قُرطبة
حين نُسلِّمَ الأرضَ إلي الله
سيكون علينا أن نُعيدَ الكونَ سيرتَه الأولى:
نزرعُ الغاباتِ التي أحرقناها
وننفخُ من أرواحِنا
في الهياكل العظميّة
التي وأدنا الروحَ فيها،
نُعيدُ للطير أمانَه
وزقزقتَه
تلك التي تعلّمَ أن يُسكتَها
كلمّا مررنا
-نحن البشر-
جوارَ شجرة،
نُعيدُ الصحراءَ
صحراءَ
والمروجَ فراديسَ
ثم نلصقُ التفاحةَ المأكولةَ
في شجرة الخطيئة الأولى
كي يحبَّنا الله،
ندرّبُ أنفسَنا
أن نسيرَ فوق الرمال
دون أن تدهسَ أقدامُنا الطولى
أسرابَ النمل الطيبة،
سيكونُ علينا
أن نفكِّكَ نهرَ قرطبةَ
ونمنحَ شِطرًا منه
اسمَ: جوادا
والشطرَ الآخر: الوادي الكبير
ثم نعيدُ الكاتدرائيةَ مسجدًا
والمسجدَ
كنيسةً رومانيةً.
سيقفُ "ابنُ رشد" بين المذبح والمحراب
ليقول:
"الحقُّ لا يضادُّ الحقَّ!"
ثم نقف أمام الله في صفٍّ طويل
لنشهدَ
كيف نحنُ
جعلنا الحقَّ
يُضادُّ الحقّ.
قرطبة/ أبريل 2010
عصفور
هنا يتعلَّمُ العصفورُ
كيف يُزقزِقُ
كلّما فتحنَا له كتابَ التاريخ
ممحوَّ الأسطر.
لدينا شموعٌ كثيرةٌ
مُطفأة
وعلبةُ ثِقابٍ
تكفي لنقرأ ما محوناه
من كتابِنا.
شمعةٌ
وعودُ ثِقاب
لكلّ سطرٍ.
في كلِّ سطرٍ حكايةٌ
من حكايانا القديمة التي طارت
من حقائبنا.
هل تذكرين الآن
-أيتها البنتُ التي تنسى-
معنى أن يحبَّ رسامٌ
شاعرة؟
نعم:
تطيرُ قصائدُ ملوّنةٌ
فتضحكُ الملائكةُ من وراء الغَمام
وعلى الأرض تنثرُ
المَنَّ والسلوى.
عصفورُكِ
يَخفقُ بجناحيه،
سنعلّمه بعد برهة
كيف يطير.
القاهرة / 24 أبريل 2011
زهرُ أيلول
مع ثورة العسكر القديم
يتسلَّلُ العشّاقُ
وراءَ الأقنعة
ينثرون الورودَ على شرفاتِ الحبيبات
فلا تعرفُ الحبيبةُ
وجهَ حبيبها
لأنه مخبوءٌ وراءَ علم الوطن.
تغضبُ البنتُ
لأن حبيبَها اختلطَ بآلاف الأحبة
اسمُه لم يعد اسمَه
ووجهُه
صار يشبه وجهَ مصرَ.
تُطرقُ البنتُ برهةً
ثم تُغلقُ الشرفةَ
وتركضُ إلى الميدان
لتهتفَ مع الثوار:
“بنحبك يا مصر.”
ويومَ تطيرُ الأمهاتُ
إلى حيث تطيرُ الأمهاتُ
مع ورق أيلول الأصفر،
يقفُ العشَّاقُ تحت شرفاتِ الصبايا
يُغنّون:
“ماذا لو لم أترككِ تمضين؟!”
وتغني البناتُ:
"ماذا لو لم أترككَ تمضي؟!"
فيجيبُ الصدى:
“رجِع أيلول/ وأنتَ بعيد/ بغيمة حزينة/ قمرها وحيد".
الحبيباتُ مشغولاتٌ
بعدِّ اليماماتِ التي تطيرُ من الشجر
وعند الأصيل
يُخاطبن المرايا
ليعرفن إن كانت ظلالُ العاشقين
قد مرّت في الصباح.
لكن المرايا
تُعيدُ صوتَ KATE WINSLET
“ماذا لو لم تتركن الأحبةَ يمضون؟
ماذا لو حاولتنَّ مرةً أخرى؟"
التاريخُ لا يُعيدُ التاريخَ
لأن الحبيباتِ سوف يتعلَّمن
أن المرايا لا تكذبُ
ولا تعبأ حتى بقول الصدق،
المرايا
-وحسب-
تراقبُ الظلالَ السابحةَ على صفحتها
لكنها أبدًا
لا تخبرُ عن مكان العاشقين.
القاهرة / 19 سبتمبر 2011