نعـم ذلـك الصـوت، ... نفـس الصـوت الـذي كان يسـمعه كل ليلـة، فيهرب بسرعة إلى غرفته يدخل ويغلق الباب خلفه فيخرج له الأفتار من الحائط قائلا وبنبرة غضب « ماذا تفعل يا «سامي» ؟ لماذا هربت ! »
يـرد عليـه بأنفـاس متقاطعـة « الغـول، ... لقـد سـمعت صوت الغـول »
_لم يكن صوت الغـول.
_وماذا يكون إذن ؟
_ هذا ما عليك أن تكتشفه بنفسك.
_أنا لا أملك الشجاعة لفتح ذلك الباب يا أبي ؟
_اذا لـم تفتـح ذلـك البـاب والآن سأنسـحب مـن مهمـة تدريبـك والإشـراف عليـك، وسـأطلب مـن الحكمـاء تعييـن أفتـار آخـر لينـوب عنـي.
_ لما تفعل ذلك يا أبي؟ لما تضغط علي بهذه الطريقة ؟
_لأنـك لا تثـق بـي، ... لأنـك تعتقـد بوجـود غـول داخـل تلـك الغرفـة .
_لقد سمعت صوته.
_ لم يكن صوت الغـول.
_هل هو صوت حيوان ؟
_لا إجابة، ... عليك كشف السر بنفسك.
_حسـنا سـأفتح البـاب بشـرط أن تسـبقني بالدخـول إلـى تلـك الغرفـة.
_ومـاذا عـن العمـة ؟ مـن سـيتكفل بإبقائهـا خارجـا لـو قـررت الدخـول فجـأة ؟
_ سأفتح الباب وألقي نظرة سريعة لمدة ثواني فقط.
_حسنا، والآن هيا بنا ...
هكـذا قـال الأفتـار وهـو يخـرج بالفعـل ويتبعـه الفتـى بخطـى متثاقلـة، ... يصـلان كلاهمـا إلـى بـاب الغرفـة، ... ينعطـف الفتـى بخفـة ناحيـة اليميـن حيـث توجـد نافـذة صغيـرة تطـل علـى الحديقـة مباشـرة فيشاهد عمته وهي تقوم بسقي الأزهار فيعود بسرعة، وما إن وقف بجانـب البـاب حتـى أختـرق الأفتـارُ البـابَ دخـولا، يمسـك «سـامي » بمقبـض البـاب ويديـره ببـطء شـديد فـي نفـس الوقـت الـذي يبلـع فيـه ريقه، يفتح الباب أخيرا، ... نعم لقد فتح الباب، ... أول ما شاهده هو سرير نوم العمة وزوجها، يواصل فتح الباب ببطء ثم يشاهد كرسيا خاصا بذوي الاحتياجات الخاصة ويبدو أن أحدهم يجلس عليه ولا يظهـر منـه سـوى القليـل مـن رأسـه لأن «سـامي» يشـاهد الكرسـي مـن الخلـف، ومقابـل الكرسـي هنـاك تلفـاز ضخـم معلـق علـى الحائـط، يقتـرب الفتـى مـن جانـب الكرسـي بحـذر شـديد ليشـاهد مـن يجلـس عليـه، ... خطـوة أخـرى ويشـاهد طفـلا فـي مثـل سـنه ويبـدو أنـه يعانـي مـن خطـب كبيـر ! فالطفـل مشـوه تمامـا فـي منظـر يبعـث علـى الرعب قبل أن يبعث على الأسـى والشـفقة ! ويبـدوا أيضـا أنـه مشـلول مـن أطرافـه الأربعـة لكنـه بالرغـم مـن هـذا فقـد ابتسـم لسـامي...
الفتى واقـف ومشـدوه بعينيـن جاحظتيـن قبـل أن يلتفـت للأفتار الذي أومأ برأسه قائلا « نعم يا «سامي» ... العمة لا تخفي أي غـول بغرفتها، العمة تخفي طفلا في مثل سنك يعاني من تشوه كبير ،... وتلـك الأصـوات التـي كنـت تسـمعها كل ليلـة هـي أنيـن هـذا المسـكين، والآن هيـا اتبعنـي .
_أنا أريد أن ...
مقاطعا « هيا بنا قبل أن تكتشف العمة فعلتك»
_حسنا .
يغـادران بسـرعة، بينمـا قـام «محمـود» بفوضـى كبيـرة مـن الأصـوات غيـر المفهومـة وكأنـه يطلـب مـن الفتـى البقـاء أو أنـه يطلـب منـه التعـارف.
وهكـذا يقضـي الفتـى مـا تبقـى مـن الصبيحة مهمومـا وحانقـا على عمته ... فمن جهة يمكن توقع كل شيء منها نظرا لمعرفته المسبقة بطبيعتهـا الفَضَّـة والقاسـية، لكنـه لـم يتفهـم موقـف زوجهـا ! ذلـك الرجـل الحنـون والطيـب، ... لمـاذا وافـق عمتـه علـى هـذا الفعل المشـين ؟!.. لم شارك في هذه التمثيلية القذرة طوال هذه السنين ؟!.. هناك لغـز ويجـب كشـفه، وذلك المسـكين إلى متى سـيبقى محجوزا داخل تلك الغرفة ؟! يجـب أن يـزوره يوميـا ليلعـب معـه ويُنَفِّـسَ عنـه لأن هـذا يعتبـر واجبـا إنسـانيا قبـل ان يكـون واجبـا عائليـا.
يقـرر الفتـى مصارحـة عمـه، لكن عمـه فـي الخـارج الآن، ... هـل سـينتظر عودتـه ليفاتحـه فـي الموضـوع ؟! .. كلا، ... مسـتحيل ... فالعمـة سـتكون موجـودة وردة فعلهـا غيـر متوقعـة إلا أن الأكيـد أنهـا سـتجعله يشـاهد النجـوم فـي وضـح النهـار ...
هنـاك متسـع مـن الوقـت طيلـة فتـرة الظهيـرة إلـى غايـة المسـاء، عليه دعوة عمه للخروج إلى الحديقة العامة وهناك فقط سيفاتحه في الموضوع وإن كان غير متأكد من تقبل زوج عمته لفكرة انكشـاف سِـره مـن طـرف «سـامي» إلا أن معرفتـه المسـبقة بهـدوء السـيد «أسـعد»، وبطيبتـه وقلبـه الكبيـر جعلتـه يطمئـن مؤقتـا.
الـراوي ( ... الفتـى قـرّرَ فتح الموضـوع مـع زوج عمتـه ليـس لأنـه مطمئـن مـن ردة فعلـه، فقـد كان يحـاول إقنـاع نفسـه فقـط بذلـك، لكـن الحقيقـة أن إنسـانية «سـامي» ناحيتـه الطفـل المشـوه هـي مـا شـجعته علـى ذلـك ! فـلا يمكـن تحـت أي ضـرف ومهمـا كان السـبب أن يتم احتجاز طفل فقط لأنه مشـوه ؟!.. هذا فعل مشـين، ... يجب أن يحظـى المسـكين بصديـق، ... يجـب أن يلعـب، ... يجـب أن يخـرج مـن تلـك الغرفـة، ... يجـب أن يتحـرر مـن قبضـة العمـة، والوسـيلة الوحيـدة لذلـك هـي بالاتفـاق مـع زوجهـا وذلـك بتشـكيل حلـف معـه فـي مواجهتهـا، لأن هـذا مـا كان يـدور فـي خلـد بطلنـا الصغير حتـى تلـك اللحظـة ) ...
يعود السـيد «أسـعد» من السـوق ويضع المشتريات داخل المطبخ ثم يدخل غرفته بينما تدخل العمـة إلـى المطبـخ لإعـداد وجبـة الغـذاء، طبـق اليـوم هـو الكسـكس وهـو الطبـق الوحيـد الـذي تبـدع فيـه وتأخـذ كامـل وقتهـا فـي إعـداده.
«سـامي» جالـس علـى كرسـي طاولتـه الصغيـرة ويفكـر فـي حـال ذلـك الطفـل المسـكين وفـي كيفيـة فتـح الموضـوع مـع عمـه، ولـم ينتبـه لمـرور ثـلاث سـاعات كاملـة، ... فيسـأله الأفتـار « تبـدوا شـارد الذهـن علـى غيـر عادتـك يـا «سـامي» ؟ »
_و كيف تريدني أن أبدوا بعدما رأيتُ ما رأيت؟!
_لا أدري، لكـن المفـروض أن تكـون فـي حـال أحسـن مـن هـذا بعـد أن اكتشـفت بنفسـك عـدم وجـود أي غـول.
_ليتنـي بقيـت علـى معتقـدي القديـم بخصـوص الغـول ولـم أكتشـف هـذا السّـر.
_ماذا ؟ ... ماذا تقول ؟! ..
_هـل مـن الانسـانية حبـس ذلـك المسـكين طيلـة حياتـه لأنـه مريـض ؟!
_لا أدري، أنـا مجـرد أفتـار، ... لكنـي أعتقـد أن هـذه مـن طبيعـة البشر.
_أنـا مـن البشـر ولـن أقـوم بمثـل هـذا الفعـل المشـين مهمـا كان السـبب.
_وهـذه أيضـا مـن طبيعـة البشـر، ... لكـن لا تتسـرع فـي الحكـم علـى عمتـك وزوجهـا حتـى تسـمع منهمـا، فقـد تكـون وضعيـة الفتـى تسـتدعي العـزل والمعاملـة الخاصـة.
فـي هـذه اللحظـة يفتـح البـاب وتدخـل العمـة كعادتهـا دون اسـتئذان قائلـة « وقـت الغـذاء يـا «سـامي» » يرفـع رأسـه وينظـر إليهـا دون أن ينبـس ببنـت شـفة، ويخـرج مـن غرفتـه متثاقـل الخطـى، وبـلا أي روح، ... يجلس على الطاولة دون أن يسلم على زوج عمته والذي انتبه فورا أن الفتى على غير عادته فيقول له « ما خطبك يا سامي؟ » يجيبـه وهـو غاضـب جـدا « أريـدك فـي موضـوع مهـم ... » يـرد عليـه « حسـنا، أنـا فـي الاسـتماع»
_ليس الآن، سنتحدث لاحقا في الخارج.
_موافق..
يمتنـع الفتـى عـن الأكل بالرغـم مـن أن طبـق اليـوم هـو المفضـل لديه.
_يبـدوا أن الموضـوع مهـم جـدا يـا «سـامي» ... هكـذا قـال السـيد «أسـعد» وقـد بـدأ بالفعـل فـي تنـاول الكسـكس مـن الطبـق الموضـوع أمامه.
_نعـم يـا عمـي، ... مهـم جـدا ولـن انتظـر حتـى نكـون لوحدنـا فـي الخـارج، لقـد قـررت أن نتحـدث الآن وأنـا مسـتعد للعقـاب.
_العقاب ؟!.. ماذا فعلت ؟
_لقد خالفتُ التعليمات ودخلت غرفتك.
تسـقط الملعقـة مـن يـد السـيد « أسـعد» وينسـد مجـرى الهـواء لديـه ويختلـط بالكسـكس وهـو يحـاول أن يبلـع مـا فـي فمـه ويسـتوعب مـا سـمعه لتـوه، يشـرب كوبـا كبيـرا مـن المـاء قبـل أن يقـول « مـاذا ؟! مـاذا تقـول ؟ هـل دخلـت غرفتنـا ؟! » يجيبـه غاضبـا « نعـم يا عمـي ؟ وقـد اكتشـفت السـر وأنـا غاضـب منـك جـدا لأنـك وافقـت عمتـي علـى هـذه التمثيليـة القـذرة طـوال هـذه السـنوات »
يقـف مـن مكانـه ويضـرب الطاولـة بكلتـا يديـه قائـلا « لمـاذا دخلتهـا ؟ ... لمـاذا فعلـت ذلـك ومـن سـمح لـك بالحكـم علينـا ؟» يخـرج الفتـى وهـو يجـري دون أن يجيبـه ويتجـه مباشـرة لغرفتـه ويغلـق البـاب علـى نفسـه بينمـا يبقـى السـيد «أسـعد» ممسـكا برأسـه بكلتـا يديـه ويفكـر فـي هـذه المصيبـة.
تمـر أكثـر مـن نصـف سـاعة قبـل أن يتوجـه السـيد «أسـعد» لغرفـة الفتـى ويـدق علـى البـاب قائـلا « هيـا بنـا إلـى الخـارج لنتحـدث يـا «سـامي» » يـرد عليـه « نعـم، ... أنـا قـادم»
لحظـات ويلحـق الفتـى يـزوج عمتـه ويسـيران علـى غيـر هـدىً بين شـوارع وأزقـة المدينـة، والسـيد «أسـعد» محتـار مـاذا يقـول ومـن أيـن يبدأ، أما «سـامي» فقد لاحظ أن صمت زوج عمته قد طال فيحاول بطريقـة لبقـة قائـلا « ما هـو إسـم قريبـي يا عمـي ؟ »
_«محمود»... اسمه «محمود».
_إسم جميل، ... وكم يبلغ من العمر؟
_إنـه فـي مثـل سـنك، ... وسـيحتفل بعيـد ميـلاده الثانـي عشـر بعـد ثلاثـة أشـهر من الآن.
_لماذا قررتما حبسه ؟
_كلا نحن لم نحبسه، والموضوع أكبر من ذلك.
_أنا لم أعد صغيرا يا عمي.
_عندمـا ولـد «محمـود» كان يعانـي مـن تشـوه فضيـع حتـى إن الأطباء لم يفهموا كيف استطاع البقاء على قيد الحياة، لأن التشوه لـم يصبـه فـي مظهـره الخارجـي فقـط بـل امتـد إلـى أعضائـه الداخليـة أيضـا، حتـى إن كبيـر الأطبـاء قـد وضـع ثـلاث سـنوات كحـد أقصـى ليعيشها «محمود»، وعلى هذا الأساس قررنا أنا و عمتك إبعاده عن الجميـع حتـى يُحْـدِثَ الله أمـرا ... والسـنوات الثلاثـة أصبحـت خمسـة ثـم ثمانيـة ثـم عشـرة والأن هـي اثنتـا عشـرة سـنة بالتمـام.
_الأعمار بيد الله يا عمي.
_في البداية اعتقدنا أن أحسـن حل هو أن نبعده عن الجميع لأن الأطبـاء أكـدوا لنـا أن حياتـه قصيـرة، ... أمـا الآن فنحـن نبعـده عـن الجميع لنحميه من التنمر ومن الفضوليين .. لكن أعتقد أن الوقت قد حان لوقف هذه المهزلة.
_نعم يا عمي ... «محمود» بحاجة للعب، ... وبحاجة لصديق ،... وبحاجة للخروج، العالم أكبر من تلك الغرفة.
يتوقـف السـيد «أسـعد» بعـد سـماعه لهـذه الكلمـات، ينظـر إلى الفتى بطريقة غريبة قبل أن يقول « أتعرف شـيئا يا «سـامي» ؟»
_ماذا ؟
_اتبعنـي للبيـت، ... هكـذا قـال وهـو يلتفـت وينطلـق بالفعـل في اتجـاه البيـت وبسـرعة كبيـرة، ... يحـاول الفتـى اللحـاق بـه قائـلا « مـاذا سـتفعل؟ » يـرد عليـه « لا مزيـد مـن عـزل «محمـود» »
_ولكن يجب ان نُـمَهِّدَ لعمتي.
_ليس بعد الآن.
فـي داخـل الغرفـة تحـاول العمـة إطعـام «محمـود» لكنـه يأبـى الأكل ويرفض التجاوب، ... ويصدر الكثير من الأصوات غير المفهومة والعمـة حائـرة مـاذا حـدث لـه ؟
يدخل السيد «أسعد» بعد أن فتح الباب بقوة دون استئذان فتفـزع العمـة كاميليـا قبـل أن تهـدأ و تقـول « «محمـود» يعانـي مـن مشكلة »
فيرد عليها « «محمود» لا يعاني من أي مشكلة،... «محمود » يريـد اللعـب مـع «سـامي» »
فتضطرب العمة لسـماع ذلك وترد « ماذا ؟!.. ماذا تقول ... » فـي نفـس الوقـت الـذي وقفـت فيـه مـن مكانهـا بعـد أن وضعـت صحن الكسـكس الذي كانـت تحملـه.
_لقد كنا مخطئين في حق الطفلين طوال هذه السنين ... لكن ليس بعد الآن، أدخل يا «سامي».
يدخـل «سـامي» ويتجـه مباشـرة لكرسـي «محمـود» غيـر آبـه بعمتـه وكأنهـا غيـر موجـودة بالغرفـة ويجلـس علـى ركبتيـه مـع ابتسـامة كبيـرة قائـلا « مرحبـا «محمـود» » فيبتسم «محمود» ويصدر الكثير من الأصوات غير المفهومة.
_أنـا «سـامي» ابـن خالـك، ومـن اليـوم فصاعـدا سـأزورك يوميـا لنلعب وسأحكي لك الكثير من الحكايات وسنخرج لزيارة العديد من الأماكـن فهـل أنـت موافـق ؟
العمـة واقفـة وتضـع يدهـا علـى فمهـا وهـي تبكـي بصمـت، بينمـا قـام زوجهـا بالجلـوس علـى ركبتيـه أيضـا والشـرح لسـامي قائـلا « «محمـود» ذكـي جـدا ويفهـم كل كلمـة، لكنـه يعانـي مشـاكل فـي النطـق ولهـذا يسـتعمل رموشـه فـي الـرد، ... إذا رمـش مـرة واحـدة فهـو موافـق ... وعـدة مـرات يعنـي أنـه يرفـض ومرتيـن يعنـي أنـه لـم يفهـم وعليـك أن تعيـد صياغـة السـؤال.
يـرد «سـامي» مـع ابتسـامة كبيـرة « حسـنا، هـذا سـهل، سـهل جـدا، ... و الآن لنخـرج مـن هـذه الغرفـة ولنتنـاول غذاءنـا معـا فأنـا جائـع »
يرمش «محمود» رمشـة واحدة فيقول السـيد «أسـعد» « لقد وافـق » فيلتـف «سـامي» خلفـه ليقـوم بدفـع كرسـيه بنفسـه ويتبعـه السـيد «أسـعد» ثـم العمـة «كاميليـا»
يجلـس أربعتهـم علـى الطاولـة لأول مـرة وعندمـا تحـاول العمـة إطعام «محمود» يمتنع عنها، ويكرر نفس الفعل مع السيد «أسعد» لكنـه يقبلـه مـن «سـامي» مـع فرحـة كبيـرة علـى وجهيهمـا، ... «محمـود » سـعيد جـدا لأول مـرة فـي حياتـه، وهكـذا قضـى المسـكين طيلـة فتـرة الظهيـرة إلـى غايـة وقـت العشـاء مـع «سـامي» الـذي كان سـعيدا جـدا وهو يروي له مغامراته ويحكي له بعض القصص المشهورة حتى إنه قـرأ لـه فصـلا كامـلا مـن الروايـة الأشـهر بيـن جميـع الروايـات الخياليـة «سـارق المخطوطـات المحرمـة»، ولـم ينتبـه الطفـلان أن الوقـت قـد مـر بسـرعة والسـاعة الآن تشـير للسـابعة مسـاءا، وهـو وقـت تنـاول «محمـود» لعشـاءه ثـم أدويتـه.
بعـد أن جلـس الجميـع معـا للمـرة الثانيـة علـى طاولـة الطعـام لتنـاول وجبـة العشـاء عـرفَ «سـامي» مـن عمـه أن «محمـود» يحـب مشـاهدة الوثائقيـات الخاصـة بالحيوانـات ويحـب مشـاهدة برامج الألعـاب والخـدع السـّحرية كمـا يحـب متابعـة برامـج الأبطـال والتحديـات وكل مـا يتعلـق بالسـفاري والاستكشـاف.
بعـد وجبـة العشـاء يتمنـى «سـامي» لقريبـه ليلـة سـعيدة ثـم يتوجـه لغسـل أسـنانه ومنهـا لغرفتـه، لتبـدأ تلـك الهالـة الضبابيـة فـي التشـكل.
المهمة الخامسة: مواجهة الكونت فلاديمير دراكولا
_مـا هـي مهمتـي اليـوم أيهـا السـادة الحكمـاء ؟ يجيبـه «قـزم حكيـم» « مُهِمَّاتُـكَ تـزداد صعوبـة مـع كل مسـتوى جديـد يـا «سـامي»... عليـك مسـاعدة الدكتـور «فـإن هلسـينج» فـي القضـاء علـى مصـاص الدمـاء»
«بوكاهانتـس» « أنـت فـي تحـدي حقيقـي يـا «سـامي» » يـرد عليهـا بقوله « لا يوجد أي تحد يا «بوكاهانتس»، بعد أن عرفت أني عشت الوهـم طيلـة حياتـي، لـن يثنينـي أي وحـش و لـن يخيفنـي أي مخلـوق بعـد الآن»
«بابـا نـوال» « أحسـنت يـا «سـامي» ، هـذا هـو المطلـوب و الغـول كان مجرد فكرة سيئة فقط، كن إيجابي دائما، ... وثق بنفسك فهذا كل مـا أنـت بحاجـة إليـه»
ثم يتقدم إليه «سنفور حكيم» ويضع كلتا يديه على كتفيه و مواجها له قائلا « ولا تنسى أن تمنح لعمتك سبعين عذرا عما فعلته معـك، ... لقـد كانـت تعتقـد حينهـا أنهـا تحمـى ابنهـا المريـض، ولتتأكـد أكثـر مـن حسـن نيتهـا فأعلـم أن المسـكين «محمـود» قـد دفع ثمنا غاليا وعـاش طيلـة حياتـه داخـل تلـك الغرفـة منعـزلا عـن الجميـع »
يـرد عليـه « نعـم سـيد «سـنفور حكيـم»، أنـا لا أحقـد علـى أحـد » ثـم يلتفـت للأفتـار قائـلا « هيـا بنـا يـا أبـي فنحـن نضيـع الوقـت »
يبتسـم «بابـا نـوال» ويقـول « حماسـتك الزائـدة توحـي بالكثيـر يـا «سـامي» »
يجيبـه « نعـم يـا سـيدي لقـد تعلمـت التحكـم فـي خوفـي وفصـل عقلـي عـن جسـدي وفـي كل مـرة أتعلـم شـيئا جديـدا »
ينظر الحكماء إلى بعضهم ثم ينظرون إلى المعلم سبلينتر الذي ابتسم ثم قال « إذن، إلى «ترانسلفانيا »»
يتقـدم الفتـى مـن طاولـة الحكمـاء ويرتـدي ردائـه السّـحري ثـم يقـوم بربـط السـيف بِغِمْـدِه علـى خصـره ثـم يحمـل البندقيـة ويخـرج مـن الكهـف محاطـا بالسـلاحف الأربعـة وأفتـار والـده.
فـي الخـارج يجـد «السـندباد» فـي انتظـاره جالسـا علـى بسـاطه السحري، يتقدم إليه و يصعد رفقة الأفتار وينطلقون بسرعة كبيرة ويصلـون بعـد سـاعتين إلـى ترانسـلفانيا، وهـي مدينـة صغيـرة تقـع بيـن الغابـات و الجبـال، ... ويَحُطُّونَ بجانـبِ بئـر تقـع فـي وسـطها .
يتجوّلُ الفتـى بين أزقـة المدينـة الكئيبـة فيلاحـظ بؤسـا شـديدا وحـذرا كبيـرا مـن القروييـن اتجـاه الأجانـب والغربـاء ... ثـم يتقـدم إلـى أحد القرويين ويسأله عن مكان العيادة الوحيدة في المدينة، فيشير الفلاح بيده دون أن يتكلم، ... ينظر إلى حيث أشار له الفلاح، فيشاهد لافتـة مهترئـة علـى منـزل ضخـم مكتـوب عليهـا '' عيـادة الدكتـور «فـان هيلسـنج» '' يشـكر الفـلاح ويتقـدم بحـذر، ... يصـل ... يـدق علـى البـاب فتسـتقبله ممرضـة بدينـة بإبتسـامة مصطنعـة قائلـة « مرحبـا أيهـا الفتـى، تفضـل ... »
_أنا أبحث عن الدكتور «فان هلسينج.»
_ تفضـل بالدخـول، ... هكـذا قالـت الممرضـة وهـي تفسـح لـه المجـال ليدخـل.
يدخـل الفتـى فيشـاهد شـخصا مقيـدا بالسلاسـل علـى سـرير مهتـرئ ومغطـى بقفـص حديـدي محكـم الإغـلاق، فيسـأل مـرة أخـرى وهـو يلقـي نظـرة مقربـة عليـه « مـاذا حـدث لـه ؟»
تجيبـه « إنه السـيد «جوناثـان» وقـد تلقـى سـابقا عضـة مـن مستذئب، وسيتحول إلى مصاص دماء قبل البدر التالي» فيسألها مرة أخرى « و أين هو الدكتـور «فـان هيلسـنج» ؟»
_إنه في المختبر في الطابق السفلي .
_هل يمكن أن أنزل إليه .
_كلا، ... مسـتحيل، عليـك الانتظـار هـذه أوامـره، لكـن لـم تخبرنـي أيهـا الفتـى مـن أنـت ومـا هـي إصابتـك ؟ هكـذا قالـت وهـي تتقدم مـن المكتـب المتواضـع وتفتـح سـِجلا وتحمـل قلمـا وهـي تقـول « ذكرنـي باسـمك مـرة أخـرى لأضعـك علـى قائمـة المرضـى»
يرد عليها « أنا «سامي» ... «سامي أمين» ... » هكذا كان جوابه لهـا وهـو يضـع غطـاء رأسـه فيختفـي تمامـا عـن الأنظـار ويتجـه إلـى الطابـق السـفلي حيـث معمـل الدكتـور، تنتهـي الممرضـة مـن تسـجيله ثم ترفع رأسها قائلة « ما هي إصابتك ؟ » فلا تجد أحدا، تبقى دون حراك للحظة قبل أن يسقط منها القلم وهي في حالة ذهول ودهشة متسـائلة أيـن اختفـى الفتـى؟...
فـي الأسـفل يدخـل «سـامي» إلـى المختبـر فيجـد الدكتـور مُرَكِّـزًا علـى صناعـة الرصاصـات الفضيـة حتـى إنـه لـم ينتبـه لدخـول الفتـى بالرغم من صوت الأزيز الذي أحدثه فتح الباب، ... ينزع غطاء رأسـه ثـم يـدق علـى البـاب مـن الداخـل ويقـدم نفسـه قائـلا « مرحبـا دكتـور «فـان هيلسـنج» » يلتفـت إليـه وقـد أضطـرب جـدا لرؤيـة الفتـى، فيحـاول التسـلح بـأي شـيء قائـلا « مـن أنـت وكيـف دخلـت إلـى هنـا ؟ هـل أنـت مصـاص دمـاء آخـر ؟ » ليجيبـه «سـامي» مطمئنـا « كلا يـا سـيدي، أنـا «سـامي أميـن» ولسـت بِمصـاص دمـاء»
_ولمـاذا لـم أسـمع بهـذا الاسـم الغريـب مـن قبـل ؟ مـاذا تريـد وكيـف تمكنـت مـن الدخـول إلـى هنـا ؟
_لقـد دخلـت إلـى هنـا باسـتعمال الـرداء السـحري وأريـد مسـاعدتك فـي القضـاء علـى مصـاص الدمـاء .
_ماذا ؟!.. تريد مساعدتي؟ ... إسمعني جيدا أيها الفتى لا وقت لدي لأضيعه معك فالمشكلة أكبر منك بكثير، عُـد من حيث جئت.
_كلا لـن أعـود، وأنـا هنـا لمسـاعدتك ومصـاص الدمـاء لا يخيفنـي، فقـد تغلبـت سـابقا علـى مـن هـو أشـد بطشـا وقـوة مـن «دراكـولا».
_حسب ما أرى فإما أنك واثق جدا من نفسك وهذا مستحيل لفتى بمثل سـنك، أو أنك مغرور جدا، أو ... أو ربما أنت لم تسـتوعب بعد وتفهم من هو «دراكولا» ؟
_الغـرور شـيء، ... والإيمـان بالقـدرات والـذات شـيء آخـر، والسـبيل الوحيـد للتفرقـة بينهمـا هـي أن تجربنـي يا دكتـور ؟
_حسنا سأجعلك مساعدي لكن ليس إيمانا بقدراتك يا فتى، بـل لأنـي أحتـاج إلـى مسـاعد، فالأعمـال كثيـرة والوقـت فـي غيـر صالحـي، وتلـك الممرضـة الحمقـاء لا تجيـد شـيئا باسـتثناء وضـع المسـاحيق والنظـر فـي المـرآة.
_موافق ستجدني أحسن مساعد لك، والآن أخبرني بالمشكلة وتفاصيلها.
_كلا، ... لا وقـت لذلـك الأن، علينـا أولا إكمـال عمليـة صنـع الوتـد الفضـي الكبيـر، ... اقتـرب وأمسـك بهـذا القالـب جيـدا وأنـا سـأصب الفضـة المنصهـرة ...
_حسنا سيدي.
_والآن ذكرني باسمك مرة أخرى.
_إسمي «سامي أمين»
بعـد إتمـام عمليـة صنـع الوتـد الفصـي الكبيـر يحـس الدكتـور ببعـض التعـب فيقـرر الجلـوس علـى مكتبـه، يشـعل غليونـه ويأخـذ نفسـا عميقـا ثـم ينظـر إلـى الفتـى قائـلا « والآن مـاذا تريـد أن تعـرف يـا سـيد «سـامي أميـن» ؟ »
_أريد معرفة أصل مشكلة «ترانسلفانيا» بالضبط؟
_مشـكلتنا ومشـكلة «ترانسـلفانيا» هـي الكونـت «فلاديميـر دراكـولا»، مصـاص دمـاء عمـره أكثـر مـن ألـف عـام، عـاد مـن المـوت مـرات و مـرات، لديـه الكثيـر مـن الأعـوان والمسـتذئبين، ... وهـذه الرصاصـات الفضيـة -ويرفـع إحـدى الرصاصـات كانـت موضوعـة فوق المكتب- تنفع معهم إذا كانت في القلب مباشرة لكنها لا تنفع مع «دراكولا» ... والسـيد «جوناثان» الذي شـاهدته داخل القفص تلقى عضة من أحد المستذئبين وسيتحول إلى مصاص دماء عند اكتمال البـدر التالـي، والحـل الوحيـد لإنقـاذه هـو بقتـل مصـاص الدمـاء الأول «دراكـولا» فتـزول اللعنـة تلقائيـا.
_وماذا ننتظر إذن، لنهجم على الوحش .
_لقـد حـاول المئـات فعـل ذلـك وكل مـن دخـل إلـى تلـك القلعـة المظلمـة لـم يخـرج منهـا.
_إذا لـم تلاحـظ يـا سـيد «فـان هلسـنج» فأنـا أمتلـك الـرداء السّـحري، أنـا مخفـي تمامـا عنـه.
_كلا يـا «سـامي» أنـت مخطـئ، فردائـك السـّحري يجعلـك مخفيـا عـن كل مـن يسـتعمل عينيـه فـي الإبصـار فقـط .
_وماذا يستعمل «دراكولا» للإبصار ؟
_«دراكولا» اكتسـب نصـف قوتـه مـن الذئـب الأول والنصـف الثانـي مـن الخفـاش الملعـون، «دراكـولا» يسـتطيع الرؤيـة فـي الظـلام لأنـه يسـتعمل طريقـة مزدوجـة تجمـع بيـن الموجـات الصوتيـة وبيـن الاستشـعار الحـراري هـذا الوحـش يسـتطيع سـماع دقـات قلبـك مـن مسـافة ثلاثـة أيـام، ويحـس بمجـرى الدمـاء فـي عروقـك ومواجهتـك لـه لـن تـدوم أكثـر مـن ثانيـة واحـدة وسـتنتهي عنـد عتبـة بـاب قلعتـه ... رداءك بلا فائدة أمامه، سيمتص كل قطرة من دمك ويحولك لمجرد جثـة هامـدة.
_وما هو الحل إذا يا دكتور ؟
_حسـب تجربتـي الطويلـة مـع هـذا الوحـش وبعـد الاطـلاع سـابقا علـى كل مـا لـه صلـة بالموضـوع مـن وثائـق ومخطوطـات ودراسـة الحـالات الموجـودة علـى أرض الواقـع وَصَلـتُ إلـى نتيجـة مفادهـا أن هنـاك حـلان اثنـان لا ثالـث لهمـا، إمـا أن ننقـل «دراكـولا» إلـى ضـوء النهار أو أن ننقل ضوء النهار إلى «دراكولا» وما عدا ذلك إنسـي الأمر، ... حاليـا أنـا أعمـل علـى تنفيـذ أحـد الحَلَّيـْن لأن الحـل الآخـر مسـتحيل.
_و ما هو هذا الحل يا سيد «فان هيلسنج» ؟
_خطتـي هـي اسـتعمال هـذه الرصاصـات الفضيـة فـي قتـل كل مسـتذئب يرسـله «دراكـولا» لخطـف الأطفـال، وفـي النهايـة سـيجوع الكونـت ونجبـره علـى الخـروج، ... أنـا متأكـد أنـه لـن يغامـر فـي الخـروج نهـارا لأن ضـوء الشـمس سـيقضي عليـه لهـذا أعـددت لـه كمينـا لأسـره ليـلا داخـل قفـص عمـلاق ثـم الانتظـار حتـى شـروق الشـمس وهـي سـتتكفل بالباقـي.
_ولكـن هـذا الحـل سـيأخذ وقتـا ؟ ... وأيضـا فنحـن لا نعلـم وغيـر متأكديـن مـن قـوة «دراكـولا» الحقيقيـة، فقـد يتمكـن مـن تدميـر القفـص بضربـة واحـدة .
_كلا، اطمئـن لقـد فكـرت جيـدا فـي هـذا الاحتمـال، وقضبـان القفـص صنعتهـا بنفسـي مـن الفضـة الخالصـة لـن يجـرأ علـى لمسـها لأنهـا سـتحرقه .
_وما هو الحل الثاني يا دكتور ؟
_عليك بنسيان الأمر يا «سامي»
_كلا ، أنا مُصِر، فلا ضَرَرَ من المعرفة .
_الحـل الثانـي هـو عكـس الحـل الأول، فبـدلا مـن أَسـرِه ليـلا وانتظـار طلـوع النهـار عليـه، نقـوم بنقـل النهـار وضـوء الشـمس مباشـرة إلـى داخـل القصـر المظلـم فيصبـح «دراكـولا» معميـا تمامـا وسـتكون الفرصـة ملائمـة للقضـاء عليـه عبـر قطـع رأسـه وفصلـه عـن جسـده وبعدهـا يدفـن الـرأس بعيـدا، أمـا الجسـد فسـأغرس هـذا الوتـد الفضـي فـي قلبـه وسـنقضي علـى كل أمـل لـه بالعـودة مـن المـوت مـرة أخـرى.
_وكيف سننقل ضوء النهار إلى داخل القصر المظلم ؟
..... يتبع