إنَّ دراسة حياةِ جيل السماء تمثل خطوةً عظيمة في طريق بعث الأمة؛ لأنه يدفعُ الأمة المسلمة لأن تقومَ مرَّة أخرى, وتنفض غبار الغفلة فتستعيد أمجادَها وتعودَ مرَّة أخرى لتقود العالم كله إلى خيري الدنيا والآخرة.
فجيلُ السماء هُم خيرُ جيل عرفته البشرية كلها, وهُم خيرُ الخلق بعد الأنبياء والمرسلين صلواتُ ربي وسلامُه عليهم, قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيِّه أبرُّهم قلوبًا, وأعمقهما فكرًا, وأقلُّها تكلفًا, ولا بدَّ للمتأخر أن يعرف فضلَ المتقدم, وذلك لأننا نعيش زمانًا نفتقدُ فيه إلى القدوات الصالحة.
ولذلك فإنَّ الكتابة عن هؤلاء العظماء, وكشف الستار عن الصفحات النَّاصعة التي سطَّروها على جبين التاريخ بسطور من النور الإلهي؛ مِن الواجب الذي يحتمه علينا هذا العصرُ الذي نعيش فيه اضطرابَ الموازين والأفكار.
إنَّ هذا الكتاب الذي بين يديك رحلةٌ في حديقة الإسلام نطوف بين رياضها العَطرة الذي يفوح أريجُها معطرًا بشذَا الجنان الفيحاء, ننتقل في هذه الحديقة الغنّاء التي حوتْ من الأزهار أجملَها, ومن الرياحين أطيبها, ومن المياه أعذبَها لنتعرَّف على رجال تربَّوا على مائدة القرآن وكان معلمهم إمامَ الأنبياء وخيرَ الأنام محمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا الكتاب محاولةٌ لإبراز هِمم هؤلاء الرجال العالية في الدعوة, والجهاد, والعلم, والصبر, والزهد, والتواضع, والورع إلى آخر هذه المثاليات التي لن تجدَ لها في تاريخ العالمين نظيرًا.
فلا شكَّ في أنَّ إبراز تاريخ هذه الأجيال والتركيز على ما قاموا به في تحمُّلهم أمانة الدعوة إلى الله, وما أصابهم في سبيلها من الأذى والعنت؛ يكون له أعظمُ الأثر في أن نعرفَ لهم قدرهم وفضلهم ونحبب أبناءنا في التأسّي بهم والاعتزاز بالانتساب إليهم ليرتبطَ حاضرُ الأمة بماضيها العريق ذي التاريخ المُشرق المنير في قيادة البشرية قيادة راشدة إلى مراقي الفلاح.
فاقرأ يا أخي هذا الكتابَ بعناية, وقفْ عند كلِّ مشهد من مشاهد سيرهم, وخذْ لنفسك ما تشاء مِن محامدهم بقدر طاقتك, وعايشهم بقلبك وروحك وعقلك.
وآخرُ دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
{ فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ ۚ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ }
مصطفى نصر زهران