الفصل العاشر:
في مختبر روبرت تغير كل شيء. أصبح جيمس هو المسيطر تماما على الأمر كما كان يريد. الجميع خائف منه وينفذ أوامره حتى روبرت. جلس أمام جسد روبرت يفكر ماذا عليه أن يفعل؟. لم يكن يعرف بالضبط ما عليه فعله.
هل يُخرج وعي روبرت من جسده ويعيده لجسده وحسب؟.
أم أنه يطرد روبرت من جسده ولا يسمح له بأن يسكن جسده مرة أخرى؟.
أم يبقيه كما هو في جسده وتحت سيطرته؟
كان الخيار الثالث مرفوضا تماما, فلن يقع في خطأ روبرت أبدا, رغم المتعة التي يشعر به وروبرت في داخله لا يملك من أمر ذاته شيء. لكنها متعة ستجلب له الكثير من المشاكل. كان الوقت أمامه ليفعل ما يشاء. أصبح هو والرجل السرطاني أصدقاء. كان قد علم حقيقة ذاته, فهو لن يُمنح الخلود. فخلاياه السرطانية حين تتحول لخلايا وظيفية نفقد مع الوقت قدرتها كخلايا سرطانية حتى تصبح خلايا وظيفية طبيعة مع الوقت. سيموت في وقت ما. ربما بعيدا أو بعيدا جدا ولكن حتى يمكن أن يموت قريبا. لكنه كرجل أخطبوطي لديه فرصة ذهبية. يمكن لأي جزء من جسده أن يعيد تكوين جسد جديد أخطبوطي ولكن ليس سرطاني. يمكن أن يمنح الخلود بطريقة أخرى ولكنه لن يكون هو أبدا.
الرجل السرطاني يختلف عن ذلك تماما. كل شيء كان مخطط له بشكل جيد ومنظم. جسده تحول بالرضا والقبول السعادة والحب لجسد سرطاني. هذا الجسد يمكن لخلاياه الانقسام كخلايا سرطانية كما يريد الرجل السرطاني كما يمكن له أيضا أن يثبط ذلك الانقسام لبعض الوقت أو يوجهها لبناء أي عضو جديد أو زيادة قوة عضو ما. الرجل السرطاني وُجد بالحب لذلك فكل شيء فيه يسير كما يشاء, على النقيض من ذلك كان كل شيء في الرجل الأخر وُجد بالكراهية.
في المختبر جلس جيمس لأول مرة مع عدنان كصديقين. قص كلا منهما قصته على الأخر. كان عدنان لا يصدق كم العذاب والألم الذي خضع له جيمس وكيف استطاع الصمود. كان منبهرا مما يسمع. كان جيمس أيضا منبهرا بما فعله عدنان من تفاهم مع الخلايا السرطانية. كان جيمس يحلم بذلك أيضا ولكنه كان يعلم أن الطريق صعبا للغاية. لكن عدنان أقنعه بذلك.
قال عدنان لجيمس:
- يجب أن تفكر جيدا في خطواتك القادمة. أنني اشعر بما تشعر به, لديك طاقة سلبية شديدة تجاه المختبر ومن يعمل به وتجاه روبرت أيضا. صدقني يا جيمس الكراهية والحقد وانتقام لن يجدي نفعا. أنني أتفهم مما قد قصصت علي كم من الأيام والليالي بل والأشهر والسنوات قد حلمت بالانتقام من هؤلاء, علماء المختبر وبالطبع روبرت ولكن صدقني لقد خضت أنا نوع أخر من العلاقة من خلايا السرطان في جسدي. أتعي ما اعنيه.؟. مع خلايا سرطانية كانت تريد أن تُنهي حياتي أو كذلك كنا نفهم ذلك. ليس مثل بشرا مثلك. وقد استطعت مع فريقي العلمي النجاح في ذلك. عليك أنت أيضا أن تفعل ذلك.
قال جيمس:
- أنني أتفهم ما تقول ولكن كل شيء مختلف. كل شيء كان مبني على الخداع والعش والكراهية والعذاب والألم والانتقام, كل الشرور كانت موجودة في مكان واحد. لقد وجدت فريقا علميا رائعا ساعدك على ما تريد, لكني لم أجد ذلك أبدا. كل شيء كان ولا زال على النقيض من ذلك.
قاطعه عدنان وقال له:
- أنك قد فعلت الأصعب. لقد انتصرت على نفسك. لقد استطعت أن تغير نفسك من شخص يريد السيطرة على العالم لرجل يحاول أن يساعد العالم. لقد رأيت ذلك بنفسي. الجميع رأي ذك وليس أنا فقط.
قال جيمس:
- عوامل كثيرة قد غيرتني لذلك. ربما يكون ما عانيت منه هو ما حولني لما أنا عليه الآن. المعاناة المبالغ فيها جعلتني اكره المعاناة وأكره الشر. أكره الحياة ذاتها. لذلك لم يعد من أهدافي أن أعيش أو أُسيطر على الأخر.
قال عدنان:
- هذا ما أقصده لقد تحكمت في نفسك, من تجربتك هذه قد يخرج شخصا شديد الشر والكراهية للجميع. ينتقم ويقتل ويفتك بكل شيء ولكنك لم تفعل. الكثير يفعل ذلك ولكنك لم تفعل, حارب ما بقى داخلك من رغبة من الانتقام من روبرت وباقي علماء المختبر وكل من يعمل فيه وكل من كنت تخطط للانتقام منه.
قال جيمس:
- إن فكرة أن يعود روبرت لجسده ستكون نتائجه مروعة للغاية. لذلك علينا التفكير في أمره كثيرا.
قال عدنان :
- لا تقلق من ناحية روبرت فحين يعود لجسده فانه سيواجه تهم عقوبتها ستكون أطول بكثير من حياته.
قال جيمس:
- أنت لا تعرفه مثلي. سيتمكن من الهرب من السجن لا محالة وسينطلق في طريق أخر لتدمير البشر.
صمت عدنان طويلا ثم قال له:
- أنا على ثقة أنه لن يستطيع أن يفعل أي شيء سيء. أنا واثق من ذلك ثم أنك موجود وأنا أيضا موجود. لا تقلق.
كلاهما كان يفهم الأخر جيدا ولكن لكل واحد منهما منهجه وفهمه وتطبيقه.
حانت اللحظة الحاسمة وأصبح الجميع مستعدا لما هو قادم, الجميع لا يعلم نتيجة ما هم مقدمون عليه. الجميع ينظر بعضه لبعض. العلماء وضباط الأمن والحراسة. جيمس وعدنان.لقد أٌتخذ القرار بإعادة روبرت لجسده ثم محاسبته. ذلك كان الطريق القويم ولكن الجميع كان قلق من تلك الخطوة. وضع جيمس في غرفة خاصة شُيدت خصيصا لهذا الهدف من حوله عدد من العلماء والى جواره جسد روبرت المسجي أمامهم والمحفوظ بطريقة خاصة ليظل متمتع بصفات الجسد الحي. كان على جيمس أن يطرد روبرت من جسده ثم يجبره على دخول جسده وليس جسد أخر أو الهرب من كل هذا. لا أحد يعرف على الإطلاق حقيقة ما سيحدث في تلك اللحظة والجميع قلق. من خلف الساتر الزجاجي كان الرجل السرطاني يقف والى جواره عدد من ضباط الجيش والشرطة وعدد غير قليل من العلماء. الجميع ينتظر أن تبدأ الخطوة هذه بحذر وقلق وتوتر وحماسة في أن واحد. الجميع خاصة العلماء كان يقين أنهم على عتبة باب جديد من العلم والمعرفة البشرية. باب فُتح ولابد أن يظل مفتوحا. نجاح هذه التجربة سيكون هو السبيل لتحقيق ذلك.
كان جيمس في حالة خاصة, مشاعر متناقضة لحد كبير. لا يعرف حتى أن كان القرار الذي أٌتخذ صحيحا أم لا. حاول الرجل السرطاني الذي ينظر إليه عبر الزجاج طمأنته بشتى الطرق.
بدأ الفريق العلمي والطبي العمل على تلك الحالة. كان روبرت يرفض تماما مغادرة جسد جيمس. لم يكن أحد يعلم لماذا بالضبط؟. هل لأن حلمه سيموت لو خرج من جسد جيمس أم لأنه خائف من المحاسبة؟. حاول كثيرا جيمس أرغامه على الخروج من جسده ولكنه كان يرفض دائما. بعد زمن ليس بالقليل, كان لابد من حوار بين جيمس وروبرت وبينهما وبين الفريق العلمي والطبي. كان روبرت يرفض التواصل نهائيا, لكن جيمس لم يفقد الأمل في التواصل معه وإرغامه على الخروج من جسده. بعد محاولات كثيرة من الترغيب حينا والترهيب حينا بدأ التواصل في النهاية.
قال روبرت:
- لن أخرج مهما فعلتم مطلقا, سأظل في هذا الجسد وفي هذا الحلم الذي حلمت به كثيرا منذ زمن بعيد. لن أترك جسدي أبدا.
ضحك جيمس وقال له:
0 أنه جسدي أنا.
قال روبرت:
- جسد جيمس العادي قبل التجارب التي قمنا بها كان جسدك. أما هذا فلا يخصك مطلقا.
تبسم جيمس وقال:
- كيف هذا؟.
ضحك روبرت أيضا وقال:
- بالطبع كما أقول فمالك أنت ومال هذا الجسد؟. هذا الجسد تم تصنيعه وتخليقه تماما من جديد.
قال جيمس غاضبا:
- أنه جسدي.
قال روبرت بغضب أشد:
- بل جسدي أنا.
تدخل بروفيسور صمويل قائلا:
- هذا جدال لا معنى له, ستخرج من هذا الجسد بأي طريقه, فأفضل لك أن تخرج من جسد جيمس لتعود لجسدك بطريقة ودية وغير عنيفة.
قال روبرت بحسم:
- لن أخرج, أتظنون أني مجنونا لأترك جسدي, أتظنون أني مجنونا لكي أخرج لجسد أخر فأجد نفسي معاقب بالسجن مدى الحياة.
قال بروفيسور صمويل وهو ينظر لفريقه العلمي بعين ملئها الخبث:
- فليكن ما اخترت.
كان بروفيسور صمويل يعرف جيدا ما قد يضطر روبرت للخروج, كان صمويل يعرف روبرت منذ زمن بعيد وقد عالجه اكبر من مرة من الحساسية المفرطة التي يعاني منها لو أقترب منه أي كلب. انه نوع خاص من الحساسية. كان روبرت يخاف للغاية من الكلاب, كان وجود كلب ولو على مسافة بعيدة يسبب له حالة من الهلع والخوف. كان يهرب سريعا بمجرد أن يشم رائحة كلب أو يراه. كان يمكنه أن يحس بوجود كلب في الجوار حتى لو لم يشم رائحته أو يراه. كان يشعر بوجود الكلاب من مسافات بعيدة للغاية كذلك يشم رائحتهم من مسافة مائة متر أو أكثر. بمجرد أن يشم رائحة كلب كان يعطس ويكح ويسعل وتحمر جبهته كالطماطم شديدة الحمرة. كان يظل كذلك حتى يفقد وعيه. كان قصره وشركاته ومختبره وكل مكان يوجد فيه ممنوع تماما من وجود الكلاب فيه. لا أحد يعرف السبب الحقيقي لهذا الأمر. بروفيسور صمويل عالجه كثيرا من تلك الحالة. كان يستمر ليالي طويلة فاقد الوعي بمجرد أن يشعر أو يشم أو يرى كلبا. كانت خطته قد أعدها ليتخلص من روبرت. فتح الباب الزجاجي وقال ريكس تعالى إلى هنا. صرخ روبرت بأعلى صوته وأخذ يسب ويلعن صمويل بأقدح الألفاظ. لم يترك لفظا واحدا من السباب القبيح لم يقله وهو يصرخ ويعطس ويكح بينما جيمس يضحك وكذلك الجميع. بعد أيام أستيقظ روبرت ليجد نفسه حبيس زنزانة خاصة لها باب من الزجاج ومن خلفه كان يجلس ركس يراقبه بهدوء وتمعن. كان كأنه حارس الزنزانة وليس كلبا أبدا يتابع عيون روبرت المذعورة وهو سعيد. لقد نفذ أوامر رؤسائه بحذافيرها. الجميع من خلف ذلك كان يضحك بينما روبرت كان يبكي. لم يعد بإمكان روبرت أن يهرب. لقد عرف الجميع كيف يكبله.