شهد مر
شاهيناز الشريف
(1)
قرار
شارع مزدحم من شوارع أحد أحياء القاهرة الراقية في أحد الأيام الخريفية التي تبعث على الشجن في ذاك الوقت الذي يسبق الغروب، إمرأة في العقد الرابع من عمرها، لم يراها أحد إلا ووصفها بالجمال والأنوثة، تسرع وهي تعبر الطريق لتصل لسيارتها لتلحق موعدها مع صديق لها، نظرت في ساعتها تتأكد أنها لن تتأخر عنه، لم تتأخر قط عن مواعيدها واشتهرت بدقتها في المواعيد على عكس الكثيرات من بنات جنسها، لكن هذه المرة هي ذاهبة إليه ليس بصفته صديق بل لأنها علمت بمحض الصدفة أنه يعمل في مجال العلاج النفسي وهي أشد ما يكون في إحتياجه.
أسرعت الخطى وركبت السيارة ومع دوران المفتاح في (الكونتاكت) بدأت رحلتها، توالت المشاهد في مخيلتها، إسترجعت ما مرت به من عشرات السنين منذ كانت في بدايات دراستها الجامعية، حياتها المملة الرتيبة ووقوعها في الحب الذي غيرها وصبغها بالأوان الزاهية، ابتسمت وتجاوزت مرحلة جامعتها وعادت إلى ما أبعد من هذا مُذ كانت طفلة، خرجت منها تنهيدة ساخنة وقالت بصوت مسموع: "ياه، ما هذا يا ربي؟"
تدافعت الذكريات في عقلها بشراسة يردن الطفو على سطح تفكيرها، ضربت المقود بيدها وصوت يصرخ داخلها: (أنا مش ناقصة)، حاولت دفن ذكرياتها التي تطاردها بلا رحمة إلى أبعد نقطة مظلمة في عقلها ولكنها لاتزال تهاجمها، تدافعت مواقف حياتها بقوة كجيش ينفذ أمر القائد ببداية الهجوم على العدو في معركة من معارك الزمن الماضي.
أخذت نفس عميق على مهل وأخرجته دفعة واحدة، حاولت أن تفكر بهدوء، هاجمها سؤال جعلها منزعجة لدرجة أنها لم ترى الإشارة الحمراء وتجاوزتها رغم كل الآت التنبيه التي صكت أذنيها:" كيف سأروي كل هذا؟ وهل أثق به لهذه الدرجة حتى أبوح بكل ما يجول بداخلى؟""
وصلت ركنت سيارتها بسرعة ونزلت منها، نظرت إلى اللوحات المعلقة على المبنى الكبير، رأت إسمه، ماجد العزوني، ترجلت داخلة إلى موعدها وفي طريقها أخذت قرارها، ستشفى من كل ندوب روحها وستبوح بكل آلامها وستترك قلبها وعقلها مفتوحان لطبيبها يعالجهما بطريقته فهي لا تملك شيء تخسره.
لم يكن القرار جزافي أو وليد اللحظة، تألمت كثير وعانت أكثر ولم تجد من يقف بجوارها، دخلت وصافحت صديقها وهي لا تعلم ماذا ينتظرها، ولم تكن تعلم أن هذا اليوم سوف يكون من أهم أيام حياتها.