرفان المعنى الحقيقي للصداقة. حين أُُصيب جيمس بمرض السرطان كان روبرت سعيد بذلك في البداية فقد تخلص من خطر دائم يهدد شركاته ولكن مع الوقت أصبحت شركته أكثر عُرضة لاختراقات كثيرة من هاكرز أخربن وقد زار روبرت جيمس في المستشفى لكي يستشيره في تلك النقطة ولكن حالته كانت قد تفاقمت.
بعد تفكير عميق توصل روبرت لفكرته المجنونة بأن يكون جيمس هو فأر التجارب التالي, عرض روبرت الفكرة بحماس كبير على جيمس والذي كان في حالة مرضية عصيبة لذلك فلم يشغله ذلك العرض السخي ماديا من ناحية وكذلك العرض الذي يحمل له أملا جديدا في الشفاء وكذلك أن يصبح بطلا خارقا. كانت الآلام شديدة للغاية ومعها يفقد جيمس وعيه كثيرا ولكن روبرت لم ييأس فقد حاول كثيرا معه حتى أقنعه أنه لن يخسر شيء فحالته ميئوس منها تماما. بالرغم من أن الأبحاث لم تكن تؤكد نجاح الفكرة ولكن روبرت كان يهدف أن تستمر تجاربه على البشر حتى يصل للنجاح. رغم ذلك كان يخاف من جيمس وطموحاته ولكنه الشخص المناسب لمهمته من نواحي عدة فطموحه والذي هو سبب لتخوف روبرت هو في نفس الوقت سيكون سببا في تحمله مشاق تلك التجربة الصعبة والقاسية من ناحية وكذلك سيضمن برغبته الشديدة في الحياة أن تنجح التجربة ويمتلك روبرت نسخته الخاصة من الرجل السرطان. أبرم معه عقد ليضمن حقوقه معه وكذلك ليضمن السيطرة على جيمس.
كان رئيس مركز الأبحاث بروفيسور بل جوزيف يرفض تماما البدء في تلك التجربة وبالرغم من محاولات روبرت الكثيرة وعروضه المادية المغرية إلا أنه كان يرفض بشدة لأنه كان يعلم جيدا أنه في حال نجاح التجربة فإن الخطر الذي سيداهمه هو ورفاقه وسوف يؤدي إلى هلاكهم لا محالة, فمثل هذا المخلوق سيكون بالطبع شديد الخطورة. ولابد أنه سيكون خطير وذو نوازع مليئة بالشر لا محالة, فانه نتاج لخلايا سرطانية شريرة ومدمرة فكيف سيكون شخصا خيرا وخاصة أن جيمس نفسه كان شخص شديد الخطورة من قبل, كذلك فانه لم تجرى أي محاولة للتواصل مع الخلايا السرطانية كما كان معلنا من قبل بروفيسور عدنان وفريقه , كل هذه العوامل كانت تؤكد له ما سيحدث فيما بعد. لكن روبرت كان قد حسم من قبل قراره بأنه لابد من استمرار التجارب وقد أختار بروفيسور بل لأنه شخص طماع للغاية ومحب للنجاح العلمي وللمال في آن واحد ولكن موقفه الرافض هذا كان لأنه يخشى الموت على يد هذا المخلوق الجديد, لذلك فقد هدده بشكل قاطع إما إكمال التجارب أو الموت الآن. وافق بروفيسور بل على مضض.
بدأت التجارب بحذر شديد وكانت تسير على الحيوانات وعلى البشر في آن واحد, كان بروفيسور بل يحاول أن يقنع جيمس بأن لا يخضع لهذه التجارب وحذره من نتائج تلك التجربة ولكن ذلك كان حافزا له أكثر وأكثر حتى أن جيمس كان يحلم بأن يسطر على المعمل وعلى روبرت وشركاته ثم على كل العالم, أصبح أكثر تحمسا في تلك اللحظة من روبرت ذاته, لذلك كان بل يسجل نبضات عقل جيمس هذه ويوضح لروبرت مخاطر جيمس عليه وعلى طموحاته, وبدلا من أن يوقف هذا المشروع أصبح جيمس يفكر في طريقه لتحجيم جيمس من ناحية وكذلك للتحكم الكامل فيه من ناحية أخرى, لذلك فقد قرر زراعة شريحة في مخه بدون علمه للتحكم الكامل فيه. كان روبرت يستغل جيدا فترات فقدان جيمس لوعيه ليفعل به ما يشاء. لم ينسى روبرت أبدا كم الأموال التي دفعها لجيمس.
قام بل بمعاونة أثنين من مساعديه الأطباء بزراعة شريحة اليكترونية حديثة لجيمس أثناء نوبة من نوبات الإغماء, كانت الزراعة تستغرق وقتا طويلا لذلك فقد تم إعطاءه جرعة كبيرة من المورفين ليستمر في حالة الإغماء وللوقت الذي يريدوه. كانت الجراحة صعبة وخطرة ولكن الخطر كان سيكون أكثر خطورة لو نجحت التجربة.
أفاق جيمس بعد ساعات طويلة ولا يدري ماذا حدث له, لكنه كان يشعر بألم شديد في مؤخرة رأسه, سأل عن السبب في ذلك فأجابه أحد الأطباء بأنه سقط على رأسه أثناء إغماءه وهذا هو ما سبب ذلك الجرح, كان جيمس شديدي الذكاء فلم تنطوي عليه تلك الخدعة فقد كان يشعر بألم في داخل رأسه, لم يستغرق الأمر وقتا طويلا لكي يكتشف ما حدث فهو شخص مُلم بشكل كبير بالتقنيات الحديثة فهو هاكر سابق وذو خبرة كبيرة, لذلك فقد فهم مع الوقت حقيقة ما حدث لقد كان دائما ما يشعر بتغير في مزاجه وقدرته على التحكم في أطرافه بعد كل حالة إغماء تحدث له حيث كان بل ورفاقه يتأكدون من موضع الشريحة في الدماغ ومن كفاءتها, حيث يتم التحكم في أطراف جيمس وهو في حالة الغيبوبة ليتأكدوا من سيطرتهم عليه. لذلك فقد قام جيمس ذات مرة بادعاء الغيبوبة ليعرف ما يحدث.
وجد فريق طبي كامل يعمل بعجلة كبيرة على فحصه كليا وعلى فحص الشريحة وموضعها في الرأس وكفاءتها. كانت الخطوات مؤلمة له بشكل كبير فالمشارط وأدوات الجراحة كانت تتسبب له بألم شديد تحمله بكل ما يملك ولكنه في لحظة لم يستطع. صرخ من شدة الألم, شعر بأنه قد فعل كارثة حقيقة ولكنه فوجئ بهدوء الفريق الطبي وقام أحدهم بحقنه بجرعة كبيرة من المورفين فقد على أثرها وعيه تماما.
صُدم جيمس مما حدث, لقد كانوا يتصرفون في جسده كما يشاءون, لم يكن يتحكم حقيقة في أطرافه إلا بالقدر اليسير, حين كان أحد الأطباء يستخدم الريموت كنترول لكي يحرك يده كان يشعر بالأمر في أعصابه وعقله ولكنه كان في الحقيقة لا يستطيع أن يمنعه من أن يسطر على تصرفاته, كان يشعر بأنه مُسير في ذلك. بالرغم من أنه كان مازال يمتلك بعض القدرة ليُضاد تلك الأوامر إلا أنه لم يفعل بل ظل مستسلما تماما. كان الأغرب هو أن بعض الأطباء كانوا يلهون به, يعطون له أوامر متناقضة في آن واحد فيرتجف جسده ولا يعرف ماذا عليه أن يفعل, واحد منهم إعطاءه أمرا بأن يمشي وأمر أخر لكي يجلس في نفس الوقت, فأرتجف جسده ارتجافا عنيفة وقوية ثم سقط على الأرض من فوق سريره. كانوا يضحكون بصوت مرتفع, لم يكن أحد منهم يخشى لو أستيقظ من نومه, لقد كان على يقين أنهم لابد أصبحوا يملكون بطريقة ما سيطرة أكبر عليه أكثر مما يظن لابد أنهم يملكون القدرة لكي يسيطروا عليه بشكل كامل. لقد شعر أنه فأر تجارب حقيقي وليس هذا وحسب بل فأر يتم التحكم فيه بشكل كامل بما في ذلك عقله, كان مصدوما وحزينا لم يستطع أن يُخبرهم بأنه لم يكن في غيبوبة, كان يشعر بالخوف الحقيقي منهم كما انه كان لا يزال يريد أن يعرف أكثر.
ذات مرة حضر تلك التجارب روبرت مع بروفيسور بل, كانت تجربة قاسية وسادية بشكل لا يُصدق. كان روبرت يلهو به بالضبط كدُمية وكأن روبرت طفل صغير سعيد بتلك الدُمية التي أهادها له أبوه في عيد مولده الأول أو الثاني على أفضل تقدير, طفل صغير لا يدرك أي شيء ولا يفهم إلا اللهو, لقد كان حقا طفلا صغيرا يلهو بدُمية هو على يقين أنه لا يشعر بأي شيء وأنه لن يعاقبه في أي وقت على ما يفعل, كما انه أباه يقف في الخلف مع أمه سُعداء بما يفعل بل ويُصفقون له ويحثونه على المزيد وهم يضحكون ويصرخون, المزيد...... المزيد يا روبرت. بكى في تلك اللحظة لم يستطع أن يخفي مشاعره هذه حتى شعر أنهم ربما يلحظون ذلك ولكن اللعبة التي في أيديهم كانت تشغلهم عن رؤية ذلك فهم على يقين أنه مجرد دُمية بلا مشاعر أو عقل.
ظل جيمس حبيس الفراش عدة أيام بعد ذلك, فقد كان جسده يؤلمه من شدة ما تعرض له من تعذيب أثناء لهوهم به, وكانت ألامه النفسية أشد وطأة من ذلك. كان يفكر فيما يتعرض له وفيما يجب أن يفعل, بعد عدة أيام بعدما تعافى جسده قليلا, أستغل انشغال الجميع عنه وأخرج العقد الذي أبرمه مع روبرت, صُدم بشدة مما قرأه, لقد وقع على ما لا يكن يظنه, أنه حقا عبد لدى روبرت يمكنه أن يفعل به ما يشاء, هنالك أيضا بنود في العقد مُرقمة فقط دون أن يكتب فيها شيء يمكنهم ببساطة شديدة أن يكتبوا فيها ما يشاءون. فكر في تلك الكارثة التي هو فيها, كيف له أن يتخلص من ها الكابوس الذي يعيش فيه؟. لم يجد طريقا لذلك فهو محاصر من كل جانب. العقد مُلزم له في كل بنوده وأكثر من ذلك انه لا يمكنه نتيجة لمرضه الشديد الهروب من المكان الذي يقيم فيه وقد أصبح على يقين أنه لا يعرف أين هو بالضبط, ربما في أي مكان في العالم وحتى ربما في باخرة تجوب البحار حتى لا تكون تحت طائل القانون وربما حتى في الفضاء الخارجي أو على كوكب أخر فهم سوف يفعلون كل شيء يجعلهم بعدين عن أيدي القانون وبكل الطرق. حتى لو أستطاع أن يهرب من كل ذلك بمعجزة و قال أن العقد غير قانوني فمن سيسمع له فكل كل شيء من البداية كان خارج الإطار القانوني والشريحة موجودة بالفعل في داخل عقله يمكنكم في أي وقت التحكم فيه وجعله يقول بنفسه أنه موافق على ما حدث بل وأن يرجع بإرادته لاستكمال التجارب عليه.
لم يجد طريقة تمكنه من التعامل مع هذا الموقف الصعب ولكنه لم يصل لمرحلة اليأس, كان عليه رغم كل شيء أن يؤكد للجميع أنه لا يعرف شيء حتى في طريقة الكلام أو نظرات العيون التي تفضح كل شيء. كان على يقين أنهم لن يترددوا عن فعل أي شيء لو شكوا فقط أنه يعلم الحقيقة, كان لا يزال يفكر ولكنه لم يصل لشيء وخاصة أن حالته الصحية كانت تزداد سوء, لم يكن يفهم ماذا يفعلون بالضبط؟.
كان يسأل نفسه:
- هل أوقفوا كل التجارب لتحويل خلاياه الطبيعية لخلايا سرطانية حتى يتأكدوا من أنهم يتحكمون فيه بشكل كامل؟. إلى أي مدي يريدون أن يصلوا؟.
هل ينون أن يتحكموا في كل شيء فيه؟
أن يتحكموا في عملياته الحيوية كهضمه وتنفسه وفي نبضات قلبه وفي ومضات عقله؟.
هل يريدون أن يتحكموا في جسده وعقله ووعيه وحتى لا وعيه؟.
ماذا سيحدث له في تلك اللحظة؟.
هل سيصبح حقا عبدا أسيرا لشهواتهم ونزواتهم؟
بل أكثر من مجرد عبد فالعبد يمكنه حتى التذمر والرفض بل وحتى الهرب, بل فأر تجارب لا حول له ولا قوة بل ربما أكثر, لقد أصبح شيء لم يعد هو قادر على وصفة.
حينما شعر أنه هالك لا محالة مع استمرار انتشار المرض في كل أجزاء جسمه وفي دمه وتوغله وسيطرته تماما عليه بدأ العلماء بإيقاف نمو هذه الخلايا بشكل كبير ثم بدأ بعد ذلك حقنه بفيروسات تحمل شفرات وراثية معينة تهدف إلى تغيير نهج الخلايا من خلايا سرطانية لخلايا وظيفية حسب مكان كل خلية. كانت الطريق طويلا لكن الحوافز المالية الكبيرة والذعر الكبير الذي أشاعه روبرت فيهم مع بعض التحفيز بما سيحقونه من نجاح وسبق علمي سوف يُخلد أسمائهم للأبد بلا منازع جعلهم لحد كبير لديهم حماسة كبيرة لذلك.
جيمس كان يحاول أن يرفض تأثير الفيروسات داخل جسمه, كان في عزلته هذه قد قرأ كثيرا عن أمكانية إيقاف أو عكس مفعول أي عقار أو مرض فيروسي أو بكتيري في جسم الإنسان عن طريق تدريبات معينة وكان من قبل قد بدأ ذلك مع مسكنات الألم التي كانت تُعطي له وحتى مع المورفين لذلك كان يظل في حالة وعي جزئي حين يعطونه جرعات المورفين أثناء لهوهم به, كان يحاول إيقاف مفعولها, كان ذلك يسبب له ألم شديد للغاية ولكنه كان بين أمرين, سعيد لأن الدواء يعطي مفعوله المسكن والذي يخفف كثيرا من ألمه وحزين في نفس الوقت لأنه أصبح يعاني بشكل أكبر مع تفاقم المرض. لم يكن لدى جيمس رفاهية الاختيار لذلك أستمر في محاولاته حتى بدأ يشعر بتقلص تأثير عقاقير المسكنات عليه. لم يكن يعلم الحقيقة بالضبط, هل حقا نجح في ذلك أم انه بسبب زيادة انتشار السرطان وما تبعه زيادة في مستوى الألم الذي يحدث له, كان يُظهر مدى تعرضه للألم بشكل أكبر مما يعاني فعلا لكي يتم زيادة جرعات مسكنات الألم وكان يتوقف عن مقاومة تأثيرها وحين ينخفض الألأم بشكل كبير كان يقوم بمقاومة أثر العقاقير وكان ينجح أحيانا في تلك فيصرخ من الألم بعد هدوء لفترة قصيرة. كان سعيدا بذلك وكان ينتظر أن يستطيع إيقاف تأثير العقاقير بشكل كامل. مع طول المحاولة نجح في ذلك ولم تعد أي عقاقير تؤتي ثمارها حتى أصبح المورفين هو العقار الرئيسي له ومع ذلك ورغم أن المورفين مخدر قوي إلا أنه مع الوقت أستطاع أن يوقف تأثير المورفين عليه بشكل تدريجي حتى أصبح عقار المورفين لا يتسبب في أي تأثير له سواء كمخدر أو كمسكن للألم.
ما لم يكن في الحسبان هو أنه حين خضع لتلك الفيروسات أكتشف أن الأمر مختلف تماما فقد فقد السيطرة نهائيا على تأثير المورفين من جهة ومن جهة أخرى لم يكن يستطيع أن يوقف تأثير الفيروسات التي كانت تعبث بجسده كما تشاء كما كان يفعل مرض السرطان من قبل, عاد له شعوره بالضعف والعجز وبدا مستسلما تماما لما يفعلونه.
بالرغم من أن محاولاته لإيقاف تأثير الفيروسات في جسده والتي عرقلت التقدم في العلاج بشكل مؤقت إلا أنه حين أستسلم تماما للتجارب الجديدة أصبح مفعول تلك اللقاحات أكبر وأسرع. استطاعت الفيروسات المحقونة تغيير ترتيب الجينات وتعديلها بل وحتى إيقاف نشاط بعض الجينات وتنشيط أخرى حتى تستطيع هذه الخلايا الجديدة أن تصبح خلايا وظيفية كما استطاع التعديل الجيني هذا من تعديل بعض الخلايا في الأجهزة المختلفة من الجسم لتصبح خلايا جذعيه قادرة على إعادة بناء الأعضاء بشكل كامل وجديد وبالطريقة التي يريدوها تماما. كان مرض السرطان قد أصبح تحت تأثيرهم خلال عام كامل. لم يعد له حول ولا قوة كما أصبح أيضا جيمس. كلاهما كان يرفض ما يحدث ولكن لم يكن بيده ولا بأيد تلك الخلايا شيء. بالرغم من أن الخلايا السرطانية كانت تحاول رفض التغيرات الجنية الجديدة وتحاول استعادة قدرتها على الانقسام السريع والانتشار في جسد جيمس والذي كان متحمسا هو الأخر لذلك بل ومحبذ له فنمو السرطان داخل جسده أقل قسوة مما يفعله روبرت ومعمله فيه, لقد شعر لأول مرة برأفة مرض السرطان به أكثر بكثير من بني جنسه. كان جيمس هو الأخر يحاول مقاومة كل هذه التغيرات ومساعدة مرض السرطان على استعادة قدراته و الانتشار السريع في جسده ليخلصه مما هو فيه ولكنه بالرغم من التعاون غير المتصل بينه وبين خلاياه السرطانية إلا أنه لم يحدث أي نجاح مطلقا. كانا عليها الاستمرار في المقاومة وحتى لم يكن هذا مثمرا.
فكر جيمس بعدما قرأ عن التواصل بين بروفيسور عدنان وخلاياه السرطانية, فكر أن يحاول التواصل بينه وبين خلاياه السرطانية هو الأخر. كان يعلم جيدا أن الطريق سيكون طويلا وصعبا بل ومحفوف بالمخاطر ولكنه لم يكن لديه خيار أخر كما أنه لم يكن هنالك ما يخسره والوقت أمامه كان طويلا وبلا معنى تماما. لذلك فقد بدأ يقرأ أكثر وأكثر عن تجربة بروفيسور عدنان, كان معجب بالتجربة ولكنه كان كارها لبروفيسور عدنان صاحب تلك الفكرة التي جعلته في هذا الموقف بالرغم من أن بروفيسور عدنان لم يكن طرفا أبدا فيما حدث له, إلا أنه وضعه أمامه كمتهم ومسئول عما حدث له وأضافه بشكل أو أخر لقائمته الطويلة من سلسلة الانتقام حين يتعافي ويصبح الرجل السرطاني الجديد, كان لابد أن يصبح أقوى وأشرس واحكم وأعقل وأذكى وأمور كثيرة أخرى لابد أن يكون فيها أكثر تقدما عن بروفيسور عدنان. كان هذا أمرا أساسيا لا مناط فيه. وضع عدنان رقم ثلاثة بعد روبرت وبل, أحيانا كان يضعه رقم أثنين بل وأحيانا كان يضعه في المقدمة. كل هذا كان دافع له للتواصل مع خلاياه السرطانية المهددة من قبل روبرت ومعمله الجهنمي هذا.
لم يكن لليأس مكان في تلك اللحظة. كان هو متعبا للغاية وكذلك كانت خلاياه السرطانية. كلاهما أصبح خاضعا تماما لسلطان روبرت وبل وجميع العلماء في هذا المختبر. بالرغم من أن العلماء أصبحوا مشغولين بشكل كبير عن اللهو به في أوقات فراغهم كما كانوا يفعلون من قبل, إلا أنه أصبح أكثر كراهية لهم, كان يضعهم بالترتيب في أجندة انتقامه المُخزنة في عقله وحسب بل وفي نقطة عمقيه منه, كان لابد أن تبقى تلك الأجندة مخزونة في عقلة حين يتحول لرجل سرطاني بالكامل, لابد أن لا تُمحى هذه الأجندة من ذاكرته أبدا حتى لو تحول كاملا لشخص أخر. لذلك كان مصمم على التواصل مع خلاياه السرطانية المقهورة ليخزن في كل جزء منها في جدار الخلايا وفي سائلها وفي نواتها وداخل كل جين فيها تلك المعلومات الأهم عنده. لابد أن لا تضيع أبدا تلك المعلومات.
فكر في طريقة أخرى يخزن بها تلك المعلومات, قرأ كثيرا عن السجلات الأكاشية وتاريخها ومفهومها وكيف يتعامل معها. كان قد علم أن السجلات الأكاشية هي مخزون معلومات الكون, بهذه السجلات تخزن جميع المعلومات عن الماضي والحاضر بل والمستقبل أيضا. يمكن لمن يستطيع التواصل معها أن يعرف ماضي البشر وحاضرهم وأيضا مستقبلهم. لمدة ثلاثة أشهر من محاولات التواصل معها, لم يكن يريد أن يعرف الماضي أو المستقبل كما كان يفعل غيره, بل كان جل ما يريده هو أن يخزن تلك المعلومات فيها وأن يستطيع بعد ذلك استعادة تلك المعلومات من هذه السجلات حين يحتاجها. كان قد يأس من ذلك وبدأ يتواصل مع أناس حول العالم تحدثوا عن قدرتهم على التواصل مع السجلات الأكاشية وعرض عليهم مبالغ كبيرة لكي يعطوه سر الوصول لتلك السجلات وطريقة استدعاء المعلومات منها.
جيمس كان هاكر مُخضرم وليس من السهل خداعه فهو قد خدع قبل ذلك كبار رجال الأعمال حول العالم ومع هذا كان مضطرا للتعامل مع هؤلاء الأشخاص دون تحفظ كما كان يفعل دائما. شاب هندي يُسمى نفسه كُمار الحكيم أخبره أنه يستطيع أن يعرف الماضي والحاضر والمستقبل عبر التواصل مع السجلات الأكاشية. طلب منه جيمس أن يخبره عن ماضيه كطريقة ليعرف به مدى صدقه. لم يعطه إجابة سريعة بل أستغرق ثلاثة أيام ليعطيه نبذة مختصرة عن تاريخه. كان جيمس يشعر أن تلك المعلومات يمكن لأي شخص أن يحصل عنها بالبحث الدقيق عنه عبر الانترنت, لكن كُمار هذا قال له بسخرية:
- أتظن أن السجلات الأكاشية ستكتب عنك الكثير؟ من أنت حتى تكتب عنك أكثر من ذلك؟.
قال جيمس له:
- لكن تلك المعلومات التي ذكرتها يمكن لأي شخص الوصول إليها لو بحث عني قليلا.
قال له كمار:
- ماذا تريد بالضبط؟.
قال جيمس:
- أريد معلومة عني لا يعلمها إلا أنا؟
قال كمار وهو يبتسم بعد صمت طويل:
- لقد سرقت سبعة ألف دولار من حساب عمك طومسون انتقاما منه حين صفعك على وجهك, كان ذلك هو كل ما يملكه عمك مما تتسبب في مرضه لعدة أشهر ثم مات محصورا بعد ذلك.
حينها صمت جيمس قليلا يتذكر ما حدث, لم يخبر أحدا بما فعل أبدا ولم يعرف عمه هذا ولا أحد من أقاربه أبدا بهذا. كان الجميع يبحث عمن فعل هذا بطومسون ولكن أحدا لم يعرف الحقيقة سواء قبل أن يموت طومسون أو بعد ذلك. بعد قليل قال لكمار:
- كيف عرفت ذلك؟. أمن السجلات الأكاشية ؟.
تبسم كمار له وقال: أو ليس هنالك إلا السجلات الأكاشية؟.
قال له جيمس :
- عندي سؤالين لو أجبتهما سأحول لك المبلغ الذي تطلبه.
قال كمار:
- ما هما؟.
قال جيمس:
- الأول, ماذا تعرف عني في الحاضر والثاني ماذا تعرف عني في المستقبل؟.
قال كمار:
- أما الأول (قال وهو يتظاهر بالألم) فانك تخضع لتجارب علمية قاسية وأما الثاني فمستقبلك غامض لأنه به تفريعات كثيرة لا حصر لها.
قال جيمس:
- هذه ليست إجابة قاطعة.
قال كمار:
- نعم لأن مستقبلك به تفرعات كثيرة تعتمد عما سيفعله الآخرون بك وبما ستفعله أنت بالآخرين.
صمت جيمس بعض الوقت ثم قال:
- سأحول لك المال لكي تعلمني كيف أتواصل بطريقة حقيقة مع السجلات الأكاشية.
أنتظر جيمس بعد التحويل طويلا أن يتصل به كمار ولكنه لم يفعل, حاول هو أيضا أن يتواصل معه لكنه لم يكن يجيب عليه, شعر جيمس انه قد خُدع من جانب كمار كما كان يتوقع. شعر بالغضب والحزن الشديد لما حدث له. زاد ذلك همه وحزنه ومرضه, وزاد كل ذلك أكثر عدم قدرته على التواصل مع خلاياه. كاد كل ذلك أن يقضي عليه تماما. فكر في الانتقام من كمار, لقد كان محترفا في اختراق حسابات الآخرين. أستطاع بالفعل أن يصل لحساباته البنكية وكان يمكنه أن يسحب منها ما يشاء, لأول مرة لم يكن لديه نهم نحو المال بل كان لمجرد الانتقام وحسب وقبل أن يقوم بهذه العملية وجد اتصال يأتيه من كمار, كان متعجبا من التوقيت. لماذا في هذا الوقت بالذات الذي هم فيه بسحب المال؟.
كان صوت كمار مجهدا وقال له:
-- إنني أتعذر عن التأخر في الرد عليك لقد أصبت بوعكة صحية شديدة.
قال له جيمس في تهمك:
- ألم يكن مسجل هذا في السجلات الأكاشية؟.
قال له كمار وهو يجاهد لكي يتحدث:
- لقد قلت لك أن السجلات الأكاشية لا تسجل إلا الأمور الهامة وحسب. أما الأمور التافه فلا.
تحدث معه كمار طويلا عن تدريبات يجب أن يفعلها خلال اليوم, كان يُدير ساعات من الحوارات معه, كان الحديث متنوعا بشكل كبير. كانت تشمل أمور حياتيه عادية في كثير من الأوقات. أحيانا يسأله عن حياته السابقة والحالية وكذلك عن فهمه للمستقبل. أما التدريبات فكانت تعتمد بشكل رئيسي على التأمل. ساعات من التأمل كل يوم دون هوادة أو تردد, كان لا يكل ولا يمل منها. ظل كذلك شهرا كاملا ولكن دون جدوى. بدأ يشعر باليأس من نجاحه ومع ذلك أستمر يمارس التأمل والتدريبات الأخرى حتى وصل إلى حد اليأس ولكن كمار قال له:
- إنك في منتصف الطريق ولا يجب أن تتراجع ومع ذلك لم يعد متحمسا كما كان في السابق.
في تلك اللحظات كان كمار يُكثر من الحديث معه لساعات أطول عن السجلات وكيف تعمل تلك السجلات وكذلك عن حياته الشخصية وكل ما يخصه. مع الوقت أصبح يشعر أحيانا بحالة تنتابه لم يكن يفهما في البداية. كان يشعر بأن جسده في حاله قريبة من التخدير ولكن التخدير في جسده وحسب ولكن عقله كان متيقظا تماما. بدأ يشعر أنه يمكنه أن يرى الماضي الخاص به, كان سعيدا بهذا كان يراه كأنه فيديو مسجل لأحداث كبرى وكذلك أخرى صغيرة للغاية عن حياته, لم يكن يظن أنه سيستطيع يوما أن يصل لذلك. بدأ أيضا يرى الأحداث الحالية كان يبكي حين يرى ما وصل إليه. بعد أيام بدأ يرى المستقبل, بالرغم من أنه كان مبهما بشكل ما إلا أنه كان يوحي بأنه سيكون شخصية عظيمة ومؤثرة في المستقبل. كان يرى نفسه قد أصبح شخصا جديدا تماما من الخلايا السرطانية. كان في تلك اللحظات يرى نفسه قوي البنية, أكثر من ثلاثة أمتار طولا بكثير وربما يناهز الأربعة أمتار طولا وعرضه يقارب المتر من منطقة صدره وأقل منه في منطقة الخصر, كانت ساقاه أطول من طوله كله سابقا. أصبح عملاق حقا وأهم من ذلك هو قوته الجسدية الواضحة, رأي صورا له يحمل طنا كاملا بين ذراعية بسهولة كبيرة ورأى نفسه يكسر حائط من الأسمنت المسلح بكل يُسر. كان يجري أسرع من الفهد بكثير. كانت سرعته تناهز سيارة سباق حديثة. في عراك مع فرقة عسكرية مسلحة بأسلحة كثيرة منها ثلاث دبابات ومدفع وعدد من الصواريخ ومعها أيضا عدد كبير من الرشاشات مختلفة العيار. في حربه هذه هزم مائة عسكري مدرب وذو بينة عضلية كانت لتخفيه في الماضي أما في تلك اللحظة فكان يسخر منها. ضرب الدبابة المتقدمة نحو بيده اليمنى فغارت في الأرض وضرب بساعده الأيسر الدبابة التي خلفها فطارت في الهواء ثم أصدمت بمنيي ضخم فتهاوي في لحظتها. أما الدبابة الثالثة فقد أطلقت إحدى قذائفها وقد أصابت منطقة صدره وبدلا من اختراق جسده حدث ما أدهش جميع المشاهدين للحدث, لقد تحطمت القذيفة على صدره دون أن تؤذيه. لقد كان هو أيضا مندهشا من قوته هذه. تحرك سريعا ناحية تلك الدبابة ورفعها بيديه فوق رأسه بسهولة ويسر ثم ضرب بها ثلاث عربات مُصفحات أمامه فاشتعلن في نفس اللحظة.
أما أكثر اللحظات إبهارا ورعبا في نفس الوقت, هذه القذيفة المدفعية الكبيرة التي صدرت من مدفع ذو عيار كبير, لقد أبتلع ريقه وهو ينظر إلى تلك القذيفة وكان على يقين أنها ستقتله لا محالة لذلك فقد أغمض عينه لبرهة ولكنه تدارك أنه يجب أن يرى ما سيحدث له في المستقبل لذلك فقد نظر سريعا لكي يرى ما سيحدث. لقد ضربت القذيفة صدره بقوة ولكنها بدلا من أن تنفجر فقد ارتدت بعيدا عن جسده ثم انفجرت في الهواء بصوت مُدوي وضوء قوي وتناثرت الشظايا في كل مكان. الجميع كان مندهشا مما يرى أمامه ما هذه القوة المفرطة التي يرونها أنه واحد من سوبر هيرو الأفلام التي كانوا يشاهدونها في الماضي بل ربما أكثر من ذلك.
أما اللحظة التي تنهد فيها الجميع حتى هو فكانت اللحظة التي طار صاروخ في الهواء باتجاه أستطاع أن يتفاده فضرب بكل قوة مبنى كبير خلفه فدمره تماما, الجميع كان يقول ماذا كان سيحدث له لو أصابه؟ ولكنهم لم ينتظروا كثيرا فقد أصابه صاروخ أخر في صدره وأخترق صدره لأول مرة وخرج من ظهره. وفي تلك اللحظة شعر الجميع بأنه لابد هالك لا محالة حتى هو ولكن ما حدث صدم الجميع وصدمه هو. قد أصابت صدره. تعجب مما حدث له فقد بدأ جسده أعاده بناء ما أحترق وتدمر من جسده. خلال دقائق معدودة بينما الجميع لا يُصدق ما يحدث عاد جسده سليما مُتعافيا بل وأكثر قوة. لم تتوقف المدفعية وراجمات الصواريخ عن أطلاق النار عليه وهو واقف في شموخ تام لا يفعل شيء. أصاب صاروخ ذراعه الأيمن ثم أصاب أخر ذراعه الأيسر فأصبح أكتع في لحظة واحدة, ثم أصاب صاروخ أخر ساقه اليمنى فأنقطع وسقط على الأرض حينها نظر حزينا على نهايته التي لم يكن يتمناها أبدا. أصابه الهم ولكن حين سقط على الأرض بدأ جسده يجمع نفسه مرة أخرى ويعيد بناءه فأصبح ذراعيه أقوى مما كان وأصبحت ساقه أقوى مما كانت ثم عدل ساقه الأخرى لتصبح بقوة الساق الجديدة في لحظات قليلة كان مشهدا مهيبا ورائعا. الجميع كان منبهرا بما يرى حتى الجنود أنفسهم. كان يبكى من السعادة وتذكر كائن المُدوسا الأسطوري والتي كلما قطعت رأسه عادت ونبتت اثنتان ولكنه لم ينبت اثنتان بل واحدة ولكنها أقوى. أصبح سعيدا بقوته الجديدة, الجميع كان في حالة من الذهول في تلك اللحظة أكثر من كل لحظة سابقة. أصبح الجنود على يقين أنهم سوف يفشلون لا محالة. كل ذلك كان رائعا بالنسبة له. كان يتحرك يمينا ويسارا يدمر بيده العارية المدرعات دون أن يٌخدش حتى. خلال دقائق كان قد قضى على تلك الفرقة كاملة لم يبقي منها أحدا والجميع في حالة من الإعجاب والذهول والكل يُصفق بشكل جنوني. كان سعيدا بذلك وأصبح متحمسا ليكمل طريقه في العلاج والتحول.
أصبح يحلم بأكثر بكثير مما كان في السجلات الأكاشية الخاصة به. بدأ يفكر أن يخزن تلك المعلومات في هذه السجلات, لم يكن يعرف كيف يحدث هذا ولأنه أصبح أكثر ثقة بكمار فقد تحدث معه ذات مرة عن كيفية تخزين المعلومات في السجلات الأكاشية في البداية لم يفهم كمار السؤال لذلك قال له:
- ماذا تعني بذلك؟
قال جيمس:
- أريد أن أخزن أنا معلومات تخُصني في السجلات الأكاشية ويمكنني أن أستعيدها بعد ذلك حين أحتاج إليها.
قال له كمار في حيرة:
- للأسف ليس لدي خبرة سابقة في تلك النقطة, لم تدر ببالي من قبل ولا أظنها دارت ببال أحد من قبل, أتريد أن تجعل السجلات الأكاشية العظيمة حاسوبك الخاص؟.
تبسم جيمس وقال له:
- وهل هذا غير جائز؟.
قال له كمار:
- في الحقيقة لا أعرف ولكن يمكن أن أسال الحكيم الأكبر عن ذلك.
قال له جيمس:
- سأنتظر أجابتك وأرجوا أن تكون سريعة بما يكفي.
لم يشعر جيمس بالراحة من كلام كُمار وتردده حين سأل عن ذلك, كان متعجبا, إذ كيف لم يفكر أحد في هذا من قبل. كان يظن أنه سيقول له أن ما تريد تخزينه في السجلات لابد أنه موجود فيها بالفعل وأنا سوف أعلمك كيف تجلبها وحسب, لكنه لم يفعل. بدأ يفكر في الأمر كله من جديد. لقد واتته فكره أرعبته في تلك اللحظة.
لقد كان الاتصال مع كمار دائما ميسرا دون صعوبة تذكر من جانب العاملين في المختبر, فلم يعترض أحد على تواصله مع أحد خارج المختبر وكذلك لم يدخل أحد عليه غرفته أثناء جلوسه مع كمار ومحادثته والتعلم منه ولا حتى في ساعات التأمل الطويلة الخاصة به. بدأ يجمع النقاط أمام عينه حتى فكر أنها ربما خدعة منهم. فكر ولكن ما الفائدة منها. وجد الإجابة بعد حين.
قال في نفسه:
- يريدون أن ينفذوا إلى نقاط أعمق في عقلي, نقاط لم يصلوا إليها من قبل. كذلك يريدون زرع الفكرة أكثر في عقلي وتحفيزه على المضي قُدما في المشروع.
كانت تلك الفكرة قد سيطرت على عقله لذلك أصبح مصرا على أن لا يخبر أحد حتى كمار بما كان يريد وضعه في السجلات الأكاشية. أنتظر بشغف ما سيقوله له كمار.
حين تواصل معه كمار لم يعد لديه شك في ذلك فقد بدا كمار متغيرا ومترددا وخائفا و قال له:
- لقد سألتني سابقا هل يمكن أن تخزن المعلومات التي تريدها في السجلات الأكاشية والإجابة الصادمة هي نعم ولا.
قال له جيمس في تعجب:
- ماذا تعني بذلك؟.
قال كمار في تردد:
- أقصد أنه يمكن ذلك ولكن عن طريق شخص وسيط بينك وبين السجلات, شخص يمكنه أن يوصلك بالسجلات الأكاشية.
قال جيمس في تعجب:
- ماذا يعنى ذلك؟.
قال كمار:
- يعني انه سيكون هنالك وسيط يساعدك على إدخال تلك المعلومات.
قال جيمس في ريبة:
- ومن هذا الوسيط إذا؟. أهذا أنت؟.
قال له كمار:
- بالطبع ليس أنا فهو أمر يحتاج لشخص ذو مكانه أعلى.
قال جيمس:
- من هو إذا؟.
قال كمار:
- الحكيم زوورا.
صمت قليلا جيمس وقد أتخذ قرارا داخليا أن لا وقال له:
- بالطبع أنا موافق.
في تلك الفترة أصبح جليا أمام جيمس الحقيقة فطريقة الحديث ولغة الجسد والمصطلحات المستخدمة لا تمت بصلة بالمصطلحات الأكاشية. لقد فهم جيدا الحقيقة وأصبح يفكر ماذا عليه أن يُعطيهم من معلومات؟. إن أكثر ما يهم هؤلاء هو الثروة والثروة بالنسبة لهم تعني كل شيء, هم بالطبع لا يعلمون أنه قد كشف الشريحة التي في ذهنه كما أنهم لا يعلمون أنه قد كشف خطتهم معه لذلك أصبح عليه أن يعرف ماذا عليه فعله جيدا.
كان لابد أن يكشف لهم بعض الأمور حتى لا تُكشف خطته وكما كان يعلم حبهم للمال فكان عليه أن يكشف لهم عن بعض ثروته, هو مازال يتابع ثروته لذلك فهو يعلم جيدا أن ثروته كاملة ولم يصلوا إليها وهي ثروة كبيرة بالفعل, لذلك فقد فكر أن يعطيهم بعض أرقام الحسابات الخاصة به سيؤكد لهم ذلك أن ما كان يريد إخفاءه في السجلات له علاقة بالثروة ولكنه كان يضمر لهم أمر خطيرا.
بعد عدة أيام كانت الجلسة الأولى له مع الحكيم زوورا. كانت مجرد جلسة تعارف, لم يطلب خلالها زوورا أي معلومات تخصه كما لم يلمح حتى من بعيد عن موضوع السجلات الأكاشية وتخزين المعلومات بها. لم يتعجب مما فعله زوورا, فكان من الواضح أنه شخص مخضرم وذو خبرة كبيرة في الحياة ليس مثل كمار كما أنه أصبح جليا له أنهم ربما شعروا أنه كان لديه بعض الشكوك لذلك فشخص مثل زوورا بلحيته الكثة وشعر رأسه الأبيض وطريقته الهادئة في الحديث مع نبرة الثقة الكبيرة في حديثه سوف يُؤثر بشكل كبير على جيمس وسوف يعيد له الثقة فيما يخص السجلات الأكاشية.
في الجلسة التالية, كان الحديث هادئ بينهما يملئه مشاعر الود والطمأنينة, لم يتطرق زوورا أبدا لموضوع تخزين المعلومات في السجلات الأكاشية وحين تطرق حتى جيمس لهذا الأمر أبدى زوورا عدم اكتراثه بالأمر تماما, بل كان يتطرق لموضوعات أخرى غير ذي صلة فلما ألح جيمس في الحديث عن تخزين المعلومات في السجلات الأكاشية قال له زوورا:
- لا تتعجل, سوف نتحدث في هذه النقطة في الوقت المناسب لذلك.
طريقة كلام زوورا وهدوئه وثقته الكبيرة في ذاته مع ملامحه التي تُوحي بطيبة القلب كانت قد أعملت شيء في قلب جيمس. شعر جيمس أن كل ما كان يدور في عقله هو مجرد وهم. ليس هنالك خطة من روبرت وبل وغيرهما للإيقاع به, بدأ يتذكر كل شيء منذ البداية, المعلومات التي عرفها عنه كُمار والتي لم يكن يعلم عنه أحد وليست في الذاكرة الحديثة والتي يسهل الولوج إليها, إنها ذكريات موجودة في أعماقه الداخلية وليس من السهل الوصول لتلك الذكريات. كذلك كان كمار صادقا معه دائما فلم يكذب أبدا, كما انه كان يكفيه المبلغ الكبير الذي حوله له لو كان ذو طمع في المال. لقد كان يشعر بالخجل من كمار ومن زووورا وحتى من أعضاء المختبر.
في اللقاء الثالث, كان الود هو السائد لذلك فقد تطرق جيمس بتروي لفكرة تخزين المعلومات في السجلات الأكاشية. كان زوورا هادئا كعادته وقال له بصوت رخيم:
- يا جيمس الأمور ليست سهلة كما تظن. أحيانا تبدو الأمور منطقية سأضع المعلومة في السجلات الأكاشية ثم سوف أستعديها وقتما أشاء, أليس هذا ما تظنه؟.
قال جيمس بهدوء وود:
- نعم بالضبط يا زوورا.
تبسم زوورا وقال له:
- إن السجلات ليست مثل الحاسوب, السجلات مدون بها الماضي والحاضر والمستقبل بطرق مشفرة ومعقدة, كل شيء موجود فيها ولكنه مشفر بشكل ما. كل واحد فينا يمكنه الولوج لتلك السجلات بطرق مختلفة وحتى فهم ما هو فيها بطرق مختلفة عن الأخر, تلك هي الحقيقة.
قال جيمس في حيرة:
- هل هذا يعني انه لا يمكن وضع المعلومات فيها ثم استرجاعها في أي وقت؟.
قال زوورا بهدوء:
- الفكرة جديدة في الحقيقة, الجميع يريد أن يأخذ من السجلات الأكاشية لا أن يُعطيها, ولما لا؟ ربما تعمل السجلات أيضا بتلك الطريقة بشكل ما, لست أعلم بالضبط. ما أستطيع أن أقوله لك, أنني أستطيع أن أساعدك في ذلك, لكن لأكون صادقا معك لا أضمن النجاح بنسبة مائة في المائة.
قال جيمس:
- بنسبة كم إذا؟
قال زوورا بابتسامة عريضة:
- لن تقل عن خمسين في المائة.
صمت جيمس قليلا ثم قال له:
- نسبة جيدة, ليس هنالك ما سأخسره.
على مدى عدة جلسات حاولا معا التواصل سويا بالسجلات الأكاشية ومع الوقت أصبح كلاهما يستطيع أن يصل لنفس المعلومات وفي نفس اللحظة, أصبح بينهما تخاطر بشكل ما.زاد هذا التخاطر مع الوقت حتى أصبحا قادرين على التخاطر طوال الوقت. لم يعدا بحاجة حتى للتواصل الهاتفي أو الاليكتروني. في تلك اللحظة أخبر زوورا جيمس أنه يمكن أن يبدأ بتخزين أول معلومة له في السجلات ثم سيكون عليه استرجاعها فيما بعد.
بدأت أولى محاولات جيمس في تخزين المعلومات..الفكرة كانت تقوم على تخزين المعلومة في السجلات الأكاشية ثم مسحها تماما من ذاكرته عن طريق تخاطره مع زوورا ثم على جيمس بعد ذلك أن يصل إليها من السجلات ذاتها وليس من ذاكرته فقد مُحيت منها. كانت معلومات شخصية عنه لم يستطيع الوصول إليها في السجلات الأكاشية. كان يقول لو أن تلك المعلومات موجودة أساسا في السجلات الأكاشية ولكن لا أستطيع الولوج إليها ربما بتلك الطريقة سوف أستطيع, لكنه لم يصل إليها لا هو ولا حتى زوورا لذلك كان يمكن أضافتها للسجلات. كانت المعلومة التي أراد أضافتها في السجلات عن تهكير حساب أستاذه الجامعي وبهذه الطريقة كان قد سرب امتحان مادته الخاصة بمُكافحة عمليات التهكير الاليكترونية كانت صفعة حقيقة لهذا الأستاذ المغرور ولمادته التي يدرسها. حدث جدل كبير في الجامعة وحاول الأستاذ بكل الطرق معرفة من الشخص الذي قام بذلك ولكن بالرغم من حرفيته لم يعلم من فعل ذلك. كان ذلك سببا لسخرية كبيرة بين الطلاب في كليته بل وعلى مستوى الجامعة وخارجها. لم يخبر أحد بذلك حتى صوفيا صديقته الحميمة, كان دائما ذكيا يفرق جيدا بين المشاعر والعمل, كما انه لم يكن من الأشخاص الذين يحبون التفاخر بين الناس بنجاحهم بل فقط كان يحب أن يتفاخر بينه وبين نفسه وكذلك يحب رؤية الأخر المغرور منهزما ولا يعلم من أين جاءته الضربة.
بعد عدة أيام طلب منه زوورا الوصول لتلك المعلومة, لم يكن يتذكرها تماما ولا يظن أنه فعلها, حاول الوصول لتلك المعلومة في داخل السجلات الأكاشية وليس من ذاكرته بعدما مسحها زوورا عن طريق التخاطر بينهما. واجهه صعوبة كبيرة في ذلك. لم يمل من المحاولة رغم الفشل. كان مستمر في محاولاته حتى كان يظن أنه لم يفعل ذلك الجرم وأن ذلك ما هو إلا مجرد وهم من ابتكار زوورا ليُفقده الثقة في نفسه أو ليجعله ينظر لنفسه نظرة سلبية. كان دائم الشك في الآخرين. لكن بعد عشرة أيام من المحاولة نجح في ذلك. كان سعيدا بذلك فهو لم يشعر بالسعادة منذ وقت طويل. كل ذلك زاد من ثقته بزوورا.
لقد بدأ ينسى كمار تماما وأكثر من ذلك كان قد بدأ ينسى كل شيء عن التجارب التي تحدث له. لقد كان في مرحلة حرجة من التجارب, حيث أستطاع فريق من الباحثين من تقليل حجم التوليمرات في الخلايا السرطانية ليتحكموا في انتشارها بشكل كبير, نجحت الفكرة وأصبحت الخلية جاهزة لتحويلها لخلايا وظيفية طبيعية. كانت أجزاء كثيرة من الجينات تُعطي له عن طريق الحقن بعد ربطها بفيروسات مثل فيروس كورونا حيث تتحرر تلك الجينات بعد دخولها للخلايا السرطانية لتلتصق بجينات الخلايا السرطانية, تلك الجينات معدلة ومعدة خصيصا للوظيفة الجديدة لها. بعد العديد من التجارب على الفئران بعضها كان ناجحا وبعضها قد فشل بدأ الجميع يفكر في أجراءها على جيمس وبالطبع دون أخباره. كان الفريق سعيد بانشغال جيمس عن التجارب مع زوورا. كانوا على علم كامل بما يدور ولكنهم لم يتدخلوا فهم كانوا على ثقة من أن كل المحاولات غير العليمة من وجهة نظرهم لن تؤدي إلى شيء. استمرت التجارب وكان الفشل هو العنوان الرئيسي فالتجارب على الفئران لا علاقة لها بالتجارب على البشر, كثير من التجارب على الفئران لا تصلح للبشر بل لا تصلح على حتى بعض أنواع الجرذان الكبيرة من نفس فصيلة الفئران, لكن الفريق العلمي كان مصمما على النجاح, لكن الفشل كان مخيما. لذلك كانت الطريقة الأخرى وهو حقن الجينات مباشرة بالدم وهي معروفة بالذهب النانو والذي يمكن بسهولة عليه دخول الخلايا السرطانية, فكان الجين يدخل الخلايا مع ذرات الذهب النانو مترية في قطع صغيرة ثم يُجمع داخل الخلايا بأوامر مباشرة من خارج الجسم من العلماء أنفسهم. كانت هذه التجربة ذات نتائج أفضل نسيبا ونجحت مع الوقت في تحويل الخلايا السرطانية في البنكرياس لخلايا بيتا لإنتاج الأنسولين. خلال عدة أيام من نجاح التحويل بدأ مستوى السكر في الدم ينخفض في جسم جيمس والذي كان يعاني دائما من ارتفاع نسبة السكر في الدم مع الوقت قلت كمية الأدوية التي كان يحصل عليها حتى توقفت تماما. كل ذلك لم يكن يشغل بال جيمس رغم أن هذا التحول نوعي جدا. أحتفل العلماء بالنجاح في ذلك بوجود جيمس والذي كان مشغولا عنهم بمحاولاته النجاح في تخزين المعلومات على السجلات الأكاشية, لقد كان معهم وليس معهم, هو يحتفل بنجاحه في وضع معلومة على السجلات الأكاشية وهو يحتلفون بنجاحهم في تحويل خلايا سرطانية لخلايا وظيفية تنتج الأنسولين النشط الجديد الذي يمكنه دخول الخلايا وحرق السكر دون مقاومة من الخلايا. الجميع كان سعيدا ولكن لأمر يخصه هو.
على جانب جيمس وزوورا فقد استطاعا معا النجاح في تخزين معلومات كثيرة تخص جيمس. لم تكن ذات أهمية لذلك لم تكن موجودة على السجلات الأكاشية ونجحا معا أيضا في استعادتها بعد ذلك. كانا يشعران بالسعادة والفخر بل بالمودة بينهما. كان لابد لجيمس أن يضع المعلومات الأهم في تلك السجلات ولكنه كان لا يزال لا يريد أن يعرف أحد حتى زوورا عن خطته تلك, لكنه في الحقيقة كان مضطرا لهذا, لذلك فقد وضعا معا معلومات تخص بعض الأموال في حسابات خاصة سرية في سويسرا والباهمامز. تلك الحسابات كانت صغيرة نسبيا. أنتظر جيمس أن يسرق زوورا تلك الأموال ولكن رغم مرور أكثر من ثلاثة أسابيع كاملة منذ وضع تلك المعلومات ولكن الأموال ظلت موجودة في حسابه وخاصة حين سجل ذلك في مذكرته وقد أنساها له زوورا وبعد عدة أسابيع ساعده زوورا في أستعادة تلك المعلومات ووجد أنها كاملة كما سجلها في مذكراته. تسبب هذا في زيادة ثقته بزوورا وكان لابد أن يقدم على الخطوة التالية. وضع المعلومات الأكثر أهمية عن المال, معلومات تخص أعداءه والذي لابد له أن ينتقم منهم حين يصبح الشخص الذي يريد أن يكونه.
بالرغم من الثقة الكبيرة بينه وبين زوورا إلا أنه فكر كنوع من الاحتياط في أن يعمل منفردا بدون زوورا, ليس فقط خوفا من أن يطمع فيه زوورا أو أن ينظر له نظرة دونية لأنه شخص يملك مالا كثيرا من خلال تهكيرة لحسابات الآخرين, بل أيضا لا يريده أن يعلم أنه يريد الانتقام ممن يعمل معهم الآن. كل هذا كان سببا في أن يفكر في العمل بمفرده. بدون زوورا بدأ يضع معلومات في السجلات الأكاشية ثم يسجلها في مذكرته الخاصة وبعد ذلك كان ينسى تلك المعلومات عبر مجموعة من الخطوات. بعد عدة محاولات نجح في أول مرة.
وضع أول ثروة ذات قيمة كبيرة نسبيا له في بنك سويسري على السجلات الأكاشية, كانت متوسطة القيمة ونسيها بطرقه الخاصة ثم أعاد استعادتها بعد ذلك. أجرى محاولة أخرى على مبالغ أخرى ثم نسيها بطرق الخاصة وسجل كل البيانات الخاصة بها في دفتره الخاص. بعد ثلاثة أسابيع فقد الأمل ملم يستطيع استعادتها. خابت آماله كثيرا في ذلك حاول ثم حاول عدة مرات ولكن دون جدوى, أضطر لفتح دفتره واستعادتها منه. كان ذلك سببا لغضب وحزن عميق له. حاول مرة أخرى بمبلغ أكبر وحاول استعادة المعلومات عن الأموال واستعادتها. بعد عدة محاولات نجح بالفعل. لم يكن يفهم كيف تجرى الأمور, لماذا ينجح أحيانا ولماذا يفشل؟. لم ييأس فلم يكن هنالك مجال لليأس أبدا.
استمرت محاولاته العديدة بين النجاح والفشل حتى أتقن تلك الطريقة, فهمها جيدا أودع كل أمواله في محاولة واحدة ولم يسجل ذك في مذكرته لأنه أصبح واثقا تماما من نجاحه, لم يكن متوترا وبعد ثلاث محاولات فقط نجح في ذلك تماما. أعاد المحاولة حتى استطاع استعادتها من أول محاولة أصبح يعر ف الآن كيف يسجل المعلومات في السجلات الأكاشية ثم كيف يمحوها من ذاكرته ثم كيف يستعديها بسهولة, أصبح أكثر ثقة في نفسه وقدراته, كان سعيدا تلك المرة ومنتشيا بما حقق.
ظل يعيد المحاولات مرة بعد أخرى حتى أصبح متحكما تماما بذلك, لكن حدث ما غير كل ذلك. ذات مرة في محاولة له لم يجد تلك الأموال, أستطاع الوصول إليها ولكنها لم تكن تخصه هو. كانت تخص شخصيات أخرى لا يعرفها. سأل نفسه:
لمن تعود تلك الحسابات؟.
لقد سُرقت تمام.
لم أعد أمتلك أي أموال نهائيا البتة.
أين ذهبت أموال؟
ومن سرقها؟.
ماذا على أن أفعل؟.
كان مضطربا.
بات يفكر في كل شيء.
لقد خُدعت من الجميع.
كُمار وزوورا بل من يعمل في هذا المختبر.
لقد كنت ومازلت فأر تجارب وحسب.
لم يفكر طويلا.
لم يعد يخاف العواقب.
لقد نسوا من هو حقا.
إنه الهاكر الأشهر في العالم مهما حدث.
تتبع تلك الحسابات واحد بعد الأخر. ربط بين تلك الحسابات وحسابات أخرى.
وصل إلى أمواله واستعادها ومعها ثلاثة أضعافها.
علم جيدا من هو كُمار وزورا وكل من خطط لسرقته ثم سرقهم كعادته.
كان يعلم جيدا ما سيتعرض له على أيديهم.
كان يعلم جيدا أنهم سيحاولون إرغامه على أعادة أموالهم بل وأمواله.
كان مستعدا لذلك.
أخفى الأموال عبر سلسلة طويلة ومعقدة للغاية من التحويلات, لم يكن يهتم حتى لو لم يستطع الوصول مرة أخرى لتلك الأموال.
لم تكن الأموال تهمه في تلك المرحلة, فهو إما ميت أو سوبر هيرو, في كلتا الحالتين المال لن يعنى له شيء, كان هنالك ما يهمه أكثر من المال, أنه الانتقام, أن ينتقم منهم حتى قبل أن يصبح سوبر هيرو. لقد ساعدوه بغبائهم وجشعهم وشرهم على أن ينتقم منهم مبكرا.
كان صامدا أمام محاولتهم استعادة أموالهم بل وأمواله, حاولوا كثيرا ولكن دون جدوى لقد خبأهم في أعمق أعماق عقله لقد أصبح خبيرا في ذلك. أصبح يعرف جيدا المستوى الذي يمكنهم الوصول له والمستويات التي لا يستطيعون الوصول إليها. لقد أصبح مُتمكن من خداعهم ونجح رغم كل شيء, لقد تعرض لكثير من التعذيب ولكن دون جدوى. كان سعيدا بنجاحه هذا. تسبب ما فعله في موت ثلاثة أشخاص من العاملين في المختبر لضياع أموالهم. الجميع أصبح يعلم انه لا ينبغي اللعب مع جيمس أبدا فهو رغم مرضه شخص ذكي للغاية وذو عزيمة لا تلين وحتى رغم الشرائح التي في مخه. لم يستطيعوا التحكم فيه كما كانوا يريدون, لقد أعلنوا فشلهم في ترويضه. هم أيضا لم ييأسوا وكان عليهم زراعة شرائح أخرى في دماغه أكثر تعقيدا وكفاءة, الجميع أصبح يلعب على المكشوف.
لم يتهم كثيرا جيمس بهم فهو أصبح يعلم حقيقتهم ومدى قوتهم وشدة ضعفهم. كان يشغله أمر أخر أشد أهمية لديه.
ما هي حقيقة السجلات الأكاشية؟.
لقد خاص في طريق التعرف عليها وفهما وقتا طويلا ولكنه مع ذلك لم يكن يفهمها جيدا وحتى لا يعرف إن كانت حقيقة أم مجرد خرافة. لقد تعرف عليها من خلالهم هم عن طريق كمار ثم زورا, لقد كان الطريق مهيأ له لكي يتواصل معها عن طريقها. هم من وضعوا كل شيء لكي يصل إلى ما وصل إليه. هم جروه جرا لذلك. في السابق كان يسمع عن تلك السجلات ولكنه لم يكن مشغولا بها أبدا ولم يفكر يوما في التواصل معها أو معرفتها.
كانت صوفية حبيبته تؤمن كثيرا بهذا الفكر وتعتقد فيه لكنه لم يكن يؤمن أو يعتقد بذلك. كانت تقول له أن السجلات الأكاشية أو السجلات الأثيرية أو السجلات السماوية هي مخزون معلومات العالم في الأثير سواء كانت معلومات تخص الأشخاص أو الكون كله. كان الأثير ذاته فكره قديمة ولكن العلم الأحدث قد رفضها ولكن مع الوقت عاد يتحدث عنها وان كان بصيغة مختلفة مثل المادة المظلمة والطاقة المظلمة وخاصة الطاقة المظلمة الموجودة في كل شيء ولكنها لا تتفاعل مع شيء. هذا بالضبط قريب جدا من مصطلح الأثير. كانت صوفية تجلس ساعات طويلة تتدرب على التأمل والتدرب وتمارس اليوجا والإسقاط ألنجمي وغيرها من التدريبات. كانت تؤمن بالإسقاط ألنجمي وغيره من الأفكار. كان هو يسخر تماما من تلك الأفكار. كان يعرف هدفه وطريقه. هدفه المال وطريقه هو تكهير البشر وخداعهم. كثيرا ما كان يستغل طمع الأشخاص الذين يريد تهكيرهم. يعطيهم القليل من المال ليأخذ منهم كل ما يملكون. كان يفهم طبيعة البشر ويلعب عليها.
كان على يقين أنها مجرد كذبة كبيرة كالمعتاد. لقد شاهد فيديوهات كثيرة عنها, كل ما كان يشغل هؤلاء هو فقط المال الذي يحصلون عليه من مشادة الفيديوهات والمال أيضا الذي يحصلون عليه ممن يتواصل معهم لكي يتصل بتلك السجلات. لقد كان يفهم هذا جيدا.
لقد أستدرج واحد منهم ذات مرة أيام كان هاكر مبتدأ. خدع واحد منهم وتواصل معه بحجة أنه يريد الوصول لتلك السجلات وبعد عدة محاورات طلب منه هذا الشخص أن يحول له المال. حول له جيمس المال وبالطبع لم يستطع هذا الشخص أن يوصله بالسجلات. جيمس لم يكن يريد أن يصل لتلك السجلات بل لحسابه. استطاع جيمس أن يعرف رقم حسابه وتفاصيله من خلال حديثه معه. لقد كان الشخص يقول في خلال الحديث معه معلومات كثيرة تخصه ومن خلالها أستطاع جيمس معرفة كافة المعلومات التي يحتاجها لتهكير حسابه. نجح جيمس في ذلك وحصل على أكثر من خمس وعشرين ضعف ما حوله له. أنتظر جيمس من هذا الشخص الانتقام. كان جيمس يراهن ذاته.
هل سينجح هذا الشخص للوصول إلي واستعادة أمواله؟.
كان على يقين أنه لو كان هذا الشخص له علاقة بالسجلات الأكاشية فانه لابد سيصل إليه ويستعيد أمواله بل وينتقم من جيمس ويسرق أمواله. كان جيمس ينتظر مع بعض القلق والخوف ولكنه كان يحب المغامرة لذلك كان متحمسا لذلك. مر يوم ثم اثنان ثم ثلاثة ثم شهرا كاملا وهكذا حتى نسي الأمر كله وترسب لديه أن كل هؤلاء مجرد مجموعة من الناصبين لا غير. فقد كان هذا الشخص الملقب قدير الأكاشي, أشهر واحد فيهم وليس هذا وحسب بل كان الجميع يُظهر له الاحترام والتقدير وفوق ذلك كانوا يذكرونه دائما في كل الفيديوهات الخاصة بهم كمرجعية لهم. لقد علم حقيقتهم ولكنه لم يعلم حقيقة السجلات الأكاشية, فهي مازالت لغزا لديه. لقد نسي أمرهم مع الوقت حتى احتاجهم في لحظة ضعف وسمح لهم بالنصب عليه. لقد خدعهم أيضا في تلك المرة وسرق كل ما يخصهم من أموال وكسر شموخهم ومن ساعدهم من المختبر. لقد خدعهم مرتين ولكنه لم يعرف حقيقة تلك السجلات.
لم يعد قلقا من أن ينسى أمر الانتقام من الجميع بعدما يصبح إنسان جديد من خلايا السرطان, فهو في الأساس قد فعل وقد انتقم منهم في أموالهم ولن يمكنهم أبدا استعادتها لقد حولها بطرق جهنمية لحسابات كثيرة متشعبة ومعقدة وبعضها يخص جمعيات أهلية خيرية وبعضها علمية وبعضها سياسية. أموال لو طالبوا بها لأصبحوا تحت طائلة القانون. لقد كان ذكيا وماهرا أيضا. الأمر الأخر الذي لم يجعله قلقا أنه كان على يقين أنه سيتمكن بعد أن يتحول لذلك الإنسان الجديد أن يتذكر الانتقام منهم وليس هذا وحسب فأنهم لابد سوف يفعلون أشياء تجعله حانق عليهم وأنه لابد سوف ينتقم منهم بعنف وقوة. كان هنالك أمرا أخر أهم وأخطر. أنه سيصبح رجلا سرطانيا من خلايا شديدة الشر والفتك لذلك فانه لا محال سيكون رجلا ظالما وباطشا بشدة بالجميع ومن بينهم بالطبع هؤلاء السخفاء لا محالة.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.