شق كل منهما طريقه وهدفه بالمجيء لأمارة "دبي" والعمل الدؤوب ؛ كانت الأوضاع علي "حلا" أكثر صعوبة بلد غريب ومئات الجنسيات المختلفة وعادات وتقاليد مختلفة ولكن ذلك لم يفتت من عزيمتها شيئا فلقد عاهدت الله منذ نعومة أظافرها بأن تكون قوية وناجحة وتعوض جدتها معاناتها في تربيتها بمفردها ؛ " جدتي حبيبتي وحشتيني اوي اوي عارفة النهاردة أنا عملت أيه في شغلي ..." لتحكي لصورة جدتها التي لا تفارقها ابدا يومياتها وكأنها تتلو مذكراتها صوتيا للصورة الباقية من جدتها التي تملأ كيانها بعطر أنفاسها وهي تحتضنها دائما وأبدا .
كانت مهنة "حلا" في مجال هندسة البرمجيات وبراعتها في عملها أهلها أن تلتحق بشركة " ميدلاند سوليوشنز" تم إنشائها عام 2003م، داخل دولة الإمارات، وهي رائدة في الخدمات والاستشارات الخاصة بتكنولوجيا المعلومات، كما أنها تقدم حل برمجي مبتكر، للمؤسسات وقطاع الأعمال المختلفة. وخلال الثلاثة عشر سنةً تمكَّنت أن يكون لها أزيد من فرع داخل الأمارات، وأتاحت خدمات لقطاعات أعمال كثيرة منها التجارة، البيع بالتجزئة، التجارة، الصحة والضيافة، والتشييد. وخدماتها لا تقتصر على دولة الإمارات فقط، وإنما تعمل مع شركات محلية، وأخرى مختلفة الجنسيات.
حيث أجتازت "حلا" الأختبارات المطروحة لتلك الوظيفة التي تشغلها وحققت أعلي النتائج وتم أختيارها ضمن أهم فريق متخصص ويسند إليه أعقد الصفقات بالشركة ؛ وكانت مستمتعة بوجود نخبة من المهندسين في فريقها من جنسيات مختلفة ولكن يمتازون بذكاء حاد وروح تعاون جميلة وروح الفريق لذلك أنسجمت معهم فكريا ؛ والمشروع المسند إليهم أعطت فيه أفكار ملهمة للتنفيذ أستحسنها الفريق المكون من أربعة مهندسين رجال وهي خامستهم ؛ أمريكي وهندي وباكستاني وياباني وكان العمل معهم ممتع وملهم ويضيف لها الكثير .
أما " كرم" فكانت أيامه مشحونة في العمل ومناقشة تفاصيل تصميمات المشروع المبدئي حيث أضاف العديد من الأفكار المبتكرة لجعل المجمعات السكنية صديقة للبيئة ومحافظة عليها أسوة بالدعاوي العالمية؛ وقد لاقت فكرته ترحيب منقطع النظير من الشركة المالكة للمشروع وكان يومه ينقضي بين أجتماعات عديدة وتنسيقات بينه وبين مهندسيه بشركته بالقاهرة.
وأنشغلا الأثنان "حلا" و""كرم" بأشغالهما ولما يلتقيا أو يهاتفا بعضهما البعض ؛ وفي يوم من الأيام بينما يخرج "كرم" من مقر الشركة وفي انتظار أحضار سيارته المؤجرة من المرآب لمح "حلا" علي بعد بنايتين من مقر الشركة فالبنايات كانت ضمن مجموعة كبيرة من المقرات لشركات عالمية ورآها مع زميل لها تضحك كطفلة لا تبالي بمن يراها وحكمه عليها بأنها أمرأه غير ناضجة أو مسئولة " تبا لها ماذا تفعل ؟ أتظن أن براءتها تلك ستتحدي بها مصاعب الحياة وتجتازها؟.. كم هي طفلة عنيدة غريبة الأطوار" وأختتم جملته بغريبة الاطوار في حواره الداخلي بسبب تصفيقها جزلة وكأنما تطير من الفرحة بسبب حديث رفيقها ؛ وزفر " كرم" زفرة غاضب مما يراه.
حتي وأن باعدت بينهما الأيام لكن ظلت "حلا" تدين ل " كرم" بالكثير في معاونتها في بداية وطأة قدماها علي البلد الغريب عليها ؛ وحاولت التواصل معه لكنه لم يستجب لها فأرجعت ذلك بأنه قد يكون مضغوط بالعمل ولا يجد الوقت للحديث أو لا يري رسائلها ؛ إلي أن تصادف زيارة "شريف" ل "نرمين" وفرحت لرؤيته فالمغترب بعيد عن وطنه الحبيب يشتاق لرؤية كل من يحمل من ملامح الوطن الكثير ليروي ظمأ الحنين ؛ كان "شريف" شاب خلوق مرح وكان يطمئن عليهن بحنان عجيب كأنه أخ شقيق وكم سر حديثه نفس "حلا" وكم تراجعت أن يزلف لسانها بالتساؤل عن أحوال" كرم" وأخباره ؛ وكأنما كان ذكاء "شريف" حاد لدرجة عالية ليبدأ حديثه:" عاملة أيه يا "حلا" طمنيني عليكي تأقلمتي علي الحياة هنا والشغل مع أجانب؟ " .
أخذت "حلا" بطفولتها المعهودة في سرد العديد من المواقف التي أضفت من روحها المرحة الكثير من اللطف والمرح لينهمر "شريف" و"نرمين" في نوبات ضحك لا تنقطع؛ إلي أن فلتت جملة من فم "شريف" محدثا نفسه بصوت لم يدرك بأنه أصبح خارجيا ومسموع:" والله "كرم" ده يستاهل الدق علي دماغه ؛ ويستاهل اللي يجراله أنه مش مقدر النعمة اللي ربنا عوضه بيها" .
وذهلت كلتاهما وأنتبه "شريف" لذهولهما فأدرك بأنه فعل شيء بشع وشنيع ؛ وأستأذن في الأنصراف علي عجل ليترك "حلا" في تساؤلات تتسارع في عقلها فلا تهديء أو تغيب.
ورن هاتف "شريف" ليظهر أسم "كرم" ومن أرتفاع رنين الهاتف أستشعر "شريف" وكأنما الهاتف يستنجد به قبل " كرم" وبالفعل كان حدسه صحيح فلقد أستنجد به ليوفر له فتاة تحضر معه عشاء عمل هام للغاية ؛ فصاح "شريف" :" بقي كل ده علشان عشا عمل ومش لاقي واحدة تروح معاك يا عم أنا قولت فيه سطو مسلح عليك ومتثبت علي دائري دبي ولا حاجة " وضحك الأثنان وأجاب "كرم" :" بطل هزار وسخافة أنا محتاج ليدي معايا عارف يعني أيه ليدي وعلي الساعة سبعة تكون جاهزة تقدر تساعدني".
"شريف":" أنا راجل المستحيل والمهام الصعبة آه بس واحدة تكون ليدي وتستعد مكياج وشعر الساعة سبعة أنت واضح معرفتك بجنس حوا بعافية كتير ."
"كرم":" متبقاش بايخ بقي وفكر بسرعة مين تجي معايا؟"
"شريف":" مافيش غيرها"
"كرم":" مين بسرعة قول؟"
"شريف":" "حلا " هو فيه غيرها دي أحلي من الليدي وحتلاقيها تجهز في أسرع وقت وهي عاملة زي باربي كده مش محتاجة ميكب آب جمالها رباني" وأتنهد تنهيدة غريبة.
"كرم":" ده وقت تنهيداتك وملقتش غيرها دي زي الطفلة ممكن تعيط فجأة لو حاجة وقعت علي فستانها أنا محتاج اركز فالشغل ومش حافضل أرعاها كأني مربية ؟"
"شريف":" أسمع الكلام وأنا أضمنلك العشا بأذن الله يعدي علي خير ويكون ناجح كمان ؛ أنا فكرت في " نيرمين" بس هي في "بانكوك" وليها صاحبتها عارضة أزياء بس بردو مسافرة مافيش غير "حلا" صدقني تنقذ الموقف؛ بس لازم تكلمها أنت عيب أنا أكلمها مش حلو في حقها "
"كرم":" تمام ربنا يستر"
وأحس "كرم" بثقل المهمة بالأتصال بها ومن أحراجها له أن تم الرد عليه بالرفض لأي سبب يعيقها والأهم من ذلك تولد لديه شعور قوي تجاه "حلا" بألا يجعلها تقترب منه ومن حياته ؛ لأنها تمتلك تلك النظرة الطفولية والتي تعلقت به وكأنه والدها ومسئول عنها وهو ليس في حاجة لذلك أبدا ولا يستطيع أن يجعلها تقترب من حياته بأي شكل من الأشكال.
وحسم أمره بالأتصال عندما أستشعر بمرور الوقت سريعا مما يعني بأن الوقت قد ينفذ وهو مستغرق في رفضه بتواجد "حلا" بحياته ؛ وأدهشته تلك الطفلة بقبولها الدعوة بل وطمأنته بأنها ستكون علي أتم الأستعداد في الموعد المحدد وفي أنتظاره .
ظل باقي ساعات النهار مستغرق في تفكير عميق وتحليل لتلك الموافقة السريعة دون أدخاله في نوبة صراخ بعدم مقدرتها أن تكون جاهزة ومتأنقة في خلال ساعات قصار هكذا مثلما كانت تفعل معه ..."ليل" وعندها وبمجرد أن ردد أسمها شعر بألم وطاقة غضب هائلة.