نحن نسير في هذه الحياة مرتحلين، كل منا لديه رحلة خاصة به، بكل تفاصيلها، ولكل منا حقيبته التي تحتوي على تجاربه ومشاعره، وما تربى عليه، لذا فمن الساذجة أن نظن بأن قرارات الجميع، ورغباتهم قد تتطابق.
_____________________________________________
الشمس تشرق كل يوم معلنة عن يوم جديد، وبداية جديدة، تتداخل فيها حيوات شتى، وكل يوم يعود علينا بذكريات قد يكون منها ما لا ينسى، ومنها ما تنساه الأذهان، فيمر عليها كأنه لم يمر أبدًا.
مع إشراقة اليوم الجديد صدع هاتفها برنة المنبه الذي قامت بظبطه أمس لكي يوقظها قبل ميعاد المحاضرة بوقت كافي لتستعد، فاليوم لديها يوم طويل تملئه المحاضرات العملية والنظرية على حد سواء، وأخيرا استطاعت الاستيقاظ، والنهوض من السرير بعد أن كررت عبارات الكراهية للكلية، وأطلقت عبارات عديدة تنم عن ضيقها وندمها الشديد بالالتحاق بهذا التخصص الدراسي الذي يكلفها صحتها، وراحتها، وبعد أن تناولت إفطارها أخذت مشروبها المفضل في كوبها الحراري لكي تحتسيه في طريقها إلى الجامعة، وأخيرا وصلت إلي الجامعة، وبمجرد دخولها من الجامعة إذا بإحدى صديقاتها تهرول إليها وعلى وجهها علامات القلق والتوتر.
- سارة، لقد علقوا نتائج الاختبارات السابقة على إحدى أبواب مدرج أ، ولكن لم استطع أن أرى أسمينا، فهناك زحام كبير، خاصة وأن الأولاد يتدافعون بشكل غريب هناك.
نظرت إليها وعلامات البؤس ترتسم على وجهها فقد أرادت أن تنسى قليلا ما حدث في الأيام السابقة لمدة يوم واحد فقط.
- سترك يا الله، لقد تعبت ألا يمكنهم تأجيل الأمر قليلا، وما بالهم نحن في أى عصر لكي يعلقوا النتائج هكذا، ماذا حل بحساباتنا الجامعية، أليس هذا هو وقت استعمالها.
بعد انتهائها من قول جملتها لم تمهلها صديقتها، فقد شدتها من يديها قائلة
_هيا أولا نذهب لنرى قبل أن نبدأ بالشكوى والبكاء بدون فائدة فقد تكون نتائجنا جيدة.
وبعد عدة دقائق تسنى لهن رؤية نتائجهن، وكما قالت أسما لسارة كانت النتائج مبشرة ورغم أن نتائج سارة كانت أفضل بكثير من نتائج أسما، إلا أن سارة لم تكن سعيدة بمثل سعادة أسما، لاحظت أسما ذلك
- سارة، أنت فقط تؤذين نفسك في الحقيقة علاماتك رائعة بل هى أكثر من ذلك، ليس عليكِ أن تحصلي على العلامة الكاملة في جميع الاختبارات، هذا لا يحدث، كما أننا في كلية الطب، أمامنا مشوار طويل، كما أن المهم الآن أن نتعلم.
= المشكلة يا أسما، أنني أعلم صحة كل ما تقولينه، ولا أرفضه أبدأ بل أعلم بأن طريقة تفكيري بها مشكلة ما، ولكن رغم ذلك ما زلت أشعر بالإحباط عندما أرى بأني لم أحصل على العلامة الكاملة، وفي نفس الوقت أخشى بأني بذلك أكن جاحدة بنعم الله، ولكن المسألة ليست مسألة رضا فقط
ثم نظرت سارة إلى الساعة لترى بأن المحاضرة على وشك البدء فأخبرت أسما بأن عليهما الآن التوجه إلى حيث تُشرح المحاضرة، وهما في طريقهما إلى هناك تذكرت سارة أمر الرسائل، فأخبرت أسما بأن هناك أمر تريد أن تناقشه معها لتذكرها به بعد المحاضرة في فترة الاستراحة.
---------------------------------‐----------------
ظلت تراقب بعصبية من يدخل أو يخرج من بوابة الدخول، علها تلمحه أو تلمح أحد من أصدقائه، فوجدت ضربة قد أتت من خلفها، كادت أن تفرغ غضبها كله على من فعل ذلك لتجد صديقتها بسمة تضحك، وتسألها عن سبب حالتها تلك
- لم أراه منذ أسبوعين يا بسمة، أسأل كل من أعرفه عنه ولا أحد يفيدني بحرف واحد، ولا يجيب على اتصالاتي المتكررة، لا أعلم ما يحدث معه، ظننت في البداية أن أصابه مكروه ولكن لما لا يعلم أحد عنه شىء.
ظلت بسمة تحدق بها بصمت كان وراءه شماتة مستترة
- عله قد نال ما يرغب، وذهب ليتابع مغامرة جديدة، تجعله مستمتع أكثر
كان مغزى الحديث واضح المعنى تماما، لا ينقصه تفسير، ولكنها لم تأبه بمعناها أو بنية الشخص القائل له، فعدلت حجابها بعناد، ونظرت لها نظرة تنم عن الغرور والتكبر.
- وما أدراكِ أنتِ بما يفكر فيه، وبما يرغب به، لا تتفلسفي يا بسمة كثيرا وتظني أنك تعلمين كل شىء عن كل شىء.
قالتها وقد استعدت للرحيل فقد اجتذبت حقيبتها مغادرة الكلية بأكملها تاركة أياها دون أن تودعها حتى، نظرت لها الآخيرة بحقد دفين تعلم جيدا كيف تستخدمه جيدًا.
‐--‐--------------------------------------------------------
في سيارتها كان حديثها مع بسمة يتردد في عقلها، فهى ليس بحمقاء لكي لا تلاحظ أى مما يدور حولها، فهى تعلم بأن بالتأكيد عامر قد استغنى عنها، وبأنه منذ البداية لم يكن جادًا بالأمر، وتعلم أيضا بأن بسمة لا تضمر لها سوى الشر وبأنها ليست الوحيدة فكل من تصادقهم في الكلية لا يتمنون لها الخير، تعلم أيضا بأن شخصيتها قد ساعدت في زيادة كرههم لها، ولكنها لا تريد أو لا تعرف كيف تغير كل ذلك، هى تدرك ما هى مشاكلها بالفعل، كانت سهيلة دائما الفتاة الثرية ذات الشخصية الصعبة، وستظل هكذا دائما، لا جدوى من تقمص شخصيات آخرى هى لن تستطيع أن تتحول إلى أحد آخر غير نفسها، ذلك ما قالته لنفسها ورغم ذلك رغبت أن تستسلم من هذه الحرب، الذي لا يلعبها سواها، ولا يخسر أحد سواها أيضا، رغبت بأن تختفي كرامتها تلك لثواني فقط لكي تتصل بسارة صديقة طفولتها، ولكنها لم تقدر أن تتناسى آخر شجار لهما، والذي كانت هى الخاطئة كالمعتاد، ورغم ذلك تنتظر مكالمتها منذ شجارهما.
---------------------------------‐---------------
انتهت محاضرات سارة وجلست هى وصديقتها على مقعدهما المفضل تحت شجرة عتيقة ذات ورود وردية اللون يخالطها بعض البياض، قصت سارة على أسما الرسالة التي جاءتها على بريدها الإلكتروني، كانت أسما منقسمة إلى رأيين، رأى واقعي بأن هذه الرسائل ما هى إلا مضايقات أو حيل صبيانية، ورأى آخر مستمد من الروايات والقصص البوليسية والنفسية بأن هذه الرسائل وراءها سر كبير، وقد يكون أحدهم بالفعل يرغب في الانتحار، ويريد أن يتحدث عن مكنونات نفسه لشخص لا يعلم عنه شىء.
كانت سارة حائرة لا تدري كيف تفسر تلك الرسائل، أو تميل إلى أحد الجانبين لذلك قررت بأن يظل اعتقاد بأنها مزحة ثقيلة قد يكون أحد أخويها من يديرها إلا أن يثبت عكس ذلك.
_________________________________________
دخلت إلى غرفتها وهى متعبة جدا، فقد كان اليوم متعب قضته كله في حضور المحاضرات وغير ذلك، ولكن كان ما يريحها هو حديثها مع أسما الذي أقنعتها بأن الأمر لن يكون سوى مزحة سخيفة، وأن ما قالته من خيار ثاني لهدف هذه الرسائل مجرد خيال وسخرية من عبثية هذا الموقف، لذلك تشجعت رغم إرهاقها بأن ترى ما كتبه ذلك الشخص المجهول الذي أقلق نومها طوال البارحة، كما جعلها لا تركز جيدا في محاضرتها اليوم.
أحضرت حاسوب النقال ثم فتحته، لكي تتصفح الرسائل البريدية، وما أن فتحته حتى ارتسمت على وجهها الاطمئنان فلم يُرسل لها أى رسائل من هذا الحساب، ولكنا ما أن كادت تغلق المتصفح حتى صدر صوت ينبهها بوجود اشعار جديد، وقد ذهب كل الاطمئنان الذي شعرت به منذ قليل ليستبد بها القلق والفزع عندما رأت الرد على رسالتها
أنا الذي إن مت سيكون ذنبك، وإن عشت سأكون ميتا بسببك أيضًا.
كانت كلمات لا معنى واضح لها ولكنها كانت مخيفة ومرعبة.