تمرر إصبعها على الجالكسي تاب بسرعة، تبدو منهمكة للغاية، تضع ساقاً فوق الأخرى وهي جالسة على مقعدها في محطة المترو، بدون أن ترفع نظرها، ترى الشباب الثلاثة الذين ينظرون إليها، لا يحملقون فقط في فضول ولكنهم يخترقون تفاصيل جسدها بنظراتهم، تراهم بدون أن تضطر إلى نقل عينيها من الشاشة ، تتكهن بمزاحهم السخيف حول ما ترتديه من ملابس.
تحاول أن تكظم حالة الغيظ بداخلها، تعلم أنه كعادته لن يأتي، سيتصل بها معتذرًا أنه نسي أو يختلق لها أعذارًا مكررة، تحفظها جميعها، تختلف فيها أسماء الأماكن ولكن تظل تحمل نفس طابع أعذاره المكررة.
لا تعلق آمالاً كثيرة على التزامه بالموعد.
تتنهد. تسمع صوت المترو يقترب، تبدأ في لملمة أشيائها المبعثرة حولها على المقعد المجاور وتضع الجالكسي تاب في حقيبتها الوردية القماشية.
تنهض. تلتفت نحو الشباب الثلاثة بلا مبالاة، الشاب الأوسط يبتسم وهو يضرب زميله فى كتفه.
تبتسم ابتسامة أقرب إلى الضحك وهي تتخيل أن استشعار الفيس بوك يظهر فجأة من العدم ليغطي رؤوس الشباب الثلاثة ومكتوب فيه بخط عريض: أحمق!
الشباب الثلاثة يسيؤون ترجمة الابتسامة ويعتبرونها موافقة ضمنية منها، تتحرك نحو باب المترو، يتبعونها في سرعة، يتكرر في مخيلتها ظهور العديد من استشعارات الفيس بوك التي تحمل كلمة أحمق ولكن بحجم خط أكبر، يهتز جسدها بالضحك رغمًا عنها، تتحرك يمينًا داخل المترو، هم من خلفها يتهامسون في حماس.
تتجه إلى باب آخر، وفور أن تسمع صافرة إعلان تحرك المترو تقفز من باب المترو إلى الرصيف.
لا تعرف كيف فعلت ذلك؟ وهى تسمع من خلفها صوت رجل يهتف بها:
- حاسبـ.......
أبواب المترو تنغلق خلفها ويتحرك المترو بسرعة وهي تضحك بصوتٍ عالٍ عندما تتخيل صورة كوميدية لكلب مذعور، فينجرف خيالها أنها تضغط علامة الإعجاب ليصل عدد الإعجابات إلى (1000) مرة واحدة. تتوقف وهي مازالت تولي ظهرها للمترو، ملامحها مرحة ضاحكة.
مرة أخرى تدير رأسها يمينًا بشكل عفوي، تراه يتحرك بسرعة على حافة رصيف المترو، يتحدث في الهاتف يلوح لها، تذوب ملامحها المرحة تدريجيًا حتى تتجمد.
لا تبادله التلويح ولكنها تراقب اقترابه في صمت هادئ، ينهي الاتصال، يقترب منها وهو يرسم ابتسامة متوترة على شفتيه، يقف أمامها.
- الطريق من مدينة نصر عند عباس العقاد لحد غمرة كان واقف، أنا أول ما وصلت غمرة نزلت وأخدت المترو على طول.
لم تعلق ولكنها بادرت بالتحرك فسار إلى جوارها، أفلتت من يدها بدون أن تشعر تذكرة المترو وهو يقول:
- هو أنتِ ليه خلتينا نتقابل فى رمسيس؟
التذكرة تتدحرج بضعة سنتيمترات حتى تلامس حافة رصيف المترو.
- عشان عايزة أشتري حاجات من هناك.
- من رمسيس؟
- أيوه.
- اشمعنى رمسيس؟
- أنا قولت لـ......
حديثهما يخفت تدريجيًا وذلك الممر الطويل المؤدي إلى مسجد الفتح يبتلعهما حتى يتلاشى صوتهما تمامًا مع صوت مترو آخر يقترب بسرعة حتى يتوقف.
تطير التذكرة بعيداً عن حافة الرصيف، الأبواب تفتح.
أقدام تصعد. أقدام تهبط.
المترو يغلق أبوابه وهو يطلق صفيره ثم ينطلق مرة أخرى.
10/10/2013