إجابـة سـريعة ومقتضبـة فسـرت كل شـيء للفتـى، لكنهـا مـن جهة أخرى زادت من ضغطه ورعبه وهو ما بدى جليا في نظراته وفي تساؤلاته « ... مـاذا سـيحدث وكيـف سـأقضي علـى الذئـب؟ » ... ثـم يشـاهد «ليلـى»، نعـم إنهـا «ليلـى»، فتـاة صغيـرة ترتـدي رداء أحمـر اللـون وتحمـل سـلة مليئـة بالكعـك، « إنهـا «ليلـى»، ... إنهـا «ليلـى» ... » هـذا مـا قالـه وهـو يحاول اللحاق بها وينادي بأعلى صوته « «ليلى» .... «ليلى» ... انتظري »
تسـمعه «ليلـى»، تتوقـف وتنظـر إليـه بغرابـة ودهشـة كبيريـن قائلـة « مـن أنـت أيهـا الغريـب ؟ وكيـف عرفـت إسـمي ؟!» ...
_أنا «سامي أمين» وجئت لإنقاذك ؟
_إنقاذي؟ ... إنقاذي من ماذا ؟
_من الذئب الشرير؟
فـي نفـس هـذا الوقـت فـإن الذئـب علـى بعـد أمتـار فقـط يختبـئ وراء إحـدى أشـجار الكسـتناء يتابـع مـا يحـدث عـن كثـب ويسـتمع للحديـث كامـلا.
«ليلـى» مواصلـة « أي ذئـب؟ ابتعـد عنـي أيهـا الغريـب ، أمـي أوصتنـي أن لا أكلـم الغربـاء»
_ولكن أنت والجدة كلاكما في خطر حقيقي ...
_قلـت ابتعـد عـن طريقـي أنـت شـخص غريـب وهدفـك هـو سـرقة سـلة الكعـك، لـن تحصـل عليهـا إنـه للجـدة ... وتنطلـق «ليلـى »مسـرعة.
يحـاول الفتـى اللحـاق بهـا لكـن دون جـدوى، هـي سـريعة جـدا ،هـذا عالمهـا ... و الآن عليـه تتبـع أثارهـا مجـددا ...
أمـا الذئـب فقـد غيّـر خطتـه سـريعا وهـو مندهـش ومتعجـب مـن يكـون هـذا الفتـى الصغيـر؟ وكيـف عـرف بخطتـه ؟ ليقـرر تغييـر مسـار «ليلـى» ، لكـن الوقـت يداهمـه والفتـى يحمـل بندقيـة الصيـاد ويتجـه نحـو بيـت الجـدة، إذن فـأحسن حـل هـو خطـف «ليلـى» قبـل وصولهـا الـى الكـوخ، ...وهـذا مـا فعلـه الذئـب بالضبـط .
يصـل «سـامي» إلـى مشـارف الكـوخ فيلاحـظ سـلة مرميـة علـى الأرض ! يقتـرب منهـا بسـرعة ليتأكـد، ثـم يقـول بصـوت مسـموع « يـا إلهـي مـاذا حـدث؟ هـذه سـلة «ليلـى» ؟ لا بـد أن مكروهـا أصابهـا » هكـذا قـال وهـو يحمـل السـلة الصغيـرة ويتوجـه بهـا مباشـرة إلـى الكـوخ .... يصـل، يـدق علـى البـاب بسـرعة وقـوة .
_من الطارق ؟
_أيتها الجدة افتحي الباب أنا «سامي».
_مـن أنـت ؟ لا أعرفـك، لكـن بإمكانـك الدخـول أيهـا الضيـف أنت مرحب بك دائما ... هكذا قالت الجدة وهي تفتح الباب لضيفها الصغيـر.
_ شكرا أيتها الجدة ...
تسـتقبله رغـم كبرهـا وضعفـه قائلـة « والأن إجلـس علـى هـذا الكرسـي وأخبرنـي مـن أنـت ومـاذا تريـد منـي أيهـا الفتـى ؟»
_في الحقيقة يا جدتي لقد حاولت تحذير «ليلى» من الذئب .
_هل سمعتك تقول «الذئب» ؟
_نعم، هو يخطط لالتهامك أنت و «ليلى».
_ولكن الذئاب مجرد خرافة، إنها غير حقيقية .
_ «ليلـى» سـبقتني إليـك يـا جدتـي ووجـدت سـلتها مرميـة وسط الطريـق وأخـاف أن مكروهـا أصابهـا .
_ماذا؟ «ليلى» ... حفيدتي، ماذا حصل لها؟
_هـذا مـا أريـد معرفتـه يـا جدتـي، لابـد وأن الذئـب الشـرير قـد تمكـن منهـا .
_أنـا لا أصدقـك وأعتقـد أن «ليلـى» كعادتهـا تبحـث عـن الأزهـار الجميلـة فـي مـكان مـا، لكـن أذكـر مـرة أنـي سـمعت الصيـاد يقول بأنـه شـاهد مـا يشـبه الوحـش عنـد الجـرف الصخـري، هنـاك يوجـد كهـف مخيـف .
_أيـن يقـع هـذا المـكان ؟ يجـب أن أصـل إليـه وقبـل ذلـك أريـد منـك خدمـة صغيـرة يـا جدتـي .
_ماذا تريد ؟
_أنا أفكر في مواجهة الذئب بنفس خطته .
داخـل الكهـف يقـوم الذئـب بإشـعال النـار حـول قـدر كبيـرة، و «ليلـى» المسـكينة مربوطـة عنـد الزاويـة وسـط الظـلام، وهـي خائفـة وتبكـي، عندمـا يسـمع الذئـب صـوت الجـدة وهـي تنـادي علـى حفيدتهـا قائلـة « «ليلـى» ... «ليلـى» ... أيـن أنـت ؟»
يبتسم الذئـب ابتسـامة خبيثـة وهو يقول « إنهـا الجـدة، هـذا رائع، إنها صيد سهل سأطبخ كلتاهما، ستكون وجبة سهلة و دسمة »... يقترب الذئب من الجدة ويقف غير بعيد عنها وهو يعلم أن بصرها ضعيف...
_مرحبا أيتها الجدة .
_من أنت ؟
_أنا صديقك الصياد .
_مرحبا أيها الصياد، أنا أبحث عن «ليلى» ... هل شاهدتها ؟
_نعـم أيتهـا الجـدة، لقـد أنقذتهـا مـن الذئـب وأخفيتهـا داخـل ذلـك الكهـف هنـاك ونحـن فـي انتظـار قدومـك .
_هذا لطف كبير منك .
_اتبعيني من هنا أيتها الجدة .
_حسنا .
يسير الذئب أولا وتتبعه الجدة ... يدخلان إلى الكهف فيجدان قِدرًا كبيرة والنار مشتعلة حولها .
_ما هذا أيها الصيادُ ؟
_هذه قدر كبيرة أنا أعد لوليمة، ولكن ... ولكن أرى أن عيونك براقة ولماعة ولا تضعين نظارتك أيتها الجدة ؟
_ لكي أراك جيدا أيها الصياد .
_ولكنـك لا تحمليـن عـكازا لتتكئـي عليـه بـل تحمليـن بندقيـة كبيـرة .
_لأقتلـك بهـا أيهـا الذئـب الماكـر، أنـا «سـامي» ولسـت الجـدة .
ويكشف الفتى عن نفسه في نفس اللحظة التي يوجه فيها سلاحه إلى الذئـب الـذي كشّـر عـن أنيابـه و مخالبـه، ثم آرتمـى علـى الفتـى الـذي سـارع بإطلاق النار قبل وصول الذئب إليه، لكن الذئب استطاع أن يجرح «سـامي» فـي يـده ... لحظـات مـن الرعـب والخـوف والترقـب ... يتخبـط الذئـب خلالهـا ثـم يمـوت أخيـرا .
يقتـرب منـه «سـامي» ليتأكـد مـن موتـه موجهـا سـلاحه إليـه ثـم يتفحصـه برجلـه « ... إنـه ميـت، لقـد قضيـت عليـه ... » هـذا مـا قالـه «سـامي» وهـو يتقـدم إلـى «ليلـى» ويفـك قيودهـا ...
فـي هـذه الأثنـاء تصـل الجـدة ومعهـا الصيـاد وهـو يحمـل فأسـا فـي يـده .
_ لقـد أحضـرت لـك الصيـاد ليسـاعدك فـي قتـل الذئـب يـا «سـامي».
_لا داعي لذلك يا جدتي، فقد قضيت عليه وأنتهى الأمر .
يقترب الصياد من الذئب ليتأكد من موته ثم يلتفت إلى الفتى قائـلا « أنـت حقـا فتـى قـوي وشـجاع، لقـد تغلبـت علـى الذئـب بـذكاء وشـجاعة، ... أنـت تسـتحق تلـك البندقيـة، و تسـتحق لقـب الصيـاد الشـجاع، هـذه البندقيـة أصبحـت ملـكا لـك إلـى الأبـد»
فجأة ودون سـابق إنذار يختفي كل شـيء ولا يبقى إلا «سـامي » داخـل الكهـف محاطـا بحكمـاء عالم الخيال.
تقتـرب «بوكاهانتس» مـن الفتـى قائـلة « إذا أنـت لسـت بذلـك الضعـف يـا فتـى، وفـوق هـذا لديـك ذكاء حـاد فقـد واجهـت الذئـب بنفـس خطتـه، وهـو مـا لـم يتوقعـه »
«سـنفور حكيـم» معقبـا « أنـت الآن مقاتـل مـن المسـتوى الأول بصفـة رسـمية يـا «سـامي»، لكـن لا تفـرح كثيـرا لأن مـا واجهتـه لتـوك كان مجرد خيال أطفال بعمر أربعة وخمسة وست سنوات على أكثر تقدير، وغدا عليك أن تجهز نفسك لمواجهة خيال أطفال بعمر سبع سـنوات فما فوق »
«قـزم حكيـم» وهـو ينظـر إلـى يـد «سـامي» المجروحـة قائلا « ذلـك الجـرح على يدك يـا «سـامي» هـل يـدل علـى شـيء ؟»
_لا أدري يـا سـيدي ولـم أفهـم القصـد مـن سـؤالك ؟ ...
يقتـرب «القزم حكيم» ثم يمسك بالفتى من يده اليسرى قائلا « كان بإمكان الذئـب أن يقتلـك لـو كانـت الضربـة فـي مـكان آخـر، أو ربمـا كنـت سـتفقد هـذه اليـد إلـى الأبـد »
_ماذا ؟ يقتلني ؟ كيف ذلك و أنا في عالم الخيال ؟
«قـزم حكيم» مـرة أخـرى « لأنـك لـم تفصـل عقلـك عـن جسـدك وأنـت تقاتـل ! ، ... العقـل يصـدق مـا يحـدث لـه ... لقـد كنـت تقاتـل الذئـب بالعقـل والمنطـق وليـس بالشـجاعة والخيـال، لقـد كنـت قـاب قوسين أو أدنى من فقدان ذراعك للأبد » ...
ينظر الفتى إلى يده ويبلع ريقه في نفس الوقت الذي يتقدم فيه «بابا نوال» من «قزم حكيـم» قائـلا لـه « بالنسـبة للـدرس الأول فهـذا كثيـر عليـه، لأن فهـم طبيعـة عالـم الخيـال والأحـلام أصعـب مـن تصديـق وجـوده ... ولا أحد فهم ذلك من الدرس الأول » يستمع قزم حكيم، يصمت للحظة ... وبعد أن تأكـد مـن أن «بابـا نـوال» محـق فـي طرحـه يجيبـه قائـلا « نعـم، أنت محق سيد «بابا نوال» » ثم يلتفت إلى الفتى معقبا « الآن عليك بالعـودة لعالـم الحقيقـة يـا «سـامي» وأسـتعد لمواجهـة أخـرى ليلـة الغـد »
_ولكـن أعتقـد انـي قضيـت وقتـا طويـلا هنـا، ولابـد أنهـم قـد لاحظـوا غيابـي .
«سـنفور حكيـم» « كلا يـا «سـامي»، فالسـاعة الواحـدة فـي عالم الخيال تعادل ثانية واحدة في عالم الحقيقة، وأنت في ضيافتنا منـذ ثمانـي سـاعات فقـط »
_ تقصد ثمانية ثواني، ... هذا رائع.
«القـزم حكيـم» قائـلا « بالنسـبة لذلـك الجـرح لقـد اتفقنـا علـى عـدم علاجـه أو اسـتعمال العصـا السـّحرية لإزالتـه وإرجـاع يـدك إلـى طبيعتهـا الأولـى»
_لماذا يا سيدي؟ هذا الجرح يسبب ألما شديدا .
«القزم حكيم» ثانية « وهذا هو المطلوب يا «سامي» »
«سامي» مستغربا « أنا أتألم! »
المعلـم «سـبلينتر» بعـد أن تابـع الموقـف بأكملـه يقـرر التدخـل أخيـرا بـكل حكمـة قائـلا « اسـمعني جيـدا يـا «سـامي»، بعـض الأمـور يجـب أن تتـم بالطريقـة الصعبـة لكـي يتـم اسـتيعابها جيـدا، ... ليسـت كل الـدروس نظريـة، التطبيـق مهـم جـدا حتـى فـي عالـم الخيـال، الألـم سـيرافقك لمـدة سـيذكرك خلالهـا بخطئـك الأول ''عـدم فصـل عقـلك عـن جسـدك'' أمـا الجـرح فسـيندمل خـلال أيـام ويتـرك وراءه ندبـا سـيرافقك طيلـة حياتـك ... ندبـا سـيكون بمثابـة وسـام للشـرف والشجاعة ... ندبا يحكي ويشهد لك عن أول معركة خضتها بنفسك ضـد عـدو شـرير، ضـد الذئـب الـذي أرعـب ملاييـن الأطفـال حـول العالـم وعبـر العصـور، ندبـا سـتكون فخـوراً جـدا وأنـت تكشـف عنـه لأحفـادك بينمـا تحكـي لهـم فصـول و أطـوار سـير المعركـة »
يصمـت «المعلـم سـبلينتر» للحظـة وقبـل أن يواصـل كلامـه يسمع الجميع صوت رعد شديد يتبعه زلزال كبير يتسبب في تساقط بعـض الحجـارة مـن سـقف المغـارة، ... «سـامي» يحـاول الاحتمـاء بـأي شـيء والحكمـاء ينظـرون لبعضهـم البعـض، بعدهـا يتقـدم «القـزم حكيـم» مـن الفتـى و يضـع يـده علـى كتفـه قائـلا « الآن عليك بالعودة بسـرعة يـا «سـامي» فبعـض المعـارك تجـري الآن علـى مشـارف مدينـة الأحـلام »
ينظـر الأفتـار إلـى الفتـى قائـلا « لنعـد الأن إلـى غرفتـك يـا «سـامي»، أغمـض عينيـك وأنـا سـأتكفل بالباقـي »
يغمـض الفتـى عينيـه وتتشـكل الهالـة الضبابيـة ويختفيـان وسـطها ولا يبقـى داخـل الكهـف العظيـم إلا الحكمـاء الخمسـة ... وقبـل أن يواصـل «القـزم حكيـم» كلامـه يصـل الأرنـب سـاعي البريـد وهـو يحمـل حقيبـة الرسـائل علـى ظهـره، يقـف ويخـرج رسـالة واحـدة قائـلا « رسـالة مسـتعجلة مـن الفـارس الأبيـض » ويسـلمها لـ«سنفور حكيم» الـذي فتحهـا وبـدأ قراءتهـا بتركيـز كبيـر، ... يقتـرب منـه «القـزم حكيم» قائلا « ماذا لدينا يا سيد «سنفور حكيم» ؟ » فيجيبه متأثرا« لقد خسرنا بلاد العجائب، والفارس الأبيض تكفـل بنقـل «أليـس» إلـى مـكان آمـن» فيـرد عليـه «المعلـم سـبلينتر» قائلا « ومـاذا عـن باقـي المخلوقـات ؟ » ... يجيبـه «سـنفور حكيـم» وهـو يسـلم الرسـالة لـ«القـزم حكيـم» « لقـد تأكـد الفـارس الأبيـض بنفسـه مـن ركوبهـم جميعـا علـى متـن القطـار الحديـدي، سـيصلون إلينـا خـلال سـاعات »
«القزم حكيم» مجددا « الوقت ليس في صالحنا، نحن نخسر الكثيـر مـن الأراضـي وأبطالنـا لـم يعـد بمقدورهـم إيقـاف تقـدم الغـول، ... إذا اسـتمر الوضع هكذا سـينتهي كل شـيء قبل البدر القادم »
«سنفور حكيم» « ماذا تقترح لأجل ذلك سيد «قزم حكيم»؟ »
_علينا تغيير المستويات لربح الوقت .
تتعجـب «بوكاهانتـس» مـن هـذا الاقتـراح وهـو مـا ظهـر جليـا فـي ردهـا عندمـا قالـت « مـاذا ؟ هـذا كثيـر عليـه لـن يصمـد، لـن ينجـح »
«قـزم حكيـم» معقبـا « كلا، ... بـل سـينجح، بالنسـبة للـذكاء فـإن الفتـى قـد أبـان عـن قـدرات كبيـرة، لقـد واجـه الذئـب بنفـس خطته وهو ما لم يتوقعه أحد حتى أنا وأنتم، ... أقترح أن نَـمُر مباشرة وأن نتخطـى مسـتوى الـذكاء إلـى مسـتوى الشـجاعة، عليـه مواجهـة مخاوفـه عليـه مواجهـة الوحـوش والبشـاعة والرعـب، وسـنبدأ بأقـل الوحـوش ضـررا»
«سنفور حكيم» « تقصد أطيب الوحوش » ...
«قزم حكيم» « نعم، هو طيب القلب لكن بشاعته لم يصمد أمامها إلا القليل» .
ينظـر الحكمـاء إلـى بعضهـم البعـض ثـم ينظـرون إلـى «المعلـم سـبلينتر» والـذي أشـار برأسـه دلالـة علـى الموافقـة قائـلا « حسـنا، أنـا موافـق »
داخـل بيـت العمـة فـإن الفتـى قـد تسـلل للمطبـخ وحصـل علـى حقيبـة الاسـعافات الأوليـة وقـام بنفسـه وبتوجيـه مباشـر مـن الأفتـار بتنظيـف جرحـه ثم تعقيمـه ولفـه بقطعـة مـن قمـاش أبيـض وبعدهـا أنـزل عليـه كمـه لإخفائـه لكنـه لـم يسـتطع إخفـاء الألـم، وبعـد أن انتهى من ذلك نصحه الأفتار بالخلود للنوم باكرا اسـتعدادا للمهمة المقبلـة.
في اليوم الموالي، وبعد نهاية الدوام المدرسي يعود الفتى مسرعا للبيـت ويدخـل غرفتـه بحـذر محـاولا اجتنـاب مقابلـة عمتـه أو مقابلـة زوجهـا لكـي لا يكتشـفا جرحـه بعـد أن تورمـت يـده أكثـر، ثـم يتسـلل إلـى المطبـخ بتنسـيق مـع الأفتـار للحصـول علـى علبـة الإسـعافات الأوليـة و بعـد أن حصـل عليهـا قـام بتغييـر الضمـادات بنفسـه، وتلـك القديمـة فقـد قـام بإخفائهـا داخـل جيبـه ليتخلـص منهـا لاحقـا، ثـم قـدّم بعـض الحبـوب للقـارض الصغيـر قبـل أن يحمـل طائـرة الـدرون ويخـرج مـن البيـت فيسـمع صـوت عمتـه قادمـا مـن غرفتهـا « لا تبتعـد عـن البيـت كثيـرا ولا تتأخـر عـن موعـد العشـاء » يجيبهـا قائـلا وقـد التفـت فـي اتجـاه الصـوت « نعـم يـا عمتـي» ...
يتجـه رفقـة الأفتـار إلـى الحديقـة العامـة راكبـا علـى دراجتـه الجديـدة، وعندمـا يصـل يجلـس علـى إحـدى الكراسـي ويضـع طائرتـه بجانبـه ثـم يلتفـت للأفتـار قائـلا « أخبرنـي عـن مهمـة الليلـة يـا أبـي » يجيبـه « سـيتكفل السـادة الحكمـاء بذلـك » فيسـأله مـرة أخـرى « حسـنا، ...لـم تخبرنـي كيـف أصبحـوا يحكمـون عالـم الخيـال؟» يجيبـه « هـم ليسـوا بِحـُكّام يـا «سـامي»، هـم فقـط مجـرد شـخصيات لهـا الكثيـر مـن المصداقيـة والحكمـة ... لأن الكثيـر جـدا مـن الأطفـال حـول العالـم قد آمنوا بحكمتهـم الكبيـرة ولهـذا تجسـدوا داخـل عالـم الخيال علـى هـذا الأسـاس »
_ وكيـف أصبـح المعلـم «سـبلينتر» هـو القائـد ؟ ...
_ لأن أكبر عدد من الأطفال حول العالم قد آمنوا بحكمته هو، لقد كان صاحب العدد الأكبر من الخيال المتعلق بالحكمة والاحترام وحسن التخطيط والتدبيـر.
علـى الكرسـي المقابـل يجلـس رجـل عجـوز كان ينظـر لسـامي بغرابـة قبـل أن يقـف مـن مكانـه ويتقـدم منـه قائـلا « هـل أنـت بخيـر يـا ولـدي ؟»
يشـعر الفتـى بإحـراج كبيـر فيلتفـت للأفتـار الـذي خاطبـه مـن خـلال الأفـكار قائـلا « أنـت فقـط مـن يسـتطيع رؤيتي، وهـذا العجـوز يعتقـد أنـك تعانـي مـن خطـب مـا لأنـك تتحـدث إلـى نفسـك » يقـف الفتـى ويحمـل طائرتـه بيـد ويقـود دراجتـه باليـد الاخـرى ويغادر المكان قائلا « نعم سـيدي، أنا بخير ... » أما العجوز فقد بقي لبرهـة واقفـا ويتابـع الفتـى بنظراتـه وهـو يغـادر قائـلا « فتـى مسـكين » ...
في المقابل فإن السـيد «أسـعد» يعمل جاهدا من أجل الانتهاء بسـرعة مـن بنـاء جـدار عـازل داخـل غرفتـه لمنـع وصـول أصـوات «محمـود» لـ«سـامي» ... فقـد قـام صباحـا بشـراء الكثيـر مـن ألـواح البوليستر السميكة و قام بنقلها لغرفته مغتنما فترة غياب الفتى من أجـل الدراسـة، وبعـد أن انتهـى مـن تركيبهـا أخيـرا بمسـاعدة زوجتـه ، وبعـد جهـد و وقـت حـان وقـت تغليفهـا بـورق خـاص ملـون لإعطـاء بُـعْدٍ جمالـي للغرفـة، بعـد أن أصبحـت كئيبـة ولا حيـاة فيهـا حسـب رأي العمـة «كاميليـا»، ولـم ينتهيـا مـن ذلـك إلا عنـد حـدود السـابعة مسـاءً وهو نفس وقت عودة «سـامي» الذي قام بدخول غرفته حيث وضعَ الطائـرة الصغيـرة فـوق طاولتـه ثـم توجـه لتنـاول وجبـة العشـاء مـع زوج عمتـه كعادتـه، لكـن بحـذر شـديد لإخفـاء جرحـه.
بعـد الانتهـاء مـن وجبـة العشـاء، توجـه «سـامي» لغسـل أسـنانه قبـل أن يدخـل غرفتـه ويغلـق البـاب مـن الداخـل بالمفتـاح ، بعدهـا ينظـر للأفتـار ويبتسـم عندمـا تبـدأ الهالـة الضبابيـة بالتشـكل ويختفـي الاثنان بداخلها، ليظهرا لاحقا بنفس الطريقة داخل الكهف العظيم فيجـدان نفسـيهما محاطيـن بالسـلاحف الأربعـة.
.... يتبع