ومع سوء حالتها أقترح عليها مديرها بأحتياج الشركة لكفاءتها والسفر للعمل علي مشروع مطلوب من أحدي الشركات الكبري بماليزيا ولن يجد أكفء منها للعمل علي هذا المشروع ووافقت علي الفور فالسفر قد يستغرق عدة شهور مع توفير مكان لأقامتها مريح وفاخر كي تستطيع أن تعمل علي المشروع كما هو متوقع منها بكفاءة.
ولم تستغرق تحضيرات السفر الكثير بل كانت أسرع من أمانيها وتوقعاتها؛ وكم حزنت "نرمين" و "شريف" لفراقها فهي كانت مصدر البهجة لهما قبل موقف "كرم" القاسي وأصرا أن يودعاها بالمطار وأحتضنتها "نرمين" وبكت بكاء حار لفراقها ك أم ثكلي تودع أبنتها الوحيدة وبكي "شريف" تأثرا وغادرتهما للمجهول الذي تشتاق للأرتماء بين أحضانه أملا أن يكون رحيم بها عوضا عمن جاءت من رحمها ومن جاءت من نسله.
وكم كان الترحيب بها عظيما منذ وطأت قدماها أرض مطار كوالالمبور العاصمة وكم كانوا ودودين جدا وتم أصطحابها لمقر أقامتها وأنقضت الأشهر المتعاقبة وهي تعمل بجد وأجتهاد وتحظي كالعادة علي كل آيات الأعجاب ؛ وكم كان ممتع أتصال"نرمين" و"شريف" بها عن طريق المكالمات الفيديو وكانوا يحرصون علي تلك المكالمات يوميا ولاكثر من مرة باليوم وكم كانوا يتضاحكون كثيرا عند أستعراض "حلا" لحياتها بماليزيا ومدي تمتعها بغابات ومناظر طبيعية خلابة وتسلق القرود لشعرها ظنا منهم بأنها شجرة طرحت موز؛ وحزن كل من كان يتعامل معها علي أنقضاء ثمانية أشهر كانت كالحلم أنقضت أسرع من تبدد السراب.
وكم فرحت لمظاهرة الحب من "نرمين" و "شريف" فكانا كالأطفال الذين تم مكافأتهم بحلوي لذيذة يعشقونها ؛ وكم كانت رائعة في أطلالتها الجديدة وتركها شعرها منسدل بطريقة جميلة مما جعلها تشبه جمال بنات شرق آسيا وخدودها الموردة جعلت لعيونها الزرقاء سحر عجيب ؛ ورحب بها فريق العما أصروا أن يستقبلوها بالمطار لأفتقادهم أياها طوال الثمانية أشهر الطوال فكانت أحتفالية وكأنها من كبار الزوار ؛ مما أسعد قلبها بشدة وأستشعرت بأن الله قد عوضها خير عن كل قسوة وأذي تعرضت له؛ ووهبها نعمة عائلة جديدة من تدفيء قلبها بمشاعر الأخوة والصداقة ورفقة العمر ؛ وأحتفل الجميع بها في أحدي الفنادق الفاخرة وكان الجميع يرقصون معها فرحين.
إلي أن جاءت لحظة كغيمة ثقيلة تهدد بسقوط سيل عظيم عندما ألتقت عيناها بعيون قاسية لا تنساها أبدا ... كانت عيون "كرم" والذي تجرأ واقترب منها وسط ذهول "نرمين" و"شريف" ماذا يفعل هنا هل جاء بالصدفة أم تعمد بالمجيء لأفساد وتدمير فرحتهم بها ... ونطق "كرم" بأغرب جملة لم يتوقعها الثلاثة قائلا:" وحشتيني أوي أوي أيه الغيبة الطويلة دي" كان متوقع أن يجد "حلا" الطفلة شبيهة "مشمشة" لكنه وجد عكس ما توقع أمرأة باردة تقطر حروف جملتها ببرود أقسي من الصقيع وأشد منه قسوة بعدما نظرت إليه نظرة تحدي:" اهلا ..." وأستدارت وهي تغادر المكان لغرفة السيدات ليلحقها محدثا أياها:" مافيش أنت كمان وحشتني ؟!"
"حلا":" عاوزني أكدب يعني علشان تنبسط بأحساس عمره ما كان ولا حيكون؟"
ذهل من ردها وأعتبره محاولة لرد اعتبارها وكرامتها الجريحة بسبب كلماته القاسية التي سمعتها ؛ فاستطرد قائلا :" أنا باعتذر لو كلامي وجعك اخر مرة وان حبك من طرف واحد للاسف "
"حلا":" عالفكرة كلامك لا يعني لي شيء لأنه مش حقيقي خالص انت اتوهمت جدعنتي معاك انه اعجاب بيك او مشاعرك أتخلقت وأنت واهم لو كنت بتفكر كده ؛ أنا مجرد بارد ليك جميل بس أنك عرفتني علي حبايب عمري "نرمين" و "شريف" بس كده كبرت أنت الموضوع وخيالك صورلك كدبة أتداولتها كمان وضحكت هو أنت كنت عاوز تاخد لقطة وتبقي تريند ولا إيه؟! للأسف يا أستاذ "كرم" أنا لا حبيتك ولا بحبك أساسا وأي وهم جواك ده من محض خيالك وأنا مش مسئولة عن ده ونظرت له نظرة فاحصة كويس أنك بخير"
نادتها "نرمين":" مستغرباكي ليه قولتي له كده مش يمكن راجع نفسه وفي غيابك اكتشف انه بيحبك زي ما بتحبيه؟"
"حلا":" الحب من دفع الكبر والنرجسية ميلزمنيش ولو اخر راجل في الكون مش حاقبل أحسان بالحب ؛ أنا قلبي عندي قيمته متتقدرش بكنوز العالم بحاله ومقبلش أضحي بيه لحد ميقدرنيش لاني أستاهل أتقدر وأتقدر أوي .. متقلقيش عليا الغربة والمواقف علمتني وغيرتني اوي بقيت أقوي وأصلب من الأول وبأذن الله حاكمل حياتي أبني نفسي قابلت حد يقدرني ويحبني أوي ويثبتلي انه يستحقني أهلا بيه لكن غير كده مش ح اقبل بيه وبعدين حافرح فيكي أمتي علشان أشيل ولادك وحيبقوا أولادي أنا كمان وابقي خالتو وعمتو ولا فيه اعتراض؟"
أحتضنتها "نرمين" باكية من فرحتها بها وبأنها ستواجه أي تحدي بمفردها ؛ وكان فرحهما جميل ومميز خاصة في وجود "حلا" التي ساهمت بالكثير في اعداده وأهداءها أياهما رحلة شهر عسل منظمة ومميزة وكم كانت أنيقة كفراشة حلوة تحلق بين المدعوات والمدعوين ولم تلق بالاً بنظرات "كرم" مليء بالحسرة والندم علي ما ضحي بيه من قلب وحب كبير .