ShrElRawayat

شارك على مواقع التواصل

غمرت أشعة الشمس الذهبية ذاك المنزل الذي تسكنه الطبيبة ذات الأخلاق الفاضلة والقلب المُحب للخير، فهي تملك مشفي لمعالجة كافة الأمراض بسعر بسيط، ولكنها مُتخصصة في معالجة اضطرابات السلوك والأمراض النفسية.
أيقظها المُنبه فقامت متكاسلة وذهبت إلى المرحاض لتأخذ حمامًا دافئًا يقاوم الخمول، وبعدما انتهت جلست في الشرفة لكي تحتسي قهوتها الصباحية في هدوء.
قاطع هدوءها رنين هاتفها :
- صباح الخير، كيف حالُكِ اليوم؟
- أشعر بالتحسن قليلًا، ماذا عنكِ؟ فلقد عانينا بالأمس من كثرة المرضى اللاجئين للحجز.
- نعم ولكني لا زلتُ أشعر بالتعب؛ لذلك لن آتى معكِ اليوم لكي نتفقد مشفي الأستاذ عبد الرحمن.
- حسنًا، سأذهب بِمفردي، إلى اللِقاء وكوني بخير.
انتهت المكالمة وهي تدعو الله أن يتم شفاء صديقتها جهاد في وقتٍ قريب فَهُما صديقتان مُنذ أيام الجامعة، شرعت في ارتداء ملابسها ونويت النزول.
استقلت سيارتها وقادت اتجاه مشفي الأستاذ عبد الرحمن؛ قدوتها في الحياة وقد تعلمت منه الكثير، وها هي اليوم ذاهبة إلى مشفاه الخاص لكي تتفقد حالة المرضى وتتكفل بمعالجة أي مريض في المشفى الخاصة بها؛ فهي حديثة ومتطورة أكثر من مشفاه.
بعد قليل كانت قد وصلت للمشفي، فصعدت متوجهة إلي مكتبه لتلقي عليه السلام أولًا.
- السلام عليكم.
- وعليكم السلام يا حياة، تفضلي ابنتي.
ابتسمت بهدوء قائلة:
- أشكرك على حسن ظنك وثقتك بي، وبقدرتي على معالجة المرضى في المشفى خاصتي.
ابتسم حتى ظهرت تجاعيد وجهه:
- أنتِ يا حياة من تلاميذي المتفوقين، منذ التحاقك بكلية الطب وأنتِ نشيطة وقادرة على معالجة المرضى دون انتظار مقابل منهم، كل ما يُهمك هو ابتسامة عائلتهم وأن يكونوا في أفضل حال.
- الحمد لله على نعمة الرحمة وحنان القلب، سأذهب إلى الطابق الأعلى لكي أتفقد الحالات.
كانت ستذهب ولكنها توقفت لتقول بأسف:
- يا إلهي! نسيت أن أخبرك بعدم مجئ جِهاد اليوم معي؛ فأمس كان شاقًا جدًا علينا وأصابها الإجهاد.
- حسنًا لا بأس، سأُهاتفها لأطمئن عليها.
لم تُجيب ولكنها اكتفت بابتسامة بسيطة وذهبت لتبدأ رحلة كفاحها اليومي.
دلفت بهيئتها البسيطة ذات الفستان الأبيض المحيط بأزهار سوداء، والحجاب ذو اللون السماوي إلى عنبر المرضى فوجدتهم يتسامرون مع بعضهم البعض، عدا فتاة ذات حجاب يوضع بإهمال على شعرها، اقتربت منها وجلست بجانبها وهي تبتسم دون أن تتفوه بشيء، فتحدثت الفتاة مُسرعة بقلة حيلة:
- لم أفعل شيئًا له، ولكنه تركني وذهب وجعلني أشعر أنني لا أستحق، كل مَن حولي يضعوا اللوم عليَّ؛ لأنني قبيحة اللون.
أشفقت على حالها ولكنها حاولت أن تتخطى شعورها وتُصحح مفاهيم تلك الفتاة:
- أنتِ لستِ قبيحة، لون بشرتك السمراء يجعلك مميزة دومًا، ولون عينيك الذي يُشبه العسل يجعلك مُتألقة يا صغيرتي.
تحدثت الفتاة بصوت متحشرج من كثرة البكاء:
- ولكنني لا أستحق أي شيء، لا أستحق.
ثُم سحبت أنفاسًا مُتلاحقة متوترة وأشاحت بعينيها بعيدًا، وأزاحت العبرات المتساقطة على وجنتيها، ثم صمتت وكأنها لم تتحدث منذ قليل.
تأملتها حياة لوقتٍ قليل وكأنها هي المريضة الأولى التي تحاول مُعالجتها، لتشعر بثقلٍ غريب بداخل عقلها وكأن كل خبراتها السابقة أصبحت سراب!
قررت أن تعود مرة أخري لمكتبه، وبعد دقائق معدودة دلفت إلى الداخل قائلة بارتباك:
- لفتت انتباهي فتاة سمراء اللون تجلس وحيدة صامتة.
قاطعها الآخر بجدية:
- لُقى، اسمها لُقى، هل تُريدين أن تتكفلي بِعلاجها؟
تنفست الصعداء ثم قالت: أجل.
- كما تشائين، ولكن صدمتها ليست بهينة لأنها خُذِلت من أقرب الأشخاص إليها؛ عائلتها.
ثُم أكمل بابتسامة ليخفف التوتر:
- ولكنكِ قادرة على مُعالجتها، فأنا أثق بكِ.
جملته سقطت على قلبها كهطول المطر على أرض جرداء، فبادلته الابتسامة قائلة بامتنان:
- أشكُرك كثيرًا.
اتفقا سويًا على ميعاد تحويل المريضة هي واثنان آخران حالتهما اقتربت للتعافي.
مرّ أسبوع ولا جديد فيه، حتى جاء يوم اتفقت الصديقتان على المقابلة لكي يهونا على بعضهما البعض بِقضاء وقتًا لطيفًا.
- أشعر بالتوتر يا جهاد، وكأنها المرة الأولى التي أعالج بها شخصًا ما!
- لا تضعي في بالك شيء يا رفيقتي، أنكِ تخطيتِ مراحل كثيرة بمفردك، أنتِ استطعتِ بناء مُستقبلك وحياتك دون مساعدة أحد، حياة الأفراد حولك لها حياة بوجودك يا حياة.
تنفست الصعداء براحة لم تشعرها من قبل أثر كلمات صديقتها الحنونة، فتحدثت بحب:
- تعلمتُ منك الكثير؛ أن أُساعد غيري وأشعره أن كل مُرّ سيمُر حتى ولو كنت حزينة منذ قليل، لم أتردد يومًا في اختيارك كصديقة ليَّ.
- دعك من كل هذا، هل تناولتِ فطورك؟
- لا، فور استيقاظي احتسيت القهوة ثُم نزلت لآراكِ.
- حسنًا، هيا نطلب طعامًا خفيفًا ثُم نذهب للمشفي، وهاتفيه لتتأكدي منه أن المرضى ذهبوا إلى هناك ومن ثُم نذهب نحن.
أومأت برأسها موافقة وهاتفته وعلمت أن المرضى انتقلوا من مشفاه للمشفي الخاصة بها.
تناولتا الإفطار وذهبتا إلى المشفى.
- يا حياة!
كانت تسير هي وصديقتها في طرقة الطابق الأسفل في المشفى، ولكن استوقفهما ذاك الصوت ليلتفتا وتُجيب: ماذا؟
- ألن تُخبرينا مَن أنتِ، أم ستظلين كَمَن يهرب من ذنب اقترفه؟
لَم تُجيب ولكن ظهر التوتر عليها بوضوح.
تحدثت جِهاد بثبات: اذهبي الآن أيتها الحمقاء!
ثُم ربتت على ذراع صديقتها، لتقول الأخرى بهمس:
- أشعُر بثقل أنفاسي، إنها تلازمني وتريد معرفة السر لتفصح عنه للجميع ومن ثم يبغضوا التعامل معي.
- لا تقلقي، سنجد مفرًا.
0 تصويتات

اترك تعليق

التعليقات

اكتب وانشر كتبك ورواياتك الأصلية الأن ، من هنا.