الساعة العاشرة مساءً الغرفة في ظلام دامس، وقف أمام النافذة، يراقب المطر الغزير وهو يرتطم بالزجاج كأنّه يبكي معه.
حرك يده باتجاه آلة الفونوغراف(مشغل اسطوانات كلاسيكي )وأخرج أسطوانة لأغنية عبد الحليم حافظ: على حسب وداد قلبي يا ابويا.
راح يفكر ببطء والغضب يغلي في عروقه كان ممنوعًا من حب سيلين ومن منعه هو والدها
جلس تحت المطر وعيناه تحدقان في السماء الملبدة حتى لمع البرق فجأة بقوة وكأنّ السماء همست له بخطةٍ لا عودة منها...
ارتسمت على وجهه ابتسامه لم يعرفها من قبل ابتسامة شر وقراره اتخذ
وفي اليوم التالي استفاقت البلدة على صراخ مدوً اخترق السكون
كانت أم سيلين تقف قرب السرير ووجهها شاحب كالثلج ترتجف وهي تصرخ بجنون
الرأس رأس زوجها مفصول عن الجسد موضوع على الوسادة كان أحدهم تعمد أن تستيقظ عليه
الدماء غمرت السرير وتدلت منها خيوط حمراء نحو الأرض والمشهد؟ كابوس بلا صحوة
· * * * * * * * * * *
"الساعة التاسعة صباحًا، في منزل سيلين، كان صوت القرآن الكريم ينساب في الأرجاء كأنّه يُسكِّن وجع الفقد. الزوّار بدأوا يتوافدون لتقديم التعازي لسيلين ووالدتها، وكان أوّلهم السيد عمر، بعينين مليئتين بما لم يُقل..."
عمر (بصوت منخفض):
"العمر لكِ آنسة سيلين…"
سيلين (تتنهد بمرارة):
"شكرًا لك… وقوفك بجانبي في هذه المصيبة له معنى كبير."
عمر (يتردد قليلًا، ثم يقول بجدية):
"أعلم أن الوقت ليس مناسبًا لما سأقوله الآن… لكن لا مفرّ."
سيلين (تنظر إليه بتساؤل):
"ما الأمر؟"
عمر (ينظر في عينيها بثبات):
"سأجد من قتل والدك… ولكن لدي شرط واحد."
سيلين (بقلق):
"وما هو؟"
عمر (بهدوء قاتل):
"أن تقبلي الزواج بي."
سيلين (يخيم الصمت قبل أن تهمس):
"أحتاج وقتًا للتفكير…"
عمر (ينحني برأسه باحترام):
"خذي ما تحتاجين… لكن تذكري، الحقيقة تحتاج ثمنًا."
· * * * * * * * * *
دخل إلى القبو المظلم، حيث الرائحة العفِنة تتسلل إلى أنفه من مصدرٍ مجهول، والجرذان تهرب بين الظلال.
وقف أمام المرآة القديمة، تلك التي وُضِع تحتها الصندوق الخشبي المغلق منذ سنوات.
بدأ سطح المرآة يتبدل… يغلي كالماء الساخن، ثم ظهر فيه خيال أسود غامض، ملامحه مشوشة، لكن صوته كان واضحًا… وشريرًا.
الظل داخل المرآة (ساخرًا):
"لماذا طلبت الزواج منها؟ هل جننت؟"
عمر (بثبات):
"لأني أحبها… وأريدها زوجة لي."
الظل (يقهقه):
"أحمق… لن أسمح لك. لن تكون لها أبدًا."
عمر (يقترب من المرآة):
"هذا لا يعنيك. أنت مجرد ظل… انعكاس مشوَّه مني."
الظل (بصوت منخفض ومخيف):
"أستطيع أن أسجنك هنا… بين الزجاج… إلى الأبد."
عمر (بغضب):
"جرب إن استطعت. أنا أقوى منك!"
الظل (يضحك بقسوة):
"أنت ضعيف… أنا من يشد خيوطك. لا تنسَ ضحاياك يا دمية. كم جريمة ارتكبت بيدي؟ وكم واحدة بقلبك؟"
عمر (يصرخ):
"تبًا لك…"
ثم خفت الضوء، وارتجت جدران القبو للحظة، كأن شيئًا يتحرك… ويستيقظ.
· * * * * * * * * *
بدأ طلال الصغير، ابن سارة، يشعر بالحزن العميق بعد فقدان والده، لكن ما أثار قلقه لاحقًا لم يكن الحزن… بل تصرفات غريبة من خاله "عمر".
كان يراه أحيانًا يتحدث عبر الهاتف بلغة غريبة، ويتلقى أموالًا كثيرة دون تفسير… إلى أن جاء ذلك اليوم.
طلال:
"ماما، اليوم رأيت خالي يتكلم مع أحد.. داخل المرآة."
سارة (مستغربة):
"ماذا؟ أي مرآة؟ أين رأيته؟"
طلال:
"صباحًا… تحت بالقبو. كان يقف أمام المرآة ويتكلم مها بمفرده.
سارة:
وهل كان معه احد؟
طلال:
"لا… كان بمفرده، لكن كان يتكلم وكأن أحد في الداخل !"
سارة (تغير نبرتها بحنان):
"يا عمري، لا تفكر بهذه الأمور . هذه أمور كبار، أنت ركّز على دروسك ومدرستك واختك، اتفقنا؟"
طلال:
"حاضر يا ماما."
سارة:
" والآن اذهب والعب مع اختك."
طلال يركض، وسارة تبقى وحدها.
جلست على طرف السرير، تغرق في أفكارها.
هل ما قاله طلال مجرد خيال طفل؟ أم أن هناك شيئًا حقيقيًا؟
قررت ألا تبقى في شك...
سارة:
"عمر! أين أنت؟ "
وفجأة، ظهر عمر خلفها… دون صوت، دون سابق إنذار.
ابتسم، وهي عندما التفتت ورأته خلفها، صرخت من شدة الرعب.
عمر (بهدوء غريب):
"ما بكِ؟ لماذا تصرخين؟"
سارة:
"أخفتني! ظهرت فجأة…"
عمر:
"آسف… ماذا تريدين؟"
سارة:
"طلال… قال إنه رآك تتحدث مع أحد في مرآة القبو."
عمر (يتجمد مكانه، يكرر بهمس):
"ماذا؟..."
سارة:
"ما بك؟ توترت فجأة."
عمر (يحاول الابتسام):
"لا شيء... فقط تفاجأت."
سارة:
"أين كنت؟"
عمر:
"كنت… فقط أتفقد شيئًا. طلال… أين هو الآن؟"
سارة:
"في الحديقة مع ليان."
عمر (ينظر نحو النافذة ثم يهمس):
"جيّد…"
· * * * * * * * * * * *
مشى ببطء متجهًا نحو غرفته في الطابق الأول، وبدت خطواته متعبة ومرهقة كأنها تسحب من روحه شيئًا فشيئًا.
دخل غرفته المظلمة دون أن يُشعل النور، وجلس على طرف السرير بصمت.
نظر إلى المرآة المقابلة له... انعكاسه كان ساكنًا، لكن شيئًا فيه لم يكن طبيعيًا.
فجأة، بدأ صوتٌ أجش يهمس في أذنه، صوت كأنما ينبعث من جوف المرآة ذاتها:
_ عليك أن تقتل ذلك الطفل._
عمر (يهمس لنفسه، متوتر):
لا… لا أستطيع، إنه ابن أختي.
الصوت:
لقد كشف سرك… وسيكشف المزيد. إن لم تقتله، سيفضحك.
عمر:
لااا… لا يمكنني. إنه طفل… صغير.
الصوت يعلو – صارم:
إن لم تقتله أنت، فسأقتله أنا.
عمر (بغضب، بصوت مرتجف):
سأقتلك إن لم تتوقف.
♤ صباح اليوم التالي – الأحد:
سارة:
استيقظتُ الساعة السادسة والنصف صباحًا كعادتي،
بدأت بتحضير الفطور، أعددت الشاي والقهوة، وجهزت السندويشات لطلال وليان، ثم توجهت لغرفتهما لإيقاظهما.
طرقت الباب، دخلت…
ليان كانت لا تزال نائمة، لكن سرير طلال… فارغ.
سارة (تقترب من ليان):
"ليان، حبيبتي، أين أخوكِ؟"
ليان (تفرك عينيها):
"لا أعرف يا ماما، نمنا سويا البارحة…"
سارة (بدأ القلق يتسلل):
"انهضي… تعالي نبحث عنه في القصر."
بدأت أركض بين الغرف، تنمو في قلبي رعشة لا تفسير لها…
سارة (تصرخ):
"طلال! طلااااال! … أين أنت يا صغيري؟! طلاااااااال!!!"
صوتي يعلو، قلبي يخفق، الدموع تنزلق دون إذن…
سيلين تظهر، عيناها دامعتان:
"سارة! ما بكِ؟!"
سارة (تصرخ، تنهار):
"ولدي… يا سيلين… ولدي ماااااات!!"
الجميع استيقظ على صراخي…
ركضوا خارجًا حيث الحديقة…
هناك، عند النافورة الكبيرة وسط القصر...
كان طلال الصغير غارقًا، جسده متجمد، شفاهه زرقاء، عيناه مفتوحتان بصمت أبدي.
سارة (تصرخ وتنهار):
"لااااا ااااا!!! يا ربّييييي!!! طلاااااااااال!!!"
سقطت على الأرض تبكي، تحتضن جسده الصغير…
سارة (في حضن عمر، تنهار):
"أرجوك يا أخي… أرجوك… اجعله يستيقظ … إنه يحب المزاح، إنه يمزح… قول لي بانه يمزح…"
عمر (يحتضنها، وعيونه مليئة بالذنب):
"تعالي… لا تبكي… أنا معكِ…"
لكن في داخله…
كان يعلم جيدًا من الذي قتل طلال.
… أو ربما، ما الذي قتله.