ولم يمكث الأهالي كثيراً قابعين بداخل جحورهم فلقد ذاع نفس الصوت الرجولي المخيف من حنجرة " هاجر "
قائلا :" جثة أسماعيل تعالوا خدوها قبل ما أقدمها قربان لسيدنا ؛ أنتبهوا علي نفسكم لأن محدش عارف يا تري الدور علي مين فيكم ..." ثم ضحك ضحكة شيطانية وصمت بصمت مرعب كنبرة تحدثه .
وهنالك صاحت نسوة الحارة بعويل مخيف لترتمي "فتحية" علي الجثة المشوهة والغارقة في دماءها وقلبها يستشعر بأنها تحتضن جثة زوجها " أسماعيل " ليعلن القدر ميلاد اليتم في بيتها لأطفالها الخمس الصغار .
كم كان هذا المشهد قاسيا علي " فتحية " والأطفال الخمس وأمه وأمها وعلي باقي أهالي الحارة صغارا كانوا أو كبارا ؛ وأختفت المدعوة " هاجر " عن المشهد ولكن وجد الأهالي ثوبها البالي الغريب بجوار جثة السائق " أسماعيل " والذي لم يدري أحد بأي ذنب قتل .
وتم أبلاغ الشرطة بوقوع الحادث وتم التحرك السريع لمأمور قسم الجمالية التابعة له الحارة والذي يدعي العقيد " حسين " وصاحبه رجال الأدلة الجنائية لفحص ومعاينة الجثة المشوهة ؛ وكان رئيس البحث الجنائي ضابط المباحث المقدم " علي " المعروف عنه بحله للقضايا الأكثر تعقيدا وتم فحص الجثة ومعاينتها ولم توجد أي دلائل تشير لمن الجثة فلقد كانت مشوهة تماما مما يصعب التعرف علي ملامحها .
لكن صرخات " فتحية " :" هو أسماعيل جوزى يا باشا أنا متهوش عنه أبدا الوشم اللي علي صدره لا يمكن اتوه عنه أبدا هو يا باشا ... وصرخت باكية هو بشحمه وبلحمه يتموا ولادي منهم لله ... حسبي الله ونعم الوكيل في اللي عمل فيك كده يا أبو عيالي "
وحاول " علي " أن يهديء من روعها وكم أعتصر قلبه حزنا علي الأطفال اليتامي الخمس الذين فقدوا عائلهم الوحيد وأكبرهم يبلغ قرابة الثمانية أعوام .
وتم نقل الجثة لمشرحة زينهم وطلب " علي " من صديقه ورفيقه الطبيب الشرعي معاونته علي فك طلاسم تلك الجريمة و الذي أطلق عليه " غول الأدلة "وهو الدكتور " حامد الجندي " فهو لا يستعصي عليه دليل أدانة حتي و أن كان ضئيل وكم من جرائم غامضة وكادت أن تسجل ضد مجهول ولكنه فك أغوار أسرارها وتم الإمساك بالجاني الذي ظن بذكاءه أنه لن يتم التعرف عليه.
وحضر الدكتور " حامد" بنفسه لموقع الجريمة ومكان الجثة لحرصه علي معاينة كافة التفاصيل المحيطة بالجثة حتي ولو كانت صغيرة لا تذكر وبدء في كتابة ملاحظاته وهو يعاينها ؛ وأخذ يدون الآتي :" الجثة لرجل بنهاية العقد الرابع من العمر ؛ من المعاينة المبدئية تلاحظ وجود شق في الحنجرة بواسطة أداة حادة للغاية ذات نصل رفيع بالمقدمة وذلك طبقا لشكل الشق الحنجري وتهتك تفاحة آدم وتلك علامة غير مطروقة بأي من ضحايا القتل أو التعذيب وكأنما تم استخدام اداة كالمطرقة للعمل علي تهتكها مما يدل بأن القاتل كان يحمل دافع أنتقامية بشكل بشع ؛ كما يوجد آثار تعرض جسد الضحية لنبش من أنياب غير آدمية أو حيوانية بأنحاء متفرقة من جسم الضحية مما يدل علي أنه تعرض للتعذيب الشديد من مخلوق ليس بشري وذلك يتضح جليا من آثار تلك الأنياب وبشكل مكثف علي الأطراف العلوية والسفلية للجثة ؛ كما يوجد شق بطول البطن ليظهر معه جليا الأحشاء الداخلية للجثة مع خروج بعض من أمعاء الضحية... وتلك الملاحظات مبدئية بالمعاينة الظاهرية لحين الفحص التشريحي للجثة ... أنتهي ".