كورونا
ظن أهل الأرض أنهم قادرون عليها فأتى أمر الله
"إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَآءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَآءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأرضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالاْنْعَامُ حَتَّى إِذَآ أَخَذَتِ الأرضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَآ أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ أَتَاهَآ أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ* وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ" (يونس، الآيتان 24 – 25).
"ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" (الروم، الآية 41).
في ظل التقدم التكنولوجي الرهيب، وارتياد الفضاء والفضائيات، والإنترنت والنقلة النوعية الرهيبة في شتى مجالات الحياة، وكل هذه الاكتشافات والاختراعات لها ما لها وعليها ما عليها، أي لها إيجابياتها وعلى الجانب الآخر لها سلبياتها.
وفي كثير من الأحيان تعتبر هذه الاكتشافات والاختراعات نعم من الله -تبارك وتعالى- وتفضل الله بها على البشرية لتيسير أمور الناس، ولكي تواكب وتناسب العصر الذي يعيشون فيه، ولكن أغلب البشر انشغلوا بهذه النعم ونسوا المُنعم وهو الله -سبحانه وتعالى- ليس هذا فحسب، بل بدأ القوي فيهم يتجبر ويتكبر ويتعجرف على الضعيف، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى الدول، فعلى مستوى الأفراد عقَّ الولد أباه، وقتل الأخ أخاه، وقُطعت الأرحام، أما على مستوى الدول، قامت الدول الغنية بغزو الدول الفقيرة ونشر الفتن والفساد فيها، وإراقة الدماء فيها والاستيلاء على ثرواتها بشكل مباشر أو غير مباشر.
الخلاصة.. أن البشر أحدثوا خللاً في كون الله، وعطلوا كثيرًا من سنن الله في أرضه، خير الله إلى العباد نازل وشرهم إليه صاعد، أكلوا من نعمه وشكروا غيره، نحارب ربنا بالمعاصي ليل نهار، ثم نرفع أيدينا بالدعاء فلا يستجاب لنا، فكان لابد لخالق الكون أن يغضب وأن يري خلقه آية من آيات قدرته متمثلة في هذا الفيروس الضعيف، الذي لا يُرى بالعين المجردة (كورونا) الذي جعل العالم أجمع يقف عاجزًا أمامه، ولا يستطيع مواجهته رغم كل الإمكانيات والتقدم التكنولوجي، الذي تتمتع به البشرية في زماننا هذا، لكي يوقن الجميع أن الأمر بيد الله، ولا راد لقضاء الله، وأن كورونا نزل بأمر الله، ولن يرحل إلا بأمر الله القائل للشيء كن فيكون.
الجميع يتمنى ويدعو أن يرفع الله عنا البلاء، ولكن الأهم من رفع البلاء هو أن نكون قد استوعبنا الدرس جيدًا، وأن نكون قد فهمنا الرسالة الربانية، وأن نعيد كل الحسابات ونراجع كل العلاقات، وأن نتذكر أن الله -عز وجل- خلقنا لأجل مسمى لنعبده ونعمر كونه، والعمل بمنهجه ولا نظلم، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأن نعد الزاد ونستعد للرحلة والرحيل لأننا حتمًا سيأتي يوم ونرحل.
*****
ويقول الإعلامي المتألق مهدي جاسم عن كورونا:
كورونا حطمت جبروتنا، وأظهرت ضعفنا وسخفنا وضحالتنا، فيروس صغير حطم جبروت الإنسان، وجعل من حضارة إنسانية عمرها سبعة آلاف عام مجرد أضحوكة.
كم كذبنا على بعضنا، وكم سرق غنينا فقيرنا، وكم تفاخرنا بألقاب زائفة، وكم رأينا أننا الأصلح والأذكى والأقوى من جميع الكائنات، لكننا نبدو اليوم كائنات هشة بائسة تثير الشفقة.
أين دول العشرين إذن؟ أين العالم الأول؟ أين جبروت أمريكا وأوروبا وروسيا والصين واليابان؟ أين الجامعات؟ أين مراكز الأبحاث؟ أين أبطال نوبل؟ رئيس وزراء بريطانيا العظمى يطلب من مواطنيه توديع الأحبة، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية يقطع الرحلات الجوية مع العالم، نجوم السينما، أندية رياضية كبرى، بطولات عالمية، مسارح وصالات سينما، مهرجانات، معارض كتب، مدارس وجامعات، الحركة مشلولة في محطات القطار، وفي المطارات، وفي محطات النقل الكبرى، جميعها تتوقف عن الحركة.
المصافحة ممنوعة، والتقبيل جريمة، والحشود مصيدة المغفلين، أماكن العبادة المقدسة ما بين الفاتيكان ومكة المكرمة تغلق أبوابها، الشك والريبة والخوف والقلق يسيطر على حواسنا فيتعطل الدماغ عن التفكير السليم، لم يكن ذلك بسبب حرب نووية، أو مهاجمة كائنات فضائية لكوكبنا، إنما بسبب فيروس صغير يجعل من الدبابات والطائرات وأحدث أنواع الرادارات مجرد آلات غبية لا تصد هجومًا ولا تهدد عدوًا.
اقتصاد العالم يُشل، البورصات الكبرى تتهاوى، أسعار النفط تسقط، الأغنياء يحبسون أنفاسهم، وحدهم الفقراء الآمنون في القافلة لكنهم ليسوا آمنين من الإصابة بكورونا، فهم مهددون مثل الأغنياء بهذا الوباء.
على مدى القرون الماضية خضنا عددًا كبيرًا من الحروب، كنا نرغب في تحطيم الآخر وقطع نسله إلى الأبد، حروب دينية، غزوات، مؤامرات، وانتهاك لحرمة دم الإنسان، صراعات ومهاترات، حربان عالميتان وحرب باردة، وضغوط على الشعوب الضعيفة وابتزاز للأمم المتحدة، أنهار من الدماء وجيوش من الأيتام والأرامل والجرحى والمعاقين وكبار السن الذين لا مأوى لهم، والأطفال الذين يئنون من الألم من المجاعة، كل ذلك بسبب طمع الإنسان وجشعه ونزعته لظلم الآخر وسلب ما لديه، ليس على مستوى الدول فحسب بل على مستوى الأفراد.
اليوم صار كل شيء في مهب الهاوية، وأصبح كل كبيرٍ صغيرًا، وكل قوي ضعيفًا، وكل غني فقيرًا، فإذا كانت العولمة قد جعلت من العالم مجرد قرية، فإن الكورونا قد جعلت منه اليوم مجرد فقاعة.
والآن ألا تستحي أيها الإنسان؟
****