hindawiorg

شارك على مواقع التواصل

في ذلك العام، تناولتُ عشاء عيد الشكر مع عائلة بليس، وفي المساء أردتُ إثارة دهشة الرفاق
بسردِ الأحداث الغامضة التي وقعت ليلة اصطدامي بالغريب، لكنَّ القصة فشلت في إثارة
الشعور الذي توقعتُه. تبادل اثنان أو ثلاثة، من الأشخاص البغيضين، النظرات. باندورا
التي عادةً ما كانت تستغرق في التفكير استمعتْ بعدم اكتراث بادٍ، أما أبوها، بعجزه الغبي
عن استيعاب أيشيء غير مألوف، فقد انفجَرَ في الضحك، بل وذهب بعيدًا إلى حدِّ التشكيك
في مصداقيتي في رصد الظواهر.
اختلقتُ عذرًا للمغادرة مبكرًا، شاعرًا بالغيظ بعض الشيء، وقد تزعزع تصديقي
قصتك أثارت اهتمامي على » : للحدث العجيب قليلًا. رافقتْني باندورا إلى الباب، وقالت لي
نحو غريب، أنا أيضًا يُمكنني الحديث عن حوادث وقعت في هذا المنزل وحوله، مما قد يُثير
دهشتك. أعتقد أنني لستُ مغيَّبة تمامًا؛ فالماضيالحزين يمنحني بعضالدراية، لكن دعنا
«. لا نكن متسرِّعين. من أجلي، تَقَصَّهذه المسألة حتى جذورها
تنهَّدت السيدة الشابة بينما تمنَّت لي ليلة سعيدة. وظننتُ أنني سمعت تنهيدةً أخرى،
لها نغمة أعمق من تنهيدتها، وأكثر تمايزًا من أن تكون صدًى لها.
شرعتُ أهبط الدَّرَج، وقبل أن أنزل حوالي ست درجات، شعرتُ من خلفي بيد إنسانٍ
تُوضَع على كتفي بثقلٍ شديد. أول ما خطر لي أن بليس لَحِق بي إلى البهو ليعتذر لي عن
صفاقته. التفتُّ لأستقبل بادرته الطيبة، لكن أحدًا لم يكن في مجال بصري.
ومرة أخرى، لمسَت اليدُ ذراعي؛ ارتعدتُ على الرغم من رباطة جأشي.
وهذه المرة، جذبَتِ اليدُ كُمَّ معطفي بلطف، وكأنها تدعوني إلى صعود الدرج. نزلتُ
درجتين أو ثلاثًا، وخفَّ الضغط على ذراعي. توقَّفتُ لبرهة، وتكرَّرت الدعوة الصامتة،
بإلحاحٍ لم يدع مجالًا للشك بشأن ما تريده.
صعدنا الدرجات معًا، الشبح يتقدمني وأنا أتبعه. يا لها من رحلة استثنائية! كانت
الردهات مُضاءة بمصابيح الغاز. بشهادة عينيَّ، لم يكن هناك أحد غيري أعلى الدرج،
أما عند إغماض عينيَّ، فكان الوهم — إن أمكن تسميتُه وهمًا — مكتملًا. أمكنني سماع
صرير السلالم أمامي؛ سماع وقع الأقدام الخفيض، لكن المسموع بوضوح، بالتزامن مع

وقع قدميَّ، هوصوت أنفاسمُرافقي ومرشدي المنتظمة. وعند مدِّ ذراعِي، أمكنني أن ألمس
وأتحسَّس بأصابعي طرف ثوبه، وهو عبارة عن عباءة صوفية ثقيلة مبطَّنة بالحرير.
فتحتُ عينيَّ بغتةً، فأخبرتاني مجدَّدًا بأني كنتُ وحيدًا تمامًا.
حينئذ طرحتُ هذه المسألة نفسها على عقلي: كيف لي أن أجزم بما إذا كان بصري
يخدعني، بينما حاستا السمع واللمستخبرانِني بالحقيقة، أو أن أذنِي ويدِي كانتا تكذبان،
بينما عيناي تُخبرانِ بالحقيقة. لمن تكون الكلمة الفصل حين تتعارَض الحواس؟ لملَكة
التفكير المنطقي؟ المنطق كان ميَّالًا إلى الاعتراف بوجود كائن ذكي؛ ذلك الوجود الذي كانت
تنفيه على نحوٍ قاطع الحاسةُ الموثوقُ بها أكثر من غيرها.
وصلنا إلى الطابق الأخير من المنزل، فُتح لي الباب المؤدِّي إلى الصالة الرئيسية من تلقاء
نفسه على ما يبدو، كما بدا أن ستارًا في الداخل أزاح نفسه إلى أحد جانبَيه، وأمسك نفسه
لمدة تسمح لي بالدخول إلى غرفةٍ ما، كلُّ ما فيها من أثاث ينطق بالذوق الرفيع والثقافة.
كانت نار الحطب تشتعل في المدفأة، وكانت الجدران مُغطاة بالكتب والصور، والأرائك
رحبة ومُغرية. ولم يكن في الغرفة شيء غريب، لا شيء مثير للعجب، لا شيء يختلف عن
الأثاث الذي يستخدمه أيُّ كائنٍ عادي من لحمٍ ودمٍ.
وفي ذلك الحين، كنتُ قد نفضتُ عن عقلي آخر ما علق به من شكوكٍ حول الشيء
الخارق للطبيعة. ربما لم تكن تلك الظواهر عصيَّةً على التفسير؛ وكل ما افتقرتُ إليه كان
مفتاح الحل. كان سلوك مُضيفي غيرِ المرئي يدلُّ على أنه مُسالم. استطعتُ أن أراقب بهدوءٍ
بالغ أشياء غير حية تتحرَّك من تلقاء نفسها.
في البداية، حرَّك كرسيٌّتركيٌّ مريح وضخمٌ عجلاتِه مبتعدًا عن موضعه في أحد أركان
الغرفة واقترب من المدفأة. ثم بدأ يتحرك من ركنٍ آخر كرسيٌّ ذو ظهر مربع من طراز
الملكة آن، حتى استقر مباشرةً في مواجهة الكرسيِّ الأول. وحَملتْ طاولةٌ صغيرة ثلاثيةُ
القوائمِ نفسَها لبضع بوصات فوق الأرض، واتخذت موقعًا بين الكرسيين. وأخرج مجلدٌ
سميكٌ نفسَه من مكانه على الرف، وأبحر بهدوء عبر الهواء، على ارتفاع ثلاث أو أربع
أقدام، حتى رسا على نحوٍ منظَّمٍ على سطح الطاولة. وغادر غليون من البورسلين المزخرف
خُطافًا على الحائط، وانضمَّ إلى الكتاب. وقفزتْ علبة تبغٍ من على رفِّ المدفأة. وتأرجح
باب إحدى الخزائن منفتحًا، وقامت قنينةٌ وكأسُ نبيذٍ برحلةٍ مشتركة، حتى وصلا معًا في
الوقت نفسه إلى البقعة عينها. بدا كلُّ ما في الحجرة مفطورًا على حُسن الضيافة.

أجلستُ نفسي على المقعد المريح، وملأتُ كأس النبيذ، وأشعلت الغليون، وتصفَّحتُ
لمؤلفه بوسيس من فيينا. وحينما أعدته إلى « دليل علم الأنسجة » الكتاب. كان يحمل عنوان
الطاولة، فتح نفسه عمدًا على الصفحة رقم أربعمائة وثلاثِ وأربعين.
سألني صوتٌ لا يبعد أكثر من أربع أقدام عن طبلة أذني
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.