JanaHesham

Share to Social Media

ما زالت على سريرها، تحاول أن تقاوم أفكاره وهواجسها، تقنع نفسها بكل السبل بأن ما قد رأته ليس دليلًا قاطعًا عن ما تظنه، ولكن الشك لا يترك لها سبيل في عقلها بأن تقتنع، الشك كالشيطان يوسوس لك حتى تطاوعه وتمشي في طريقه ثم يتبرأ منك في النهاية، جاءها صوت ضميرها ينبهها بأن ما تفكر به في حق والدتها قد يكلفها الكثير، فإن كانت تتمنى بأن تكون على خطأ، إلا أنها لن تتحمل أيضا سوء ظنها تجاه والدتها، فبرغم من مشاعرها المضطربة تجاه والدتها، والمشاكل العديدة بينهم إلا أنها في النهاية والدتها.
قامت من جلستها، وأصبحت تدور في غرفتها تفكر في ما عليها فعله، أتتها لحظة شجاعة بأن تذهب الآن إلى غرفة والدتها وتسألها عن الأمر، سيكون الأمر صعبا وهى تعلم بذلك ولكنه هو أفضل ما يمكنها فعله الآن، لذلك قررت في لحظتها قبل أن تذهب جُرأتها تلك، أن تذهب إلى غرفة والدتها
وعلى الرغم من أن الطريق إلى الغرفة لا تتجاوز مدة السير به دقيقتين، فقد تجاوز وصولها للغرفة هذه المدة وأكثر أيضا، كانت قد وصلت أخيرا إلى الباب عندما سمعت صوت والدتها تتحدث في الهاتف، أرادت أن تعود أدراجها فقد شعرت بأن هذه المحادثة ممتدة ولن تنتهي الآن، ولكنها توقفت عندما ألتقطت أسماعها اسمها من بين الحديث الذي عندما دققت شعرت بأنه يخصها، استمعت إلى كلمات والدتها وقد تبلد بها الشعور للحظة، ظلت تستمع حتى تغير الموضوع فأسرعت إلى غرفتها بنفس هيأتها السابقة عندما رأت ما رأته في الحقيبة منذ قليل.
جلست على سريرها مرة أخرى تستند على الحائط، تضع يداها حول ركبتيها وتستند برأسها عليهما، تشرد أنظارها فيما حولها، تسترجع حديث والدتها في الهاتف
- لا أعلم ما يجب أن أفعله مع هذه الفتاة يا نوال، لقد تعبت منها، أنانية وسليطة اللسان، تعاملني كالخادمة، تظل ترفع صوتها علي وتصرخ ولا تأبه إلى أى أحد، أصبحت أخاف منها، هناك أوقات أشعر بأنها ستمد يدها علي
وأكملت بصوت مخنوق: أهذا جزائي بعد أن تحملت أبيها لسنوات من أجلها وحتى بعد أن تطلقت منه لم أتزوج خشية أن أهمل فيها أو يضايقها ذلك بأى شكل من أشكال.
- لن استطيع إرسالها لإبيها، هو لا يريدها، لن أفعل ذلك
كانت هذه آخر الكلمات التي سمعتها ويكفي هذا، فهى لن تتحمل المزيد، ليست هذه المرة الأولى التي تستمتع إلى مثل هذه الكلمات فعندما كانت أصغر، عندما كانت مثلا في المرحلة الاعدادية والابتدائية كانت تسمعها بكثرة ولكن الأمر أصبح يتناقص تدريجيا عندما دخلت الثانوية أو لعله لم يكن يتناقص، الأمر فقط بأن لم يعد يحدث أمامها مثل قبل.
ولكن كانت تلك المرة أصعب مرة، في كل مرة كان تبكي وتتساءل لماذا تتحدث عنها هكذا، هى لم تفعل شئ لتنال كل هذا الذم، ولكن الآن هى أصبحت تتشكك، ماذا لو كانت ما تقوله صحيح، هى لا تتذكر هذه الأفعال ولا تتجرأ عليها حتى ولكن ماذا لو كان هناك خلل بها يجعلها تفعل ذلك دون أن تدري أو تدرك، عند هذه الخاطرة تزايدت ضربات قبلها، وضاقت أنفاسها، لم تجد حلا غير أن تبعث بالرسالة التي ترددت في إرسالها لأيام، ولكن يكفي عناد ذلك لن يفيد، بعثتها وعندما لم ترى علامتين الإرسال، أيقنت بأن المرسل إليه ليس على إتصال بالإنترنت، فقررت أن تنام هربا من الواقع والانتظار.
_______________________________________________

ها هى مرة آخرى تحملق في الرسائل الغريبة تحاول فك شفرتها، لم تدم جلستها طويلا فقد ملت من قراءة الرسائل مرارا وتكرارا، قررت أن تدرس فهى منذ أن ظهرت هذه الرسائل في حياتها أصبحت مشتتة التفكير، وتشعر بالتقصير الشديد تجاه دراستها على الرغم أنها لم تتركها تماما، ولكن هى في العادة عندما يكن تركيزها كله موجه نحو الدراسة لا تزال تشعر بالتقصير.
حضرت كل ما تحتاجه للدراسة وقررت أن تكون جلسة منتجة فكادت أن تظبط عداد الوقت على وقت محدد، حتى سمعت طرقات على غرفتها، أذنت للطارق بالدخول الذي ما كان غير أخيها سالم
- سارة، هل أنتِ متفرغة أريدك في أمر ما
استغربت سارة لهجته الجادة الذي نادرا ما يتحدث بها فدعته للجلوس
= ماذا بك، يبدو أن أمرًا قد حدث
- لا شىء يدعو إلى القلق، في الحقيقة كنت أريد أن استشيرك في شىء، البارحة قد أخبرونا بأننا سوف نختار الشعبة يوم الأحد القادم.
=و؟
كان يبدو على سالم معالم التردد والحزن، ولم تكن سارة تعرف مما هو متردد فأمر الشعبة لم يشعل باله من قبل لأنها تعلم بأنه سيختار الشعبة العلمية لأنه يحب المواد العلمية وكذلك سليم أيضًا، ولكن سرعان ما استطاعت ربط ما قالته والدتهم سابقًا بتردده الآن، لم تنتظر ردا منها إذ أنها سرعان ما سألته
= لا تقل بأنك ستختار الشعبة الأدبية يا سالم
نظر إليها واجاب عليها بتحريك رأسه دلالة على الإيجاب
= لماذا
- في الحقيقة أشعر بأن الشعبة الأدبية تناسبني أكثر
= هل تظن ذلك حقا؟ أم أن هناك أمر آخر
نظر إليها ولم يرد
= حسنًا، ولكن الأمر ليس بالسهولة الذي تتصورها، هى تحتاج إلي مذاكرة، أعلم بأنك مجتهد ولكن أذكر بأنك كنت تكره الجغرافيا والفلسفة، وظللت طوال الترمين تردد بأنك تستطيع أن تدرس الفيزياء أو الكيمياء طوال حياتك على أن تدرس أى من الجغرافيا أو الفلسفة ساعة واحدة، ما الذي تغير؟
- صحيح ولكني أحب التاريخ
ضيقت سارة عيناها محدقة إياه بنظرة تنم عن عدم تصديق ما يدعيه، لم يجد سالم بُدًا من أن يخبرها بالسبب الحقيقي.
- لقد تعبت يا سارة من المقارنات التي تعقدها أمي بيني وبين سليم، لم أكن لأحزن لو كنت مقصر أو ألعب ولكني أحاول، ولكن قدراتي لا تتناسب مع قدرات سليم.
كانت دائما خائفة من تأثير أسلوب والدتها عليهم فهي قد جربته منذ أن كانت صغيرة ولكن الأمر مختلف معهم فهى تقارن بين التوأم بشكل مبالغ خاصة في المستوى الدراسي، فهى ترى بأن ذلك سيحفزهم أو يحفز سالم بالأخص، والذي إن سمع أحدهم تأنيب والدتهم له سيظن بأن الفارق بينهم كبير ولكن على العكس فهو ليس ببعيد عن مستوى سليم، فإن جاء سليم في المركز الأول يأتي هو في المركز الخامس، لا تعلم لما لا ترى والدتها تلك الرابطة بينهم التي يمكن أن تضعف بسبب هذه المقارنات.
= سالم، هذا ليس حلًا، ألا تعلم أسلوب أمي سوف تبدأ بالمقارنة أكثر إن فعلت ما تفكر فيه، عليك المواجهة لا الهرب.
- ولكني حاولت كثيرا المواجهة ولكني لا استطيع، أنا لا أريد أن أكون فاشل.
= أنت لست فاشل يا سالم، وأنا لا أقول ذلك لأنك أخي ولكنك تحاول قدر استطاعتك الوصول إلى أفضل ما لديك، وما تصل إليها الآن هو أمر جيد حقا بل ممتاز، ألا تكون في مستوى سليم ليس أمر يعيبك، كل منكما لديه جوانبه الذي يتميز بها.
- ليت أمي تعلم ذلك
= سأتحدث معها عن هذا الأمر، ولكن ما قرارك الآن
- سأختار الشعبة العلمية، شكرا لكِ سارة، أنتِ تنقذيني في كل مرة
= عدني فقط، ستواجه؟
- سأواجه، وعد
تبادلا الابتسام ثم انصرف من الغرفة، أمسكت هاتفها واتصلت بشبكة الأنترنت، فوجدت رسالة لم تتوقعها ولكنها انتظرتها.
_____________________________________________
تسير في الشارع بخطوات سريعة، تشعر بأن كل من به ينظر إليها يتنمر عليها وينعتها بكل الألقاب التي تكرهها، وصلت أخيرا إلى منزلها، فتحت الباب واسرعت إلى غرفتها متجاهلة نداء والدتها المتكرر الذي يصدع باسمها زهرة.
0 Votes

Leave a Comment

Comments

Write and publish your own books and novels NOW, From Here.