جلس "بدوي" على أحد مقاعد المقهى، في انتظار المعلم "عطية" . كان متلهفاً بشدة لمحادثته في ذلك الأمر الهام الذي يشغل باله ولايجعله يهنأ بالنوم، وكثيراً ما فكر فيه وقلَّبه من جميع جوانبه، دون أن يصل فيه إلى حل..لذا جاء إلى المعلم وهو على ثقة أنه لن يخذله، وسوف يرشده إلى مايجب أن يفعله..لما له من خبرة واسعة في تلك الأمور .
لم ينتظر طويلاً، فسرعان ماجاء المعلم ورحب به بشدة، ثم قال له بعد أن طلب شيشته :
- خير ياباشمهندس بدوي..تحت أمرك..عاوزني في إيه؟!
لم يعرف "بدوي" كيف يبدأ حديثه معه، أخذ يغالب تردده بضع لحظات، قبل أن يتشجع ويقول له :
- في الحقيقة يامعلم..أنا عاوزك في موضوع مهم جداً..وخاص جداَ ! .
سأله المعلم مُستفهماً :
- خاص بمين إن شاء الله ؟!
رد بسرعة :
- بيا أنا يامعلم .
عاد المعلم يسأله بعد أن سحب نفساً من شيشته وأصدر "كركرة" صاخبة :
-وإيه هوه الموضوع ياترى ؟! .
ارتسمت ملامح التردد من جديد على وجه " بدوى " .. قبل أن يقرر الإلقاء بما لديه دفعة واحدة، قائلا :
- شوف يا معلم .. انت كبير الحته وأنا مش غريب عنك والود بيني وبينك مافيهوش كلام طبعاً.. وأنا مانساش وقفتك معايا بعد وفاة أبويا وأمي..وكل أهل الحارة بالتأكيد.. بس انت بالذات كنت واقف معايا بشهامة وجدعنه مالهاش نظير.. وأنا متأكد إنك مش ممكن تبخل عليا بمشورة أو نصيحة.. خصوصاً بقى في الموضوع اللي جايلك فيه.. واللي انت ليك فيه خبرة كبيرة أوي معروفة للجميع! .
وابتلع ريقه، ثم واصل يقول :
- بصراحه كده يامعلم الموضوع يتعلق بمراتي.. مش عارف أعمل معاها إيه.. أنا عارف إنك اتجوزت كذا مرة, وأكيد عدت عليك مواقف كتير.. وأنا محتار جداً ومحتاج رأيك يا معلم.. كل كلمة أقولها ترد عليها بعشرة.. وصوتها دايماً عالي ومافيش حاجة عاجباها أبداً.. أقول يمين تقول شمال.. أقعد في البيت مش عاجبها.. أخرج مش عاجبها.. وطلعتلي اليومين دول في حكاية الشغل كمان.. عايزه تشتغل وتسيب الواد الصغير مع الجيران.. مع إننا اتفقنا من أول الجواز إن ما فيش شغل.. وكل ما آجى أناقشها تروح رافعة صوتها وتتعصب لرأيها.. وأحيانا تهبش فيا وتفرج علينا الجيران.. وأنا ساكت ومش عايز أعمل حاجة..علشان خاطر ابنى بس.. لكن أنا بقى زهقت ومش قادر أستحمل أكتر من كده.. قوللي يا معلم أعمل إيه في الحكاية دي ؟! .
وكان المعلم "عطية" يستمع إلى "بدوي" وعيناه تبرقان بعلامات الغيظ والغضب , لكنه انتظر حتى انتهى من كلامه، ثم هتف به صائحا :
- إيه يا باشمهندس الكلام ده !..معقول كده.. لا لا اسمحلي بقى.. إنت
كده طري أوي مع الجماعة!.. أيوه طبعاً.. بقى ده يصح يعني ..تسيبها كده
ترفع صوتها عليك وتهبش فيك كمان..ليه يعني..هوه أنت مش راجل وللا إيه !.. لمؤاخذة يعني الحق لازم يتقال..مهو الراجل ده يعني سيد البيت..السبع اللي الكل يعمل له ألف حساب.. وأي واحدة في الدنيا لازم تعرف كده..
يعنى إنت بس اللي تقول واللي تشور..إنت صاحب الكلمة الوحيدة.. الأولى والأخيرة.. ولما تقول مافيش شغل يبقى مافيش شغل.. ولو كنت جربت تضربها مرة كده علقة سخنة.. ماكانتش تتطاول عليك أبداً.. أكيد طبعاً.. ماتستعجبش.. ما هو أصل الحريم مايجوش بالذوق أبداً.. وأنا كنت دايماً
بعمل كده.. ويمكن انت عارف إني اتجوزت خمس مرات, قبل الجماعة اللي على ذمتي دلوقتي.. وأسلوبي واحد مع الجميع.. لازم تبقى شديد وحمش
عشان يخافوا منك..ولما تدخل البيت تجرى الواحدة منهم كأنها شافت أسد !..وكده بس يتظبطوا ويمشوا ع العجين ميلخبطهوش..لكن تقوللي بقى إنك تتكلم وتتناقش وتاخد وتدي.. طب ليه بقى وجع القلب ده..ما هى الحكاية معروفة..وواحد زائد واحد يساوى اتنين.. وكل ما تبقى ناشف كده..كل ما الواحدة فيهم تبقى طوع أمرك طول العمر !.
وسحب المعلم نَفَسا ً عميقا من الشيشة، ثم راح يتابع قائلاً :
- فهمت بقى يا باشمهندس.. يعني أنت لازم ...... ! .
ولم يكمل كلامه ! .. فقد حانت منه التفاتة مفاجئة نحو صبيه الصغير الذي جاء مقبلاً نحو المقهى.. فقفز المعلم عن مقعده وانقض على صبيه يسأله متوجسا ً:
- إنت كنت فين يا وله.. قول بسرعة قبل ما أخنقك ! .
وأمسك بتلابيبه وراح يهزه بعنف, فتساقطت منه رزمة من الأوراق المالية ذات فئات متنوعة .
وفهم المعلم بسرعة من أين أتى صبيه بهذه الأموال, وأخذ يلتقطها من الأرض بإحدى يديه, وانهال ركلاً وصفعاً على صبيه بيده الأخرى، وهو يصيح فيه :
- عملتها يابن العبيطة..بعتني بالفلوس يابجم..أكيد طبعاً فضحتني وقلت
للجماعة إني اتجوزت عليها..يخرب بيت سنينك يابعيد !! .
وترك صبيه فجأة، وانهار نادباً على الرصيف :
- آه ياحمار ! ..ضيعت كل حاجة..أهي دلوقتي تطلقني عشان العصمة في
إيديها !..وكمان هتطردني من القهوة اللي بإسمها..وكل ده بسبب جحش
زيك !! .
وقام المعلم فجأة - برضه - من فوق الرصيف، ونزع عمامته وألقاها على الأرض في غيظ، وهو يصيح :
- وراس أبويا ماهسيبك..وحياة ستك لأعلقك على باب القهوة..وأخليك عبرة للحارة كلها !! .
وانطلق يعدو في أثر صبيه..الذي أطلق ساقيه للريح ! .
وكان منظراً مضحكاً للغاية..ومؤسفاً في ذات الوقت.. فهاهو المعلم اللي كان عامل فيها سبع الرجال من شوية.. قلب فرخة في ثواني !! .
وكان الجميع يضحكون ملء أشداقهم..لكن "بدوي" لم يضحك مع الضاحكين..وانصرف وهو يضرب كفاً بكف..وراح يبحث عن أي واحد آخر ينصحه ! .
وإليكم رقم موبايل أخوكم "بدوي"..واللي عنده نصيحة كويسة..يبعتها sms..ويكسب ثواب !! .