بابـا نـوال» مرة أخرى « و ملاحظـة فقـط يـا «سـامي»، مغامراتـك الجديـدة لـن تكـون هنـا داخـل الكهـف العظيـم بـل سـتكون علـى أرض الخيـال مباشـرة » ...
يضطـرب الفتـى لسـماعه ذلـك لأنـه يعلـم أن أي خطـأ منـه فـإن عـدوه قـادر علـى تحديـد مكانـه بدقـة كبيـرة ومـن ثـم القضاء عليه ... فيسـأل قائلا « ولكنكم أخبرتموني سـابقا أن الغـول يسـتطيع الإحسـاس بـي بـل ورؤيتـي إذا خرجـت مـن هـذا الكهـف » ... ليَـرُد «سـنفور حكيـم» علـى سـؤاله « هـذا صحيـح ، لكنـك الآن تملـك الـرداء السـحري ... ذلـك الـرداء سـيمنع الغـول وأعوانـه مـن رؤيتـك، وفـي حـال سـاءت الأمـور أو كنـت وجهـا لوجـه مـع الغـول أو أحـد أعوانـه أو كل مـن تعتقـد أنـه يشـكل عليـك خطـرا فـكل مـا عليـك فعلـه هـو أن ترتـدي غطـاء الـرأس وسـتختفي تمامـا، ... وكالعـادة سـيرافقك أفتـار والدك لحمايتك » ثم يلتفت باتجاه الأفتار مواصلا « وحسب ما أرى فلم يبقى له الكثير حتى يصبح أفتارا من المستوى الثالث، وصديقنا السـندباد فـي الخـارج سيسـاعدك فـي الوصـول إلـى هنـاك بسـرعة»
_حسـنا فهمـت يـا سـيدي، وسـأحاول جاهـدا أن لا أرتكـب أي خطـأ وسـأكون عنـد حسـن ظنكـم بـي ... هكـذا قـال الفتـى وهـو يتوجـه إلـى الطاولـة الكبيـرة حيـث البندقيـة والـرداء السـحري موضوعـان علـى طرفهـا، يلبـس رداء التخفـي دون وضـع غطـاء الـرأس ثـم يحمـل البندقية و يخرج رفقة أفتار والده من الكهف العظيم ومحاطا بالسـلاحف الأربعـة حيـث يجـد «السـندباد» فـي انتظـاره بالخـارج وبجانبـه البسـاط السـحري، يركبونـه جميعـا وينطلقـون ...
بعـد الإقـلاع بلحظـة واحـدة فقـط يبـدأ البسـاط فـي الترنـح يمينـا وشـمالا ...
_ اهـدأ يـا «سـامي» ... هـذا مـا قالـه «السـندباد» وهـو يحـاول السـيطرة علـى البسـاط السـحري عبـر إمسـاكه بكلتـا يديـه مـن طرفيـه الأمامييـن، فيـرد عليـه الفتـى « أنـا خائـف، ولـم يسـبق لـي أن حلقـت مـن هكـذا ارتفـاع »
يجيبـه الأفتـار « ولكـن الخـوف يكـون مـن الارتفـاع الحقيقي يا «سـامي» ! ، وأنت الأن داخل عالم الخيال والأحلام، هل نسـيت ذلـك؟ »
_كلا ... لكـن الارتفـاع هـو الارتفـاع يـا أبـي سـواءً كان فـي عالـم الخيـال أو عالـم الحقيقـة، ... وأنـت أيهـا «السـندباد» هـل يمكنـك التخفيـف مـن السـرعة علـى الأقـل ؟
_مستحيل، فنحن في سباق حقيقي ضد الوقت، و أيضا فإن هـذه المناطـق تخضـع لسـيطرة الغـول، أعوانـه فـي كل مـكان، وإذا تـم رصدنـا فنحـن هالكـون، ... كان هـذا رد «السـندباد» قبـل أن يـدرك ويلاحظ أن البساط سكن وأستقر تماما ! ، فيستغرب للأمر ويواصل كلامـه متسـائلا « مـا الـذي حـدث ؟ » ... يجيبـه «سـامي» « لا شـيء لقـد أغمضـت عينـي فقـط » يلتفـت «السـندباد» فيجـد الفتـى قـد غطـى عينيه بكلتا يديه ! فينزعج جدا من هذا التصرف ثم يحدثه بأسلوب الناصـح قائـلا « كلا يـا «سـامي» ... لا يمكنـك الهـروب مـن المشـكلة عبـر إغمـاض عينيـك بـل عليـك بالمواجهـة، يجـب أن تثـق فـي نفسـك وتواجـه خوفـك »
يـرد عليـه الفتـى المرعـوب « أنـا لـم أحلـق سـابقا مـن هكـذا ارتفـاع ؟ بـل لـم أحلـق أصـلا فـي حياتـي » ... يجيبـه بلطـف « لا يهم إن كنت قد حلقت سابقا أو لم تحلق أصلا ... أنا هنا ولن أسمح بسـقوطك، وهـذا البسـاط قـوي جـدا و قـادر علـى حمـل عشـرة رجـال دفعة واحدة، لذا إهدأ وواجه خوفك ثم أستمتع بالمناظر الجميلة »
صـوت الأفتـار داخـل عقـل الفتـى معقبـا « كل مـا قالـه لـك «السـندباد» هـو مـا تحدثنـا عنـه سـابقا يـا «سـامي»، أنـت قـوي ويمكنك مواجهة خوفك، وكل ما تحتاجه هو ثقتك بنفسك فقط » يـرد الفتـى مجاريـا الأفتـار بصـوت مسـموع « حسـنا أعتقـد أنـي متأكـد مـن قـدرة هـذا البسـاط علـى حملنـا ونقلنـا بأمـان ... وربمـا قـد بـدأت بالتعـود علـى المرتفعـات » ... فيجيبـه « هـذا جيـد، والان تنفس يا «سامي»، خذ نفسا عميقا واستمتع بالمناظر الجميلة قبل أن ندخـل إلـى الصحـراء فتتحـول كل المناظـر إلـى منظـر واحـد مُمـل أصفـر اللـون »
يمـر وقـت طويـل والفتـى يحـاول أن يتنفـس بعمـق و يُـهَدأَ مـن روعـه ويحـاول أن يقنـع نفسـه أن كل مـا حـدث و يحـدث هـو مجـرد وهـم يعيشـه داخـل عالـم آخـر، لكنـه ضيـع وقتـا طويـلا قبـل أن يهـدأ أخيـرا و فعليـا.
_أعتقـد أنـي هـدأت الآن، ... هكـذا قـال الفتـى وهـو يبعـد يديـه عـن وجهـه ويفتـح عينيـه ببـطء ... ثـم مواصـلا « رائـع ... إنهـا الصحـراء، كثبـان رمليـة ذهبيـة اللـون ... أنـا لـم أشـاهد الصحـراء سـابقا .... أنظروا، هناك قافلة من الجِمال أعتقد أننا اقتربنا أيها «السندباد» »
فيـرد عليه « لقـد فـَوَّتَ علـى نفسـك الكثيـر مـن المناظـر الجميلـة للغابـات والسـهول والجبـال »
يجيبـه «سـامي» بقوله « كلا، فتلـك المناظـر شـاهدتها سـابقا وأعتقـد أن مناظـر الصحـراء هـي الأجمـل ... » يصمـت «السـندباد» للحظـة ثـم يسـأله بغرابـة بعـد أن التفـت اليـه « هـل أنـت متأكـد أن مشـاهدة الصحـراء أجمـل مـن مشـاهدة الجبـال والغابـات ؟ » ... يجيبـه الفتـى بـكل ثقـة « نعـم، أنـا متأكـد ... »
_حسـنا كمـا تريـد، وجهّـز نفسـك فنحـن قريبـون و تذكـر جيـدا أن هـذه الأرض يسـيطر عليهـا الغـول وأعوانـه فـلا تفكـر فيـه أو تتخيلـه مهما كان السبب، ... والأن أنظر إلى تلك الخرائب إنها كل ما تبقى من قصـر «عـلاء الديـن» ... و تلـك الأطـلال هنـاك هـي مدينـة «الذهـب» أو مـا تبقـى منهـا ... أجمـل مدينـة فـي الصحـراء وأغناهـا ... كانـت قبلـة التجـار والمغامريـن وطـلاب العلـم والباحثيـن عـن الثـروة والمجد ... يحكمها ملك عادل وأهلها يعيشون في سلام و رخاء إلى أن قرر الغـول وأتباعه مهاجمتها، في البداية تلقوا مقاومة شديدة من سكانها لكنهم في النهاية ربحوا المعركة، و دخلوا المدينة غزاة فجاسوا خلال الديار وأهلكـوا الحـرث والنسـل، وغنمـوا ثروتهـا وبطشـوا بسـكانها المسـالمون ومـا نجـى منهـم إلا القليـل.
_ يا إلهي، ... و أين سنذهب الآن ؟
_لا تخـف يـا «سـامي» فالصحـراء كبيـرة جـدا ... ووجهتنـا هـي مدينـة «السـراب»، آخـر مدينـة فـي الصحـراء لـم يصلهـا الغـول، والجميـع مختبـئ هنـاك .
_حسـنا أيهـا السـندباد، بالنسـبة لـكل الذهـب الـذي غنمـه الغـول مـن المدينـة مـاذا سـيفعل بـه ؟ فـلا أظنـه سيسـتفيد منـه شـيئا وهـو بـكل ذلـك الشـر وتلـك القـوة ؟
_هـذا صحيـح ، لكـن الغـول فـي بدايتـه لـم يكـن بتلـك القـوة وكان بحاجـة إلـى بنـاء جيـش عظيـم لأنـه قـرر مواجهـة الجميـع والاسـتحواذ علـى كل الأراضـي ... وبريـق الذهـب فـي عالـم الخيـال مثلـه مثـل عالـم الحقيقة يَعمِي الأبصَار ويأسِرُ القلوبَ ويَختَصِرُ المسافات ويكسرُ كل الحواجز، ... وأعتقد أن أولى الذمم التي تمكن الغـول من شرائها هي السـحرة الأشـرار والكثيـر مـن قطـاع الطـرق واللصـوص وبعـض الملـوك وكل الخونـة وضعـاف النفـوس .
_ إذا فالغـول لا يتميـز فقـط بالشـر والقـوة بـل بالـذكاء والدهـاء وحسـن التدبيـر و التخطيـط .
_كلا يـا «سـامي» فـلا نـظن الغـول بذلـك الـذكاء الحـاد، لكننـا نشـك فـي أن المخطـط لـكل هـذا هـو «المهـرج» ذلـك الأفتـار الخبيـث المدعـو «الجوكـر»، والآن اسـتعد للهبـوط فقـد وصلنـا لمدينـة «السـراب».
_ أين هي ؟ أنا لا أرى إلا المزيد من الكثبان الرملية !
_هـذا هـو سـرها يـا «سـامي» ، مدينـة «السـراب» محاطـة بهالـة كبيـرة مـن السّـحر لا يمكـن لأحـد أن يراهـا مـن الخـارج ....
_وكيف ستراها أنت إذا أيها «السندباد» ؟
_أنـا أيضـا لا أسـتطيع رؤيتهـا لكنـي أعـرف مكانهـا وفـور دخولـي لتلـك الهالـة أجـد نفسـي فـي داخلهـا مباشـرة ... والآن اسـتعد للهبـوط وتمسـك جيـدا ...
ينزل البساط السّحري بشكل دائري وببطء فيجدون أنفسهم فجـأة وسـط مدينـة علـى الطـراز العربـي والإسـلامي، ... مدينـة بلـون أبيـض لديهـا الكثيـر مـن المـآذن والقبـب ....الأرصفـة مكتظـة بالتجـار و المتسـوقين، وبالكثيـر مـن الدكاكيـن التـي تحتـوي علـى كل أنـواع السـلع والألبسـة والمنسـوجات المختلفـة، تتخللهـا الكثيـر مـن الروائـح المختلطة المتصاعدة من طاولات باعة التوابل ومحلات الشوائين ...
يحط «السندباد» بالبساط خلف دكان كبير يعرض في مدخله الكثيـر مـن السـجاد بمختلـف الألـوان والأحجـام، ينـزل «السـندباد » ويلتفـت للفتـى قائـلا « والأن يـا «سـامي» لقـد وصلنـا، انطلـق وعندمـا تنتهـي مـن مهمتـك سـتجدني هنـا فـي هـذا المـكان بانتظـارك » يسـتغرب الفتـى ويـرد بسـرعة « ألـن ترافقنـي ؟ » فيجيبـه « كلا، أنـت تحـت الملاحظـة والتدريـب، ومهمتـي هـي الحـرص علـى توصيلـك لأي مـكان تطلبـه والباقـي عليـك القيـام بـه بنفسـك، ... وهنـاك شيء آخـر يـا «سـامي»، يجـب أن نتبـادل اللبـاس أنـا وأنـت، فـلا يمكنـك التجـول بهـذا اللبـاس السـَّخيف داخـل مدينـة عربيـة وسـط الصحـراء، سـتجلب لنفسـك الكثيـر مـن الانتبـاه وقـد يسـبب لـك ذلـك بعـض المشـاكل»
_ حسنا أيها «السندباد»، شكرا لك ... هذا ما قاله الفتى وهو ينظر إلى نفسه باللباس العربي العريق، قبل أن يسمع صوت الأفتار داخل عقله « ما هي خطتك الآن يا «سامي» ؟ » يجيبه عبر الأفكار « لا أدري يا أبي لكن أعتقد أن البداية ستكون عبر البحث عن السّاحر الأول الـذي طلـب مـن «عـلاء الديـن» دخـول المغـارة واسـتخراج المصبـاح السّـحري فهـو الوحيـد الـذي كان يعـرف سِـرَّ المصبـاح قبـل الجميـع، و للوصـول إليـه علينـا الوصـول إلـى «عـلاء الديـن» وهـو متـزوج مـن بنـت السـلطان الحاكـم، إذاً فالانطلاقـة الصحيحـة يجب أن تبـدأ مـن هنـاك ... مـن قصـر السـلطان »
فيشـجعه الأفتـار بقولـه « أحسـنت، أنت على الطريق الصحيح »
يبدأُ الفتـى في التجول بيـن الأزقـة الضيقـة، يسـأل بعـض التجـار هنـاك فيدلونـه علـى مـكان القصـر الكبيـر، حيـث يجتمـع الكثيـر مـن الحـكام والـوزراء والمرضـى والجرحـى و كل الهاربيـن مـن مدينـة «الذهـب » المدمـرة.
يصـل بعـد جهـد ويعلـم مـن جنـود الحراسـة هنـاك عنـد البوابـة الكبيـرة أن «عـلاء الديـن» فـي وضـع صحـي حـرج، فهـو مصـاب بعـد معركتـه الأخيـرة ضـد الغـول، ويخضـع لفتـرة نقاهـة بعـد العـلاج المكثـف الـذي تلقـاه، ... فيطلـب رؤيتـه لكـن يمتنـع الجنـود عن إدخالـه هـذه هـي التعليمـات ويجـب أن تطبـق .
«سـامي» لا يضيـع الوقـت فـي الجـدال أو محاولـة معرفـة مـن أعطـى التعليمـات ولمـاذا ... ينسـحب إلـى الـوراء قبـل أن يسـمع صـوت الأفتـار داخـل عقلـه « والآن مـاذا سـتفعل يـا «سـامي» ؟ » يجيبـه عبـر الأفـكار « راقبنـي يـا أبـي » ... يرتـدي غطـاء الـرأس لذلـك الـرّداء السّـحري ويختفـي عـن الأنظـار قائـلا « انتظرنـي هنـا يـا أبـي، سـأقابل «عـلاء الديـن» وأعـود فـورا »
_ولكنـي مكلـف بحراسـتك وإذا حـدث لـك أي مكـروه سـينتهي أمـري مسـجونا فـي «عـش الدبابيـر» ، «سـامي» ... «سـامي» ... أيـن أنـت؟... تحـدث علـى الأقـل لأحـدد مكانـك.
رغم نداءات الأفتار إلا أن الفتى لم يضيع الوقت فعلا وتسلل مباشـرة إلـى داخـل القصـر الكبيـر لكنـه واجـه مشـكلة غيـر متوقعـة، فالقصـر كبيـر جـدا وملـيء بالغـرف والضيـوف والخـدم والحشـم، والفتى محتار من أين يبدأ ؟ ... حتى إنه لا يعرف شكل وملامح «علاء الديـن» ؟ ... هـذه ورطـة حقيقيـة، ... يحـاول أن يفكـر بسـرعة عندمـا يشاهد أحد الخدم وهو يحمل صينية كبيرة عليها الكثير من الفواكه المختلفـة شـكلًا ولونـًا، فينـزع غطـاء رأسـه، يصبـح مرئيـا ويتقـدم إليـه قائـلا « أيهـا الخـادم أنـا «سـامي» وقـد طلـب «عـلاء الديـن» مقابلتـي لكنـي تُهـْتُ وسـط القصـر الكبيـر فهـلا تكرمـت ودللتنـي علـى غرفتـه بالضبط ؟ » ... يجيبه الخادم دون أن يكلف نفسه عناء التوقف أو الالتفـات إليـه قائـلا « أيهـا الخـادم الأحمـق أنـت الآن فـي طابـق الخـدم وجنـود الحراسـة، توجـه إلـى الطابـق الثانـي حيـث الـوزراء والأمـراء واتبـع السـجادة الحمـراء » يـرد عليـه «سـامي» « حسـنا شـكرا لـك، و بالمناسـبة أنـا لسـت خادمًـا » بعدهـا مباشـرة يعيـد ارتـداء غطـاء رأسـه فيختفي عن الأنظار ... الخادم وقد قف مندهشا ووضع الصينية أرضًا وقام بفرك عينيه جيدا وهو ينظر يمينا وشـمالا متسـائلا أين اختفى ذلـك الخـادم ؟
يصعـد «سـامي» السـلالم إلـى الطابـق الثانـي ويتبـع السـجادة الحمـراء لكنهـا لا تأخـذ إلـى جنـاح واحـدة بـل أربعـة أجنحـة متقابلـة؟ ... « و الآن أيهـا جنـاح «عـلاء الديـن» ؟ ... حسـنا أنـا أرتـدي الـرداء السحري يمكنني التطفل على أي جناح دون أن ينتبه لي أحد، ولكن... مـاذا لـو كانـت إحـدى الأجنحة لإحداهـن؟ هـذه مشـكلة حقيقيـة والحـل هـو الاسـتئذان »... يتقـدم مـن الجناح الأول ويطـرق بابه قائـلا « سـيدي «عـلاء الديـن» لقـد أحضـرت لـك مـا طلبتـه » فيسـمع صوتـا قادمـا مـن الداخـل « أيهـا الخـادم لقـد أخطئـتَ فـي الجنـاح ... «عـلاء الديـن» فـي الجنـاح المقابـل، ... هـذا جنـاح «شـهرزاد» » فيـرد معتـذرا « أنـا آسـف، ... تقبلـوا اعتـذاري » نفـس الصـوت « لا بـأس عليـك»
يتقـدم إلـى الجنـاح المقابـل وينـزع غطـاء رأسـه ويـدق علـى البـاب ليسمع « أدخل فالباب مفتوح » ... يفتح الباب ويدخل، ليجد جناحا كامـلا مجهـز بـكل مـا يسـرُّ العيـن ويشـرح القلـب، ... وفـي الوسـط هنـاك سـرير ضخـم مذهـب ومطـرز ومزخـرف وعليـه «عـلاء الديـن» وبجانبـه زوجتـه «قمـر الزمـان» ، ... «عـلاء الديـن» ينظـر إلـى زوجتـه ثـم ينظـر إلـى «سـامي» متعجبـا « مـن أنـت أيهـا الفتـى ؟ وكيـف وصلـت إلـى هنـا؟ »
_أنا «سامي أمين» وأريد منك خدمة بسيطة يا «علاء الدين».
_ أنـا لا أعرفـك و لـم أسـمع بهـذا الاسـم الغريب مـن قبـل ... مـاذا تريـد منـي يـا سـيد «سـامي» ؟
_أريدك أن تدلني على مكان السّاحر الذي أرسلك للمرة الأولى داخل المغارة بحثا عن الفانوس السحري.
يعتـدل «عـلاء الديـن» ثـم ينظـر إلـى زوجتـه دون أن يتكلـم، تفهـم فـورا وتغـادر الغرفـة، بعدهـا يجلـس علـى حافـة سـريره قائـلا « لمـاذا ؟ وكيـف عرفـت بأمـره» ...
_يـا «عـلاء الديـن» أنـا فـي صفـك والغـول عـدوك وعـدوي ... ونحـن نعلـم أنـك اسـتنفذت أمنيـات المـارد الثلاثـة سـابقا وهـو الآن بـلا فائـدة، ومهمتـي هـي أن أحصـل لـك علـى فانـوس جديـد ومـارد آخـر...
_لماذا ؟
_يجب الحصول على كل ما يمكنه أن يساعد في القضاء على الغـول.
_ولكـن المـارد يسـتطيع فقـط تحقيـق أمنيـات الثـراء وليـس الحـرب ؟
_وهل جربت أنت استعماله في الحرب ؟
_كلا ؟
_إذا دعنا نجرب فلن نخسر شيئا ...
_المشكلة أن الساحر الذي تبحث عنه قد مات منذ زمن بعيد ولـم يتبقـى إلا شـقيقه، وهـو أخبـث منـه وأكثـر نذالـة وشـرًا ... أحـذرك مـن مغبـة زيارتـه أو التعامـل معه .
_وأين هو مكان إقامته ؟
_سآخذك إليه بشرط واحد .
_أنا موافق، ما هو شرطك ؟
_ أن أحصل على الأمنية الأولى وتبقى لك اثنتان .
_ههههه، أنت ستحصل على المصباح بأكمله .
_مـاذا ؟ ولمـاذا تكلـف نفسـك هـذا العنـاء وأنـت لـن تحصـل علـى
شيء ؟
_لأنـي تحـت التدريـب للوصـول إلـى المسـتوى العاشـر مـن أجـل الحصـول علـى العصـا السـحرية، هيـا بنـا وسأشـرح لـك كل شـيء فـي الطريـق .
_موافق ...
يخرجان معـا فيجـدان الأفتـار فـي الخـارج بانتظارهمـا، بعدهـا يتوجهـون ثلاثتهـم إلـى حيـث ينتظرهـم «السـندباد» فـي المـكان المحـدد، يركبـون جميعـا البسـاط السـحري وينطلقـون إلـى القريـة المنسـية فـي أخـر جـزء مـن شـمال إفريقيـا، وبعـد مـدة طويلـة مـن التحليق والتعـارف يصلـون أخيـرا، فيجـدون قريـة كئيبـة داخـل غابـة موحشـة تكثـر الجيـف علـى أطرافهـا، والغربـان تحـوم حولهـا، يشـير «عـلاء الديـن» بيـده قائـلا « أنظـر يـا «سـامي» ذلـك هـو الكـوخ، وهنـاك سـتجد السـاحر» ...
يحـط البسـاط السّـحري، ينـزل منـه «سـامي» ويطلـب مـن «عـلاء الديـن» و «السـندباد» انتظـاره ... يوافـق «السـندباد» بينمـا يرفـض «عـلاء الديـن» وهـو مُصِـر علـى مرافقتـه لأن السّـاحر خطيـر جـدا ويعرفـه عـز المعرفـة فجانبـه لا يؤتمـن، وبعـد أخـذ ورد، ثـم شـد ومد يصلان إلى حل وسط وهو أن ينتظر «علاء الدين» خارج الكوخ ولا يتدخـل إلا إذا سـمع طلـب النجـدة مـن «سـامي» ...
يرتـدي الفتـى غطـاء رأسـه فيختفـي، و يدخـل إلـى الكـوخ بحـذر شديد، فيشاهد السّاحر جالسا ومنصبا على كتابة بعض الطلاسم والـذي انتبـه فـورا لدخـول أحدهـم، فيقـف مـن مكانـه قائـلا « مـن أنـت ؟ وكيـف سـولت لـك نفسـك دخـول كوخـي دون أذنـي ؟ »
ينـزع «سـامي» غطـاء رأسـه مجيبـا « أنـا «سـامي أميـن»، لكـن كيـف تمكنـت مـن رؤيتـي أيهـا السّـاحر بينمـا عجـز غيـرك عـن ذلـك؟ »
_ أنـا لـم أشـاهدك ولـم أكـن أخاطبـك، بـل وجهـت سـؤالي للأفتـار .
_حسـنا لقـد طمأنتنـي ... لوهلـة اعتقـدت أن مفعـول الـرداء السـّحري قـد زال.
_كيف تجرأت على الدخول إلى كوخي أيها الفتى وماذا تريد؟
_أريدك أن تخبرني عن سرِّ المصباح السحري، أنت وشقيقك كيف عرفتما بأمره ؟ وذلك المارد الخادم من وضعه هناك وكيف ؟
_هـذه أمـور محرمـة لا يجـب أن يعرفهـا أمثالـك، لكـن يمكننـا أن نعقـد صفقـة أنـا وأنـت.
_كلا، أنا لا أعقد الصفقات مع السحرة ولا أتعامل مع الأشرار ولن أكون ظهيرا للمجرمين.
_غـرورك مبالـغ فيـه، ورائحـة خوفـك يمكننـي شـمها بسـهولة ولـن ينفعـك رداؤك، أنـت فـي بيتـي وأسـتطيع قتلـك بسـهولة .
_ وأنت تحت رحمة بندقيتي .
يبتسم الساحر ابتسامة خبيثة، ينظر إلى الفتى، يركز ثم يبدأ بالتمتمـة بكلمـات غيـر مفهومـة فـي نفـس الوقـت الـذي يرفـع فيـه يديـه عاليـا فـي السـماء، فتظهـر فجـأة مـن العـدم كيانـات سـوداء شـيطانية وتبـدأ تلتـف وتحـوم حـول الفتـى فـي منظـر مرعـب جـدا، يضطـرب «سـامي» لرؤيـة ذلـك قبـل أن يسـمع صـوت الأفتـار داخـل عقلـه « لا تخـف يـا «سـامي» وتذكـر أنـك فـي عالـم الخيـال، وهـذا السّـاحر يحـاول معرفـة خفايـاك وسـبر أغـوارك ... يريـد أن يعـرف سـِرَّك »
يستجيب الفتى لصوت وكلمات الأفتار ويغلق عينيه ثم يقول بصـوت مسـموع « أنـا قـوي وهـذا مجـرد سـاحر لعيـن، يمثـل الشـر وسواد الليل، أنا الخير والقوة، .. أنا نور الصباح والأمل » ... ثم يفتح عينيه ويتزامن ذلك مع تشكل موجة قوية من الضوء تبدأ من عنده وتنطلق في كل الاتجاهات و تنسف الكوخ وكل ما بداخله ولا يبقى إلا السّـاحر واقفـا لـم يتأثـر بالموجـة، والـذي ابتسـم ثانيـة بـكل خبـث قائـلا « هل تعتقد أن ألعاب الأطفال هذه سـتخيفني أيها الفتى؟ مسـتواك لا يتعـدى الثالـث ! ... أنـا مـن المسـتوى التاسـع، أنـا الأقـوى، ... لقـد إطلعـت علـى سِـرِّك ومـا تخفـي بداخلـك ... إنـه الغـول، سـأحضره إلـى هنا لينال منك » ، هذه الكلمات أصابت الفتى في الصميم لكنه رغم ذلـك حـاول إخفـاء خوفـه مـع محاولـة الظهـور بمظهـر القـوة قائـلا « و لكـن إحضـارك للغـول هنـا هـو أكبـر خطـأ سـترتكبه فـي حياتـك البائسـة أيهـا السّـاحر اللعيـن » فيجيبـه بـكل ثقـة « الخـوف يجـري فـي عروقـك من إسـم الغـول أيها الفتى »
... يتبع