"سر العبقرية هو أن تحمل روح الطفولة إلى الشيخوخة؛ كي لا تفقد الحماس أبدًا"
فيكتور هوجو
كنتُ جالسةً في ليلةٍ باردةٍ أمام قهوتي، لأجدني أسرد كلَّ ما مرَّ بي من مواعيد، منها ما أحزنني وأبكاني، ومنها ما أصاب قلبي بسعادةٍ عامرةٍ ومنها ما حطَّم قلبى أيضًا وجرحه، ومنها ما أصابني باليأس، ومنها ما أدخل على روحي البهجة .
فكانتْ البداية تلك الطفلة الحالمة المشاغبة التي ترغب في فَعْلِ كلَّ شيءٍ وأيِّ شيءٍ؛ لتبدأ الرحلة مع طفلة الخمس سنوات، وهي تستيقظ للذهاب إلى المدرسة.
وبصوتٍ عذبٍ وهادئ:
( يا صغيرتي، شغف، هيا بدأ موعدنا الآن، فأين قبلتي الصباحية؟ )
شغف: هيا إلى المدرسة، هيا إلى المدرسة .
وقَبَّلَتَ أمَّها مثل المعتاد.
لتذهب مع أمِّها في أول رحلة في طريق الشغف، فكانت متميزة ومختلفة كانت تحبُّ المدرسة، ومدرستها رباب، كانت تحبَّها كثيرًا؛ لأنَّها كانت تشعر بأنَّها ليستْ طفلة عادية، فهناك وميض غريبً كان ينبعث من عينيها لتذهب ميس رباب إلى منزل شغف، وتقابل والدتها.
الأم :
"أهلًا بكِ أستاذة رباب، تخبرني شغف عنكِ كثيرًا، أودُّ أن أشكرك على اهتمامك بها"
رباب:
"أنا من يرغب بالشكر، فأنتِ حقًا أم عظيمة، أودُّ أن أخبركِ بأن شغف ليستْ عادية، فهى لازالتْ طفلة لكنَّها مميزة ومختلفة، ستكون لها شئنًا كبيرًا يومًا ما، فأنا أحبُّ روحها الطفولية، وشطارتها التي لا مثيل لها، وأنا سعيدة بها للغاية "
لتكمل شغف مسيرتها التعليمية مع والدتها منذ نعومة أظافرها، فكانت الأمُّ دائمًا نبع حنان، ومصدر للأمل والطاقة الإيجابية، لتأتي شغف في يومٍ وتبكي في أحضانها، وتقول :" مامتي، أنا خائفة"
الأم: "مِنْ ماذا يا صغيرتي؟"
شغف: "عندما أَكَبُرُ، ماذا سأصبح!"
الأم:" ولماذا هذا السؤال الآن؟"
شغف: "كنتُ في المدرسة، وسألت ميس رباب، الجميع وأنا لم أستطع القول، فأنا حقًا لا أعرف"
الأم: لا تقلقي، ستعرفنى في الوقت المناسب لكلِّ شيءٍ، لا تتعجلي، وهيا بنا نتناول الطعام، فلدينا الكثير لِنَفْعَلَه"
كانت طفلة مطيعة ومرتبطة بأمَّها لكثرة سفر والدها، فكانت الأم هي عالمها وملاذها الآمن الذي تلجأ إليه دائمًا.
فكانت الأم دائمًا قريبة من روحها وقلبها؛ لتخبرها أنَّها هي صديقتها وأختها وأمُّها وحبيبتها، وكلُّ شيء.
ولكن لا تستقيم الحياة على وتيرةٍ واحدةٍ، فنظرًا لظروف عمل والدي انتقلنا لمحافظة أخرى، وانتقلتُ أنا إلى مدرسة أخرى؛ لأكمل فيها مراحل دراستي وكانت تلك هي أسوء فترة على الاطلاق.
لم أستطع تكوين صدقاتٍ، ولم يكن مرحب بي في تلك المدرسة، كنتُ مخلتفة كليًا عن كلِّ البنات.
كنتُ في صراعٍ دائمٍ، وكنتُ أبكي كثيرًا، فلم أجد بجانبي أحد، ولم أكن أستطيع التأقلم معهم، لم أحظى إلا بصديقةٍ واحدةٍ، فكانت زهرةً من بينهم هي من تقربتَ مني لفترةٍ من الوقت .
بدأت بكتابة جميع تلك المواعيد لأنني كنتُ أكتب بدموعي حينها
فأنا لم أكن أعلم أن الحياة بقلبٍ عفوي يؤذي هكذا.
فكانت تلك المواعيد أكثرها حزنًا ونضجًا بعض الشيء ،تجولتُ بقلمي لأكتب تلك المواعيد فكانت:
موعد مع الحقد الماكر
لم أكن أعرفهم لكنني رأيتُ نظراتٍ مخيفةٍ في أعيونهم عندما دخلتُ إلى الفصل، وجلستُ أمام السبورة أتتْ بسمة لتتحدث معي، فقالتْ: ما اسمك ؟
قولتُ: شغف
بسمة:
" لماذا أتيتِ هنا؟ ولماذا جلستِ أمام السبورة في المنتصف؟ ألم تعلمي أنَّه مكاني؟"
في الحقيقة أنا لم أكن أعلم، فأنا جديدة هنا كان يمكنك إخباري بطريقةٍ ألطف من هذا، وأنا لا أرى من بعيد، فجلستُ هنا ولن انتقل إلى مكانٍ آخر يا بسمة .
بسمة : حسنًا إذا ...
وذهبتَ بسخرية
لم أفعل شيئًا لكلِّ هذا لكن أسلوبها لم يعجبني حقًا، فجلستَ بجواري زهرة وبدأت أتعرف عليها، أحسستُ أنَّها جيدة، وعندما كنتُ أحدثها أتت فتاة أخرى تتحدث معي.
الفتاة:
"كيف لكِ أن تتحدثي مع بسمة هكذا؟
ألم ترى نفسكِ أيتها القصيرة؟
وما هذا!
تشبهين الصبيان بقصتكِ تلك ههههههههههههه"
فقولتُ لها:
ومَنْ أنتِ يا حلوة؟
الفتاة:
"أنا رهف صديقة بسمة المقربة، يا مَنْ تشبهين الصبيان هههههه"
فقولتُ لها: "شكرًا لكِ، لن أردَّ الإهانة بإهانة هكذا، تربيتُ"
وحملتُ حقيبتي وتركتُ الفصل، وأنا أبكي في ذلك اليوم.
بكيتُ في حضن أمِّي لم استطع كتمان مشاعر الغضب لكنَّها ربَّت على كتفي، وقالتْ:
"أنتِ تعلمين عزيزتي أنَّكِ مميزة ومختلفة ثُمَّ أن شعركِ القصير يعطيكِ جمالًا فوق جمالك، لا تحزني هذه غيرة الفتيات، فتفوقي قدر المستطاع حتى تصحبين أنتِ الأفضل، حينها هنَّ مَنْ سيتقربون منكِ، لا تحزني فلتصبحي فتاةً قويةً مثل أمُّكِ"
موعد مع التنمر
كانت أمي تذاكرلي دائمًا وتساعدني في إتمام كلِّ واجباتي، لم أذهب لمدرس خارج المنزل .
فكان جميع المدرسين يتحدثون معي بلطف، ويدعونني لأخذ الدروس معهم ليساعدونني لكنني لم أذهب إلا مرة أو اثنين فقط؛ للتجربة، وياليتني لم أذهب، فكلُّ مرة كنتُ أذهب فيها كنتُ أجد الفصل كلَّه هناك .
كنتُ أحبُّ الألوان المبهجة دائمًا ما كنتُ أرتدي الأحمر والبنفسجي والبمبي فكنتُ دائمًا لافتةً للأنظار، فهي ألوان القوة في نظري.
وفي يوم ذهبتُ لحضور درسٍ مع مدرسي المفضل، وجلستُ بجانب زهرة فهي الوحيدة التي كنتُ ارتاح لها، وكنتُ أحبُّها فكانت متفوقة دائمًا.
كانت تشجعني، لكن اليوم لم يكن على ما يرام وأثناء فترة الدرس، كانت بسمة ورهف ومعهم فتاة أخرى تُدَعَى "سما" جميعهنَّ كنَّ يتحدثنَّ عني فقد سمعتهنَّ لكنَّي حاولتُ إبعاد التشتت والتركيز، وعندما انتهى الدرس جاءتْ لي بسمة، وقالتْ:
"لا تحاولي لفت الأنظار بتلك الألوان المشمئزة، فأنتِ مثيرةٌ للشفقة، وليس لكِ مكان بيننا ولن تكوني منا "
فقولت لها- وأنا أتمالك نفسي- :
"واثق الخطوة يمشي ملكًا، وكلامك هذا لن يبكيني، ولكن تذكري أنني لم أخطئ فقط، وددتُ أن أكون منكنَّ ولكن غير مرحبٍ بي، وهذا لن يحزنني فأنا لن أفرض نفسي عليكنَّ، ولكن أنتم مَنْ بدأ في إهانتي، فتذكروا هذا جيدًا"
وبدأتُ في مسيرة التفوق هذا الذي يثبت الذات، مثلما أخبرتني أمِّي وأستطعتُ أن أجتهد حتى صار الجميع يعرف شغف، ويدرك جيدًا أنَّها فتاة جيدة وموهوبة وناجحة .
لكنني دائمًا كنتُ أشعر بأني وحيدةٌ، فكان اختلافي وتميزي سلاح ذو حدين.
وحاولتُ أن اقترب منهنَّ مرةً أخرى لكن دون جدوى، باءتْ كلَّ محاولات بالفشل، فلم يفهمني أحد؛ ولذلك حاولتُ أن أخطف الأنظار عندًا .
موعد مع خيبة الامل
سعدتُ بوجود زهرة معي لكنَّها كانت سعادة مؤقتة، فهي أيضًا ابتعدتْ عني عندما تفوقتُ، لم أكن أنافس أحدًا، أنا فقط كنتُ أرغب بأن تصبح شغف هي محور حديث الجميع .
لكنَّها تركتني أيضًا مثلما فعل البقية، ابتعدتْ عني دون إخباري عن سبب بعدها، كنتُ أعتبرها صديقتي المقربة .
كانت تخبرني دائمًا أنَّها تحبني لكنَّها تركتني، فأصابة قلبي بخيبة الأمل ليبدأ فصلًا جديد في حياتي، فصل لذاتي فقط أنا أولًا ثُمَّ أيّ شيءٍ آخر .
فانهيتُ ذلك الصراع والحزن داخلي بتلك الكلمات لأودع بها شغف التي تبكي على كلِّ شيءٍ .
( أختلف لأنني لم أكن أرغب بأن أكون نسخةً مِنْ الآخرين، فكنتُ أنا تلك الفتاة الطموحة التي تخلق لها عالمها الخاصن كلَّما صفعتها الحياة.
كنتُ أبتسم دائمًا لكنني لستُ بتلك الفرحة التي يعكسها وجهي الطفولي، أنا فقط كنتُ أتميز بذلك الإحساس، لكنني صدمتُ بالصداقة الوهمية، وصدمتُ بواقع لم أكن أتوقع أن أرى كم الحقد والغلِّ في قلوب بعض البشر هكذا. لكنني أحلم بأن أكون مثالية، مثالية في علاقتي مع الله، وعلاقتي مع أمِّي وأبي وأخواتي، ودراستي، وكنتُ أنا الفتاة التي تؤمن بأن كلَّ ما بداخلها سيصير حقيقةً أمام العالم يومًا ما .
وفي نهاية هذا الموعد كتبتُ رسالةً لزهرة لكنني لم أرسلها لها، فقد كانت كلمات داخلي وددتُ التعبير عنها؛ لأشعر بالراحة.
( حقًا أحببتُك أتذكر كلَّ ذكرياتنا، وأتذكرك، وأودُّ شكرك على تشجيعك لي ولكن أرغب بأن أخبرك أنني تمنيتُ لك الخير دائمًا وأبدًا.
فلم يكن هدفي التفوق عليكِ، أنا فقط كنتُ أرغب بإثبات نفسي للجميع وتحقيقي أماني أمِّي؛ لأنَّها دائمًا ما تضحي من أجلي، وكنتُ أرغب بأن تفتخر بي، كنتُ أرغب بأن تكوني صديقة عمري لكن معاملتكِ تغيرتْ معي ومن ثُمَّ ذهبتي إلى مدرسةٍ أخرى، وتركتيني وحيدة وأنتِ تعلمين أنني لن أستطيع إيجاد صديقة مثلك في هذه المدرسة.
فجميعهم لا يحبونني ودائمًا ما تحدث المشاكل بيني وبينهم، أحببتُك وأتمنى لكِ كلَّ التوفيق وأتمنى أن تصبحي طبيبة، فأنا أعلم أنَّها أمنيتك يا زهرة.
أنا أؤمن بأنَّكِ يومًا ما ستكونين الطبيبة زهرة، وإن رأيتُك مجددًا سألقنك درسًا؛ لأنَّك تركتيني، ومِنْ ثُمَّ سوف أعانقك عناق الأصدقاء لأننى أحببتُك حقًا )
ومرَّت الايام والشهور والسنين، وأنا وحيدة أتجول في عالمي بين الكلمات والخيال .
أستغليتُ تلك الفترة في كتابة القصص القصيرة وقت الفراغ لكنَّها كانت قصصًا حزينة عن الصداقة المزيفة، فهذا كان كلُّ ما يشغل تفكيري وبدأتُ أتساءل تُرى، ماذا أريد أن أصبح ؟
هل سأكون طبيبة أم مهندسة أم ممثلة أم كاتبة أم ماذا؟
كنتُ في حيرةٍ كبيرةٍ من أمري، فلم أكن أرى نفسي في مجالٍ ما، ولم يكن لدي شغف تجاه مجال بعينه كنتُ هائمةً وتائهةً، أودُّ معرفة كلِّ شيء،
وأودُّ التفوق في كلِّ شيء.
أخافوني أولئك البشر، قلوبهم من حديد أم من حجر، أخافوني لدرجة أنني لم أعد أريد متابعة الحياة؛ لأرى المزيد ، أريد الاختفاء، أريد الرحيل أريد التخفي في أحضان الحنين، لا أريد توديع روح الطفولة، ولا أريد أن أكْبُرَ فما رأيتُه في تلك الفترة أسكت لساني عن الحديث، فقررتُ أن يكون صمتي هوالصديق.
مبادئ مترسخة
"سِرْ مع التيار فيما يخص المظاهر، أمَّا ما يخص المبادئ، فلتقف مكانك مثل الصخرة"
توماس جفرسون
حياتي لم تكن عادية؛ ولذلك عقدتُ العزم على كتابة تلك الرواية، فكانت شغف كالفراشات تحلق بحريةٍ في كلِّ مكان لكن كان بداخلها دائمًا ما يُذكرها بالصواب والخطأ، كانت تحيا وفقًا لبعض المبادئ، والحدود التي لا تستطيع أن تتخطاه.
ربما لأنها اعتادتْ ذلك وربما لأنها تربتْ على ذلك، وربما لأن أمِّى دائمًا ما كانت تحرص على ذلك،كان ترغب بجعل شغف فتاة عظيمة وناجحة. يتذكرها الجميع،كانت أمِّى مَنْ وضعتْ شغف داخلي، وهي مَنْ رسخ تلك المبادئ في قلبي .
أحببتُ منذ طفولتي الكتابة، كنتُ أكتب أيَّ شيء حتى لاحظتْ أمي أنِّي أخلط بين الكلمات؛ لأصنع تناغمًا وكأنَّه شعرٌ، وكانت تشجعني أن أستمر حتى وإن كنتُ أخطئ التعبير، رغبتُ بأن أنمِّي تلك الموهبة بنفسي .
واكتشفتُ ذاتي وبدأتُ بالأشعارثُمَّ المقالات ثُمَّ القصص القصيرة، والروايات
فكان المبدأ الأول
" لا تطلبي مساعدة من أحد،بل استمري في اكتشاف ذاتكِ بنفسكِ حتى وإنْ أخطائتي حتمًا ستصلين إلى النهاية المرغوب بها، كوني فتاةً قويةً قادرةً على الاعتماد على ذاتها "
كنتُ أرغب أن أشعر بأنِّي أنثى
جميلةٌ ومدللةٌ ،كنتُ أرغب بارتداء
الفساتين والتنانير مثل الفتيات، وكان بداخلي الرغبة في ممارسة الباليه، وأخبرتُ أمِّي بذلك، لكنَّها لم تجد مدرسة للباليه في المدينة بذلك الوقت ،ووجدتُ نفسي أمارس الكارتيه بدلًا منه.
فكيف يستبدلون الباليه بالكاراتيه!
أتذكر جيدًا اول يوم ذهبتُ فيه لأمارس الكاراتيه، فكيف لفتاة أن تمارس لعبة صُنِعَتْ من أجل الرجال!
وكيف لها أن تتقمص دورالفتاة الخشنة التي تقف أمام الجميع، وتؤدي حركات للقتال والدفاع عن نفس بصوتٍ خشنٍ هكذا!
لم أتوقع نفسي في ذلك المشهد، وسالتْ دموعي وانهمرتْ مني وأصاب قلبي الحزن .
علمتْ أمِّي بذلك، وأخبرتها أنني لن أذهب مجددًا،لكنَّها تحدثتْ معي بلطفٍ ووضحتْ لي أنني سأفهم أهمية الكارتيه في حياتي عندما أنضج، وها أنا أقتبستُ منها مبدأ لحياتي.
فكان المبدأ الثاني
" تستطيع المرأة إتمام ما يتمُّه الرجال، ولكن الرجال لا يستطيعون فِعْلَ كلُّ ما تَفْعَلَه المرأة، والفتاة الشجاعة هي تلك التي تتعلم فنون القتال حتى لا تشعر يومًا بأنها ضعيفةٌ أمام أشباه الرجال "
أعطاني الكاراتيه شجاعةً وقوةً وثقةً بالنفس، كنتُ أقف أقاتل دون خوف بعدما كنتُ أبكي في بداية الأمر، إنِّي فتاةٌ وإنَّها لعبة صُنِعَتْ للرجال،وحصلتُ على الحزام الأسود، أعلى رتبةً في تلك اللعبة، لم أحقق نجاحًا كبيرًا فيها؛ لأنني لم أحبها من داخل قلبي، كنتُ أمارسها حتى أشعر بأنِّي أنجزتُ شيئًا في حياتي .
لم تهمل أمِّي شعوري ورغبتي بإظهارفتاتي أمام الجميع، فتاتي المدللة، ليراوضني حلم الوقوف على المسرح وأتقمص أدوارالممثلات الجميلات .
وهذا ما حدث،
وكانت أمِّى سببًا في اكتشاف تلك الموهبة التي أَخْرَجَتْ مني تلك الممثلة التي لعبتَ دور الحبيبة، والصديقة، والطفلة في آنٍ واحد، كانت تتجول في أنحاءالمسرح بحريةٍ لتُلَقَبَ بسيندريلا المسرح.
فكان المبدأ الثالث
لا تحاولي إهمال نفسكِ، إذا رغبتِ بشيءٍ فافعليه، لربما يمرُّالوقت ولا تستطيعين فعله بعد، وعيشي بتلك الحرية وكأنَّ الحياة هي ذاك المسرح
ومع الوقت أستطاع الشغف داخلي أن يجد من الكتابة مهربًا من الواقع الذي يؤلمني كثيرًا.
ليكن المبدأ الرابع
افعلي ما يجعل روحكِ تشعر بالسعادة حتى وإن كانت السعادة هي البعد عن البشر لتجدي نفسكِ عبرالكلمات والألحان والروايات، فتلك اللحظات بمفردكِ تعيد النبض لقلبك مجددًا.
كنتُ أنا تلك المنطلقة الحالمة، أحيا دون خجل من البشر وأخلق حديثًا مع الفتيات والشباب، لربما كان يراني البعض أبالغ في تعاملاتي لكنني كنتُ أعلم أنني لا أرتكب شيئًا خاطئًا، فكنتُ أخبر أمِّي دائمًا بكلِّ شيء، فكانت تعلم كلَّ شيءٍ عني.
فكان المبدأ الخامس
مارسي حريتك في تعاملات حياتكِ ولا تلتفتي لأحد، ما دمتِ تفعلين الصواب وكوني دائمًا شغف بقلبٍ عفوي.
ولأن الذي يرعى الله في حياته يبارك الله خطواته، فكنتُ ألجأ إليه دائمًا وخاصةً كلَّما جرحتني الحياة.
فكان أهم مبدأ
( الله دائمًا في كلِّ خطواتك في السعادة قبل الحزن، فهو يشعر بكِ ويدرك من أنتِ، ويعلم كلَّ شيءٍ داخل قلبكِ، فلا تخافي فأنتِ مع الله )
دائمًا ما تضعفنا لحظات الضعف وخاصةً أننا فتيات، تتغلغل داخلنا طاقة اليأس والخوف والإحباط بكلِّ سهولةٍ؛ لننسى كلَّ شيءٍ، وننخرط في البكاء.
فكان المبدأ السادس
(لا تجعلي من لحظات الضعف بركانًا لإنهياركِ، فتضيعي كلَّ شيءٍ تمنيتيه اجعلي من تلك اللحظات - لحظات صمت وهدوء- لرجوعك أقوى )
أؤمن دائمًا بأن لكلِّ فتاةٍ سحرها الخاص، وأسلوبها في اختيار ملابسها وال
(استايل ) الخاص بها.
فكان المبدأ السابع
ذوقي في اختيار ملابسي هو يعكس شخصيتي وما يناسبني، ويليق بي ليس ما يروق غيري، وليس ما يُسمى بالموضة، اختاري ما يميزكِ ويناسبكِ أنتِ .
"يظنُّ الشباب أن كبار السن حمقى ، أمَّا كبار السن فيعرفون أن الشباب هم الحمقى "
جورج شابمان
موعد المراهقة الطائشة
أخطر المواعيد على الإطلاق، فوقت المراهقة لم يكن سهلًا مثل أيّ فتاة، لم يكن يشغلني غير الحب، وكأنني نسيتُ ماهو هدفي الحقيقي في الحياة ليصبح هدفي هو ذلك الفارس الذي يعشق شغف بجنون.
نسيتُ طموحي وتفوقي قلتُ في نفسي:
" فلتأخذي راحة قليلًا الآن، ولنبحث عن الحب"
لم أكن أعلم أنني أضرُّ نفسي، وخطئي أنني لم أخبر أمِّي بأي شيءٍ لأول مرة .
أعتقدتُ في نفسي أنِّي كبرتُ، وأصبحتُ فتاةً تستطيع أن تقرر مصيرها وأنا لازلت في المرحلة الثانوية، أهم مرحلة لتحديد المستقبل لكن أصابني جنون العشق، فكنتُ سببًا في ضياع شغف في تلك الفترة.
وفي سكون الليل تجلس فتاتي مثل المعتاد مع القهوة التي تحبُّها، وصوت الموسيقى الذي يصل إلى القلب تجلس هادئةً وحالمةً؛ لتذهب إلى عالم الخيال لترى نفسها سعيدة، ناجحة ومتألقة.
ومعها الرجل الذي يعشقها البطل المغوار الذي يسحرها بحضانه الأبيض ليكتب معها موعد للعشق الأبدي.
لم أهتم بالدراسة كنتُ أقرأ الروايات وأحلم، وفي يوم وأنا في المدرسة كنتُ أتحدث لمدرستي المفضلة ميس ثناء، فهي كانت تقربنا في العمر فكنتُ أتحدث معها دائمًا عن الحب، وعن تلك المشاعر التي ترغب كلُّ الفتيات بأن تشعر بها، فكانت تخبرني عن قصتها والتي أثرتْ بي.
فقالتْ لي :
"يا شغف أنتِ فتاة جميلة وذكية، ابتعدى عن أفكار ومشاعر الحب تلك الآن فأنتِ في فترة المراهقة، وجميعنا كفتيات نرغب بالحبِّ في تلك الفترة لكنَّها خاطئة، فما زلتِ تكبرين ومشاعرك تتطور، ولا زلتِ في الدراسة وهذه مرحلة مهمة؛ لبناء مستقبلكِ وأنتِ متفوقة وموهوبة في مجالات كثيرة، فسيطرى على مشاعركِ، اكتبي يا شغف اجعلي من كتاباتكِ مهربًا لمشاعر قلبكِ إلى أن يحين وقتها، لا ترتكبي نفس خطئي.
فأنا هنا؛ لأنصحكِ بينما أنا لم أجد من ينصحني، فاسمعي كلامي جيدًا لأنِّي أحبك"
-لم استطع كتمان فضولي لأجد نفسي اندفع، وأقول لها:
"هل يمكنك إخباري بتجربتك يا ميس ثناء، فأنا أرغبب سماعكِ حتى أتوخى الحظر "
ميس ثناء : "أنتِ ذكية يا شغف ههههه
كنتُ فتاةً في مثل عمركِ، وكنتُ أستمع إلى صديقات السوء كثيرًا في تلك الفترة، فكان لديهنَّ حبيب وكنا نجتمع وأسمع لقصصهنَّ بلهفةٍ، وشوق أن يكون لدي حبيب مثلهنَّ.
حاولتُ كثيرًا أن أبعد تلك المشاعر عني، لكنِّي لم أستطع، واقعتُ في فخ حب المراهقة، فكان لي ابن جار يسكن أمامنا، بدأتُ ملاحظة نظراته لي ووهمتُ نفسي أنَّه يحبني هههه، كنتُ ساذجةً ربما لكنَّه حقًا كان يحبني يا شغف، فكان كلُّ فترةٍ عندما يراني في الشارع أو تحت المنزل، يحاول التحدث معي، وبدأ يتواصل معي على مواقع التواصل الاجتماعي.
ودامتْ بيننا المشاعر حتى صدمتُ بصدمة حياتي، فأخبرني أنَّه سيسافر خارج مصر؛ ليدرس الهندسة، وعندما واجهته بكلامه لي ومشاعره ووعوده بالحب والزواج، أنكر كلَّ هذا.
ليخبرني بأنَّها كانت فترة مؤقتة ((بيتسلى)) تحطمتُ يا شغف، والمؤسف في الأمر أنني لم أستطع النجاح في أيِّ علاقة بعد هذه التجربة، لم أستطع فتح قلبي ليثق بأحدٍ مرةٍ أخرى، فلا ترتكبي خطئي، يا عزيزتي، وتذكري جيدًا أن نجاحكِ أهم من أيِّ شيء"
_عانقتها، وأخبرتها بأنني سأٌبعد تلك المشاعر عني وسانتبه لدراستي .
تأثرتُ بكلام ميس ثناء لفترة من الوقت، ثُمَّ عدتُ لأفكر مجددًا بذلك الشعور الذي كاد أن يدمرني حقًا، فكنتُ أنا أيضًا أستمع لصديقات السوء، وأذهب بخيالي كلَّ يومٍ؛ لأتخيل نفسي أعبرشاطئ الغرام مع ذلك الفارس الذي أرغب برؤيته والحديث معه .
كانت أمِّى بجانبي دائمًا لكن فترة المراهقة تختلف من فتاةٍ لأخرى فقط نتفق بوجود ذلك الفيض من المشاعروالطاقة العاطفية التي لاندري كيفية التخلص منها في تلك المرحلة .
كنتُ طائشةً حقًا؛ لأننى لم أستطع السيطرة على قلبي حتى بعدما علمتُ قصة ميس ثناء، وقصصًا أخرى من أصدقائي ومسلسلات والأفلام، لم أتعظ فقط كنتُ أرغب بالتجربة فقط التجربة .
فلم تستطع كتاباتي تعويضي عن شعور الحبيب المفقود؛ ولذلك بدأتُ في الانفتاح للعالم أكثر .
كنتُ أنشرالقصص والروايات على أملٍ أن أجد حبيبي من بين القارئين .
فبدأتْ قصصي تعجب البعض، وأصبح لدي الكثير من المعجبين والمعجبات لكنني لم أكن أهتم بالمعجبات.
فكلُّ اهتمامي كان بالمعجبين، كنتُ أقرأ رسائلهم بحبٍ حتى أستطيع البحث عن فارس احلامي بينهم.
فقولتُ في نفسي عندما أجد رسالة تصلُ لأعماق قلبي، سأحاول معرفة صاحبها، وحتمًا سيكون هو ذلك الفارس المنتظر، كم كنتُ طائشةً وبلهاء حقًا .
لكن كانت المفاجاءة، أحدهم أرسل لي رسالةً كاد قلبي أن ينتفض عندما قراتها، فكتب :
"رسالة من ذلك العالم الذي منه تنتمى يا شغف، مِنْ عالمنا الذي لا مكان فيه للحزن ولا الألم وليس فيه غير السلام، اقرئي السلام، ثُمَّ بعد
رسالة من غريب، سيظل غريبًا ومن عابر سبيل لا ينقطع سعيه ولا أمله في الوصول إلا أن يشاء الله .
تستحقين حبًا عظيمًا يا شغف، وارجو منكِ ألا تمنحي قلبكِ إلا لمن يستحقه حتى يستمر في ازدهاره، أنتِ فتاة جميلة بكلِّ ما يحمله معنى الجمال أو أن الجمال أنتِ، عسى أن يكون بطلك في معركة من أجلك، وأنتِ لا تعلمين عساه محطمًا وممزقًا ويأبى الظهور حتى لايحطم احلامكِ، ما عليكِ ألا انتظاره.
والسلام عليكِ يا أهل السلام"
شعرتُ بسعادةٍ لكنني لم أعرف اسمه حتى، وهذا جعلني في حيرة؛ لكي أتساءل، هل هو معجبٌ فقط أم هو حبيبٌ غامضٌ.
لم أعلم لكنني كنتُ سعيدةً، وأخبرتُ صديقاتي بتلك الرسالة وجميعهم أخبروني بأن أبحث عن المُرْسِلِ، وإذا لم أجده فعلي انتظاره مثلما كتب .
حاولتُ أن أبحث عن اسم المُرْسِلِ لكنَّه كان مخفيًا، ولم أستطع أن أحصل على معلومةٍ واحدةٍ عنه، ففقدتُ الأمل .
وكلُّ فترة كنتُ أنشر قصةً، وانتظر الأراء وأقرأ الرسائل على أمل إيجاد رسالةٍ أخرى من ذلك الغامض لكنني فشلتُ أيضًا .
عقلي كان يفكر فجائتني فكرة، قررتُ صناعة فيديو موسيقي بصوتي، وأنا أسرد جزءًا من قصة على لسان البطلة، وهي تبحث عن فارس أحلامها المفقود، وأن أبحث عن شابٍ يقوم بدور البطل في ذلك الفيديو أيضًا وعندما أعلن عن ذلك الفيديو سيتقدم الشباب، وهو بالتأكيد سيكون من بينهم،يااااالاااااا أفكاري.
وبالفعل بدأتْ تلك الخطة، وتلقيتُ العديد من الرسائل من المتقدمين لدور البطل، كنت أرسل رسالة ذلك الغريب وأسال هل تعرفها
لأجدهم جميعًا لا يعرفون عنها شيئًا غير واحدٍ فقط ، يُدعى "عصام"
قال :
"فى حقيقة الأمر لربما الذي أرسلها عاشقًا بكِ من أجله القدر، وربما فقط معجبًا بكتاباتكِ وأدائكِ المبهر في قصص الحبِّ، أو ربما تلك الرسالة أُرْسِلَتْ؛ لكي لتبدأي روايةً جديدةً مع أحدهم، يا شغف"
أنتابني القلق، ولم استطع فهم ما قاله.
فلم أرسل له مجددًا، وقلتُ في نفسي أن أكتشف من هذا الشخص في خفيةٍ
بدأتُ باكتشاف حسابه على موقع التواصل الاجتماعي ( فيس بوك).
وياليتني لم أكتشف، فشعرتُ بدقات قلبي تخفق
وجدته عازف بيانو، ويعشق الفن، ويكتب بعض الخواطر، وهذا ما أحبُّه
ولكن ما أخذ قلبي حقًا هو تلك الصورة التي رأيتها صورته في منزله أمام البيانو، وفي يده كمان والأوراق في كلِّ ركنٍ في المنزل.
لربما كان يعزف معزوفةً ما لكنَّه آثر قلبي، وهذا ما حدث.
شعرت لأول مرةٍ بأن هناك شيءٌ غريبٌ داخلي، مالتْ شغف لأحدهم دون أن تراه، فكان القرار للقدر، لم أخبر أحدًا وعقدتُ العزم أن أكمل معه ذلك الفيديو حتى وإن لم يكن هو الذي أرسل تلك الرسالة .
انا فقط أرغب بأن أعرف، مَنْ هو ذلك العصام؟
وأرسلتُ له تلك الرسالة :
"إلى ذلك العازف الماهر، أهلًا بك في عالم شغف، لقد تمَّ اختيارك لتقم بدور البطل أمام شغف، فكن مستعدًا؛ لأنَّك أيضًا من سيقوم باختيار الموسيقي، أن لم يكن أنت أيضًا من سيعزفها، فلديك حسّ، فإنِّي بارعةٌ لكنَّك مهملٌ بعض الشيء.
فكيف لعازفٍ وسيمٍ مثلك أن يأخذ صورةً في منزله، وهو بحالةٍ كبيرةٍ من الفوضى، حاول أن تهتم بالنظام بعض الشيء، أيُّها العصام .
" تركتُ ما ورائي من دراسةٍ واجتهادٍ وأسلمتُ نفسي لمشاعر المراهقة تلك، فياليتْ ما حدث لم يحدث .
" من مهلكاتِ النفس، تعلقك بمن لا يستحقك"
سيغموند فرويد